هدد الرئيس السودانى عمر البشير بسحق الاحتجاجات التى امتدت فى عدة مدن احتجاجًا على الغلاء وإجراءات التقشف باستخدام من وصفهم بـ«مجاهدين حقيقيين»، فى خطاب حملت بعض تعبيراته لغة التهديدات غير المألوفة التى كان يستخدمها العقيد الليبى الراحل معمر القذافى.
وفى الوقت الذى أكدت فيه وزارة المالية السودانية أنها لن تتراجع عن قرارها بخفض الدعم وصف «البشير» الذى أعفى جميع مستشاريه من مهامهم، فى إطار خطة لإعادة هيكلة الإدارة والحكم، المتظاهرين بأنهم «شذاذ أفاقون»، مؤكدًا أن الاحتجاجات التى تشهدها بلاده ليست ربيعًا عربيًاً.
وقال الرئيس السودانى فى كلمته مساء أمس الأول: «المظاهرات من تدبير محرضين»، مضيفًا: «ممكن أن نأتى لهم بالمجاهدين الحقيقيين كى نتعامل معهم، لكننا حكومة مسؤولة وتركنا السلطات الحكومية تتعامل معهم».
ورفض «البشير» ما يردده بعض المحللين بأن «الإجراءات الاقتصادية فرصة للربيع العربى»، وقال: «إن السودان شهد بالفعل الربيع العربى عدة مرات، وعندما يثور الشعب السودانى يخرج كله، وإن الناس الذين يحرقون إطارات السيارة بضعة محرضين».
وربط مراقبون بين التعبيرات التى استخدمها «البشير» فى خطابه، خاصة لفظ «شذاذ»، وبين التعبيرات التى استخدمها القذافى فى هجومه على الثوار الليبيين خاصة التعبير الأشهر «الجرذان». كما أنه وعد بالتصدى للمظاهرات التى تقول حكومته إن التى يقودها مجموعة من المحرضين المدعومين من الخارج، وهو نفس المنطق الذى كان يستخدمه القذافى لتشويه صورة الثوار الليبيين. وأثارت كلمة «البشير» الأخيرة موجة من التعليقات الساخرة على المواقع والمنتديات السودانية خاصة التابعة لقوى المعارضة، حتى إن بعضهم قال إنه لم يتبق لـ«البشير» إلا أن يقول إنه سيتعقب المتظاهرين «زنقة زنقة» و«ودار دار» لكى يتطابق حديثه مع تعبيرات القذافى الشهيرة.
وتشهد الخرطوم ومدن سودانية أخرى احتجاجات وتظاهرات كبيرة، بدأت باحتجاجات طلابية بسبب غلاء الأسعار منذ أكثر من 11 يوما فى جامعة الخرطوم، كبرى الجامعات السودانية، ثم امتدت لجامعات أخرى لرفض خطط التقشف التى أعلنتها الحكومة السودانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ووصول التضخم إلى مستوى غير مسبوق.
كانت الحكومة السودانية قد أقرت خططاً للتقشف بسبب العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة، تتضمن رفع الدعم عن المحروقات، حيث رفعت أسعار النفط إلى نحو 60%، وزيادة ضريبة أرباح الأعمال على البنوك إلى 30% إضافة إلى زيادة فى ضريبة القيمة المضافة.
من جهته، أكد وزير المالية السودانى على محمود أن الحكومة ستتمسك بقرارها خفض دعم الوقود على الرغم من المظاهرات. وقال الوزير إن الحكومة لا خيار لها سوى خفض الإنفاق لسد عجز المالية العامة والذى قال فى وقت سابق إنه وصل إلى 2.4 مليار دولار، وأضاف: «فى حالة ارتفاع أسعار النفط العالمية سنزيد أسعار المحروقات ولن نتراجع عن قرار رفع الدعم للمحافظة على المؤشرات الكلية للاقتصاد ونسبة النمو الحالية».
وخفض الدعم على الوقود من بين الإجراءات الأكثر إثارة للاستياء الشعبى فى خطة الحكومة، لأنه من المتوقع أن يرفع معدلات تضخم أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع وهى عالية بالفعل حالياً. وخسر السودان الذى يشهد حالة شبه إفلاس مليارات الدولارات من العائدات النفطية بعد انفصال الجنوب فى يوليو 2011. وتملك هذه الدولة الوليدة ثلاثة أرباع احتياطي النفط الخام فى السودان قبل الانفصال. وكانت العائدات النفطية للسودان التى تقلصت أصلا منذ استقلال جنوب السودان قد تراجعت أيضًا بنسبة 20% بعد معارك ألحقت أضرارًا بالبنى التحتية فى أهم حقل نفطى فى هجليج فى أبريل الماضى، بحسب خبراء دوليين.