أعلنت «لجنة الانتخابات الرئاسية» عصر الأحد 24 يونيو النتيجة النهائية لجولة الانتخابات الثانية بعد ماراثون طويل أرهق المصريين وأصابهم ببلبلة غير مسبوقة.
فوز مرسي بـ51,7% من الأصوات في الانتخابات أنهى جدلًا حول رئيس مصر القادم. لكنه لم ينه بأي حال الصراع السياسي الدائر في الشوارع ووراء الكواليس.
لا شك أن إعلان مرسي رئيسا للجمهورية يعد حدثًا تاريخيًا بكل المقاييس. فهو أول رئيس منتخب لمصر التي عاشت منذ فجر التاريخ في ظل حكومات ديكتاتورية من هذا النوع أو ذاك. وهو كذلك أول حاكم مدني لمصر منذ ستين عامًا بالتمام.
الأمر الأكثر «ثورية» من كل ما سبق هو أن مرسي – رئيس جمهورية مصر العربية المنتخب – ينتمي لجماعة ظلت منذ نشأتها عام 1928 حتى أمس فقط خارج السلطة. ليس هذا فقط، بل إن آلافا من أعضاء هذه الجماعة مكثوا في السجون خلال الأعوام الثلاثين الماضية أكثر مما استمتعوا بالحرية خارجها.
لكن رغم كل ذلك، فإن فوز مرسي الانتخابي يمثل شارة البدء لجولة جديدة من الصراع الدائر في البلاد منذ الخامس والعشرين من يناير 2011.
فقبيل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية اتخذ المجلس الأعلى القوات للمسلحة – القائم بأعمال رئيس الجمهورية – سلسلة من القرارات قيّدت سلطة الرئيس المقبل من الناحيتين القانونية والواقعية. فإلى جانب «الإعلان الدستوري المكمل» الذي حصّن القوات المسلحة وأعطى مجلسها الأعلى، منفردا دون غيره، حق تقرير شؤونها، والذي أعاد سلطة التشريع للمجلس العسكري بعد حل مجلس الشعب، فإن السلطة العسكرية تولت عمليًا مهمة إقرار الأمن في الشوارع من خلال إعطاء الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية سلطة الضبطية القضائية.
كل هذه الأمور، إلى جانب احتمالات أن يتولى المجلس العسكري مهمة تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، تعني أن السلطة العسكرية القائمة حرصت على أن يأتي الرئيس الجديد منزوع الصلاحيات مقيدًا بألف قيد وقيد.
وهكذا تدخل مصر في جولة صراع جديدة طرفاها الرئيس المنتخب المعزز بشرعيته الانتخابية من ناحية، والمجلس العسكري وقوى النظام السابق المعززين بشرعية الأمر الواقع والقوة المسلحة من ناحية أخرى.
وفي حين يتوقع البعض أن مصر مرشحة لأن تصبح جزائر جديدة بعد سلسلة الإجراءات «الانقلابية» التي اتخذها العسكر في الأسابيع الأخيرة، فإن إعلان فوز «مرسي»، في حد ذاته يعطي دلالة على أن الصراع على الطريقة المصرية سيكون ناعمًا وطويلًا ومليئًا بالصفقات والحلول الوسط.
فلا يخفى على أحد أن قبول رئاسة «مرسي» من جانب السلطة القائمة يعد مؤشرا على قبول «العسكر» بالأمر الواقع جزئيا وعدم رغبتهم في تصعيد الصراع إلى حد إعلان الفريق «أحمد شفيق» رئيسا على الرغم من نتائج فرز صناديق الانتخابات.
كذلك فإن قبول «الإخوان المسلمين» المتوقع لحل وسط ما بشأن تأسيسية الدستور ومجلس الشعب المنحل يشير إلى رغبة «الإخوان» في عدم دحرجة كرة الثلج أكثر من هذا.
لا أحد يمكنه توقع شكل ومسار الصراع «الناعم» بين «الشرعية الانتخابية» و«شرعية السيطرة على جهاز الدولة». لكن الاحتمال الغالب أن تشهد الساحة السياسية في المرحلة القادمة سلسلة من الاحتكاكات عنوانها «الصلاحيات».
فإذا قبل «مرسي» بصلاحيات مقيدة، فهو بالقطع لن يقبل أن يكون رئيسا شرفيا بلا صلاحيات. ذلك أن تجربة مجلس الشعب المنتخب لا تزال ماثلة أمام «جماعة الإخوان المسلمين»، حين فرحت «الجماعة» بتحقيقها لأكثرية برلمانية سمحت لها بالتحكم في السلطة التشريعية، لكن اتضح لها سريعا أن «السلطة التشريعية» معطّلة عمليا وغير قادرة على تمرير أي قوانين مهمة، وهو ما أدى إلى تراجع كبير في شعبية «الإخوان» في غضون ما لا يزيد على ثلاثة أشهر.
الخلاصة إذن أنه بانتخاب «مرسي» دخلت مصر إلى مرحلة جديدة في تاريخها؛ مرحلة تؤذن بتراجع سيطرة العسكر على مقدرات مصر السياسية بعد عقود طوال من الحكم العسكري المباشر وغير المباشر، لكنها كذلك تتسم بعدم الاستقرار وباستمرار الصراع من أجل تصفية النظام السابق الذي ما زال ممسكًا بجهاز الدولة.