محمد أنيس سالم
لندع الأرقام تحكى قصتها. منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبى تمثل 34 دولة يسكنها 550 مليون شخص مقابل عالم عربى مكون من 22 دولة و350 مليون شخص. معاً تضم المنطقتان ثلث دول المجتمع الدولى، وينحدر قرابة 18 مليوناً من مواطنى أمريكا اللاتينية من أصول عربية بعضهم تعود هجرة أسرته للقارة إلى 120 سنة ماضية. معاً المنطقتان تواجهان تحديات العولمة. فحجم الاقتصاد العالمى (أو مجموع الناتج القومى الإجمالى لدول العالم) تضاعف من 33 تريليون دولار (ألف مليون) عام 2000 إلى 64 تريليون دولار عام 2010، ويتوقع أن يصل إلى 120 تريليون دولار عام 2020، ووسط هذه المؤشرات لا يتعدى حجم التجارة بين دول أمريكا اللاتينية والعالم العربى 1% من الناتج القومى لكل منهما.
وعندما يتحدث قادة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى عن تحديات العولمة، يدرك المرء مدى نضوج الإدراك السياسى لهذه المنطقة والمستوى الرفيع للزعامة فيها. فهم يشيرون إلى المشاكل الكبرى التى تواجه عالم اليوم: الأزمة الاقتصادية الدولية، سباق التسلح وتجارة السلاح، الأمن الغذائى، الحوكمة الدولية، المخدرات، ويطرحون ضرورة إعادة النظر فى مقاربات الأمن الجماعى، ويطالبون بكسر احتكار الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وتنشيط مبادرات السلام، وإصلاح منظومة المؤسسات الدولية التى وضعت بعد الحرب العالمية الثانية. ثم إن هناك تعاطفاً قوياً مع الحق الفلسطينى، ويتحدث بعض مثقفى أمريكا اللاتينية عن تأثير «القوة الحضارية» للدول العربية ودولهم، ولا شك أن آفاق التبادل والتعاون بين الطرفين كبيرة، وإن كان هناك شعور بالإحباط المتصاعد يقبع فى أركان العلاقة.
هناك حديث عن إمكانية تبادل الخبرات بين دول أمريكا اللاتينية التى أطلقت إحدى أول موجات التحول الديمقراطى ودول «الربيع العربى»، ويشير البعض إلى ارتفاع نسبة الشباب فى المنطقتين، وبالتالى وجود فرص لدراسة كيفية مواجهة التحديات التعليمية والاقتصادية المرتبطة بهذه الظاهرة. ولاشك أن هناك العديد من التجارب لدى دول أمريكا اللاتينية والكاريبى تستدعى الدراسة، بما فى ذلك اتفاقية «تلاتلوكو» لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية (1972)، ومحكمة العدل لدول أمريكا الوسطى، وآليات التنسيق بين الأحزاب السياسية المختلفة فى دول القارة، واتفاقيات التعاون فى مجالات مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة وغسل الأموال، ناهيك عن خبرات الإصلاح الدستورى والقضائى.
وعلى الصعيد الرسمى عقدت ثلاثة لقاءات للقمة بين الدول العربية ودول «أمريكا الجنوبية» (هذا المصطلح يستبعد دولاً فى أمريكا اللاتينية مثل المكسيك، كما يتجاهل منطقة الكاريبى). بدأت هذه المؤتمرات فى برازيليا (2005)، ثم انتقلت إلى الدوحة (2009) ثم ليما (2012)، حيث يلاحظ عليها ضعف التمثيل العربى بما يرسل إشارة عدم اهتمام لقادة أمريكا اللاتينية. وفى الإطار الرسمى أيضاً يوجد تمثيل دبلوماسى عربى يعتد به من جانب 17 دولة عربية فى دول أمريكا اللاتينية المختلفة على رأسها لبنان (ممثلة فى 19 دولة)، ومصر (ممثلة فى 13 دولة)، وفلسطين (ممثلة فى 10 دول) تليها الجزائر والمغرب.
أما عن اتفاقيات التجارة مع أمريكا اللاتينية والكاريبى فلا توجد سوى دولة عربية واحدة وقعت على اتفاقية «الميركوسور» عام 2010 (وهى مصر)، وإن لم تصدق عليها بعد، وقد تصاعدت صادرات أمريكا اللاتينية والكاريبى إلى دول الشرق الأوسط من حوالى 6 مليارات دولار عام 2001 إلى أكثر من 25 مليار دولار عام 2010، ويلاحظ أن معظم هذه الصادرات هى مواد غذائية (لحوم، سكر، زيوت، إلخ) ومنتجات الحديد والصلب، وتمثل نفس هذه الدول أكبر مستوردى أمريكا اللاتينية من العالم العربى.
إذن توجد علاقات متشابكة بين الدول العربية ومنطقة أمريكا اللاتينية والكاريبى يمكن تطويرها من الإطار الرسمى للحوار العربى الأمريكى الجنوبى، الذى يضم 12 دولة فقط من دول أمريكا اللاتينية ليشمل 34 دولة تمثل القارة فى تعريفها الأكبر.
وبعد سلسلة من الاجتماعات بين ممثلى المجتمع المدنى من الطرفين على مدار أكثر من عامين نسقها حسن عبدالرحمن، سفير فلسطين السابق فى واشنطن، انتهت بلقاء فى أبوظبى فى نهاية 2012، تم الاتفاق على إقامة مجلس للعلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية والكاريبى، بهدف دفع الحوار الأهلى فى المجالات الاقتصادية والثقافية، والشؤون الدولية مع الأمل فى إقامة مركز للدراسات والحوار.
نرجو أن ننتقل من دائرة القرارات إلى دائرة العمل والإنجاز.
* مدير مركز العمل الإنمائى، منسق مجموعة الأمم المتحدة بالمجلس المصرى للشؤون الخارجية.