مئات الشباب فقدوا عيونهم فى الثورة، فى يناير وفى محمد محمود، منهم من فقد عينًا وتبقت له أخرى، ومنهم من فقد البصر تمامًا، ترصد «المصرى اليوم» نتيجة الجولة الأولى فى عيون هؤلاء، الذين فقدوا عيونهم من أجل أن ترى مصر نور الحرية، تباينت ردودهم، منهم من بكى، ومن شعر بخيبة أمل، ومنهم من قرر المقاطعة ومنهم من قرر أن ينتخب، وآخرون لم يحسموا قرارهم، لكنهم جميعًا رفضوا وصول الفريق أحمد شفيق إلى جولة الإعادة.
«مش حانتخب لا محمد مرسى ولا أحمد شفيق».. بهذه الكلمات حسم رضا عبد العزيز الذى فقد عينيه فى موقعة محمد محمود قراره فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، مؤكداً أن القرار صعب بين الإخوان والفلول، مضيفاً: «لو شفيق كسب أنا أول واحد حاينزل ميدان التحرير، لأنه من النظام السابق ومن رشحه لرئاسة الوزراء هو مبارك، وهو نفسه الذى هدد بفض ميدان التحرير فى ساعتين إذا تظاهر أحد ضده».
رضا عبد العزيز، الذى لم يتجاوز عمره 19 عاماً، أكد أنه انتخب فى الجولة الأولى حمدين صباحى، وقال: «عند ذهابى للإدلاء بصوتى فى لجنة المدرسة الثانوية بالخصوص- المرج، ساعدنى مستشار اللجنة ووالدى حتى أدلى بصوتى لصباحى، قبل وضع ورقة التصويت فى الصندوق بنفسى». وأبدى «رضا» حزنه لعدم دخول «حمدين صباحى» جولة الإعادة.
بدر البندارى الذى فقد عينيه فى أحداث يناير كان له رأى آخر، وقال: «مش عاجبنى إحباط الناس.. الثورة مستمرة، ونحن ساذجون لو تخيلنا أن الثورة سهلة، لازم نستمر، ولا نستسلم من أول صفعة، استسلمت فى بداية الفرز للاكتئاب، لكنى خرجت منه بسرعة، رغم أنى لم أقرر بعد موقفى فى جولة الإعادة، سأنتظر لأسمع رأى مرسى وموقفه من «حمدين» و«أبوالفتوح»، وسأقرر إن كنت سأنتخبه أم لا، لكن موقفى من شفيق محسوم، فمستحيل أنتخب «فلول»، لكنى أرى أن وصوله للإعادة فى صالح الثورة، لأننا تفرقنا جداً الفترة الماضية.
«أحمد فوزى» يقضى حياته بين الإقامة فى القاهرة لتلقى العلاج والعودة إلى بورسعيد للقاء الأهل، بعد أسبوع واحد فقط، يدخل مستشفى قصر العينى لإجراء العملية الجراحية الثامنة فى عينه، لعل وعسى يجد بصيصاً من أمل فى أن يرى لو خيالات أمامه، «أحمد» الذى أصيب بخرطوش فى 30 يناير أمام مستشفى الزهور فى محافظة بورسعيد، والذى يكمل عامه السادس والعشرين فى التاسع من الشهر المقبل، كان يعمل سائق تاكسى، وبعد فقدان بصره تماماً لم يعد له أى دخل.
قبل أيام خرج حلمى عبد المعطى من بيته متحمسًا وتوجه إلى لجنته الانتخابية للإدلاء بصوته فى انتخابات الرئاسة، طلب من أبنائه أن يسندوه، لأنه «كفيف»، وكان فخورًا بـ«عاهته» عندما ذهب للجنته الانتخابية، لأنه فقد عينيه فى ثورة 25 يناير، ولأن انتخابات الرئاسة هى أحد مكتسبات هذه الثورة، كما كان يظن، لم يمر إلا يومان حتى انقلبت تماما مشاعر «حلمى» الذى كان «أسعد واحد فى الدنيا» يوم الانتخابات، على حد وصفه.
فى الليلة الثانية من الانتخابات توجه «حلمى» إلى شاشة التلفاز، سعيداً أيضاً، وطلب من أبنائه أن يفتحوه حتى يتمكن من معرفة رئيس مصر القادم، فكانت المفاجأة. «حلمى» عرف أن الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر أيام موقعة الجمل التى راحت فيها عيناه هو أحد المبشرين بالرئاسة، وأن مرشح الجماعة التى قال عنها حلمى إنها لم تساعد مصر بشىء منذ صعودها السياسى إلى البرلمان، هو البديل.
«همين وقعوا على راسى.. خيبوا أملى بعد السعادة اللى كنت فيها»، هكذا وصف حلمى مشاعره وقت معرفة نتيجة الانتخابات، حتى إنه أصبح لا يصدق الأغانى التكريمية له ولغيره، وأصبح يرى أن «الناس فى مصر داست عالدم»، على حد قوله.
محمد شعبان دومة كان أكثر غضباً وأقل استسلاماً لـ«لنصيب» من حلمى، قضى يوماً كاملاً يبكى ولم ينم منذ علمه بنتيجة الانتخابات. محمد وضعه يختلف عن وضع حلمى، فسنه التى لم تجاوز الـ20 جعلته أكثر أسفاً على حياته دون عينيه، واختيار عدد كبير من المواطنين للفريق شفيق جعله خائفًا من كونه مصاب ثورة.
بعدما كان يفخر «دومة» بفقدانه بصره أثناء الثورة أصبح نادماً على عينيه: «والله أنا بندم إنى ضحيت بعينى اللى راحت هدر دى.. وموقفّتش بكا على عينى من ساعة ما سمعت النتيجة لتانى يوم».
لا ندم «دومة» على عينيه أنه ليس مستعداً للتضحية مرة أخرى، والسبب: «أنا فقدت عينى خلاص أغلى ما عندى.. لو فيه نزول تانى هنزل لأنى مبقاش عندى حاجة أخاف عليها.. يا آخد حقى يا أموت وأرتاح».