مناظرات الدوحة التى تنعقد 8 مرات سنويا تمثل الوجه الأكثر انفتاحاً لقطر، إذ يشارك فيها المئات من الطلاب والمتخصصين العرب والأجانب بحرية كاملة فى آرائهم حول العديد من الموضوعات المطروحة للنقاش.
ودارت مناظرة الدوحة الأخيرة حول موضوع «هذا الجمع يعتقد أن الرقابة تسفه الفنون»، وقدم البرنامج الصحفى الشهير تيم سباستيان، وصوت 57٪ من المشاركين برفضهم للرقابة التى تفرضها الدولة على الفن، والتى لاتزال قائمة بشكل كبير فى الشرق الأوسط، وجادل الضيوف كل بآرائه حول موقفه ورؤيته من الرقابة.
وتطرقت المناقشات والتساؤلات خلال المناظرة التى تمولها مؤسسة قطر للتعليم والعلوم وتنمية المجتمع إلى العديد من القضايا الشائكة والخلافية ومنها موقف الإسلام من الفنون، وبينما رفض الموسيقى السورى مالك جنديل فرض الرقابة بأى شكل من الأشكال على الفنون، إلا أنه أكد أن الإسلام كديانة لم يحرم الفن، وقال إن الأديان السماوية قامت على الفنون وأن أول كلمة فى القرآن هى «إقرأ» على عمومها، أى إقرأ ما تشاء بهدف التعلم وإن الله حث على التفكر فى أوصاف الجنة والأنهار والحور العين وغيرها من القضايا التى تعلى من قيمة الفكر، وقال إن اختلاف الدين يجب ألا يؤدى إى إزاحة الآراء المخالفة عنك أو التأثير على حريات الآخرين، وإن الإسلام «سيمفونية» جميلة للإنسانية مؤكداً أن هناك نوعاً واحداً من الإسلام ولكن المشكلة الأساسية هى فن الفهم الصحيح للإسلام وأن سبب الجهل به وبحقوق الإنسان لعدم التعلم السليم لأصوله.
وأقرت الأكاديمية العراقية ندى شهبوت، إحدى المشاركات فى المناظرة أن الإسلام لم يفرض قيودا، وانطلاقاً من موقفها المؤيد لفرض رقابة محدودة على الفن وأوضحت أن المشكلة أن الإسلام ليس هو السائد فى الوقت الحالى، حسب طبيعة التيارات التى تروج لأفكارها.
ومن القضايا الخلافية الأخرى التى تطرقت لها المناظرة، انتقادات من الحضور بأن عدم فرض الرقابة قد يحدث أزمات ثقافية وسياسية بين الدول على غرار الرسومات الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- بحجة الحرية وعدم فرض الرقابة وبغض النظر عن إطار الحريات المتاحة، فردت نات مولر وهى ناقدة فنية بأن الدنمارك يجب أن تسمح بذلك، بغض النظر عن موافقتها أو عدم موافقتها على تلك الرسومات وذلك فى إطار الجو العام من الحريات وأن ما حدث هو رسم أو عمل فنى يجب نشره، وبدوره رد بيتر فلورنس، مؤسس ومدير مهرجان «هاى» للثقافة والفنون، الذى اعتبر أن فكرة الرقابة «قاتلة» بأنه لايوجد فى الدنمارك أى قانون للرقابة على الفن وأن حرية التعبير مكفولة وأنه إن كنا نختلف على الرسومات فإنه يرفض أيضا الهجوم والتهديدات التى تعرض لها الرسام الدنماركى مؤكداً ضرورة احترام الشخص الذى يختلف معك فى الرأى، لكن «شهبوت» تساءلت قائلة: «ما الشىء الجميل الذى أضافته تلك الرسومات الكاريكاتورية للإنسانية»؟
مؤكدة أنه يجب فرض حدود معينة على الفن وليس بشكل عام مراعاة للحساسية الثقافية، وتساءلت عن المغزى من صدم المشاهدين والقراء بصورة عارية أو مشاهد معينة وأنه يجب إزاحة الرقابة ببطء لإيجاد المساحة المناسبة من الحوار والجدال.
وتناولت المناقشات أسئلة من مشاركين حول أن من يمارس الرقابة على الفن لا يعرف قيمته، قال جنديل: «أصبحنا نعيش فى الربيع العربى وكل تلك الممارسات من نتاج سياسة الديكتاتورية فى كل شىء»، ورفض المقولات بأن الرقابة تحمى الناس من الصور العارية واعتبر «جنديل» أن أولى فرص التقدم تتمثل فى ضرورة إنهاء الرقابة على الفن.
بدوره، قال بيتر فلورنس: «إن فكرة الرقابة غبية ومهينة ولم ولن تنجح»، وأضاف: «يمكنك قتل الفنان، ولكن لا يمكنك قتل الفن لأنه يحيا فى أذهان الجمهور»، مؤكداً أن الرقابة لا تسفه الفنون بل تضر بها أيضاً، والأسوأ أنها قاتلة لأنها ديكتاتورية وغير أخلاقية وتمثل انتهاكا لحقوق الإنسان، وأنه بإمكان من يختلف معك فى الرأى ألا يشاهد ما يراه غير ملائم له بدلا من أن يتم فرض الرقابة وأنه يجب ترك المجال للفن ليعبر عما يريده؟
وبينما قال تيم سباستيان، مدير المناظرة، إن الرقابة قد تؤتى ثمارها فى بعض الحالات، فرد فلورنس قائلاً: إن الرقابة تقتل الفكرة التى هى أساس الفن.
وفى نفس الاتجاه الرافض لفرض الرقابة على الفنون، قالت نات موللر: إن الفن يتعلق بالشكل والجماليات والمفاهيم والأفكار ورفضت التشبيه بين الجدل المتعلق بالحساسية الثقافية وبين القمع السياسى أو الثقافى كلما اتجه الجمهور أو طرف ما إلى إبداء رأى مخالف أو شعروا بعدم الارتياح حيال عمل فنى معين، وأكدت أن الرقابة جريمة ولن تجدى فإن أردت عدم إغلاق عقول الناس فلا تراقب.
وأثيرت تساؤلات حول أن الرقابة لا تمثل فقط تحكما فى الرأى ولكنها وسيلة للتخويف مثال ما يتعرض له المخرج الإيرانى جعفر بناهى، وقال بيتر فلورنس: إن الرقابة المطلقة بمثابة «اغتيال» وضد الإبداع الذى يقوم عليه الفن، بينما جادل بعض المؤيدين لفكرة الرقابة بأن الكاتب والشاعر الفرنسى الشهير فولتير ابتكر أفكاره، ولو كانت هناك رقابة كان باستطاعته تخطيها فى إشارة إلى الرقابة الذاتية، لكن «جنديل» رد قائلاً: «من نحن لنحدد الفن ونقيده»؟