x

«نشم رائحة الموت داخل بيوتنا».. مصريون في إيطاليا يروون «قصص العذاب» (صور)

الخميس 09-04-2020 00:52 | كتب: ريهام العراقي |
إرسال مساعدات طبية إلى إيطاليا بطائرات عسكرية بمشاركة وزيرة الصحة - صورة أرشيفية إرسال مساعدات طبية إلى إيطاليا بطائرات عسكرية بمشاركة وزيرة الصحة - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

في محاولة لتخفيف العبء عنها في محنتها، توجهت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، إلى إيطاليا، السبت الماضى، في زيارة رسمية بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى، برفقة طائرتين عسكريتين تحملان مستلزمات طبية وكمامات واقية ومواد تطهير، بالإضافة إلى وفد من القوات المسلحة المصرية.

حملت الشحنة عن صورة العلمين المصرى والإيطالى مرفقة بعبارة «من الشعب المصرى إلى الشعب الإيطالى» المكتوبة باللغتين العربية والإيطالية.

«المصرى اليوم» تحدثت مع عدد من المصريين المقيمين في إيطاليا، ورصدت الوضع الصحى بها، وكيفية استقبال حظر التجوال الشامل، وتغير حياتهم في زمن «كورونا».

وزيرة الصحة أثناء زيارة إيطاليا لتسليم مساعدات طبية

لم يمنعه حظر التجوال ورائحة الموت التي تنتشر في الشوارع العتيقة وتتسرب من خلف أبواب المنازل المُغلقة من التوجه إلى المستشفى الحكومى الذي يقع على بعد مئات الأمتار للتبرع بالدم، في محاولة منه لإنقاذ حياة إنسان، وإيمانا منه بمساندة الشعب الذي احتضنه واحترم إنسانيته بعيدا عن الديانة أو الجنسية، وسط ذهول من طاقم الأطباء والتمريض وترحيب كبير بمبادرة الشاب المصرى فتحى الشهيدى، ابن محافظة الشرقية والذى هاجر إلى إيطاليا في عام ٢٠٠٩.

ما يقرب من 11 عاما مرت في ذاكرة «فتحى» تضم عددا كبيرا من المحطات والذكريات تمر في ذاكرة الشاب الثلاثينى منذ انتقاله من قريته الصغيرة «السعدية» مركز أبوحماد بمحافظة الشرقية، حتى وصوله إلى إيطاليا، ما بين أيام صعبة تسللت خلالها خيبة الأمل في الحصول على فرصة عمل مناسبة، ورفضه العودة إلى مصر قبل تحقيق حلمه في بلد الفن والجمال.

وقال فتحى: «سافرت إلى إيطاليا عام ٢٠٠٩ بصورة شرعية، حيث يعمل والدى هناك وكذلك أخى الذي أرسل لى دعوة عمل، وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات الاقتصادية التي مرت على إيطاليا، وكان من الصعب الحصول على أي فرصة عمل، وترددت على المحال والمطاعم، وتنقلت بين عدد من المقاطعات أملا في الحصول على أي فرصة عمل تُعيننى على الحياة، واستمر الوضع على هذه الحال حتى عام ٢٠١٣».

ربما المصادفة وحدها هي التي غيرت حياة «فتحى»، عندما قابل جورجيو بيلا، صاحب أحد المطاعم بمنطقة ريجو إميليا، الذي احتضنه وأحسن معاملته، ولم يتوقف الأمر عند توفير فرصة عمل لفتحى الذي أطلق عليه السنيور الإيطالى «ميمو»، بل فتح له باب منزله وعلّمه طهى الأكلات الإيطالية بشكل احترافى ليصبح فتحى من أشهر الطهاة العرب في إيطاليا.

إصابة جورجيو بيلا بالسرطان أجبرته على التقاعد والانتقال لإحدى مقاطعات إيطاليا، والابتعاد عن فتحى الذي لم ينس جميل مُعلمه، فلم تنقطع الاتصالات بينهما طوال الـ3 أعوام الماضية، وهو ما أصاب «فتحى» بالاكتئاب لأنه وجد في الرجل الإيطالى الأب والأخ والصديق المخلص.

وتابع: «لم أشعر يوما بالعنصرية في المعاملة، فأصبحنا نسيجا واحدا، ولا يوجد فرق في المعاملة بين المواطن الإيطالى والمهاجر، فكلانا من حقه العلاج داخل المستشفيات الحكومية، فالشعب الإيطالى متسامح، وتعلمنا هنا احترام القوانين والخصوصية، وأشعر بالحزن على ما حدث من وفيات وإصابات للمواطنين هنا بسبب اجتياح فيروس كورونا».

لم يتردد فتحى في التبرع بالمال من أجل شراء المستلزمات الطبية بالمستشفيات الإيطالية، فهو لا ينسى موقف إيطاليا تجاه المهاجرين، فهناك تُفتح الكنائس لمن ليس له مأوى، وتُقدم المساعدات لحين الحصول على عمل، وأصبح للمسلمين مساجد للصلاة ومقابر للدفن.

وأكد فتحى أن الشعب الإيطالى لديه ثقافة التعامل مع الأزمات، موضحًا أن: «80%‏ من الشعب الإيطالى يستطيع التعامل مع الأزمات، لأنها ليس المرة الأولى التي يتعرض فيها لأزمة، وسبب انتشار العدوى هنا خلال فترة زمنية هو خروج الشعب إلى الشوارع والشواطئ، لأنه شعب يُحِب الحرية ومن الصعب حبسه داخل الجدران، بخلاف شريحة كبيرة من الشعب المصرى الذي قد لا تساعده الظروف المادية على التنزه والسفر ويلزم بيته مع زوجته وأطفاله».

الحزن داخل شوارع إيطاليا لا يتوقف على ارتفاع عدد الإصابات والضحايا فقط بسبب العدوى بفيروس كورونا، وإنما الحزن الأكبر على موت الجيل الذي قام ببناء المسارح والمصانع والبنوك وشركات السياحة ووضع القواعد الأولى للاقتصاد الإيطالى، وهو ما شعر بِه فتحى أثناء حديثه مع أصدقائه الإيطاليين.

فتحى الشهيدى

وقال: «النسبة الأكبر من ضحايا كورونا ممن تجاوزوا الـ80 عاما، وهم الجيل الذي احتضن المهاجرين وقدم لهم سُبل الرعاية الصحية، ووفروا لهم فرص العمل، وأصدروا القوانين التي تُسهل من حياة المهاجرين، لذلك أطلق على إيطاليا قلب أوروبا الرحيم، بسبب احتضانها جميع الثقافات والديانات، ونخشى جميعا الوضع بعد انتهاء الأزمة، خاصة في ظل ظهور فوبيا العنصرية من جانب أبناء الجيل الجديد في إيطاليا».

وحول مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بإرسال مساعدات طبية إلى إيطاليا، أشاد «فتحى» بموقف الرئيس ووصفه بـ«الإنسانى»، وقال: «لفتة إنسانية من الرئيس بإرسال مساعدات طبية إلى إيطاليا، ولن ينساها له الشعب الإيطالى، لأنه معروف عنه أنه لا ينسى المعروف».

رغم عدم وجود أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد في إيطاليا، لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود «فرونتكس»، فقد انطلق عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر، كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.

وأوضح وليد فوزى، المدير التنفيذى للجالية المصرية في ميلانو، أن تعداد الجالية المصرية وصل إلى 500 ألف نسمة، وأغلبها في مدينة ميلانو، ووصف الحالة العامة في إيطاليا بأنها «سيئة للغاية»، كما أن النظام الصحى يعانى بشكل كبير، والآسرة في المستشفيات لا تكفى حالات الإصابات، وحالة مريض الكورونا تحتاج إلى دخوله العناية المركزة.

رامى مطر

وكانت الجمعية الإيطالية المصرية قد أعلنت الشهر الماضى وفاة ثانى مصرى بسبب «كورونا»، يُدعى علاء مصطفى حسن، 51 عاما، من أبناء قرية كفر أبونجم بالشرقية، أصيب بالعدوى من صاحب العمل ولم يكن يعانى من أي أمراض مزمنة.

زيارة واحدة إلى قرية كفر أبونجم، تصيبك بالدهشة منذ أن تطأ قدماك مدخل القرية، فهناك ترى أحدث موديلات السيارات والمبانى المبنية على الطراز الحديث، ويتنافس الأهالى على بناء القصور في القرية التي هجرها شبابها منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى بحثا عن فرصة عمل في إيطاليا، لتحتل المركز الأول في قرى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا.

منذ 21 عاما، خاطر محمود حنفى، الرجل الأربعينى بحياته، وهاجر قريته إلى إيطاليا مع مجموعة من أصدقائه، لم يترك مهنة إلا وعمل بها هناك، إلا أنه رغم المشقة التي عاناها طوال عمله هناك فلا يستطيع البقاء في قريته، وقال: «منذ 30 عاما كانت أبواب الرزق مفتوحة أمام الجميع، وعندما سافر أقاربنا من القرية ظهرت عليهم النعمة من السنة الأولى، فخاطرنا بحياتنا وسافرنا إلى هناك، لأنه لم يكن هناك بديل أمامنا للعيش وسط هذه الظروف الصعبة».

لم يكن رامى مطر قد استكمل الـ23 من عمره عندما قرر السفر إلى إيطاليا للبحث عن فرصة عمل هناك، وسط ترحيب من والده الذي طالما شجعه على الاعتماد على نفسه منذ صغر سنه، ليهاجر من مجتمع قريته المغلقة والصغيرة بكفر «أبونجم» إلى مجتمع آخر مُنفتح وله عاداته وتقاليده وثقافاته الخاصة به.

لا ينسى «رامى» الأيام الأولى التي قضاها في شوارع إيطاليا، رغم مرور 15 عاما على تلك الذكريات، في منتصف سبتمبر 2005، وقف في قلب أحد الميادين المشهورة بمدينة فلورانس يستطلع الشوارع العتيقة ووجوه المارة، ولا يتوقف سؤال يدور في ذهنه: هل أستطيع الحياة وسط هذا العالم الجديد؟.

داخل غرفة ضيقة تضم 8 أفراد كان يعيش رامى في بداية مشواره في إيطاليا، لم يستقر على وظيفة واحدة بل تنقل بين العشرات من المهن المختلفة، لم يضجر يوما من العمل 18 ساعة يوميا، رغم أنه الشاب المدلل في عائلته، والحاصل على ليسانس الآداب قسم إعلام، إلا أنه قرر تجاهل مؤهله الدراسى ونسيان سنوات دراساته الطويلة، والتمسك بمبدأ «حِب ما تعمل حتى تعمل ما تحب».

مثل غيره من المهاجرين غير الشرعيين، وقع «رامى» ضحية للاستغلال من صاحب العمل، ففى الوقت الذي كان يتقاضى فيه العامل 6 يورو في الساعة الواحدة، كان يتقاضى 3 يورو، وقال: «فى بداية انتقالى إلى إيطاليا كنت مُجبرا على العمل بأى وظيفة، لأننى لا أملك أي أوراق رسمية، وكنت أقبل أي عمل بغض النظر عن صعوبته أو قيمته، لأن همى الأول كان الاستمرار في العمل حتى أستطيع تسديد ديونى».

إتقان «رامى» اللغة الإيطالية وحرصه على معرفة ثقافة الشعب الإيطالى وحضارته كانا من الأسباب التي أهلته للعمل داخل أحد الفنادق الشهيرة داخل إيطاليا كموظف استقبال، وتعتبر آخر محطاته في رحلته إلى إيطاليا قبل انتشار «كورونا».

يحرص على الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي وضعتها الحكومة هناك منذ بدء الحظر في نهاية فبراير الماضى، ثم الحظر الكامل في شهر مارس، فلا يخرج من منزله إلا لشراء الطعام أو الدواء فقط، مرتديا الماسك الطبى على وجهه والقفازات في يديه.

وحول استقبال الشعب الإيطالى قرار فرض حظر شامل للحد من انتشار الفيروس، وصفه «رامى» بـ«الصدمة»: «الشعب الإيطالى يعشق الموسيقى والتنزه في الشوارع والسهر لساعات متأخرة، لذلك انتشرت الشرطة في جميع الشوارع والضواحى بعد قرار الحظر لفرض السيطرة على الشارع وتطبيقه، ولحظة خروج أي مواطن من منزله يستوقفه الأمن ويسأله عن سبب الخروج، وفى رحلة العودة يلقى الأمن نظرة على الفاتورة من المحل أو الصيدلية للتأكد من صحة كلام المواطن، وفى حالة عدم وجود فاتورة يتم فرض غرامة مالية عليه».

إجراء مكالمة فيديو على الإنترنت هي الوسيلة الوحيدة أمام المصريين في إيطاليا للتواصل مع عائلاتهم في مصر من أجل طمأنتهم، بعد ما تسللت رائحة الموت من شوارع إيطاليا وانتقلت إلى البيوت التي يقبعون بها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية