تعددت حالات الانحراف التشريعى فى السوابق القضائية، أمّا الانحراف الدستورى فإنه لم يحدث فى تاريخ النظام الدستورى المصرى من قبل، ويُعتبر الإعلان الدستورى المكمل أول سابقة دستورية فى هذا الشأن، ولتوضيح هذا الأمر سوف نُفرق بين الانحراف التشريعى، والانحراف الدستورى من خلال تعريف كلِ منهما:
الانحراف التشريعى يعرف بأنه يقع فى الحالات التى تصدر فيها تشريعات معينة من البرلمان بقصد تطبيقها على حالة أو حالات فردية محددة ومعروفة سلفاً للبرلمان ولا تتمتع- فى حقيقتها-بالعمومية والتجريد، وبعبارة أخرى فإن هذه القوانين فى حقيقتها قرارات إدارية فردية، وإن صدرت فى عبارات عامة مجردة أى أنها تأخذ- على خلاف الحقيقة- شكل القانون العام المجرد، وآخر تلك الانحرافات التشريعية الظاهرة التعديلات الأخيرة لقانون مباشرة الحقوق السياسية الصادرة، التى عرفت بقانون العزل السياسى، وقد أظهر حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان هذه التعديلات، جسامة الانحراف التشريعى الذى حدث، وظهرت فى هذا الانحراف غير المسبوق انتقائيته المشبوهة التى اعترف بها واضعو التشريع أنفسهم، وقد استعملت المحكمة- وبحق- تعبير «الانحراف التشريعى» لأول مرة فى أحكامها كدليل دامغ على وضوح الانحراف، وقضت بعدم دستورية القانون.
أما الانحراف الدستورى فيمكن تعريفه- فى نظرنا- عملياً بأنه يقع فى الحالات التى تصدر فيها الدساتير أو الإعلانات الدستورية من سلطة تأسيسية لا تُعبر عن حقيقة المجتمع والتيارات السياسية فيه، وإنما تُعبر عن فئة أو طائفة معينة، أو فكر أيديولوجى أو فكر سياسى أو عسكرى لا يُعبر عن آمال المجتمع وأهدافه وتطلعاته، ويتم فرض هذه الدساتير أو الإعلانات الدستورية قسراً باستغلال سلطة التشريع التأسيسى الدستورى، التى لا تُعبر عن المرجعية الحقيقية السائدة فى المجتمع، وهذا المفهوم للانحراف الدستورى غير موجود فى الفقه الدستورى المقارن، وهو مصطلح تمت صناعته بمعرفتنا ولا توجد فى المراجع الفرنسية أو الأمريكية سابقة بالنسبة لهذا النوع من الانحراف.
وقد قمنا بمراجعة الإعلانات الدستورية المصرية الصادرة بعد ثورة يوليو 1952 فلم نجد فيها أى انحراف دستورى عن أهداف الثورة الستة المعروفة، أو مبادئها، أو الميثاق الوطنى المُعبر عن أهداف الثورة وآمالها.
ويُعتبر النموذج التطبيقى العملى لهذا الانحراف الدستورى الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 17 يونيو الجارى، وقد اتخذنا معايير علمية تساعدنا فى التعرف على مدى هذا الانحراف، وهى معايير موضوعية ومصادرها الدستورية هى:
1- القانون الدستورى الدولى.
2- المعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان واستقلال القضاء.
3- العُرف الدستورى الدولى والداخلى.
4- السوابق الدستورية الدولية والداخلية.
5- أحكام القضاء الدستورى الدولى والداخلى.
وقد تضمن الإعلان المكمل وجوهاً متعددة ونادرة للانحراف الدستورى، والتعدى على الجمعية التأسيسية للدستور على خلاف أحكام القانون الدستورى الدولى، وعلى المحكمة الدستورية العليا بالمخالفة للقانون رقم 48/1979، وإضافة اختصاصات لها دون أخذ رأى جمعيتها العمومية، والتعدى على السلطة القضائية وسلطتها فى تحديد حالات انتفاء المسؤولية والاعتداء على سلطات رئيس الدولة ومنها سلب سلطة التشريع وسوف نتناول ذلك فى البنود التالية:
أولا: صدور الإعلان افتقد ركناً دستورياً أولياً يؤدى إلى انعدامه هو وجوب التشاور مع التيارات السياسية والسلطات القائمة فى المجتمع، ومن هذه الهيئات المجلس الاستشارى- الذى أعلن رئيسه عدم علمه بهذا الإعلان- ومجلس الشورى وذلك بعد صدور حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، والسلطة القضائية التى يتعمّد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تجاهلها دائما رغم أنها ثلث السلطات فى الدولة، وهى سلطة قائمة ومستمرة وقوية رغم محاولات المجلس الأعلى للقوات المسلحة المتعددة النفاذ إليها والتأثير عليها بطرق وأساليب متعددة لا يتسع المقام لتناولها فى هذه الدراسة.
ثانياً: أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير شؤون البلاد بسلطة الأمر الواقع وبموافقة ضمنية من الشعب، ومن ثم فهو يقوم بدور حكومة الأمر الواقع ويترتب على ذلك أنه يجب أن يقتصر دوره على مجرد إدارة البلاد، كما بدأ دوره دستورياً فى حدود تلك الإدارة بعد قيام الثورة، ويجب أن يكون تدخله الدستورى محدوداً بحالات الضرورة الدستورية الملحة والتى تُقدر بقدرها دون توسع أو قياس، وقد حدث هذا التوسع الكبير فى الإعلان الدستورى المكمل على النحو الذى سوف يلى ذكره.
ثالثاً: الاعتداء على بعض سلطات رئيس الجمهورية، وهى سلطة التشريع التى كان يُفترض أن تؤول إلى رئيس الجمهورية فى حالة غياب مجلس الشعب وتقييد سلطته فى حالة إعلان الحرب.
رابعا: خلق سلطة دستورية جديدة غير مسبوقة فى الدولة هى سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك على خلاف المبادئ فوق الدستورية، والعرف الدستورى الدولى، ومبادئ القانون الدستورى الدولى.
خامساً: الاعتداء على السلطة القضائية والتصريح بذلك فى المادة 53 مكرر (2) فقرة أخيرة والتى نصها «ويبيّن القانون سلطات القوات المسلحة ومهامها وحالات استخدام القوة والقبض والاحتجاز والاختصاص القضائى وحالات انتفاء المسؤولية»، حيث يَتَبيّن من نص المادة أن القانون هو الذى يحدد «حالات انتفاء المسؤولية» فى حين أن هذا النطاق محجوز دستورياً للسلطة القضائية- دون السلطة التشريعية أو حتى الدستورية- لأنها هى التى تحدد انتفاء المسؤولية من عدمه فى كل واقعة على حدة، وهذا النص يخالف الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس2011.
سادسا: الاعتداء على الاختصاصات القانونية للمحكمة الدستورية العليا وإضافة اختصاصات جديدة لها فى المادة 60 مكرر (1) بشأن المراجعة على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، دون عرض الأمر على الجمعية العمومية للمحكمة، وهذا الاختصاص الجديد خارج عن الاختصاصات القانونية المقررة للمحكمة فى الإعلان الدستورى وفى قانون المحكمة نفسها.
سابعاً: وقوع الإعلان الدستورى فى افتراضات غريبة، حيث افترض- لأسباب لا يعلمها سوى الله تعالى- موافقة المحكمة الدستورية العليا على هذا الاختصاص الشاذ والغريب والمخالف لأى دستور فى العالم ويشكل اعتداء دستورياً على هيئة قضائية مستقلة هى المحكمة الدستورية العليا يحوّل المحكمة الدستورية العليا إلى «محلل شرعى» لأمور سياسية تتعلق بأهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة... وهى أمور سياسية بامتياز وتتعارض شكلا وموضوعا مع الرسالة القضائية الرفيعة التى قامت بها المحكمة الدستورية العليا المصرية بجدارة كبيرة واستحقاق كامل، وهذا الاختصاص يزج بالمحكمة الدستورية العليا فى أتون السياسة المقيت، لأنه يجب أن تظل فى وضعها القضائى المتميّز على خلاف غيرها من المحاكم والمجالس الدستورية الأخرى فى العالم.
ثامناً: مخالفة المادة 60 مكرر من الإعلان لأبسط المبادئ الدستورية، وذلك لإنشائها وصاية غير شرعية وغير دستورية على سلطة الجمعية التأسيسية المستقلة- التى يجب ألا تعلوها أى سلطة تنفيذية أو حتى قضائية- فى صناعة دستور جديد يعبر عن آمال المجتمع وأحلامه بعد الثورة وحق الأجيال الحالية والقادمة فى إدخال أفكار جديدة تساير التطور الحضارى للبشرية وعدم الوقوع فى أسر الأفكار والمعتقدات الدستورية السابقة. ويرجع ذلك فى نظرنا إلى التعارض مع الهدف الفلسفى السامى من الجمعية التأسيسية والذى يسمو على أى شخص أو هيئة أو فكر فلسفى خلاف أفكارها الخاصة.
تاسعاً: مخالفة المادة نفسها لأبسط المبادئ الدستورية البديهية لإقرارها عرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال مدة وجيزة هى 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده، وذلك لاستحالة إلمام الشعب وفقهائه بهذا الدستور الجديد خلال هذه المدة، وكان يجب مد أجل هذا الميعاد ليكون شهراً على الأقل، وقد كان ذلك محل انتقاد منا على الإعـلان الدستورى الصادر فى مارس 2011، وقد أوضحنا ذلك فى موسوعتنا «موسوعة شرح الدساتير المصرية والمستويات الدستورية الدولية».
عاشراً: تجاهل المادة للسلطة القضائية، حيث تضمنت عبارة «جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع» دون ذكر لوجوب أن يكون ثلثها من أعضاء الهيئات القضائية التى تضم بين أعضائها مشرّعين فى قسم التشريع بمجلس الدولة، كما تضم بين أعضائها ما لا يقل عن 200 أستاذ فى القانون الإدارى والدستورى أجازتهم أشهر الجامعات المعروفة فى الداخل والخارج، ويتفوقون فى خبراتهم على أى خبير دستورى آخر فى هذا الميدان.
حادى عشر: اعتبر الإعلان أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمثابة دولة داخل الدولة ولا يخضع لسلطان الدولة، وهذا أمر يخالف المبادئ الدستورية الدولية الصحيحة والعرف الدستورى فى القانون المصرى والفرنسى، فضلاً عن أنه أمر غير مقبول بعد الثورة.
ثانى عشر: التعدى على المركز القانونى لرئيس الدولة فى أن يكون الحكم الوحيد بين السلطات، وإدخال شركاء له فى هذا الشأن هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ثالث عشر: جهل الإعلان الدستورى بالهيئات القضائية القائمة فى المجتمع ومدى وجودها وتأثيرها الفعلى، وأغفل أن المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذى تـم إنشاؤه أثناء مذبحة القضـاء تم إلغاؤه عام 2008، وقد أصبح غير موجـود قانونا، ومع ذلك فقد تم ذكر اسمه فى الإعلان على خلاف الحقيقة، لأن المجلس الموجود حاليا هو «مجلس الهيئات القضائية»، وهو مجلس قائم نظريا فقط- على الأوراق، ولا يمارس أى اختصاصات فعلية فى الحياة القانونية والقضائية.
رابع عشر: جهل الإعلان بالمركز القانونى والدستورى الواقعى للهيئات الدستورية فى الدولة، لأن مجلس الهيئات القضائية القائم حالياً يرأسه رئيس الجمهورية وإذا لم يحضر يترأسه وزير العدل، ومفاد ما تقدم أن الإعلان- المنحرف- يعطى لرئيس الجمهورية أو وزير العدل الحق فى التعقيب والمراجعة على قرارات الجمعية التأسيسية.
ومفاد ذلك أن هذا التعدد هو تعدد صورى لإضفاء شكل من العمومية على أصحاب الحق فى الاعتراض على مشروع النص الدستورى الجديد محل الخلاف، فى حين يفسر بعض الفقهاء هذا النص بأن صاحب الحق الحقيقى وصاحب المصلحة الحقيقية فى هذا الاعتراض على النص هو- بطبيعة الحال- المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحقيقا لأهدافه فى البقاء فى السلطة على نحو معيّن، والتى قد تتعارض مع آمال وأحلام أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد.
خامس عشر: مخالفة المادة 60 مكرر للقانون الدستورى الدولى والمبادئ فوق الدستورية والتى توجب أن يكون الاعتراض على نصوص الدساتير الجديدة بأغلبية تفوق أغلبية إقرار الدساتير ذاتها وهى ثلثا عدد الجمعية التأسيسية أى أن الخُمس الذى حدده الإعلان الدستورى التكميلى يشكل أقلية ضئيلة لا تصلح للاعتراض على مشروع الدستور الذى يُفترض أنه قد تم إقراره بأغلبية الثلثين.
سادس عشر: غموض مصطلح «أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة...» لأن الثورة لم تحدد صراحة أهدافا مكتوبة يمكن الرجوع إليها، وهذه الحقيقة وذلك الوضع الواقعى المعترف به سوف يسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة- أو غيره- أن يدّعى مخالفة أى نص لا يرضى عنه لأهداف ومبادئ الثورة والمصالح العليا للبلاد، وهى عبارة مطاطة قد تختلف بشأنها التفسيرات، وكان يجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يفترض فيه الأمانة والعلم وحُسن إدراك شؤون البلاد أن يُضمّن إعلانه الدستورى أهم الأهداف المحفوظة لثورة 25 يناير، والتى يجب الاعتراف بها من الكافة، وهى الحريّة، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، واستقلال القضاء، ومحاكمة الفاسدين، ورعاية أسر الضحايا، واسترداد الأموال المهربة، وإقامة حياة ديمقراطية ودستورية سليمة.
سابع عشر: عدم فهم الإعلان الدستورى لمصطلح «أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة...» لأن التاريخ الدستورى المصرى المعلوم لنا جيّدا يتضمّن دساتير متعددة تحمل فى ثناياها أسوأ أشكال الديكتاتورية والشمولية والمصادرة على حقوق الإنسان والاعتداء على السلطة القضائية ومن أمثلة المبادئ الدستورية التى لا يجب الاعتداد بها حق رئيس الجمهورية فى إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى فهل يمكن أن يكون هذا المبدأ قيمة دستورية، ولذلك لا تصلح مثل تلك المبادئ فى نظرنا أن يتم الاستناد إليها كمبادئ فوق دستورية للمرحلة الدستورية القادمة، ونحن نسعى إلى الاستقلال الكامل لقضائنا الشامخ.
ثامن عشر: مخالفة الإعلان الدستورى لما هو مسلم به من أن أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا طبقا لقانونها تُنشر فى الجريدة الرسمية بدون مصروفات، فمن العبث أن يتم النص فى الإعلان الدستورى على أن يُنشر القرار «بغير مصروفات فى الجريدة الرسمية»، وهذا التزيّد يجب أن يتنزّه عنه النص التشريعى الدستورى.
تاسع عشر: عدم فهم الإعلان الدستورى التكميلى للحكمة من نشر التشريعات لأن الجريدة الرسمية المصرية لا يُنشر فيها سوى القوانين والدساتير وغيرها، وليس مشروعات القوانين أو مشروعات الدساتير، وهو أمر يخالف قانون الجريدة.
عشرون: مخالفة نص المادة 53 مكررا للعمومية والتجريد الواجب توافرها فى القانون، ومن باب أولى فى الدستور، حيث ذكر «يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستورى» دون ذكر مبرر عقلى أو منطقى لتخصيص هذا المجلس بأشخاصه دون صفاتهم، ودون أن يبيّن للشعب القانون الذى يتشكل على أساسه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفاته أو أشخاصه، وهو أمر يغيب عن علم أكثر المستشارين العسكريين ثقافة وعلما.
حادى وعشرون: تناسى الإعلان الموت كحقيقة ربّانية فوق رقاب العباد، فقد يصيب أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيله مكروه- أطال الله فى أعمارهم جميعا- فما هو الحل الدستورى فى هذه الحالة.
ثانى وعشرون: تجاهل الإعلان الدستورى التكميلى للسلطة القضائية والهيئات القضائية ونوادى الهيئات القضائية باعتبارها جهات معترف بها قانونا، ويجب أن يكون لها حق الاعتراض على مواد الدستور الجديد، لأن من أهم أهداف الثورة- كما سبق القول-استقلال القضاء واحترام حصانته ومكانته وتنفيذ أحكامه، وذلك بجميع هيئاته الخمس وهى القضاء العادى والمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة. وكان يجب أن يُعطى لهم الحق فى إبداء الرأى فى النصوص الدستورية محل الخلاف.
ولما كان قد تم تجاهل الهيئات القضائية فإنه يحق لها، قانونا، الاعتراض على تجاهلها كهيئات قائمة فى المجتمع تقوم- بالإضافة إلى رسالتها الأصلية فى الحكم بالعدل- بأشرف دور قضائى ورقابى على الانتخابات والاستفتاءات طبقا للقوانين المصرية.
ثالث وعشرون: مخالفة المادة 60 مكررا (1) للمنطق الدستورى الصحيح، لإسناده الاختصاص بنظر الاعتراض على النص الدستورى المقترح إلى المحكمة الدستورية العليا وهى المحكمة القضائية التى سوف يُعرض عليها فى وقت لاحق قضايا دستورية عن مدى مطابقة نصوص القوانين مع النصوص الدستورية طبقا لقانون المحكمة وطبقا للإعلان الدستورى الصادر فى مارس2011، والتى سوف تبدى رأيها فى شأنها سلفا، لأن هذه النصوص هى نصوص خالقة للمحكمة الدستورية العليا القادمة ذاتها، ولا يجوز للمحكمة الدستورية العليا الحالية والتى سوف يخلقها الدستور- مرة أخرى- أن تراقب مدى الملاءمة السياسية والدستورية لنصوصه التى يُفترض أن تخضع هى لها وتقوم على احترامها وحراستها، وكان من الأوفق للمشرّع الدستورى أن يعرض هذا الأمر- على الفرض الجدلى بصحته دستوريا- على محكمة أخرى عليا مثل الدوائر المدنية المجتمعة لمحكمة النقض أو دائرة توحيد المبادئ، أو الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة.
رابع وعشرون: المحكمة الدستورية تفصل فى المنازعات ولا تُبدى آراء دستورية سياسية عن النظام السياسى للدولة وحدود العلاقة بين السلطات على سبيل المثال لأن هذا إقحام لها فى مسائل سياسية يجب النأى بها عنها، وذلك على خلاف غيرها من المحاكم والمجالس الدستورية الأخرى فى العالم والتى لها طابع سياسى.
خامس وعشرون: انساق الإعلان فى المادة 30 فقرة ثانية إلى عبادة المحكمة الدستورية العليا وتقديسها وجعلها حلاً جاهزاً لجميع المشاكل الدستورية فى مصر، حيث أسند إليها الإعلان الدستورى المكمل بالإضافة إلى ما تقدم اختصاصاً آخر إضافياً- دون أخذ رأيها للمرة الثانية- حيث أسند إليها أداء الرئيس اليمين أمامها وهذا يُخالف حسن الإدارة القضائية طبقاً لمبادئ علم الإدارة القضائية لأن الأمر يقتضى توزيع الاختصاصات القضائية بين الجهات القضائية المتماثلة وعدم تركيز الاختصاصات فى جهة قضائية واحدة وتطبيق هذا الأمر كان يقتضى إسناد أداء الرئيس اليمين القانونية أمام الجمعية العامة لمحكمة النقض المصرية التى يترأسها رئيس محكمة النقض باعتبارها الممثل القانونى التقليدى للسلطة القضائية أو الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا حامية الحقوق والحريات العامة ، كما أن هذا يتعارض مع مبدأ التوازن فى توزيع الاختصاصات القضائية والدستورية بين الجهات القضائية المختلفة.
سادس وعشرون: قصور الإعلان وخلوه من تحديد يوم محدد كموعد للانتخابات البرلمانية المقبلة وترك الأمر إلى أجل غير مُسمى، مما قد يُفهم منه الرغبة فى استطالة الفترة الانتقالية وامتدادها.
سابع وعشرون: قصور الإعلان وخلوه من حق المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حل مجلسى الشعب والشورى، وهو أمر قد حدث بالنسبة لمجلس الشعب، وقد يحدث قريبا بالنسبة لمجلس الشورى.
ثامن وعشرون: كشف الإعلان حقيقة النظام الذى كان سائدا فى مصر من قبل- من الداخل-، والأبعاد الحقيقية للدولة المصرية العميقة قبل الثورة وهيكلها العظمى الذى ما زال قائما حتى اليوم.
تاسع وعشرون: الإعلان فى ميزان علم الإستراتيجية العسكرية قد يفهمه البعض بأنه إعلان حرب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد الشعب وضد ثورة 25 يناير، ومع ذلك فإننا نفهمه غير ذلك ونحسن الظن فى هذا المجلس الموقر ونرى ضرورة تعديل هذا الإعلان الدستورى المنحرف دستوريا عن الأصول الدستورية الصحيحة وذلك طبقا للبنود المتعددة سالفة البيان.
ثلاثون: الإعلان تعوزه الصياغة اللغوية العربية السليمة وحسن الصياغة القانونية والذوق والحس القانونى الرفيع والذى تجاهله واضعوه وتناسوا أن هناك هيئة قضائية كبرى فى مصر اسمها مجلس الدولة بها قسم للتشريع- أوجب القانون ضرورة عرض التشريعات عليه- وتوجد به جمعية معروفة فى العالم تُسمّى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، وهذا يؤكد تجاهل المجلس الأعلى للقوات المسلحة للهيئات القضائية وعدم الاعتراف بها كسلطة قضائية مستقلة من حقها، قانونا، ثلث أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور كما حدث فى الدستور الإيطالى الصادر سنة 1947 والذى مازال سارياً حتى الآن.. والله تعالى أعلم.