«إحنا مش عايشين».. «محدش سمعنا ولا هيسمعنا».. «مش عايزين حاجة غير العدل»، هذا لسان حال أهل قرى الصعيد بعد سنوات من الإهمال دفعتهم لليأس حتى من الشكوى، كلمات تعبر عن حالة من الرضا بأقل القليل، وعدم انتظار أى شىء من الحكومة أيا كانت. حتى بعد ثورة 25 يناير لم يجد سكان «مصر العليا» بصيص أمل فى المستقبل، هم لم يعودوا يطالبون بخدمات من صرف صحى أو مياه نظيفة أو كهرباء، أو طرقاً مرصوفة، لم يعودوا يحتاجون لأبسط قواعد الحياة الآدمية، اكتفوا بالحياة على الحافة، واعتادوا التجاهل والإهمال الحكومى، وكأنهم ليسوا جزءا من الدولة، إن سألتهم عن مشاكلهم يقولون «كله تمام»، لكن عندما تسأل عن أحوالهم المعيشية فستكتشف أطنانا من المشاكل تستعصى على الحل. ورغم كل مشاريع التطوير التى تحدثت عنها الحكومات المتعاقبة إلا أن الصعيد ما زال يضم أفقر 100 قرية على مستوى الجمهورية يسكنها 715 ألف نسمة، 76% من أهلها فقراء، إضافة إلى 1000 قرية أخرى فقيرة، وتصل نسبة الفقر فى محافظات الصعيد وفقا للإحصائيات الرسمية 57 % فى سوهاج و50 % فى المنيا، و44% فى أسيوط و32% فى بنى سويف و25% فى أسوان و19% فى قنا. «المصرى اليوم» حاولت رصد أوجاع صعيد مصر المهمل منذ عقود، واستعراض مشاكل سكان أفقر قراه، ومطالبهم من الرئيس المقبل، من خلال جولة بدأت بمحافظة الأقصر، وانتهت بالمنيا، رصدت فيها تشابه حال القرى المعدمة على طول خط الجنوب، فالهم واحد والإهمال واحد والمطلب واحد، الكل يبحث عن «العدل».
سكان «صنبو»: مبارك «شربنا المر».. ونفسنا فى رئيس يمنع التمييز
«عايزين الريس يعدل بين الناس ويعاملهم زى بعض دون تمييز بين مسلم ومسيحى»، جملة تكررت فى معظم لقاءاتنا داخل قرى الصعيد، رغم تأكيد الناس على عدم وجود خلافات طائفية، لكن المطلب الأول على لسانهم كان ضرورة عدم التمييز. فى قرية «صنبو» إحدى القرى التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، والتى تعد من أفقر قرى المحافظة سمعنا نفس الطلب، وقد يعود ذلك إلى أن سكان القرية من الأقباط كانوا ضحايا لهجمات الجماعات المتشددة فى التسعينيات، وتعتبر قرية صنبو أقدم بقعة تم تعميرها فى نطاق شمال مراكز محافظة أسيوط وتقع جنوب مركز ديروط وشمال مركز القوصية، ويشاع أن العذراء مريم أطلقت عليها هذا الاسم أثناء زيارتها لمصر، لأن السيد المسيح كان قد بلغ عمر سنة عندما وصلت إليها فسميت «سنة بو»، ويقول المؤرخون فى موسوعة الأقاليم المصرية القديمة إن صنبو قرية فرعونية قديمة سميت بذلك نسبة للأمير «سنبى» رئيس الكهنة فى العصر الفرعونى وكان اسمها «سنبو»، وبها آثار لم يكشف عنها النقاب حتى الآن، وفى عام 1317 تقريبا تحول اسمها إلى صنبو..المزيد...
ارتبط سكان الصعيد بالنيل، ورغم وصول المياه إلى المنازل، فإن الاستحمام فى مياه النيل والترع وغسيل الملابس وتنظيف الدواب فيها عادة قديمة لم تنتهِ بشكل كامل، مهما كثرت التحذيرات من الأمراض التى يسببها الاستحمام فى الترع. مشهد النساء وهن يغسلن الملابس والصحون على ضفاف النيل، والأطفال وهم يستحمون فى مياهه ويلعبون مع حيواناتهم، تكرر كثيرًا طوال رحلتنا فى الجنوب المهمل، واستوقفتنا ضحكات الأطفال وهم يلعبون فى المياه وحركاتهم البريئة وكأنهم بلعبهم يتخلصون من كل أوجاع قراهم فى النيل.. المتنزه الوحيد لهم. على شاطئ النيل فى قرية الروضة البلد بمركز ملوى بالمنيا جلست دميانة شمعون تغسل ملابس أسرتها وسط تجمع من النساء والأطفال، وقالت: «إحنا بندعك الهدوم والأطباق هنا علشان الهدوم مش بتنضف بمياه الحنفية، وبنملا مياه نعمل منها الشاى.» ..المزيد..
«حمرا دوم».. 3750 مواطناً فى «قرية الأرامل» التى أكلها «الدم» وغادرتها الشرطة
اتهامات بالسرقة والبلطجة وتجارة المخدرات تطارد قرية «حمرا دوم» بنجع حمادى، وصل بعضها إلى حد القول إن أطفال هذه القرية يحملون السلاح، هذه الاتهامات دفعتنا إلى التفكير فى زيارة هذه القرية للتعرف على حالها وواقعها رغم تحذيرات الكثيرين من مخاطر الذهاب إلى هناك. تقع القرية فى حضن الجبل، والوصول إليها يحتاج إلى السير مسافة طويلة بين الجبل والأرض الزراعية، سرنا فى الطريق المؤدى إلى «حمرا دوم»، ووصلنا إليها فى وقت الظهر، كانت القرية هادئة جدا، تجولنا فيها بالسيارة بحثا عن شخص نحدثه، فلمحنا شخصين من بعيد يخرجان من منزلهما ويحمل كل منهما سلاحا، سرعان ما اختفيا عند مشاهدتنا، واصلنا السير وسط منازل القرية الطينية، فى شوارع ترابية ضيقة ملتفة، ثم قررنا الخروج من السيارة والسير على الأقدام، وفور خروجنا إلى شوارع القرية بالكاميرات فوجئنا بأحد سكانها يخرج من منزله ويبدأ الصراخ تجاهنا رافضا تواجدنا للحديث مع الناس والتقاط الصور فى القرية، حاولنا تهدئته وشرح مهمتنا لكنه لم يقتنع وقال: «الجميع يأتون إلى هنا لاتهامنا بالبلطجة وحمل السلاح، لا نريد إعلاما أو تليفزيونا..المزيد..
قرية «ناصر».. بناها «الزعيم» على حدود تل العمارنة.. ونسيتها الدولة
ما إن تخرج من منطقة تل العمارنة الأثرية التى تضم قبر إخناتون وعدداً من النبلاء فى عاصمة عبادة إله الشمس «آتون»، حتى تجد تحت أشعة الشمس الحارقة قرية ذات طراز معمارى مميز، فمعظم منازلها من دور واحد بالطوب الأبيض، وشوارعها مثل غيرها فى الصعيد غير مرصوفة، تملؤها الحيوانات، اقتربنا لنتعرف على هذه القرية التى تقع على حدود منطقة من أهم المناطق الأثرية فى مصر، فكانت الإجابة أنها قرية «ناصر» التى بناها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسكان المنطقة، ومازالت منذ ذلك الوقت بلا أى خدمات من صرف صحى ومواصلات..المزيد...
قرى «طهطا» تشكو الفقر ونقص الخدمات: بيوت بلا ماء أو صرف صحى.. و«كوبرى» لم يكتمل
فى مركز طهطا بسوهاج، بلد رفاعة الطهطاوى، كانت جولتنا على أفقر القرى التابعة له، مركز المدينة نفسه لم يكن بأحسن حال فالطرق غير ممهدة، وبها كوبرى لم يكتمل يحاول ربط الشرق بالغرب، استغل أعمدته الباعة الجائلون، وفرشوا بضاعتهم وسط الطريق. قرى المركز لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض فكلها تعانى من الفقر ونقص الخدمات، توجهنا إلى إحدى هذه القرى وهى قرية السوالم، واستوقفتنا سيدة تدعى خيرية أحمد وقفت تحدثنا عن مشاكل القرية من نقص للخدمات والمياه والصرف الصحى..المزيد..
سألنا أهل «تونة الجبل» عن حالهم فقالوا «مش محتاجين حاجة» ثم ضحكوا: «محدش هيسمعنا»
واحدة من أفقر 100 قرية فى مصر، تحمل اسم منطقة من أشهر المناطق الأثرية فى المنيا، وتقع على الطريق الموصل لها، إنها قرية «تونة الجبل» التى تقع بالقرب من منطقة تونة الجبل الأثرية التى تضم عدداً من المقابر الأثرية أشهرها مقبرة شهيدة الحب الفرعونية «إيزادورا». ونحن فى طريقنا لزيارة مقبرة شهيدة الحب، استوقفنا مشهد القرية الفقيرة التى بنيت منازلها تحت مستوى الشارع ويحتاج الوصول إليها إلى النزول على سلالم متهدمة أسفل الطريق الرئيسى لتعثر على شهداء الفقر يعيشون دون أى خدمات، لا تصل المياه أو الصرف الصحى إلى منازلهم..المزيد.
«بنى محمديات»: «سلاح» و«ثأر» فى كل منزل ولم نشارك فى الثورة لأن المشاكل الأمنية «كسرتنا»
الثأر من أكبر وأهم مشاكل الصعيد، ورغم محاولات الصلح بين العائلات والقضاء عليه فى بعض المناطق فإن هذه العادة مازالت موجودة بقوة فى بعض القرى، ومن بينها قرية بنى محمديات بمركز أبنوب فى محافظة أسيوط. إضافة إلى مشاكل قرى الصعيد الفقيرة من نقص الخدمات ومشروع الصرف الصحى الذى لم يكتمل منذ عشر سنوات يشكو سكان بنى محمديات من الثأر، ويقول شلبى حنا رزق، 70 سنة، إن أهم مشاكل القرية هى الثأر وعدم الأمان، مشيرا إلى كثرة المشاكل بين العائلات، وانتشار السلاح فى كل منازل القرية، ويضيف: «لا يخلو بيت من السلاح هنا»، ورغم محاولات الصلح التى يبذلها المسؤولون والعمدة فإن هذه الخلافات لا تزال مستمرة..المزيد...
فى الأقصر، المدينة التى تملك الكثير من آثار مصر، والتى يعيش سكانها على كنوز من الآثار، لم تستطع هذه الكنوز أن تحسن من حال أهلها، وبقيت القرى مهملة كبقية الصعيد. بدأنا الجولة، وتوجهنا إلى واحدة من أفقر قرى مركز أرمنت الحيط، تقع على بعد 30 دقيقة بالسيارة من مدينة الأقصر، إنها نجع «أبودغار»، سكانه حفاة ومنازله معظمها من الطين وإن كان بعضها قد بنى بالأسمنت المسلح، لكن حوائطه من الداخل ما زالت من الطوب والأسمنت بلا أثاث أو دهان أو حتى بلاط، سكانها تعايشوا مع الطبيعة ولم تعد الأرض تؤذى أرجلهم الحافية، ويجلسون فى الشوارع وعلى أبواب منازلهم يتبادلون أطراف الحديث ويشكون همومهم..المزيد...