لم تكن ثورة 25 يناير هي أولى الثورات التي قام بها الشعب المصري، ولا الرئيس السابق حسني مبارك هو آخر رئيس يُنحي عن السلطة، فمصر منذ أكثر من مائتي عام وهي تعيش في نضال مستمر ضد حكامها، تارة ضد خديوية أو سلاطين أو ملوك كانوا يظنون أن المحروسة «عزبة خاصة»، وتارة أخرى ضد رؤساء أدخل بعضهم منطق «توريث الرئاسة»، بالاختيار أو بالدم، على نظام حكم محمد علي.
حين انتشر الظلم والفساد في عهد خورشيد باشا، ثارالمصريون عليه عام 1805 وأصروا علي خلعه، وطالبوا القائد الألباني محمد علي، الذي كان له دور في تخليص مصر من الحملة الفرنسية، أن يحكم البلاد، فرفض السلطان العثماني.
وعندما عمت الفوضى وزادت المواجهات وتصاعدت مطالب الشعب بإسقاط خورشيد، رضخ السلطان وعين «علي» واليا نزولا علي إرادة المصريين. لكن «علي» انقلب علي القوي الوطنية وأجهض ثورتها نظرا لتطلعه للاستئثار بالسلطة. فاستبعد من إدارة البلاد الزعماء الوطنيين الذين وقفوا ضد الحاكم السابق خورشيد ونفي الزعيم عمر مكرم. وعلى جانب آخر، قضى الوالي الجديد علي أبرز قادة المماليك في مذبحة القلعة عام 1811.
ونتيجة طول فترة حكم محمد علي لمصر، استطاع تحويل البلاد إلي «عزبة خاصة». فبدأ يخطط لتأسيس الأسرة العلوية حتي ييسر لذريته حكم مصر بعد وفاته علي غير رغبة المصريين. لكن في المقابل، قام «علي» بإصلاحات ضخمة هدفت إلى تحويل البلاد إلى دولة حديثة تستطيع الثبات في ميدان الحرب ضد القوى الكبرى. لكن مشروع محمد علي تلقى ضربة كبرى عام 1840 حينما أجبرته البلدان الأوروبية على التخلي عن كل البلدان التي فتحها والاكتفاء ببقاء حكم مصر وراثيا في أسرته.
ورغم أن مقاومة علي استمرت لسنوات بعد توليه الحكم، إلا أنه نجح في الاستمرار حاكما لمصر حتى مرض وتوفي بالإسكندرية في أغسطس 1849، ودفن بمسجده بالقلعة.
الأسرة العلوية تولى إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد علي حكم مصر بفرمان من الباب العالي في مارس 1848 نظرا لمرض والده. لكنه لم يعمر أكثر من سبعة أشهر ونصف. إذ توفى بعد ذلك وهو لم يتجاوز الستين في نوفمبر 1848. فكانت فترة حكمه أقصر فترة حكم في السلالة. عقب وفاة «إبراهيم» صدر فرمان بتولية ابن أخيه، عباس حلمي الأول، واليا على مصر. في عهد عباس اضمحل الجيش والبحرية، وأغلقت المدارس والمعاهد، بينما عاش الخديوي عيشة بذخ. ظل عباس في الحكم قرابة خمس سنوات، واغتيل في قصره في بنها عام 1854. وبعد اغتيال عباس أصبح محمد سعيد باشا واليا على مصر في يوليو 1854، وكان أكثر انفتاحاً على الطابع الغربي. فقام ببعض الإصلاحات الاقتصادية، فأسس البنك المصري عام 1854، وأعطى فرديناند ديلسبس الموافقة على حفر قناة السويس. لكنه في المقابل قام بإغلاق المدارس العليا التي أنشأها والده محمد علي باشا، قائلا بعد إغلاقها «أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة»، وظل في الحكم حتى توفي في يناير 1863.
عين إسماعيل بن إبراهيم باشا واليا ثم خديوي من يناير 1863 عند وفاة سلفه «سعيد»، حيث كان أكبر الذكور سنا.
حاول إسماعيل أن يسير على نهج محمد علي في تحديث مصر والاستقلال بها عن الإدارة العثمانية. لكنه اتبع سياسة التودد ودفع الرشاوي للباب العالي في الآستانة، فحصل بذلك على لقب خديوي مصر سنة 1867، وحصر وراثة العرش في أنجاله. كافح «إسماعيل» تجارة الرقيق في السودان، وافتتح قناة السويس للتجارة العالمية، وزادت ديون مصر في عهده زيادة كبيرة، مما أدى إلى تدخل انجلترا وفرنسا في شؤون مصر بحجة حماية الديون.
في النهاية تم عزل إسماعيل من جانب السلطان عبد الحميد الثاني بضغط من إنجلترا وفرنسا في يونيو عام 1879، وتوفى بالآستانة 1895 ودفن بالقاهرة.
خلف الخديوي توفيق أباه «إسماعيل» في يونيو عام 1879، ورضخ للنفوذ الأوروبي. فقبل المراقبة الثنائية لفرنسا وبريطانيا على مالية مصر، وشهد عهده وقائع الثورة العرابية، ثم الاحتلال البريطاني الذي حظي بتأييده عام 1882. وفي عام 1884 سقطت الخرطوم في يد الثورة المهدية، وقتل الحاكم المصري للسودان، تشارلز جورج غوردون، وفقدت مصر حكم السودان.
وتلى «توفيق» الخديوي عباس حلمي الثاني في الفترة من يناير 1892 إلى سبتمبر 1914. وكان «حلمي الثاني» على النقيض من سلفه. فقد حاول أن ينتهج سياسة إصلاحية، ويتقرب إلى المصريين، ويقاوم الاحتلال البريطاني في محاولة لاستعادة حلم أسلافه في حكم قوي مستقل. فبعد عام من توليه الحكم، أقال عباس حلمي الثاني وزارة مصطفى فهمي باشا، فوقعت أزمة مع إنجلترا تحدى فيها المندوب السامي البريطاني لورد كرومر، فأدى ذلك إلى زيادة شعبيته. وفى مايو 1914 تعرض لمحاولة اغتيال على يد شاب مصرى يدعى محمود مظهر أطلق الرصاص عليه، وتسبب هذا الحادث فى تأخير عودته لمصر، فانتهز الإنجليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى وطلبوا منه عدم العودة إلى مصر، وفرضوا عليها الحماية رسميا، وخلعه الإنجليز في ديسمبر 1914 ثم توفي في 1944.
نصّب الإنجليز حسين كامل، ابن الخديوي إسماعيل، من ديسمبر 1914 م، سلطانًا على مصر، ليصبح عهده هو نهاية سيادة الدولة العثمانية على مصر. وظل في الحكم 3 سنوات إلى أن توفى في أكتوبر 1917 م. وتولى بعد حسين كامل فؤاد الأول الذى أُجلس على عرش مصر من قبل السلطات البريطانية في أكتوبر 1917، وقامت في عهده ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، واضطر الإنجليز إلى رفع حمايتهم عن مصر بمقتضى تصريح فبراير 1922 الذي اعترفت فيه انجلترا بمصر دولة مستقلة ذات سيادة مع تحفظات. أصدر فؤاد دستور 1923 تحت ضغط الحركة الوطنية، ثم افتتح البرلمان الجديد في 1924.
وقد جسد نجيب محفوظ الموقف الشعبي من «فؤاد» في الحكاية رقم 14 من رواية «حكايات حارتنا»، وهو موقف يعبر عن الكراهية العميقة، فقال «ها هي مظاهرة ضخمة تسوق في مقدمتها حمارا مدثرا بقماش أبيض نقش عليه بالأحمر السلطان فؤاد علي رأسه قبعة بريطانية»، وهتفوا «يا فؤاد يا وش القملة.. من قالك تعمل لي العملة»، فصوروه بأنه «ركوبة الإنجليز». ظل فؤاد حاكما إلى أن توفي في أبريل 1936، وخلفه ابنه فاروق الأول، لكنه لم يكن قد بلغ السن التي تؤهله للحكم، فتشكل مجلس وصاية من كل من الأمير محمد علي وعزيز عزت باشا وشريف صبري باشا، إلى أن تسلم سلطاته الدستورية كاملة في يوليو عام 1937. في عهد فاروق تصاعدت الحركة الوطنية خلال سنوات الأربعينيات، وزادت صراعاته مع كل من الإنجليز وحزب الوفد، وزادت جماهيرية الإخوان المسلمين ومصر الفتاة والتنظيمات الشيوعية، حتى وصلت الأمر إلى أن أصبحت السلطة، كما وصف البعض، "ملقاة على قارعة الطريق". وفي 23 يوليو 1952 قام الضباط الأحرار بانقلاب عسكري بهدف تطهير الجيش، وتطورت الأمور سريعا إلى حد عزل الملك وإجباره على التنازل عن العرش إلى ابنه الطفل الصغير أحمد فؤاد الثاني.
وعقب تنحيته، غادر فاروق البلاد إلى إيطاليا حيث توفي عام 1965 ودفن في مصر. جمهوريات يوليو كان إسقاط النظام الملكي وإنشاء حكومة جمهورية هو النموذج الأول من نوعه في العالم العربي؛ كان حدثاً حاسماً في المنطقة تسارعت بعده نداءات القومية العربية، فحدثت انقلابات عسكرية على الملكية في كل من العراق (1958)، واليمن (1962)، والمملكة الليبية (1969).
تحولت مصر بعد سقوط الملكية إلى نظام جمهوري. وعلى الرغم من أن "إقامة حكم ديموقراطي سليم" كان واحداً من المبادئ السته للثورة، إلا أنه تم حظر الأحزاب السياسية في عام 1953، وتحولت البلاد إلى دكتاتورية عسكرية شمولية، خاصة بعد أن قام مجلس قيادة الثورة بعزل محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، في نوفمبر 1954 وحددت إقامته لبعض الوقت في منزله. خلف جمال عبدالناصر نجيب في رئاسة البلاد. وقد لعب عبد الناصر دورا كبيرا في التاريخ المصري والعربي والعالمي. فقد أسس منظمة عدم الانحياز مع الرئيس اليوغوسلافي تيتو والإندونيسي سوكارنو والهندي نهرو عام 1955، وأمم قناة السويس في 26 يوليو 1956 مما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر من جانب إسرائيل وإنجلترا وفرنسا، ودشن الوحدة مع سوريا في 1958، وأصدر ما سُمي بالقرارات الاشتراكية في 1961، إلى جانب مشاركته في حرب اليمن وإصداره لقوانين الإصلاح الزراعي ووضعه لحجر الأساس للسد العالي.
كانت هزيمة 1967، التي سماها عبد الناصر النكسة، هي النهاية الفعلية لعبد الناصر ونظامه. فبعد النكسة أعلن ناصر أنه يتحمل المسؤولية وتنحى عن الحكم. لكن مظاهرات شعبية يشكك بعض المؤرخين في مصداقيتها أعادته للحكم بعد أيام. ظل عبد الناصر في سدة الحكم حتى أُصيب بنوبة قلبية توفي على أثرها في 28 سبتمبر 1970، وأعقبه في رئاسة الجمهورية محمد أنور السادات. انتخب «السادات» رئيسا للجمهورية بعد وفاة عبد الناصر في أكتوبر 1970، حيث اختاره «عبد الناصر» نائبا له في 1969.
دخل «السادات» حرب أكتوبر 1973، وبعدها اتخذ قرار الانفتاح الاقتصادي عام 1974 الذي أعاد نظام رأسمالية السوق إلى الاقتصاد المصري، وقامت ضده انتفاضة شعبية في يناير 1977 رفضا لقرارات حكومته رفع أسعار السلع الأساسية. قام السادات بزيارة وصفت بأنها تاريخية إلى القدس في نوفمبر عام 1977 بغرض إقامة سلام مع دولة إسرائيل بشرط إعادتها الأراضي التي استولت عليها في 1967. وفي أواخر عهده دخل في مواجهة مع معظم قوى المعارضة التي انقلبت عليه، خاصة بسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل وسياساته الأخرى المختلفة. اغتيل السادات يوم السادس من أكتوبر عام 1981، حين قام خالد الإسلامبولي، أحد أعضاء التنظيمات الإسلامية الجهادية، بإطلاق النار عليه أثناء عرض عسكري للاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر. تولى حسني مبارك الحكم في أكتوبر 1981 بعد اغتيال السادات. وكان السادات قد اختار مبارك نائبا له في 1975 بعد أن كان الأخير قائدا للقوات الجوية في حرب أكتوبر. وقد ظل مبارك في الحكم حتى 11 فبراير 2011، إذ تم خلعه من منصبه بثورة شعبية.