حين توليت مهام وظيفتى كرئيس لقطاع الفنون التشكيلية منذ أربع سنوات مضت.. تسلمت ميراثاً متردياً متهالكاً نالته أيدى الإهمال والخمول والعبث بكل إحكام، فكل المتاحف تنذر بكارثة مؤكدة.. لم تتم أى إجراءات صيانة أو ترميم أو تحديث للآلات والمعدات والأجهزة.. مشروعات مفتوحة تسير سير السلحفاة، إما بفعل التراخى أو بفعل ضعف الميزانيات والمخصصات المالية الشحيحة.
ووجدت نفسى ألهث وأركض فى كل الاتجاهات لأنقذ ما يمكن إنقاذه.. تركت بيتى وأسرتى ومرسمى وفنى وتفرغت تماماً لعملى الوظيفى، خاصة أن وظيفتى لم تكن فقط رعاية المتاحف، ولكن هناك أبعاداً أخرى تهدف إلى تفعيل الحركة التشكيلية المصرية بالداخل والخارج، وهناك رسم سياسات للمجتمع بأسره ومجابهة القبح وانحدار السلوك الجمالى بالشارع المصرى، وهناك دفع واكتشاف المواهب من الشباب وإطلاق الفرص الكاملة لهم للإبداع والتواجد المحلى والدولى،
وهناك مشروعات المجتمع كمشروع المائة مدرسة، الذى تعاونت فيه بكل طاقات القطاع وفتحت أبواب المتاحف وقاعات المعارض لاستقبال أطفال مصر، بهدف تنويرهم والسعى إلى نبوغهم لتحقيق تجربة رائدة تهدف إلى الوصول إلى الطفل النموذج رغماً عن ظروفه المحدودة ومجتمعه البسيط، وذلك بالتعاون الكامل مع المدارس.
وحين نستعرض حال المتاحف الفنية والقومية التابعة للقطاع حال توليت مهام رئاسة القطاع، نجدها على النحو التالى:
■ متحف محمد محمود خليل: افتتح عام 1995 وكان فى أبهى حالاته بعد الافتتاح، نظم المراقبة والكاميرات تعمل بشكل كامل، وأجهزة الإنذار وجميع مكونات المتحف فى أكمل صورها ووسائل الإضاءة كانت عالية الجودة، والعاملون يصرف لهم زى موحد يميزهم عن الجمهور، وهو عرف معمول به فى جميع متاحف العالم، وتناوب على المتحف عدد من المديرين الأكفاء أحسنهم انسحب معتذراً أو مستقيلاً فى صمت، وذلك فى ظل الظروف الضيقة والإجراءات واللوائح العقيمة التى يخضع لها المتحف، والتى كان لها بالفعل دور كبير فى تدهوره السريع.
أذكر فى مكالمة تليفونية جرت بينى وبين السيدة «ليلى محرم»، وكانت مديرة متألقة للمتحف قدمت من الخارج وأوكلت لها إدارة المتحف، قالت لى «ليلى»: هل يعقل وأنا مديرة لمتحف عالمى مثل متحف محمود خليل ألا أجد ورقاً للمكاتبات اليومية، وحين أطلب ذلك يكون الرد بأن أجرى إجراءات سلفة مالية لأشترى منها أدوات كتابية ورزمة ورق أبيض للكتابة؟! وأنهت «ليلى» حديثها بأننا لا نعرف معنى كلمة متحف،
ولن يستقيم الأمر أبداً بهذا الفكر الروتينى النمطى ليدار متحف بهذه القيمة والأهمية. وانسحبت ليلى محرم فى هدوء وتوالى من بعدها عدد كبير من المديرين، واختفى زى العاملين وانحدر الأداء عاماً بعد عام، وتعطلت الكاميرات وأجهزة الإنذار واحترقت اللمبات وأدوات الإضاءة، وكان يصعب استبدالها بنفس النوع،
حيث كان سعر اللمبة الواحدة ثلاثة آلاف جنيه وغير متوفرة بالأسواق المصرية، فبدأ التنازل الفعلى فى التعامل مع الإبقاء على مكونات أنظمة العرض الأساسية فجاءت اللمبات المحلية لتحل محل اللمبات ذات المواصفات العالمية، وأذكر أننى حين كنت مسؤولاً عن المتاحف منذ حوالى عشر سنوات جاءت زيارة مفاجئة لشخصيات مهمة من خارج مصر وكان ذلك فى المساء، ورافقتهم فى الزيارة،
وكان موقفاً مخجلاً لمصر كلها بكل المعايير، فمعظم القاعات مظلمة إظلاماً كاملاً، لدرجة أن فنى الكهرباء كان يسير معنا فى الزيارة ومعه سلم خشبى، حين ننتهى من قاعة كان يصعد ليخلع اللمبات ويسرع لتركيبها فى القاعة الأخرى، وهكذا وعلى مشهد ومرأى من الزائرين!!
وكان الدكتور أحمد نوار، رئيس القطاع السابق، يكتب مراراً لوزير الثقافة، مطالباً بأموال لإصلاح الوضع فى المتحف ولا يستجاب له، وفى بعض المكاتبات بينهما وعده الوزير بأن يتم الإصلاح بتمويل من صندوق التنمية الثقافية، وكان ذلك فى عام 2003، ولم يحدث حتى لحظة السرقة فى 2010!!
وحين تسلمت مهامى فى 2006 طالبت كتابة مراراً ومراراً بإصلاح الكاميرات وتطوير الوضع، وكانت الشؤون المالية بالقطاع تفيدنى دائماً بأن المتحف غير مدرج بالخطة الاستثمارية للتطوير، ونحن لا نمول إلا المشروعات المفتوحة والقائمة تحت التطوير بالفعل، ولا يحق لنا طلب مخصصات لمتاحف مفتوحة.
■ متحف الجزيرة: يقع بأرض الجزيرة بالأوبرا مجاوراً لمتحف الحضارة والقبة السماوية، ويحتوى على أربعة آلاف قطعة فنية فريدة وعالمية، بعضها لوحات لمشاهير الفن العالمى أمثال روبنز ديدلاكروا وديجا ورودان وآخرين،
كما يضم المتحف أيضاً سجاداً نادراً من القرن الثالث الميلادى ومشغولات فنية من الزجاج النادر ومنسوجات وأدوات استخدام رفيعة المستوى ولها ندرة خاصة. كان متحف الجزيرة مفتوحاً أمام الجمهور حتى عام 1988 وكان متحف الحضارة مفتوحاً أيضاً، وكذلك كانت القبة السماوية تعمل بكامل كفاءتها وتستقبل الجمهور والرحلات المدرسية بانتظام، وأغلق المتحف عام 1988 بقرار من وزير الثقافة ورئيس القطاع السابق، وأغلق متحف الحضارة وانتزعت القبة السماوية من موقعها وأغلقت أبوابها، وكل ذلك إيذاناً ببدء عمليات مشروع تطوير متحف الجزيرة،
وتم تجميع محتويات المتحف (أربعة آلاف قطعة فنية نادرة) ووضعها على الأرض داخل صناديق متهالكة لا تحمل أدنى عوامل الأمان، وتم فصل الكهرباء فكان إظلام تام والأعمال مكدسة فى لمحة إهمال يندى لها الجبين، والأهم من كل ذلك أن أعمال التطوير كانت ستبدأ من الطابق الأرضى، المخصص للمخازن، بمعنى أنه كان من الممكن الاحتفاظ بجميع الأعمال معروضة كما هى فى مواقعها على مرأى من العين التى يمكن لها أن تتابع وتلاحظ وتؤمّن الحالة العامة للأعمال،
وهذا لم يكن ليمنع البدء فى العمل فى مرحلة المخازن، واستمر هذا الحال منذ عام 1988 حتى الآن، والخطر داهم إما باندلاع حريق يلتهم هذه الثروة، وهو أمر مهيأ تماماً بفعل الأسلاك الكهربائية المتهالكة، أو تعرضها للسرقة، فلا يوجد تأمين بأفراد ولا كاميرات ولا مراقبة من أى نوع، 22 عاماً وهذا الوضع قائم فى أهم وأخطر متاحف مصر الفنية على الإطلاق. إن متحف الجزيرة أهم بكثير من متحف محمود خليل الذى يحتوى فقط على 260 قطعة فنية بينما الجزيرة أربعة آلاف قطعة.
■ متحف زعماء الثورة: هو مبنى قيادة الثورة الذى انطلقت منه ثورة 23 يوليو 1952، وشهد تغيراً شاملاً لتاريخ مصر، وكان قد صدر قرار جمهورى بتحويله إلى متحف لزعماء الثورة «عبدالناصر ومحمد نجيب والسادات»، وبدأ العمل فى المشروع بشبهات ولغط كبير فى إجراءات ترسية المشروع، حيث فازت بالمسابقة شركة «...........» للمقاولات، وهى شركة ليس لها سابقة أعمال تؤهلها للعمل فى مشروع يحمل ملامح حقبة مهمة من تاريخ مصر وعلى هذا المستوى من الأهمية، وفازت هذه الشركة على شركات كبرى أخرى وتقاعست شركة «........» للمقاولات،
فبدت مثل من يتعلم لأول مرة كيف يقيم متحفاً، وبدأت فى حفر حفرة عمقها 11 متراً لتكون قاعة تحت الأرض متعددة الأغراض وصرفت على أعمال الحفر 8 ملايين جنيه، ثم توقف العمل لضعف المخصصات المالية، ولم تدعم التربة لحماية المبنى، وتسربت مياه النيل لتؤثر على الموقع العام وتعرضه للخطر البالغ، فانهار جزء من أسفلت الطريق الخارجى عند مدخل المبنى، وظهرت شروخ بالمبنى ولم يحرك أحد ساكناً إلى أن تسلمت رئاسة القطاع فأمرت بوقف العمل مع هذه الشركة وفسخ التعاقد وإحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية للتحقيق الفورى،
وقمت بالحجز على القيمة التأمينية للشركة والحجز على معداتها بالموقع، وتوجهت على الفور بصحبة المهندس أحمد مصطفى ميتو، استشارى المشروع، وقابلنا المهندس إبراهيم محلب، رئيس شركة المقاولون العرب، وعرضنا عليه أن تقوم المقاولون بإنجاز هذا المشروع، وبالفعل أمر محلب مهندسى الشركة فى نفس اللحظة بالنزول إلى الموقع وعمل الدراسات اللازمة تمهيداً للبدء وقبل إتمام أى إجراءات،
ثم سارعت بتحرير مذكرة للوزير بطلب رفع الأمر إلى رئيس الوزراء لتكليف شركة المقاولون العرب بالعمل فى مشروع مبنى قيادة الثورة، وبالفعل حدث إنجاز مبهر فى المشروع، وانتهت تماماً معالجات القاعة متعددة الأغراض «تحت الأرض» وبدأ العمل داخل المبنى ووضع النسر الحديدى الطائر أعلى المبنى فى هيئة عملاقة تراه مصر من كل أطرافها حول النيل.
■ وجاء إبراهيم محلب إلى مكتبى برفقته مهندسو شركة المقاولون العرب لتوقيع التعاقد واصطحبته لزيارة متحف محمود خليل وشكوت له الحالة المؤسفة التى يمر بها المتحف وطلبت منه أن يتولى هذا المشروع، ووافق الرجل بعد أن زار المبنى وشعر بالأسف البالغ وطلب منى أن أزور مبنى مجلس الشورى ومتحف المجوهرات بالإسكندرية لأرى بنفسى إنجاز المقاولون العرب هناك، خاصة أن المبنيين عبارة عن قصور تراثية قديمة، وأوكلت إليه أيضاً العمل فى قصر عائشة فهمى بالزمالك، وهو فى حالة أكثر من سيئة ووافق الرجل أيضاً بحس قومى عال، وإيماناً منه بأهمية هذه القصور، وبعدها خاطبت الوزير لمخاطبة مجلس الوزراء وجاءت الموافقة وبذلك أصبحت شركة المقاولون العرب تتبنى ثلاثة مشروعات متحفية مهمة (محمود خليل ـ مبنى زعماء الثورة ـ قصر عائشة فهمى).
■ أما قصر عائشة فهمى فهو هذا المبنى الرائع المطل على النيل مجاوراً لموقع كوبرى أبوالعلا القديم فى مدخل منطقة الزمالك وكانت وزارة الثقافة تسلمته فى منتصف السبعينيات ليكون متحفاً، ولكنه ظل يعمل كمجمع للفنون يحتوى على قاعات للمعارض المتغيرة وهو ما أهدر قيمة ومكانة هذا القصر،
ففى نهاية فترة تولى الدكتور أحمد نوار رئاسة القطاع انتقل الفنان الراحل أحمد فؤاد سليم من إدارة قصر عائشة فهمى إلى إدارة متحف الفن الحديث بأرض الأوبرا، وأمر الدكتور نوار بتطوير قصر عائشة فهمى فانتزع ألواح الخشب التى كانت تجلد الحوائط والجدران لتكشف لنا عن كوارث وتلفيات فى جميع مكونات القصر، لدرجة أن خراطيم أجهزة التكييف كانت تمر بكسر الزجاج المعشق الذى يصعب إصلاحه وتدمير كامل فى جميع مكونات البنية الأساسية بالمكان..
وهنا توقف الدكتور نوار وأغلق مجمع الفنون حيث لا توجد مخصصات مالية لدخول الموقع فى عملية تطوير وإصلاح كامل، وكان ذلك فى عام 2005 وحين توليت القطاع فى عام 2006 تقدمت لوزير الثقافة بمشروع تحويل قصر عائشة فهمى إلى (متحف روائع الفن الحديث) ليحتوى على نماذج من أعمال مشاهير الحركة التشكيلية المصرية وهو وضع يضمن عدم إعادة التعدى والانتهاك الصارخ لقيمة القصر،
لأن المتحف يعنى عرضاً ثابتاً ودائماً على عكس توظيفه كقاعات عروض متغيرة كما كان من قبل، وتمت موافقة الوزير وتسلمت شركة المقاولون العرب المبنى وبدأت بالفعل فى أعمال التطوير وتم تكليف المهندسة (أجنشكا) وهى بولندية الأصل ولها مكتب متخصص بالقاهرة فى عمل سيناريو العرض المتحفى لكل من متحف محمود خليل وقصر عائشة فهمى ومؤخراً جاءت تعليمات الوزير لتكليفها بعمل سيناريو العرض المتحفى لمتحف الجزيرة.
■ مكتبة البلدية بالإسكندرية ومتحف الفنون الجميلة (حسين صبحى)
مكتبة البلدية بحى محرم بك هى أعرق مكتبة عرفتها الإسكندرية وتحتوى على أمهات الكتب والدوريات والصحف المصرية القديمة وتقع على أرض عرفت بأرض (منشا باشا) ويلاصقها أقدم متحف للفنون الجميلة على أرض مصر.
فى عام 2005 وجهت لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب طلب إحاطة عاجلاً إلى وزارة الثقافة بسبب حالة الإهمال القصوى بمكتبة البلدية والمتحف ووجود شروخ خطيرة تحزم مبنى المكتبة وتطال البرج الأثرى العملاق الذى تعلوه الساعة الشهيرة التى توازى ساعة جامعة القاهرة، وتوليت مهمة إنقاذ هذا الوضع وذلك قبل أن أتولى مهام رئاسة القطاع، وتم إنقاذ محتويات المكتبة من الكتب النادرة والتعاقد مع مركز الأهرام وتمت رقمنة الكتب ووضعها على ميكروفيلم، وتمت أعمال التطوير الكامل لمبنى المكتبة وتم إصلاحه ومعالجته وتحديثه بالكامل وتم عمل فاترينة عرض خاصة على أحدث النظم والتقنيات لإيداع النسخة الأصلية من كتاب «وصف مصر».
وتم أيضاً تحديث متحف حسين صبحى وترميم جميع مقتنياته الفنية وإعدادها للعرض بعد أن كانت مخزنة منذ عام 1981 فى دهاليز وبدروم المتحف حيث الرطوبة والعوامل الخطيرة.
وتم الانتهاء التام من تطوير المتحف والمكتبة كما تم تحويل مبنى إدارى إلى متحف لروائع الخط العربى ولأول مرة فى مصر ليضم مجموعة نادرة لرواد فن الخط العربى أمثال محمد وسيد إبراهيم وأعمالاً أخرى كانت فى طى النسيان والإهمال عقوداً من السنين.
وتم استحداث مبنى جديد خلف متحف حسين صبحى ليكون مركزاً للتبادل الدولى بين شباب مصر من الفنانين وفنانى العالم ليتحول الموقع كاملاً بعد ذلك إلى مركز إشعاع ثقافى عالمى يحتوى على مكتبة البلدية ومتحف حسين صبحى ومتحف الخط العربى ومركز التبادل الإبداعى الدولى للشباب ـ وهو الآن جاهز تماماً للافتتاح الجماهيرى.
■ متحف عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين
تم افتتاح متحف طه حسين بعد تحويل بيته بالهرم إلى متحف ومركز ثقافى عام 1997 لكن أعيد إغلاقه عام 2006 لظهور شروخ خطيرة وتشققات فى فيلا طه حسين.. وهو أمر وضع العديد من علامات الاستفهام فهل من المفترض تطوير المبنى كل عشر سنوات تطويراً كاملاً؟!!
وكان هذا أحد مكونات ميراثى المشؤوم من المسؤوليات الجسيمة عندما توليت رئاسة القطاع ولكننى بدأت على الفور فى العمل على إنقاذ المبنى وإعادة صيانته وتطويره وانتهى تماماً انتهاء كاملاً وبالفعل هو جاهز للافتتاح وسلمت وزير الثقافة كتالوج المتحف بعد طباعته كخطوة أخيرة للاستعداد للافتتاح، وكان ذلك منذ حوالى ستة شهور ولم يفتتح المتحف حتى الآن ولا أعرف الأسباب وهو الأمر نفسه فى مكتبة البلدية التى تسلم أيضاً الوزير كتالوجها مطبوعاً جاهزاً ليحدد موعد افتتاحها.. ولم يحدث!!
وأخيراً.. وكما رأينا حال المتاحف وحجم الكوارث المتربصة بها عند رئاستى للقطاع، الأمر الذى جعلنى أشعر طوال الوقت بأننى ألهث راكضاً لمنع مفاجآت مؤسفة يمكن أن تحدث فى أى لحظة.. وكنت أتوقع حريقاً مثلاً فى مخازن «الجزيرة» المكدس بها أربعة آلاف عمل منذ 22 عاماً دون أى حماية أو أمن أو مراقبة، أو كنت أتوقع انهيار مكتبة البلدية بالإسكندرية على رؤوس العاملين، أو سقوط مبنى زعماء الثورة لينهار، فأتهم بأنى بددت تاريخ الثورة أو أنى متآمر ضد كنوز هذا الوطن، أو كنت أتوقع سرقة بأحد المتحاف أو لكتاب وصف مصر..
إنه كان سباقاً مع الزمن فى ظل إهمال متوارث وخمول عشش فى العقول والقرائح.. وحمداً لله لقد أنقذت العديد والعديد من هذه الكنوز من أعمال متحف الجزيرة وأعمال متحف حسين صبحى، (ومنها أعمال عالمية لا تقدر بثمن) ومبنى الثورة وقصر عائشة فهمى ومتحف طه حسين وحتى متحف محمود خليل..
ولولا أنى جهزت لمقتنياته موقعاً ضمن مخازن الجزيرة ما استطاع الوزير الآن أن يأمر بإغلاقه، ولو أن الوزير كان قد استجاب وعمل على توفير ميزانيات لتطويره ما حدثت السرقة، ولو أن الوزير كان قد ترجل يوماً لتفقد متحف محمود خليل فقط من باب الاطمئنان ما كان الوضع ظل كذلك خلال 15 عاماً تدهور فيها المتحف لفقدانه الأب الشرعى الذى يكفل له الأمان والحماية.
العلاج:
أناشد رئيس الجمهورية، الرئيس حسنى مبارك، أن يتبنى شخصياً وضع تبعية بعض المتاحف شديدة الأهمية والعالمية تحت رعايته كما فعل مع مكتبة الإسكندرية ومركز المؤتمرات، لابد أن يكون لهذه المتاحف وضع خاص ودعم شديد الخصوصية ويجب أن تنتمى إلى أعلى جهة فى الدولة لأنها فعلاً ستؤتى ثمارها وستدر لمصر عائداً يكفى لحل كل مشاكلنا الاقتصادية. لو أن هذه المتاحف نالت من النهضة والتجويد الراقى فى الأداء حظها لتدفقت عليها أفواج من العالم كما نرى على أبواب متاحف اللوفر والأورساى والتيت جاليرى.
لابد من وضع كادر خاص للعاملين بالمتاحف العالمية بمصر فهل يعقل أن يتقاضى فرد الأمن 250 جنيهاً شهرياً وهو مكلف بحماية لوحة ثمنها 50 مليون دولار؟!
إن الكوادر العاملة فى مكتبة الإسكندرية لا تحمى شيئاً له قيمة محتويات متحف محمود خليل، ومع ذلك نجد رواتبهم مغرية ومحفزة على أداء رائع.. ونجد العاملين بمتاحف محمود خليل والجزيرة وحسين صبحى يتقاضون ما بين 250 و500 جنيه شهرياً، يتقاضاها أمناء متخصصون يعرفون لغات حية ومواد تاريخية وثقافية عن الفن، ولا يستطيعون دفع إيجار مسكنهم أو تغيير ملابسهم المتسخة ولو مرة فى الأسبوع!!
ربما آن الأوان لننظر بشكل موضوعى لمعنى وجود متحف عالمى فى مصر.. إن المشكلة عندما حدثت وسرقت لوحة زهرة الخشخاش أحيلت كلها على رأس صغار العاملين الذين عرفت منهم فى حبسى معهم أنهم لا يملكون ثمن تذكرة أتوبيس يقلهم لمكان عملهم بالمتحف يومياً.
أناشدك يا مصر.. فكم عملنا من أجلك وكم رفعنا اسمك أمام العالم عالياً ناصعاً.. ولكن لا تدعينا كبشاً لفداء أصحاب الياقات البيضاء الذين تنعموا فى خيراتك وعاشوا ملوكاً.. ونحن لنا الله.
محسن شعلان
حبس قسم الدقى
3/9/2010