مازالت المرأة عبر العصور تثير حيرة الرجل بغموضها. التناقض المُحيّر لتصرفات المرأة، حتى لتشعر أحيانا أنها - هى نفسها - لا تفهم نفسها. المعنى الذى عبّر عنه العقاد فى روايته الوحيدة «سارة»، التى أوقفها لمحاولة فهم الكائن اللغز الذى يُدعى «المرأة». فهى – كما يقول العقاد - تحب أن تنتصر لرأيها كما يحب كل إنسان، ولكنها - فى الوقت نفسه - تود أن تستسلم لرأى الرجل واحتوائه، فتبدو لحظتها وكأنها تريد الشىء ونقيضه فى آن واحد، بالضبط كما غنت فيروز: «خدنى ولا تخدنى». وتقول أيضا: «تعا ولا تيجى. واكذب عليا. الكذبة مش خطية. واوعدنى إنه راح تيجى. وتعا ولا تيجى».
كان العقاد أكثر من اهتم - كمفكر وعاشق - بتحليل المرأة. تستطيع أن تقرأ كتابه «المرأة فى القرآن الكريم»، الذى آثار غضب بنت الشاطئ بشدة. وتستطيع أن تستمتع بسيرته الذاتية مع «سارة»، هذه المرأة المُحيّرة، التى جمعت كل ما يحب وكل ما يبغض العقاد فى النساء.
والذى أحاول أن أصنعه فى هذا المقال أن ألمس السر، وأفك الشفرة. ففى اعتقادى أن اقترابنا الحميم من المرأة، طفلة وشابة وناضجة، يحجب عنا الصورة الكلية التى تقررها الحياة للأنثى، تتحرك فى إطارها. لا تعدوها، فالأنثى هى المؤتمنة على سر الخلق، الذى هو قدس أقداس الحياة، فبمجرد نظرة تستطيع أن تفهم أن غرض الحياة الأول ليس الحفاظ على الفرد كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، وإنما هو ضمان استمرار الحياة. الطبيعة لا تقيم وزنا للفرد، وإنما تنصب عنايتها على الأجيال القادمة، التى تصبح، بمجرد نضوجها، أجيالا قديمة هى الأخرى، وظيفتها الإنجاب، فتذوق هى الأخرى من الكأس التى تجرّعها الآباء.
المرأة واقعة تحت عدة ضغوط. ضغوط اجتماعية تحيط بها وتقيدها، وضغوط العبء الذى كتبته عليها الحياة! فهى فى النهاية «حارسة الكنز»، وأهم عند الطبيعة من آلاف الذكور. فدورة الخلق لا تستوجب إلا ذكرا واحدا يقوم بالتلقيح، مثلما يحدث مع ملكات النحل.
والإنسان القديم قبل أن تفسد فطرته بفعل الحضارة، التى أسدلت على حواسه ستارا كثيفا، كان يقدس المرأة ويعتبرها الكائنة المقدسة التى تريق السائل السحرى «الدم»، القادرة بالولادة على استمرار الخلق. يمكنك أن تقرأ «ظل الأفعى» لعاشق المعرفة: يوسف زيدان.
وستظل المرأة على الدوام الكائن الغامض، والمعادل الموضوعى للأرض الطيبة، والكنز المُدخر للمشاعر الحميمة، وينبغى عليك ألّا تستغرب. إذا كنتَ - أيها الرجل - تحب أبناءك وأنت لم تصنع سوى غرس البذرة! فتخيل كيف ستكون مشاعرك لو كنت وضعتهم فى أحشائك، ثم رحت تأكل لتُطْعمهم، وتشرب لتسقيهم، ويتسلل الكالسيوم من عظامك ليترسب فى عظامهم، ثم تخيل كيف يكبرون ويتشكلون وهم بداخلك. بذمتك، لو كنت مكانها، ألم تكن ستجنّ حباً بأبنائك؟!
المرأة هى المرأة. حارسة الكنز والحاوية لشفرة الخلق، قريبة العهد بالخالق العظيم.