x

ناجح إبراهيم «أرمسترونج» ودروس للعلماء والدعاة ناجح إبراهيم الأربعاء 29-08-2012 21:05


ظلت فكرة هذا المقال تراودنى كثيراً منذ عامين، وأنا أؤجل كتابتها وأماطل نفسى طويلاً فى الأمر.. حتى مات «أرمسترونج» (أول رائد فضاء يطأ القمر بقدمه) الذى كان يعد أشهر شخصية فى زمانه، والذى توارى عن الأنظار لينشغل فقط بعلمه وما يحسنه.. رافضاً كل العروض السخية التى عرضت عليه وقتها للترشح لرئاسة الولايات المتحدة.. مفضلاً عليها الانشغال بما يحسنه وما يتقنه من العلم.

لقد تفكرت فى أمر العلامة القانونى الكبير د. فتحى سرور.. وهو من جهابذة القانون الجنائى.. وكيف أضرت السياسة الحزبية به وبعلمه وبسمعته وأردته وراء القضبان.. ولو أنه تفرغ لعلمه الذى تفرد ونبغ فيه، ما جعلته السياسة غرضاً للسهام من كل حدب وصوب ولظل فى محراب العلم كريماً مهاباً.

وهذا د. على الدين هلال - وهو الذى علم أجيالاً من الساسة والدبلوماسيين المصريين علوم السياسة - أوقعته السياسة الحزبية فى حبالها حتى صار ما يقوله ويعلمه لطلابه مخالفاً لسلوكه وحزبه العملى السياسى.. فهو يدعو فى كتبه إلى الحرية والديمقراطية وحق الشعوب فى اختيار حكامها، فى الوقت الذى يقود فيه حزباً مشحوناً بالفساد واستئثار السلطة وتزوير الانتخابات.

وقد لا يكون الرجل داخلاً فى هذه المنظومة بنفسه، ولكنها بالضرورة ستحسب عليه.. ما لم يستقل من منصبه أو يعترض على هذه الممارسات علناً.

وتخيل موقف هذا العلامة لو لم يكن قد صعد سلم المناصب الحزبية وبقى عالياً شامخاً بعلمه، الذى هو أعظم من كل مناصب الدنيا.

وهذا أستاذ الأجيال فى القانون المدنى د. نعمان جمعة، الذى درست على يديه فى حقوق القاهرة، وكان أكثر من طور الكلية وسن السنن العظيمة فيها لمساعدة الطلبة المعتقلين، ماذا فعل به وصوله إلى رئاسة الوفد غير الإهانة والتجريح والتطاول؟!.. فما كان أغناه بعلمه عن هذا.

لقد أمسكت بقلبى حينما سمعت أن د. زويل سيرشح نفسه للرئاسة، فقلت ضاع «زويل» وعلمه.. وترك ما يعلم ويحسن إلى ما لا يعلم وما لا يحسن.. ولكن الله سلم.

وحزنت أيضاً على أساتذتنا الأطباء العظام د. غنيم، علامة المسالك وأول زارع للكلى فى مصر ود. أبوالغار أول من أدخل علم أطفال الأنابيب إلى مصر، حينما دخلا فى السياسة الحزبية لينهش سمعتهما من لا يعرف قدرهما.. ثم بعد ذلك يكونان ممن «لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقى».. فلا حافظا على ظهر العلم الموصل إلى أعلى الدرجات.. ولا حققا أهدافهما السياسية.

أيها العلماء والدعاة والمربون، خذوا درساً من «أرمسترونج»، الذى نأى بنفسه عن أن يكون سبباً فى قتل الآلاف أو احتلال العراق أو أفغانستان.

وتعلموا من الأئمة العظام «مالك وأبى حنيفة والشافعى وأحمد» الذين رفضوا بإصرار تولى أى مناصب فى الدولة الإسلامية، حتى لو كانت القضاء.. وتحمل بعضهم الجلد حتى يبقى فى مقام العلم الرفيع.. فذهب ذكر الخلفاء وبقى ذكر العلماء.

فالعالم فى علمه وصدقه وخلقه وتجرده أفضل من السياسى الحزبى، الذى يغلب عليه عادة المكر والدهاء والخديعة.

وليعلم كل من ذكرت من العلماء أننى أحب خيرهم وصلاحهم ولست من النفوس المريضة التى تشمت فى أفاضل العلماء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية