تدب الخطوات على رصيف المرسى فى «بحرى»، وتنشط المجاديف فى قلب المياه، لتكسر من اللوحة الصباحية سيطرة الألوان الأحمر والبرتقالى والأصفر الناتجى عن تثاؤب الشمس فى قلب البحر وخلفها تلوح فى الأفق أضواء المدينة الذهبية.
على الرصيف رجل أو اثنان يستقلون على حافة الرصيف بجانب أكوام الشباك والغزل التى تنتظر الوردية الصباحية للصيادين، يضع الرجل طاولة خشبية امتلأت بفصوص «الجمبرى» الفضية، فى انتظار هواة الصيد القادمين من مدن الدلتا ليبيع لهم الطعم.
وفى قلب المياه تظهر قليلاً فقليلاً ملامح المراكب الصغيرة تقترب من الشاطئ وينهمك الرجال فى رفع الغزل الذى غاص طوال الليل فى القاع، بحثاً عن الرزق.
تقترب المراكب أكثر، وينتهى الرجال من فض الاشتباك بين الروق والشباك، ويرفع أحدهم الحاوية الصغيرة التى وضع فيها حصاده ويستمر لدقائق محدقاً دون أن يحرك ساكناً ثم يضع الحاوية بجانبه ويلقى بجسده المنهك على كتف المركب الصغير، وينظر إلى السماء ويقلب يديه ويقبلهما «وش وظهر» على الرزق، يشعل سيجارة وينفث دخانها فى الهواء الملبد باليود، ويبدأ مداعبة القطط التى قفزت إلى المركب الصغير لاختطاف ما لذ وطاب من السمك الطازج ويلقى إليها بسمكة أو اثنتين.
وتصل المراكب الصغيرة إلى المرسى ليبدأ تجار الشادر فى رفع الأسماك القليلة التى خرجوا بها من قلب المياه فى جلبة أيقظت المدينة انتظرنا نهايتها حتى يحدثنا: «أحمد محمد جابر» الشاب الصغير الذى بادرنا «البحر بقى غلب ومافيش سمك، إحنا نازلين بالدنجل- المركب الصغير، نصطاد طعم للهواة علشان نقدر نجيب ثمن اللقمة».
بعد لحظات نصل مع «أحمد» إلى ورش تصنيع وتصليح السفن التى يركنون دنجلهم الصغير فيها حتى اليوم التالى، نلتقى بأسرته التى تعمل بالصيد، بادرنا عمه قائلاً: «انتوا جايين دلوقتى تدوروا على الصيادين، الصيد أصبح حكر على المراكب الكبيرة، معادش فيه سمك للغلابة أصحاب البحر بسبب «الماجة»- الشبك الضيق- الذى يجرف خير البحر كله دون أن يترك سمكاً كبيراً نصطاده أو صغيراً، لنضمن عدم انقراض الأسماك التى نقوم بصيدها».
واستطرد الرجل: «بطلنا نصطاد سمك، لأن الطلعة الواحدة للبحر بتكلفنا 50 جنيه بنزين وصنار وشعر- شبك ومعدات صيد- بحوالى 100 جنيه والصنانير التى نضع فيها الطعم ارتفع سعرها إلى 250 جنيه لكل 2 كيلو جرام و20 جنيه لأنابيب الأوكسجين».
ومع هذه الكلمات اندهاشنا من احتياج الصيادين إلى أنابيب أوكسجين، بادرنا «أحمد جابر»: «البحر فضى من السمك اضطررنا للغطس لنصطاد الجلاجولة- طعم- لأننا نبيع الكيلو الواحد بجنيهين ونصف، ليضمن كل منا مصروف علبة السجائر».
يشكو أحد الغطاسين: «حتى لما بقينا غطاسين بدلاً من الصيد، الحكومة مش عايزة ترحمنا ولا تسيب رحمة ربنا، فرخصة الغطس كانت بـ5 جنيهات لكل 3 أشهر الآن بـ80 جنيه شهرياً فى فترة النوة التى قد تستمر لشهرين أو أكثر».
يتدخل عم جابر، والد «أحمد» قائلاً: «والله اتعرض علينا نهرب شباب من محافظات كتير، كان كل اللى علينا ناخدهم فى المركب ونرميهم فى قلب البحر، وكان ممكن نكسب كتير، بس إحنا منقدرش نغضب ربنا وعندنا عيال، ونستحرم ناخد تحويشة عمرهم ونرميهم فى المجهول، زى ما ناس كتير بتعمل».