حين كتبت فى 15 مايو 2008 مقالاً حمل عنوان «نهاية تجربة حزب الله» انتقده الكثيرون، و«دارت الأيام»، وثبت أن جوهر ما جاء فى هذا المقال صحيح، فلم يكن الهدف منه الانحراف يميناً ضد قوى المقاومة ولا قراءة فى الغيب بعد أن شاهد الجميع مواقف حزب الله الداعمة لنظام مجرم الحرب بشار الأسد، حتى وصل به الأمر إلى إرسال قادته الميدانيين إلى سوريا للدفاع عن عصابات الأسد، فسقط منهم ثلاثة قتلى، بينهم حسين ناصيف أحد كبار القادة العسكريين، الذى علق الحزب على موته بأنه كان فى عملية «جهادية».
والحقيقة أن نهاية تجربة حزب الله كحزب مقاوم بدأت بعد تحرر الجنوب اللبنانى عام 2000 بفضل قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله، وأصر الحزب على الاحتفاظ بسلاحه المقاوم ورفض الانخراط فى الجيش اللبنانى، عندها قلنا إن لديه مبرراته نظرا لضعف الدولة اللبنانية، وإن العالم العربى فى حاجة إلى سلاح لردع إسرائيل حتى لو لم يبادر بالهجوم عليها.
وفى 2008 دخل سلاح حزب الله طرفاً فى المعركة الداخلية اللبنانية وهاجم بيروت وقتل من قتل وأسر من أسر، وتحول إلى ميليشيا مثل الآخرين حتى لو كانت أكثر انضباطا وعقائدية، لكنها لم تعد قادرة على مواجهه إسرائيل بهذا السلاح. وهنا كان مربط الفرس، فهناك حجج كثيرة برر بها حزب الله «غزوة بيروت» فى 2008، لكن موقفى منه لم يكن يتعلق بصحة حججه من عدمها، إنما بنهاية قدرته على المقاومة والدخول فى مواجهة من أى نوع ضد إسرائيل، مع احتفاظه، مثل النظام السورى، بشعارات المقاومة لحسابات سياسية لا علاقة لها بالقدرة على المقاومة.
صحيح أن حزب الله كان مقاوماً للاحتلال الإسرائيلى وأجبره على الانسحاب من الأراضى اللبنانية المحتلة، لكن التاريخ يعلمنا أن هناك قوى مقاومة كثيرة تتحول من خندق النضال والكفاح الثورى إلى حسابات السياسة والطائفة والعشيرة بعد وصولها للسلطة أو اقترابها منها.
ألم يكن فى حزب البعث مناضلون كثر قبل وصولهم للسلطة وتحول كثير منهم إلى مجرمى حرب وقتلة، ألم يكن هناك مقاومون للاحتلال تحولوا إلى سياسيين محترفين ونسوا كل ما له علاقة بالمقاومة والماضى الثورى أمام مغانم السياسة ودهاليزها.
إن موقف حزب الله من الثورة السورية يدل على تحوله من حزب مقاوم إلى داعم للديكتاتورية، فهو من جانب موقف طائفى، ومن جانب آخر موقف معاد للديمقراطية وحق الشعوب فى الحرية والديمقراطية، وهو بذلك انضم إلى ثنائيات الفشل العربى التى ضمت معتدلين مزيفين مثل «مبارك وبن على»، ومقاومين وهميين مثل «القذافى وبشار الأسد».
لم يكتف حزب الله بالحياد كما فعل الكثيرون، ولم يكتف بتكرار الكلام السخيف بأن هناك بضع مئات من الجهاديين السنة يقاتلون مع الجيش الحر، وبالتالى لا يجب دعم الثورة السورية، إنما أرسل مقاتليه لكى يموتوا من أجل ديكتاتور أرسل شبيحته المفروزين طائفيا لذبح الناس وحرقهم فى شوارع سوريا، وهى ليست مشاهد من القرون الوسطى إنما هى مشاهد لا يمكن أن تجرى فى ظل حكم آخر غير حكم القاتل بشار الأسد.
لا يوجد سبب واحد يبرر دعم حزب الله للنظام السورى إلا أنه لم يعد حزبا مقاوما، فالمقاومة ليست شعارات تخفى حسابات سياسية وطائفية بغيضة، فالثورة السورية ستنتصر حتى لو تفرج عليها العالم كله وحتى لو دعم حزب الله عصابات بشار الأسد.