هجوم ضار باسم الدين والأخلاق، تقابله حالة دفاع مستميت باسم حرية الإبداع.. تطورت الأحداث إلى حالة جدل تقترب إلى حد «الفوضى الفكرية»، وربما لا تنتهى بتلك «الوقفة الاحتجاجية».
هذا ما جناه فيلم «بالألوان الطبيعية» حتى الآن، ومعه تحولت كلية الفنون الجميلة– ساحة الفيلم والمعركة– إلى مقصد لكل الآراء والاتهامات، ولكن– بعيدا عن الفيلم– ما الصورة الحقيقية لهذه الكلية «بالألوان الطبيعية»؟
«المصرى اليوم» دخلت مقر كلية الفنون الجميلة بالزمالك، واستطلعت آراء مجموعة مختلفة من الطلبة حول الفيلم المثير للجدل، فوجدنا أن أغلبهم- عدا عدد قليل منهم- لم يشاهدوا الفيلم بعد، بل لا يرغبون فى مشاهدته من الأساس، بسبب غضبهم من مجرد عرض الإعلان عن الفيلم على التليفزيون.
«شاركت فى الوقفة الاحتجاجية علشان أحاول أمنع عرض المشاهد اللى بتجرحنا إحنا كطلبة فنون جميلة». هكذا علقت آية سامى- 20 عاما- طالبة بالسنة الثانية قسم جرافيك على الفيلم، وأكملت: «أنا ما شفتش الفيلم، لكن كفاية الإعلان اللى بيتعرض فى كل وقت، إحنا كليتنا محترمة ومفيهاش بنات بيقلعوا هدومهم زى ما بيَّن الفيلم».
أكثر ما أثار غضب «آية» بعد عرض الإعلان هو تلك النظرة السلبية التى أصبحت تتلقاها هى وصديقاتها يوميا عندما يعلم أحد بأنهن طالبات فى كلية الفنون الجميلة.
إحدى صديقاتها المحجبات مثلا وهى فى طريق عودتها لمنزلها استقلت أحد أتوبيسات النقل العام، وكانت تحمل معها «شاسيه» الرسم، فسألتها إحدى الراكبات عن كليتها، ولما أجابت: فنون جميلة، رمقتها السيدة بنظرة ذات دلالة، وأضافت: «والله أنا أول مرة أعرف إن فنون جميلة فيها بنات محجبات»، وصديقة أخرى أصر أحد معارفها الشباب على أن تصطحبه معها إلى مقر الكلية «علشان يروح يتفرج».
أحمد مصطفى، طالب بالفرقة الثانية بالكلية، لم ير الفيلم أيضا، لكنه اكتفى بمشاهدة الإعلان الذى أثار غضبه بشدة، ويبرر ذلك بأنه فهم من الإعلان أنه لا يتوافق مع ما يتعلمه الطلبة فى الكلية، حيث أظهر الإعلان أن طلبة فنون جميلة يرسمون «الموديل العارى»، وهو الأمر الذى نفاه «مصطفى» بشدة، مؤكدا أنه لا يحدث حاليا على الإطلاق.
ويتابع: «هذا النوع من الفنون مثل رسم الموديل العارى وتجسيد جسم الإنسان كان موجودا فى الكلية منذ سنوات طويلة، تتعدى الخمسين عاما، عندما كان جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية، فنتيجة للحرية النسبية وقتها والأفكار الاشتراكية، كانت تقوم الكلية بالفعل بتدريس ورسم ونحت الموديل العارى، وذلك من خلال موظفة كانت تعينها إدارة الكلية لهذا الهدف بالأساس لرسمها عارية مقابل راتب شهرى.
ويستطرد: «وقتها كان يعتبر ذلك نوعا من الفنون، وليست له علاقة بالقواعد الأخلاقية، ويعود ذلك أيضا إلى انتشار الأساتذة الأوروبيين، الذين كانوا يقومون بالتدريس فى الكلية، أما حاليا فلا يمكن رسم أو نحت موديل عار داخل الكلية».
«مصطفى» يوضح أن هناك العديد من الفنانين الكبار، الذين يقومون بتجسيد جسم الإنسان فى رسمهم ونحتهم، لكنهم يقومون بذلك فى معارضهم الخاصة، وليس داخل حرم كلية فنون جميلة، مؤكدا أنه لا يمكن أن يرسم جسد فتاة عارية حتى وإن طلبت منه ذلك، لأن ذلك يتنافى مع القواعد الدينية.
مهند شبانة، طالب فى الفرقة الثانية قسم تصوير، أحد القلائل الذين شاهدوا الفيلم لتكوين رأى صحيح حول ما جاء به، يقول: «معنديش اعتراضات فنية على الفيلم.. أنا دخلته وشايف إنه فيلم كويس حتى لو فيه بعض المبالغات، واللى حصل فى الفيلم بيحصل فعلا فى الكلية وبره الكلية كمان، لأن المشكلة فى التوفيق بين الدين والحياة والفن، مش مشكلة طلبة كلية فنون جميلة وبس، لكنه موضوع الناس كلها بتفكر فيه وبيمس حياتهم».
اعتراض شبانة الوحيد ليس على الفيلم، وإنما على الإعلان الذى يعرض فى التليفزيون لـ 80 مليون مصرى «أكيد مدخلوش الفيلم، لكنهم كلهم شافوا الإعلان وتابعوه وكونوا فكرة سيئة عن الطلبة، خاصة البنات منهم».
«الواحد دلوقتى بيبقى ماشى بشاسيه الرسم فى إيده، كأنه بالظبط ماسك زجاجة خمرة». هكذا عبر عمر هاشم- 19 عاما، طالب بكلية التربية الفنية، وهى الكلية التى لا يفصل بينها وبين فنون جميلة سوى عدة أمتار قليلة- عن شعوره وما يتعرض له حاليا بعد عرض فيلم «بالألوان الطبيعية».
ولدى «هاشم» الذى شاهد الفيلم العديد من الاعتراضات والتحفظات أهمها أن أحداث الفيلم غير واقعية، لأن الطلبة والأساتذة تمنعهم التزاماتهم الدينية والخلقية من استخدام الموديل العارى «ما ننكرش إن إحنا أحيانا بنستعين بموديلز علشان شغلنا، لكنهم بيبقوا بنات عادية ومحترمة، مش بنات عريانة وجاية تقلع فى الكلية». «هاشم» نظم وقفة احتجاجية داخل مقر كلية التربية الفنية تزامنا مع الوقفة التى نظمها طلبة فنون جميلة.
نرمين محسن-19 عاما– طالبة بالكلية وكانت من أكثر المتحمسات للوقفة الاحتجاجية التى شاركت فيها، وسعدت بشدة لمشاركة عميد الكلية أيضا فى الوقفة تضامنا مع الطلبة.
وتقول : «ليس ذلك فقط اعتراضا على الفيلم، الذى لم أشاهد منه سوى إعلانه، وإنما أيضا حتى لأثبت لأهلى أن ذلك لا يمكن أن يحدث فى الكلية، فهم اعترضوا منذ البداية على التحاقى بالكلية بسبب «الاعتبارات الدينية»، ولكن أمام إصرارى اضطروا إلى الموافقة، وبعد أن شاهدوا إعلان الفيلم، جددوا مطالبهم لى بترك الكلية، والتحويل إلى أى كلية أخرى «محترمة».