x

المزارع النوبى: «شـُرم برم.. حالى تعبان»

الأحد 10-06-2012 07:44 | كتب: اخبار |

انتهت مقدمة الحداثة والرقى التى استقبلنا بها مطار أسوان بعد أقل من ربع ساعة من استقلال سيارتنا إلى قرية أرمنا النوبية، وأمام بوابات القرية استقبلتنا الألوان الزاهية للمنازل النوبية المميزة بالدور الواحد والبنية الهندسية النوبية وشمس تتثاءب فى الأفق لتوقظ أبناء النوبة الذين يستيقظون من الخامسة صباحاً للخروج إلى الجبل. من بينهم «أسامة عبدالعال عبدالمتعال» ابن الـ«27 ربيعاً»، والذى كان مفتاحنا إلى الجبال النوبية البعيدة عن القرية، حيث يقوم برحلة يومية إليها لرعاية «الفدان اللى حيلتى»، كما قال.

طريق ترابى طويل استمر «أسامة» يصارعه بعربته «الكارو» لمدة 25 دقيقة منتصب القامة على مقدمة العربة، شاهراً عصاه فى وجه الشمس ليبدو كأحمس نوبى جديد يسعى لهزيمة هكسوس الفقر واليأس والإهمال.. وقبيل أن يستقر بالعربة على جانب الطريق الملاصق لأرضه بادرنا: «لدى كل بيت فى القرية أرض زراعية لا تتعدى الفدانين لأكثر المنازل حظاً، وهذه الأراضى عوضهم بها جمال عبدالناصر بعد التهجير لكنها كانت أراضى رملية صحراوية وطوال أكثر من خمسين عاماً مرت استطاعوا أن يعمروها.

«عبدالمتعال وآسيا ومصطفى أولادى وقرة عينى، سأموت فى أرضى من أجل تعليمهم ليكونوا أكثر حظاً منا مع الوظائف فى هذا البلد بدلاً من تهجيرهم إلى دول الخليج ليكونوا تحت رحمة الكفيل أو فى شرم الشيخ ليستخدموا فى زيادة ثروة الأثرياء.. لكن هل يتحقق حلمنا لهم بأن يحصلوا على تعليم جيد فى أبعد نقطة فى مصر؟ هل سيعيشون أيام مبارك مرة أخرى أم أن الحلم الذى رأيناه فى التحرير سيصل نسيمه إلى أرضنا المهملة فى القريب؟».

بهذه التساؤلات الباكية تركنا «عبدالعال» مع إبراهيم وجيه فرج، أحد أبناء النوبة الغارق فى كومة القصب، والذى انكسرت فقرات ظهره إثر عملية كسر القصب، وفى لحظة اعتدل ليسدد سهاماً مباشرة إلى أوراقى وعدسة «فؤاد الجرنوسى» بمجرد أن علم بالرسالة التى نريد العودة بها إلى قصر العروبة من النوبة، ليقول: «يا أساتذة حال المزارع النوبى بقا (شرم برم) كما غنى (محمد منير) فبلادنا طوال فترة منذ التهجير وطوال فترة حكم مبارك أيضاً، حققت ما قاله منير بكونها (غندورة ماشية بتتمختر.. بين الإمام والشهبندر) وكان المزارع النوبى (غاوى قاعد يستنظر.. حب العزيز يطرح رمان)، ولكن أرض التهجير التى ألقانا فيها عبدالناصر من أجل مشروع السد العالى لم تكن حب العزيز، بل كانت (حنظل) سقانا المر وسقيناها بعرقنا ودمائنا وشربنا ملح الأرض وحرثناها بأيدينا لكى تطرح القصب الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع».

رجل آخر يجلس القرفصاء ويكشف عن قدمين صلبين، استدار إلينا ليكشف عن وجه أسمر ملأت جنباته التجاعيد وابتسامة اصطادت عدسة زميلى لتسبق العدسة القلم إلى عبدالرحمن نصر الدين سمبل «66 عاماً» بن قرية خريت النوبية الذى بادرنا قائلاً: بكلمات رنانة فى رسالة حملنا إياها إلى الرئيس القادم حين صاح من قلب الحقل «يا أساتذة لما ترجعوا مصر قولولهم النوبيين بيحبوا الثورة وعايزين يرجعوا بلادهم تانى، الشهدا ماتوا علشان مصر كلها مش علشان الناس اللى فى التحرير وبس».

ودعنا عم «عبدالرحمن» وشقت عربة الكارو طريقها عائدة إلى القرية وكلمات «أحمد فؤاد نجم» ترن فى آذاننا:

يا حلم يا جناح المساكين

يا وعد من ورد البساتين

ملايين ربيع رايحين جايين

والكون حزين من غير ألوان

شرم برم.. حالنا تعبان.. شرم برم.. حالنا غلبان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية