x

الحصاد.. عيد الفلاح الذى أصبح «سرادق عزاء»

الأحد 10-06-2012 07:39 | كتب: اخبار |
تصوير : أحمد هيمن

خطوات قليلة خارج منزل «إبراهيم برجل» وكنا على مشارف درجات اللون الذهبى الذى يسيطر على المساحات الشاسعة لأراضى عزبة برجل. هدوء وطمأنينة تتسرب إليك بمجرد رؤية السنابل المتوهجة اللامعة تحت أشعة الشمس، تشعر بأن وطننا آمن لا محالة، وأننا سنستطيع يوماً أن نكتفى ذاتياً من الغذاء ما ظلت هذه الأرض وهؤلاء البشر، الذين ألقوا بتعويذتهم السحرية على زميلى المصور، لينطلق إليهم بكاميرته ليصطاد كادرات الشقا والتعب أثناء موسم «دريس القمح».

ترعى مجموعات الخراف والماشية فى الحقول التى انتهى أصحابها من جمع محصول القمح، فيها تأكل بقايا النباتات الناضجة بينما اصطفت مجموعة كبيرة من الفلاحين داخل إحدى قطع الأراضى، فى 3 مجموعات استطعنا أن نتبين فيها تقسيماً بسيطاً للعمل: المجموعة الأولى تجمع سنابل القمح فوق بعضها البعض، والثانية يرفعون تلك الأكوام ويحملونها إلى ماكينة «الدريس» وهى آلة تقطع أعواد القمح الجافة، بواسطة «سكاكين» تدور بسرعة كبيرة، بينما تقوم مكونات الآلة من الداخل بفصل «التبن»- بقايا السنابل، وحبات القمح، وتقوم المجموعة الأخيرة بتعبئة الحبوب فى الأجولة وهناك من يضع كميات محسوبة من السنابل فى مقدمة الماكينة، وآخر يبعد كميات التبن التى تطردها الآلة من داخلها حتى لا تتراكم حولها وتعرقل العملية.

لوحة جماعية فك شفرتها «شحات جبريل عبدالباسط» قائلاً: «الفلاحون لهم عادة تعاونية عبقرية، توارثوها عن أجدادهم وهى أن الجيران، سواء جيران الأرض أو البيوت، يتعاونون جميعاً فى جمع المحصول، أنا أجمع محصول جارى اليوم ومعى زوجتى وأبنائى وهو يعاوننى مع زوجته وأولاده فى جمع محصولى فى اليوم التالى وبهذه الطريقة نوفر قيمة استئجار العمالة».

«بالله عليك يا أستاذ قولوا للريس عايزين تسعيرة لدوا البهايم زى دوا البنى آدمين»، هكذا بادرنا «جابر قطب» الشاب الذى قدمه جيرانه على أنه الفلاح الفصيح والذى يستكمل حديثه قائلاً: «البلد دى يا أستاذ مربوطة فى بعضها زى الدومينو، يعنى علشان تحل مشكلة العامل لازم تحل مشكلة الفلاح ولو عايز تحل مشكلة الفلاح لازم تحل مشكلة الدكتور البيطرى والمهندس الزراعى، والمعلم والطبيب مثلاً أكبر مشاكلنا اليوم هو محصول القطن الذى أصبح كابوساً نعانيه كل عام، فالنظام السابق قام بتكهين ماكينات القطن طويل التيلة واستورد ماكينات تعمل بالقطن الأمريكى قصير التيلة، لذا ترفض المصانع الآن القطن المصرى طويل التيلة وتستورد الأمريكى بدلاً منه، واضطر الفلاح إلى زراعة القطن الأمريكى وإعلان انقراض السلالة المصرية الأشهر فى العالم.

«شحات جبريل» أحد الفلاحين الذين هرولوا إلينا بعد أن جلس القرفصاء أمام الترعة لينزع ما أصابه من بقايا السنابل والتراب المتخلف عن عملية الحصاد ليقول: «أنا بقالى 50 سنة هنا ومش قادر أقولك عدد الأمراض اللى عند الفلاح من أول البلهارسيا لحد اللى حصل لنا بسبب المبيدات إياها اللى جابها الله لا يرحمه، وبعد كل ده، ملناش تأمين أو معاش أو رعاية صحية».

«عايزين مدارس لأولادنا، خاصة المدارس الزراعية وكليات الزراعة والطب البيطرى، لأننا بنعوض خساير المحصول بالثروة الحيوانية، اللى مارحمهاش مبارك وأعوانه، واستوردوا لنا مواشى من أفريقيا وأوروبا جاءت لنا بالوباء»، يكمل «صبحى إبراهيم» كلامه: «عايزين الريس ييجى لحد عندنا ويحاول يدخل من الطريق الترابى اللى معجز ولادنا عن الذهاب لمدارسهم وكمان عايزينه يحنن قلب الجمعية الزراعية وبنك التنمية علينا، ولو بصحيح قلبه على البلد يرجع الدورة الزراعية وإحنا نرجع أفراح الحصاد تانى، بدل العزاء اللى بنقيمه مع كل محصول.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية