x

النوبة القديمة: البكاء على ضفاف بحيرة «السد»

الأحد 10-06-2012 07:43 | كتب: اخبار |

تحت مياه النيل الداكنة، تقبع أجساد سمراء حفرت بأيديها سطور من ذهب فى وطننا العزيز.. ولأننا كنا هناك بالقرب من «ترهاقا» و«بعنخى» و«كوش» ممالك النوبة القديمة، كان علينا أن نبحث عن الكنز الأسمر لتقودنا أقدامنا إلى جمعية منشية النوبة. التقينا رجلاً يحمل أختام أسرار النوبة القديمة ليصحبنا فى رحلة إلى سطور التاريخ.. إلى النوبة القديمة.

«حضرت التهجير وكنت فى الصف الأول الإعدادى واستوعبت كل الأحداث» هكذا بدأ الرجل حديثه وهو جالس على مكتبه المزخرف بالفن النوبى، ويستكمل: «فى 1964 أذكر تحويل مجرى النيل وأهالى النوبة وهم يبكون على جانبى الطريق وينظرون فى خيبة أمل وحسرة إلى منازلهم، ونخلهم وقبور أجدادهم التى ابتلعها السد العالى وبحيرة ناصر».

استطرد قائلاً: «فى النوبة القديمة كانت كل القرى على ضفاف النيل، وكان يعيش فى وسط القرى النوبية صعايدة ومسيحيون جنباً إلى جنب، وفى الطريق إلى نوبة التهجير تصور البعض أننا سنجد فى انتظارنا مكاناً آدمياً مثل الجنة التى تركناها لكننا فوجئنا بأننا ملقون فى الصحراء بلا مياه أو مصانع أو زراعات، فقط جدران حجرية خانقة».

استرعى اهتمامنا مجموعة من الملفات والكتب وضعها «أبوالسعود» بجانبه وما أن بادرناه بالسؤال عن ماهية تلك الكتب حتى أجاب باقتضاب وثقة: «هذه هى القضية النوبية كاملة وموثقة»، ثم استخرج من بين المستندات كتيباً كبيراً كان عنوانه «تهجير النوبة» كتبته وزارة الشؤون الاجتماعية التى قامت على عملية التهجير، ووقعت عليه أول وزيرة مصرية، حكمت أبوزيد، وسطرت فى مقدمته «إن الخير الذى سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير لأنه سيجمع شملهم على الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوى سليم». ووقع أسفل العبارة «جمال عبدالناصر».

وفور أن قرأنا تلك الجملة ابتسم «أبوالسعود»، ثم أردف قائلاً: «شفتوا الخير اللى إحنا فيه يا أساتذة، (ناصر) رمانا فى الصحراء و(مبارك) قتل كل أحلامنا بوهم الحياة الكريمة، ولكن النوبيين لن يستمروا فى سكوتهم، وعلى الرئيس المقبل حل أزمتنا وأزمة شبابنا بتوزيع أراض زراعية لهم، مع عمل توسع عمرانى وتوفير فرص عمل بوظائف حكومية»، واستكمل الرجل: «والأهم من كل ذلك هو إعادة النوبيين لأراضيهم بما يحفظ هويتهم وثقافتهم».

وفور انتهاء تلك الكلمات اصطحبنا الرجل إلى «منزل سيدون» الذى يقع على ضفاف النيل بالقرب من خزان أسوان لنبدأ رحلة إلى النوبة القديمة بصحبة «أحمد سيدون» أحد أبناء الغرب النوبى.

وبعد لحظات كنا داخل أحد مراكب النيل ليقودنا «سيدون» إلى قرى النوبة القديمة أو «أطلالها» إن جاز التعبير ليعلق قائلاً: «آخر ما يمكننا رؤيته من قريتنا هو تلك المئذنة التى ظلت شامخة تشق صفحة المياه، وأبراج أسلاك التليفون الذى لم يكن متاحاً إلا لبيت العمدة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية