x

راندا سامى: تركت مركز تأهيل العجوزة وتجولت بكرسى متحرك لمراقبة الانتخابات

الخميس 24-05-2012 08:54 | كتب: محمد الجارحي |
تصوير : other

من مركز التأهيل التابع للقوات المسلحة بالعجوزة الذى تقيم فيه لتلقى العلاج منذ أبريل ٢٠١١، نزلت راندا سامى، المصابة فى ٢٨ يناير بشلل رباعى، الاربعاء لتراقب الانتخابات الرئاسية.. «المصرى اليوم» رافقت «راندا» فى رحلتها الصعبة.

البداية كانت على بُعد أمتار من مركز تأهيل العجوزة، حيث توجد لجنة انتخابات بمدرسة اللجنة القومية للبنات أمام الباب الرئيسى لمركز التأهيل، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً، سيدة فى بداية عقدها الرابع، تجد صعوبة فى صعود رصيف المدرسة، فيحملها الناخبون بالكرسى المتحرك للتمكن من الدخول، قوات تأمين اللجنة من الجيش والشرطة تساعدها والناخبون يفسحون لها الطريق، قالت لهم «أنا جئت ليس لأنتخب، وإنما لأراقب الانتخابات».

لم يسألها أحد إن كان معها تصريح بالمراقبة أم لا، كان أول من استقبلها فى فناء المدرسة، «حسن عمار» رفيق ميدان التحرير، حسن يعمل مدرساً اختارته اللجنة العليا للانتخابات ليكون أمين اللجنة الفرعية بالمدرسة القومية للبنات بالعجوزة، دار حوار بين «حسن» و«راندا» لمدة دقائق عن ذكريات الثورة وميدان التحرير ثم دخلا إلى مقر اللجنة داخل أحد الفصول.

داخل اللجنة استقبلها رئيس اللجنة المستشار دكتور محمد الشربينى بترحاب شديد، وخصص لها مكاناً لتجلس فيه داخل اللجنة بجوار مندوبى المرشحين، وكان نصيب «راندا» أنها جلست بجوار «حسن نصر»، مندوب الفريق أحمد شفيق المرشح لرئاسة الجمهورية.

«حسن» شاب فى العشرينيات، بدأت «راندا» فى سؤاله «ليه شفيق» فرد عليها «أنا من زمان فى الحزب الوطنى وكل واحد له رأيه» فسمع المستشار رئيس اللجنة الحوار وطلب منهما عدم الحديث عن المرشحين، وهنا قالت «راندا» بحزن شديد «دم الشهداء مش هيروح هدر» ثم سقطت دموعها أمام جميع الحضور.

بكاء «راندا» دفع مندوبى المرشحين الآخرين لتهدئتها، وأعطاها مندوب عبدالمنعم أبوالفتوح منديلاً لتمسح دموعها، فأخرجت «راندا» هاتفها المحمول من جيبها وأطلعت مندوب الفريق على صورة «عاطف الجوهرى» شهيد العباسية، ثم استرسلت «راندا» فى الكلام «أنا بكيت لكن رغم كل حاجة أنا فرحانة إن اصابتى مش هتروح هدر ودم صحابى هيرجع ومحدش من الفلول هيكسب، أنا أصبت فى موقعة الجمل التى مات فيها زهرة شباب مصر».

وكانت المفاجأة أن مندوب الفريق «أحمد شفيق» حكى لها عن قصته وأنه كان مسجوناً من قبل الثورة بسبب قضية بلطجة وكان يقضى فترة سجنه فى سجن القطا الذى قتل فيه اللواء البطران، ثم أخبرها بأنهم نقلوهم كمسجونين إلى سجن مزرعة طرة حتى خرج فى سبتمبر الماضى بعد قضاء مدة عقوبته.

«راندا»، التى تحمل شعار مجلس أمناء الثورة على صدرها، خرجت من لجنة العجوزة لتتبادل الحديث من رجل عجوز فى الثمانينيات من عمره جاء على عكاز يساعده اثنان من أبنائه كى يدلى بصوته فى الانتخابات.

خرجت «راندا» من اللجنة باتجاه كورنيش النيل فى اتجاهها إلى الزمالك، كانت تريد أن تستكمل رحلتها فى مراقبة الانتخابات بالكرسى المتحرك، لكنها خشيت من نفاذ بطارية الكرسى خاصة أنها تركت الشاحن فى مركز التأهيل، كان الحل الوحيد أن نستقل «تاكسى» إلى الزمالك.

كان لابد من عبور شارع الكورنيش، وبمجرد أن لمحنا «عسكرى المرور» أوقف الطريق حتى عبرت «راندا» الشارع، وحاولنا إيقاف تاكسى، التاكسى لابد أن تكون له شبكة أعلاه حتى يتم وضع الكرسى المتحرك عليها، بعد ١٠ دقائق تقريباً من الانتظار وجدنا ضالتنا.

وجدت «راندا» صعوبة كبيرة فى النزول من الكرسى المتحرك إلى التاكسى، لحظات من الألم مرت صعبة، وانتهت بـ«طى» الكرسى ووضعه أعلى التاكسى بعد نزع بطاريته، فى التاكسى اتصلت «راندا» بعدد من أصدقائها فى مجلس أمناء الثورة، تتابع معهم ما يحدث فى لجان امبابة والجيزة والهرم وبولاق وشبرا، قالت لنا إن لديهم مندوبين للمراقبة فى المحافظات، خاصة فى المنوفية، وكفر الشيخ، والشرقية.

«راندا» لن تستطيع الإدلاء بصوتها فى الانتخابات لآن لجنتها الانتخابية فى مدينة الغردقة بمحافظة البحر الأحمر حيث كانت تعيش وتعمل هناك كرئيسة تمريض بأحد المستشفيات الخاصة، جاءت للقاهرة خلال الثورة لتطمئن على ابنها احمد الذى يدرس بالفرقة الثالثة بكلية التجارة، ومحمد الطالب بالصف الثانى الثانوى بمدرسة الأورمان تخصص سياحة وفنادق، فانضمت إلى الثوار فى الميدان لتتولى مداواة الجرحى والمصابين وعلاجهم حتى أطلق عليها الثوار «دينامو ميدان التحرير».

فى التاكسى حكت لنا «راندا» عن قصة إصابتها فى ٢٨ يناير، فقالت: «كنت فى المستشفى الميدانى أقوم بتخييط شاب عمره ١٧ عاماً تقريباً، كان مصاباً بخرطوش فى كتفه، وجرح يحتاج ١٢ غرزة تقرييباً، وفجأة وجدت ضابط أمن مركزى يحاول القبض على المصاب، كدت أن أقبل قدم الضابط حتى يترك المصاب لكنه نهرنى وشتمنى فقمت بالبصق عليه، فما كان منه إلا أن انهار ضرباً بعصا غليظة على ظهرى وعنقى لكنى واصلت بعدها مداواة المصابين فى الميدان.

تتابع «راندا»: عشت أيام الثورة على المسكنات لتخفيف الألم حتى ذهبت بعد التنحى بيومين لعمل أشعة وفحوصات فوجدت تجمعاً دموياً حول الحبل الشوكى يحتاج لتدخل جراحى عاجل، لأخرج من غرفة العمليات مصابة بشلل رباعى، ثم دخلت مركز تأهيل العجوزة للعلاج الطبيعى فى ١٩ أبريل ولم أخرج منه حتى وقتنا هذا، لكنى لم أفقد الأمل وهناك محاولات من بعض مؤسسات المجتمع المدنى لمساعدتى على السفر للخارج لإجراء جراحة قد تساعدنى على السير مرة أخرى بعكاز دون الاعتماد على الكرسى المتحرك.

«أنا بعت كل حاجة أمتلكها وعايشة دلوقتى على مساعدات مؤسسات المجتمع المدنى» قالتها «راندا» وهى تعتصر ألماً قبل أن نصل إلى لجنة «كلية الفنون الجميلة فى الزمالك»، نزلنا من التاكسى وكان الزحام أكبر من لجنة العجوزة، لكن الجميع أفسح الطريق أمامنا ودخلت «راندا» إلى مدرج الدكتور صلاح عبدالكريم «حيث لجنة السيدات، لم تسمح المستشارة الموجودة فى اللجنة بالتصوير، لكن بعد دخولنا بدقائق دخل اللجنة ٣ مراقبين دوليين من أمريكا يرتدون تى شيرتات زرقاء من اللجنة العليا للانتخابات، منهم أمريكية مسلمة ترتدى حجاباً.

شعرت «راندا» بالعطش داخل اللجنة، لم تكن تشعر بالراحة، وجدت زجاجة مياه معدنية مع مندوب للفريق أحمد شفيق فدار بينهما حوار انتهى إلى أنه قال لها إن من ينادون بسقوط حكم العسكر ينسون أن الرسول كان من العسكر!!، لم تطلب «راندا» منه زجاجة المياه المعدنية وخرجت من اللجنة لتشرب من زجاجة إحدى الناخبات، وخرجنا من الكلية، لتبعث برسالة إلى رئيس الجمهورية القادم بأن يراعى حقوق الشهداء والمصابين مؤكدة أن الأيام لو عادت بها مرة أخرى فسوف تكرر ما فعلته، ولو أخطأ الرئيس القادم فسوف تنزل مع الثوار إلى ميدان التحرير.

فى طريقنا للعودة إلى مركز تأهيل العجوزة مرة أخرى حكت «راندا» بألم شديد عن ضياع حقوق المصابين، قالت إنها لا تمتلك ٧٠٠٠ آلاف جنيه حتى تستطيع تقديمها لصندوق دعم المصابين الذى يرأسه الدكتور حسنى صابر كى تحصل على شقة كأبسط حق من حقوقها، وأنها ستنزل كل المظاهرات كما نزلت فى مجلس الوزراء حتى لو أصيبت بإغماء كما حدث فى أحداث محمد محمود نتيجة اصابتها باختناق من شدة الغاز، ودعنا «راندا» ودخلت مركز تأهيل العجوزة لا تعرف إن كانوا سيسمحون لها بالنزول مرة أخرى أم سوف تصدر إدارة المركز قراراً بمنعها كما حدث بعد نزولها على الكرسى المتحرك للتضامن مع متظاهرى أحداث العباسية الأخيرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية