x

زغاريد وتهليل وتكبير في «العنبر 500» لتأهيل مصابي الثورة ابتهاجًا بفوز «مرسي»

الإثنين 25-06-2012 22:27 | كتب: ريهام العراقي |
تصوير : اخبار

قد تقودك الصدفة وحدها إلى السير أمام مبنى واحد يضمهم، إلا أنك لا تعلم أن هناك 15 من مصابى شباب الثورة لا يزالون يعالجون هنا من إصابات حرجة رغم مرور عام ونصف على ثورة 25 يناير، جعلت بعضهم أسيراً لكرسى متحرك قد يقضون عليه باقى سنوات عمرهم، لا تعرفهم لكنهم خرجوا من أجلك أنت وأبنائك لتحقيق حلم واحد «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».

هنا وداخل العنبر رقم 500 بالدور الخامس فى مركز القوات المسلحة للعلاج الطبيعى والتأهيلى، عاشت «المصرى اليوم» لحظات الإعلان عن أول رئيس مصرى منتخب مع مصابى ثورة يناير.

شاء القدر أن يأتى به إلى كوبرى قصر النيل يوم 28 يناير، المعروف بـ«جمعة الغضب»، ليسمع الآلاف يرددون هتافات «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، فما كان منه إلا أن نسى مأمورية العمل التى أتت به من محافظته الإسكندرية ليسير فى مظاهرة سلمية لم يكن يعلم وقتها أنها قد تجعله أسيراً لكرسى متحرك بقية حياته.

هو محمد مصطفى، شاب سكندرى فى الثامنة والعشرين من العمر، يعمل فنى كمبيوتر فى إحدى الشركات الخاصة بمحافظته، لن ينسى وجه قائد السيارة الذى قام بدهسه مع غيره من المتظاهرين، فالموت كان الأقرب إليه لحظة وقوع الحادث ليتطاير معه ورق عمله ورزقه الوحيد الذى كان يتحصل منه على 300 جنيه فقط تعينه فى الإنفاق على أسرته، ليعيش بعدها فى متاهات العلاج، فهو مصاب بكسر فى القدم اليسرى، وقام بتركيب شريحتين فى العنق والظهر ليرقد بعدها محمد على كرسى متحرك منذ ذلك الحين.

فى إحدى الغرف بالطابق الخامس بمركز القوات المسلحة للعلاج الطبيعى يجلس «محمد» بصحبة زوجته منذ خمسة أشهر للعلاج، لم يعد يفكر فى مستقبله الذى بات مجهولا، وإنما يفكر فى ابنته الوحيدة «نسمة» التى يحلم لها بمستقبل أفضل من خلال رئيس شرعى منتخب، يحقق مطالب الثورة التى أصبحت صعبة المنال على حد قوله. عقارب الساعة تشير إلى الثالثة والنصف، يتحدث محمد بعصبية إلى زوجته قائلا: «هما مش هيعلنوا النتيجة بقى»، وتحاول الزوجة تهدئته دون جدوى، فهو اليوم الذى بات ينتظره منذ قيام الثورة، يطلب من زوجته مساعدته للانتقال إلى غرفة راندا سامى، إحدى مصابات الثورة، للاستماع إلى إعلان لجنة الانتخابات عن أول رئيس مصرى منتخب من صناديق الاقتراع، يخرج محمد من غرفته ليتقابل مع محمد سمير أحد أصدقائه وأحد مصابى الثورة ليدور بينهما حديث جانبى: «أنا خايف يا سمير وحاسس إن شفيق هو الرئيس وساعتها حقنا هيروح هدر يا محمد»، إلا أن «سمير» يرد عليه بكلمات حاسمة: «ماتخافش يا محمد، الميدان لسه موجود، وزى ما شيلنا مبارك نقدر نشيل غيره».

تقطع حديثهما راندا سامى، إحدى مصابات الثورة قائلة: «تعالوا بسرعة المؤتمر بدأ»، ما يقرب من عشر دقائق لم ينطق أحد من المصابين بكلمة واحدة، فجميعهم يستمع إلى بيان المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، حتى قطعت «راندا» حبل الصمت لتقول بكلمات يعتصرها الحزن «ارحمنا بقى، قول وخلصنا، شفيق ولا مرسى»، ليجيب عليها محمد: «والله أنا حاسس إنه هيحصل زى ما حصل فى محاكمة مبارك، ويعلن سلطان عن فوز شفيق»، وترد عليه «راندا» «ساعتها مفيش قدامنا غير الميدان»، إلا أن «سمير» يقول: «الميدان مسيطر عليه الإخوان المسلمين» فتجيبه «راندا»: «بس المنصة الرئيسية بتاعة مجلس أمناء الثورة ماتخافش يا سمير حقنا وحق الشهدا مش هيروح هدر».

إعلان المستشار فاروق سلطان عن قبول عدد من الطعون المقدمة من الفريق أحمد شفيق فى عدد من اللجان وبطلان عدد من أصوات الدكتور محمد مرسى تسبب فى خروج عدد من المصابين من غرفهم وبكاء «راندا» التى أخذت تردد عبارة واحدة: «يارب انت ما ترضاش بالظلم»، ليحاول «سمير» تهدئة روعها بروح الدعابة قائلا: «اهدى يا راندا، إنتى عندك السكر بدل ما تجيلك غيبوبة دلوقتى قبل ما تسمعى قرار اللجنة»، إلا أن راندا سامى والمصابة بشلل رباعى لا تستطيع نسيان اليوم الذى كانت تقوم فيه بتأدية واجبها.

«راندا» تعمل رئيسة تمريض فى أحد المستشفيات الخاصة، قررت النزول إلى الميدان لإسعاف المصابين فى المستشفى الميدانى، وكانت تقوم بإسعاف شاب مصاب بطلق نارى فى كتفه، لتفاجأ بضابط أمن مركزى يحاول القبض على المصاب، وعندما حاولت الدفاع عنه قام الضابط بسبها وإهانتها، فلم تحتمل السكوت وقامت بالبصق عليه، فجن جنون الضابط، وقام بضربها بعصا غليظة على ظهرها وعنقها، رغم ذلك لم تترك الميدان وقررت مداواة باقى المصابين لتشعر بعدها بآلام شديدة، لتظهر الأشعة والفحوصات وجود تجمع دموى حول الحبل الشوكى يحتاج إلى إجراء جراحة عاجلة، وتخرج بعدها «راندا» مصابة بشلل رباعى وأسيرة لكرسى متحرك قد تجلس عليه باقى سنوات عمرها أو تستغنى عنه إذا سافرت للعلاج بالخارج.

«هنعمل إيه لو شفيق فاز وبقى الرئيس» سؤال سيطر على عقول مصابى الثورة طيلة الاستماع إلى مؤتمر اللجنة العليا وقبل الإعلان عن الرئيس القادم، ليعلن «محمد» أنه لا يوجد أمامه بديل سوى الاعتصام فى ميدان التحرير، ويقرر «سمير» غلق حجرته بمركز التأهيل والخروج بكرسيه المتحرك فى مظاهرات تنادى بإسقاط حكم العسكر، ولم يستطع «حمادة السويسى» الإجابة على هذا السؤال فهو ضحى بجسده الضئيل من أجل حرية مصر، بينما ترى «راندا» أن من بدأ المشوار عليه استكماله، لذلك فهى ستضحى بآخر قطرة فى دمها من أجل تحقيق الثورة.

«تعلن اللجنة العليا للانتخابات عن فوز مرسى رئيسا لمصر» هى النتيجة التى هزت أرجاء المركز التأهيلى، فبمجرد الإعلان عن فوز مرسى أطلقت راندا سامى العشرات من الزغاريد ابتهاجا بالإعلان عن فوز الدكتور مرسى، وأخذ يردد «محمد»: «الله أكبر.. الثورة نجحت»، وتساقطت دموع الفرحة من عين «سمير»، وتحولت أجواء المركز من الحزن إلى البهجة والفرحة، وحرص جميع المصابين على الخروج من حجراتهم لتهنئة بعضهم البعض بانتصار الثورة.

«الفرحة كبيرة عندنا، وحسينا بنجاح الثورة بعد فوز مرسى، ولو شفيق كان نجح كنا حسينا إننا معملناش حاجة» بهذه الكلمات عبر «حمادة على» 21 سنة، الطالب بكلية النظم والمعلومات، عن فرحته بفوز الدكتور مرسى برئاسة الجمهورية قائلا: «أصبت يوم جمعة الغضب أثناء خروجى فى مظاهرة سلمية مع عدد من أصدقائى فى محافظتى السويس بطلق نارى فى جانبى الأيسر تسبب فى كسر الفقرتين الثانية والثالثة، مما أدى إلى قطع حالب الكلية اليمنى بالإضافة إلى طلق نارى فى يدى اليمنى وأستكمل علاجى بالمعهد منذ شهر يناير الماضى وأشعر بتحسن بطىء فى العلاج».

جلوس «حمادة» على كرسى متحرك لا يشغل باله بقدر ما يشغله الآن مساندة الدكتور مرسى لتحقيق مطالب الثورة قائلا: «بلاش نتكلم عن شفيق والنظام السابق لأنهم خلاص صفحة وانطوت، ولكن دلوقتى علينا التفكير فى كيفية مساندة الدكتور مرسى والوقوف بجانبه لمساعدته فى تحقيق مطالب الثورة، إحنا مش عاوزين تعويضات لكن عاوزين البلد تقف على رجليها مرة تانية، وده مش هيحصل إلا إذا أصبحت الحكومة والشرطة والجيش إيد واحدة»، مؤكدا أن فرحته «لن تكتمل إلا بعد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل».

محمد سمير، 27 سنة، أحد مصابى الثورة، لم يذق طعم النوم منذ يومين إلا ساعات متقطعة انتظارا للإعلان عن الرئيس القادم، فهو يرى أن الرئيس القادم سيجنى ثمار ثورتهم السلمية، ويحكى لنا عن يوم انتظاره للرئيس القادم قائلا: «لم أذق طعم النوم قبل ليلة الإعلان عن الرئيس القادم، وكنت متخوفا من فوز شفيق برئاسة الجمهورية بسبب الطعون الكثيرة التى تقدم بها للجنة العليا للانتخابات، ونجاح شفيق كان يعنى عدم نجاح الثورة، فأنا مصاب بطلقتين فى الرئة والظهر أثناء خروجى فى المظاهرات فى منطقة المطرية، ومفيش مصدر دخل أصرف بيه على ابنى سمير وكنت زعلان فى الأول علشان كنت حاسس إن الثورة بتضيع من إيدينا لكن دلوقتى خلاص أنا مستعد أكمل باقى حياتى على كرسى متحرك طالما إن حقنا رجع والثورة تسير فى مسارها الصحيح».

ويرى «سمير» أن هناك فارقاً كبيراً بين الدكتور مرسى والفريق شفيق، فعلى الرغم من عدم انتخابه الدكتور مرسى فى الجولة الأولى إلا أنه يرى أن لجماعة الإخوان المسلمين تاريخاً طويلاً فى النضال السياسى قائلا: «إحنا طول عمرنا نسمع عن الإخوان المسلمين، ونشوفهم بينزلوا بقوافل طبية فى الأحياء الشعبية لمساعدة الفقرا، علشان كده مفيهاش حاجة لما نجربهم ونشوف هيعملوا فينا إيه».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية