يخترق صوت العبقرى محمود المليجى، ونحن بصدد الدخول إلى عالم الطين والأرض والفلاحة والقطن والقمح- آذاننا وأفكارنا. نمر على وجوه مصرية نحتت الشمس على تفاصيلها تاريخاً من الشقاء والتعب، يقول محمد أبوسويلم: «ما حدش مكوى فى البلد دى إلا اللى مرمى فيها».
الفلاحين.. حاربوا سوا أيام الإنجليز والسلطة، شافوا الموت بعنيهم ودفنوا ناس منهم فى التلج لا خافوا ولا ولوا.. ليه؟!، لأنهم رجالة وبيقفوا وقفة رجالة.. الفلاحين حاربوا فى ثورة 1919 مع سعد باشا، حرقوا الغيطان وقطعوا السكة الحديد فى وش الإنجليز انضربوا واتحبسوا وفضلوا رجالة واقفين وقفة رجالة.
الفلاحين.. لما كانت حياتهم متعلقة بشعرة وبينهم وبين الموت خطوة ماخافوش، هجموا بصدورهم وهاجموا عدوهم، فضلوا رجالة ووقفوا وقفة رجالة.
لكن دلوقتى.. هما فين؟!
طوال 30 عاماً اختفت فيها الزراعات التى طالما اشتهرت بها بلادنا وحفرت لها مكاناً فى كل أسواق العالم بأيدى «أبوسويلم» ورفاقه الذين يعشقون ماء النيل والطين والفأس والقطن الذى ينتظرونه دائماً ليسد الأفواه المفتوحة والبطون الخاوية، والديون المتراكمة، وزواج البنات والبنين.
ليس الفلاح أبوسويلم فقط، لكنه أيضاً «عويضة» الذى قال عنه الأبنودى وكأنه يرسل لكل رئيس ولأى رئيس فى كل زمان وعهد:
إذا مش نازلين للناس فبلاش
لإن حمول الأيام مش مرفوعة
إذا يد «عويضة» ما ترفعهاش
والقولة الحقة مش حقّة
إذا صدر «عويضة» ما طلّعهاش
والخطوة ح تفضل مشلولة
إذا قدّامنا «عويضة» ما خطاّش
من الفلاحين إلى الرئيس: الحرية عليك والخبز علينا
«عيش حرية عدالة اجتماعية» هذا الشعار لم ينطلق فقط فى شوارع المدن، وسط أبناء الطبقة المتوسطة، لكنه انطلق بقوة أكبر من الفلاحين وأبنائهم، لا تمنعه سوى السماء. هذه المطالب هى حلم كل فلاح يحلم باليوم الذى يعمل فيه ابنه فى وظيفة يحصل منها على حد الكفاف والحياة الكريمة فى أبسط صورها، قبل الثورة تزايدت أعداد أبناء الفلاحين الذين انضموا إلى طابور البطالة الطويل، والمتيسرون منهم اشتروا الوظائف فى بورصة التعيينات التى وصل سعر أقل وظيفة فيها إلى 20 ألف جنيه يتم دفعها لسماسرة الوظائف.المزيد..
الحصاد.. عيد الفلاح الذى أصبح «سرادق عزاء»
خطوات قليلة خارج منزل «إبراهيم برجل» وكنا على مشارف درجات اللون الذهبى الذى يسيطر على المساحات الشاسعة لأراضى عزبة برجل. هدوء وطمأنينة تتسرب إليك بمجرد رؤية السنابل المتوهجة اللامعة تحت أشعة الشمس، تشعر بأن وطننا آمن لا محالة، وأننا سنستطيع يوماً أن نكتفى ذاتياً من الغذاء ما ظلت هذه الأرض وهؤلاء البشر، الذين ألقوا بتعويذتهم السحرية على زميلى المصور، لينطلق إليهم بكاميرته ليصطاد كادرات الشقا والتعب أثناء موسم «دريس القمح».المزيد..