لطالما كان لبنان يستورد الموارد النفطية ولايزال، رغم أنّه بات قاب قوسين أو أدنى من التنعّم بثروة من الغاز الطبيعي والنفط، بعد اكتشاف حقول ضخمة في مياهه الاقتصادية والإقليمية في البحر المتوسط.
وبانتظار تحقيق الحلم اللبناني بدخول عالم الدول المنتجة للنفط مع ما سينتج عن ذلك من تردّدات متوقعة إيجابية جداً على مجمل اقتصاده، فإنّ قطاع المحروقات الحيوي جداً لمختلف المجالات الحياتية والاقتصادية الأخرى لا يزال يواجه مشكلة كبيرة تتمثل بارتفاع أسعاره الناجم بالأساس عن الارتفاع العالمي لسعر برميل النفط، وثانياً بسبب ارتفاع قيمة الضريبة الاستهلاكية التي تفرضها الدولة على المحروقات.
هذا الارتفاع الكبير في أسعار المشتقات النفطية، وتحديداً البنزين والمازوت، انعكس أيضًا على الوضع المعيشي، فارتفعت أسعار السلع كالخبز وبعض المواد الغذائية الضرورية، كما ارتفعت أسعار النقل، فكانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة أمام معضلة دائمة استوجبت حلولاً آنيّة، حيث عمدت الحكومات إلى إصدار قرارات مؤقتة لتخفيض الضرائب المفروضة على مادتيّ البنزين والمازوت، لكونهما الأكثر استخداماً في حياة الناس اليومية، إنْ في قطاع النقل أو في قطاع الإنتاج، أو في التدفئة، كون لبنان بطبيعته الجبلية يستهلك كميات كبيرة من المازوت في فصلَي الخريف والشتاء بغرض التدفئة.
وعلى سبيل المثال عمدت الحكومة اللبنانية في العام 2011 إلى تخفيض رسم الاستهلاك على صفيحة البنزين خمسة آلاف ليرة لبنانية واشترطت بقاء هذا الدعم باستمرار ارتفاع السعر العالمي، وبعد أن سجّل السعر عالمياً تراجعاً نسبياً محدوداً انتهت فترة الدعم هذه.
ومؤخّراً أيضًا أصدرت الحكومة اللبنانية قراراً آخر قضى بخفض الضريبة على سعر صفيحة المازوت الأحمر مع بدء فصل الشتاء، بهدف تمكين المواطنين تأمين حاجتهم من المادة للتدفئة، إلاّ أن الأمر انقلب بعكس ما أُريد منه، فبدلا من أن يستفيد أصحاب الدخل المحدود من هذا التخفيض، عمدت شركات توزيع المحروقات إلى احتكار مادة المازوت لديها، فانقطعت المادة من الأسواق، لتعود الشركات وتبيع المادة التي اشترتها مدعومةً، بعد انتهاء فترة الدعم، فحقّقت أرباحاً إضافية على حساب خزينة الدولة وعلى حساب المواطنين، وهو الأمر الذي أدى إلى انطلاق تحقيقٍ برلماني وقضائي في الأمر لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين. في هذا المجال فإنّ جمعية حماية المستهلك في لبنان أكدت في كتاب بعثت به لوزارة المالية في وقت سابق أن قرارات الدعم المؤقتة «غير قانونية وأضرارها تفاقم حالة الفساد والفوضى والظلم للمستهلكين».
إلى ذلك يؤكد خبراء اقتصاديون لـ«المصري اليوم» أن الارتفاع المتزايد لأسعار النفط، لا ينبغي معالجته بحلول موضعية تُرهق الخزينة والمواطنين، بل يجب أن يعمد لبنان إلى إعادة نظر شاملة بسياسته النفطية القائمة حالياً على إستيراد المشتقات النفطية عبر الشركات الخاصة، ما يؤدي لحرمان الدولة من من إيرادات هذا القطاع، كما يحرمها إمكانية التدخل الفعّال لتحديد أسعار المحروقات. ولمعالجة ذلك بالحد الأدنى، يعتقد بعض الخبراء أنّه يجب إعادة تأهيل وتشغيل مصفاتي النفط في طرابلس بشمال لبنان، وفي الزهراني بالجنوب، وتأهيل خطوط النفط التي كانت تربط بين العراق ولبنان وإن كان ذلك صعباً جداً اليوم بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، إلا أن إعادة تشغيل المصفاتين يؤمن إيرادات للخزينة وراحة للسوق المحلي، كما يمكن استخدامهما لاحقاً بعد بدء استخراج النفط من الأبار اللبنانية، والأرباح المتوقعة من ذلك تكّمن الدولة من تحديد أسعار البنزين والمازوت.
في غضون ذلك فإن لجنة المال والموازنة البرلمانية تدرس مشروع قانون يتعلق برفع الضريبة على القيمة المضافة عن مادتي المازوت الأحمر والأخضر، بشكل نهائي، وهو أمر في حال إقراره سيريح المواطن مرحلياً من نسبة محدودة من المصاريف لكنه سيؤدي إلى خسارة خزينة الدولة إلى إيرادات مهمة يجب تعويضها، ولا يعالج مشكلة الارتفاع العالمية للسعر، لذا فإن أمل اللبنانيين يبقى معلقا على مدى جدية الدولة في الإسراع بالتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما، علّ ذلك يختم المعاناة الدائمة مع غلاء المحروقات.