x

عزت القمحاوي مدينة زويل.. مناقشة هادئة عزت القمحاوي الإثنين 06-08-2012 19:50


مقتدياً بصيحة قيصر روما عندما رأى وجه بروتس- ابنه بالتبنى- بين قتلته، أطلقت صيحتى: «حتى أنت يا زويل؟» عندما رأيت كثافة الإعلانات التليفزيونية التى تدعو المصريين للتبرع للمدينة التعليمية التى أطلقها حامل نوبل أيام مبارك وأصر عليها بعد الثورة.

تأتى إعلانات التبرع للمدينة العلمية وسط طوفان من الإعلانات لتمويل مختلف أوجه النشاط الخدمى، وهذا التوسع معناه الإقرار بفشل الدولة والتعايش مع هذا الفشل، والهروب من تحقيق العدالة الاجتماعية باختراعات صناديق الإحسان، التى تجعل من المواطن صاحب الحق مديناً للمتبرعين، علاوة على أن المؤسسات جمع الأموال تضم من الأشرار أكثر مما تضم من الأخيار، ولا نعرف شيئاً عن ميزانياتها.

بعيداً عن هذا التماس بين مشروع زويل ومشروعات التسول، يحتاج المشروع العلمى إلى مناقشة علمية، بعيداً عن مصادر تمويله.

والمشروع يضم عدداً من كبار العلماء الوطنيين مثل محمد غنيم الذى قدم إنجازاً علمياً وإنسانياً هائلاً يسير عكس مشروع زويل تماماً، فمدينة غنيم الطبية بدأت بعلاج المرضى واكتسب أطباؤها المتخرجين فى جامعاتنا خبرات جعلت المستشفى بين مستشفيات الصف الأول عالمياً فى مجال زراعة الكلى.

مدينة زويل تقوم على فلسفة مختلفة تماماً، وهى صناعة النخبة العلمية أولاً فى صوبة أو محمية علمية. وهذا نظام معمول به فى كثير من الدول المتقدمة، ليس على صعيد الدراسات العلمية فقط، وإنما فى الدراسات الإنسانية حيث توجد مدارس النخبة التى يتخرج فيها السياسيون.

لكن ما يصلح فى الدول المتقدمة لا يصلح فى دول العالم الثالث، فالنخبة العلمية التى تتخرج فى مدرسة علمية متميزة بدولة متقدمة تجد البيئة المستقبلة الحريصة على الاستفادة من هذه الخبرات.

ولا تكون البيئة حريصة على تقديم أهل الخبرة إلا بشرطين، الأول الشفافية السياسية التى لا تقدم الأقارب وأهل الثقة على أهل الخبرة. والثانى وجود حاجة فى سوق عمل تقوم هى الأخرى على آليات اقتصادية سليمة وقانونية تضطر أصحاب الأموال إلى العمل فى الصناعة وليس تحقيق الثروات السهلة من المضاربة على الأراضى الممنوحة لهم من الدولة.

وغياب هذين الشرطين يجعل من مدرسة زويل خطوة استباقية لم نستعد لها سياسياً أو اقتصادياً، وستكون النتيجة تخريج أعداد من المتميزين، قد يحاولون إفادة مجتمعهم مثلما حاول زويل نفسه، لكنهم يصطدمون بأن أحداً لا يهتم بخبراتهم، عندها لن يكون سوى اليأس والشعور بالاغتراب، وسيكون مشروعاً جداً أن يحاول كل واحد منهم إنقاذ مشروعه الفردى والهجرة إلى بلد تقدره.

التجربة نفسها عاشها أحمد زويل المبعوث لنيل الماجستير الذى حاولت جامعة الإسكندرية إجباره على العودة لالتزامها الحديدى بلوائح المنحة، وهى ذات المحنة التى تعرض لها الباحث فى ناسا عصام حجى مع جامعة القاهرة.

ولذلك ربما كان من الأجدى إصلاح الجامعات القائمة بالفعل، بمساهمة زويل والغيورين من علمائنا، من خلال تعديل اللوائح وتحسين المرتبات وتشغيل المعامل وإعادة فتح باب الاستعارة من الجامعات الكبرى فى كل التخصصات، بحيث تخرج كلية التجارة اقتصاديين يحترمون العلم فى ذات الوقت الذى تخرج فيه كليات العلوم علماء أكفاء، فتكون لدينا منظومة اجتماعية متناغمة لا يسبق مسارها العلمى المسار الاقتصادى والسياسى.

وربما كان تعثر تنفيذ مشروع مدينة زويل فى عهد مبارك أوضح دليل على أهمية البيئة التى ستستقبل خريجى المدينة التعليمية المتقدمة، فالمشروع من أساسه كان قد أوقف لأن المضاربة على الأراضى كانت أعظم عند النظام الفاسد من إنشاء جامعة.

وإن كان ذهاب حفنة المضاربين قد أتاح الترخيص لأرض الجامعة فإن طموحاتها العملية الكبيرة «مثل الحصول على حصة من سوق صناعة التكنولوجيا» لا يمكن أن تتحقق إلا إذا ضمت المدينة مصانعها الخاصة، وهذا طموح يستحيل تحقيقه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية