حزنت لوفاة منصور حسن، فهو ليبرالى حقيقى يؤمن بعمق أن أحداً لا يملك الحقيقة المطلقة ولا يحتكرها، ولكنه عاش فى عصر الصراع بين من يدعى كل منهم امتلاك الحقيقة واحتكار الصواب. وقد كان الرئيس السادات يعده ليكون نائبه ليفتح الطريق مرة أخرى إلى الليبرالية، ولكنه لم يستطع، وعين حسنى مبارك.
وهناك مواقف كثيرة دالة على عظمة الراحل الكبير ووطنيته الصادقة وشجاعته فى الدفاع عما يؤمن به. إنه الرجل الذى أنشأ المجلس الأعلى للثقافة عام 1980 ليحل محل الوزارة، وحتى تكون القيادة للمثقفين بدلاً من الموظفين، ولكنه أيضاً لم يستطع، وكانت البيروقراطية أقوى منه، كما كان الجيش أقوى من السادات.
وقد تشرفت بالتواصل مع منصور حسن، عندما كان وزيراً للثقافة، وبعد أن ترك الوزارة، وكنا دائماً نتذكر موقفه معى عام 1980، وهو موقف دال مثل مواقف كثيرة فى سيرته العطرة. ففى يناير من ذلك العام، كنت عضواً فى لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية التى كانت ترأسها الكاتبة الكبيرة لطيفة الزيات، واشتركت مع عدد من أعضاء اللجنة فى الهجوم على جناح إسرائيل بمعرض الكتاب، وتم القبض علينا والتحقيق معنا فى نيابة أمن الدولة، وفى سبتمبر قرر رئيس تحرير «الجمهورية»، حيث كنت أعمل، منعى من النشر ومن السفر قبل سنة من صدور قرار رئيس الجمهورية بذلك فى سبتمبر 1981، وكان لابد من حصول أى صحفى على تصريح بالسفر من رئيس التحرير، أو ما عرف باسم «الورقة الصفراء».
وأثناء منعى من السفر تم اختيارى عضواً فى لجنة دولية لكتابة التاريخ العام للسينما فى العالم، كانت برئاسة المؤرخ الإيطالى جيدو أريستاركو، وعضوية نحو عشرين من مؤرخى السينما ونقادها من مختلف الدول، وكانت هذه اللجنة تابعة لمكتب أمين عام الأمم المتحدة مباشرة. وعندما وجهت لى الدعوة لحضور اجتماع اللجنة الأول رفض رئيس التحرير حصولى على «الورقة الصفراء»، فذهبت إلى منصور حسن وقلت له إننى لا أملك سوى إبلاغ اللجنة بأننى ممنوع من السفر، وبعد أن اطلع على الدعوة اتصل بالشاعر الكبير صلاح عبدالصبور، وكان يرأس هيئة الكتاب وطلب منه أن يصدر «ورقة صفراء» باسمى، وعندما قال له عبدالصبور إننى لست موظفاً فى هيئة الكتاب، رد منصور حسن بأن يعتبرنى موظفاً فيها، وبعد ساعة وصلت الورقة، وسافرت وحضرت الاجتماع.
وبعد عودتى أخبرنى منصور حسن بأن رئيس التحرير- وكان الراحل محسن محمد- اتصل بالرئيس السادات وأخبره بما حدث، وقال له إن منصور حسن بذلك يتعدى على سلطته ويفسد ما اتفق عليه من أساليب للعمل فى الصحافة، بل هدد بالاستقالة إذا تكرر هذا الأمر، وقال لى منصور حسن إن الرئيس السادات هو الذى أخبره بذلك، فأوضح له أن خبر منع عضو لجنة دولية تابعة لمكتب أمين عام الأمم المتحدة كان من شأنه الإساءة إلى الدولة، وأنه لم يكن هناك ما يبرر منعه من السفر.