x

نص البلاغ الذي يتهم «مبارك وسليمان وشفيق» بـ«الخيانة العظمى»

الإثنين 21-05-2012 13:28 | كتب: محمد رضوان |
تصوير : رويترز

 

تفاصيل البلاغ:

لقد اختار المصريون في دستور عام 1971، أن يكون النظام الجمهوري الذي يحكمهم ديمقراطيًا، السيادة فيه للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، وسيادة القانون أساس الحكم، وخضوع الدولة للقانون، وأن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وأن يقوم النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب، والفصل بين السلطات، ويقوم الاقتصاد على تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، مع حماية الملكية العامة، وأوجب الدستور في المادة 73 على رئيس الجمهورية أن يسهر على تأكيد سيادة الشعب، واحترام أحكام الدستور، وحماية الوحدة الوطنية، وأن يرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها الوطني. وألزمه في المادة 79 أن يؤدي أمام مجلس الشعب ـ قبل أن يباشر مهام منصبه يمينًا" يقسم فيها بالله العظيم ".

 "أن يحافظ على النظام الجمهوري، وأن يحترم الدستور والقانون، وأن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن يحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه" ولضمان قيامه بهذه المهام على أكمل وجه، منحه الدستور صلاحيات هائلة، فجعله على رأس السلطة التنفيذية والهيئات القضائية وهيئة الشرطة والقوات المسلحة، وخصه بتعيين رئيس الوزراء والوزراء، وناط به  ـ بالاشتراك مع الوزراء ـ وضع السياسة العامة للدولة. وفي المقابل أكد الدستور في المادة 85 مبدأ تلازم السلطة مع المسئولية، فأجاز محاكمة رئيس الجمهورية عن جريمة الخيانة العظمى أو أية جريمة جنائية أخرى، وهو ذات المبدأ الذي اعتنقه من قبل دستور 1956وصدر نفاذًا له القانون رقم 247 لسنة 1956 الذي عاقب في مادته السادسة رئيس الجمهوري بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو المشدد إذا ارتكب عملاً من أعمال الخيانة العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهوري، وحرص دستور 71 في المادة 191 منه على إبقاء كل

ما قررته القوانين اللوائح من أحكام قبل صدوره صحيحًا ونافذًا، ولم يصدر أي قانون بعد الدستور الأخير ينظم اتهام أو محاكمة رئيس الجمهورية، بما يعني أن القانون247 لسنة 56 مازال نافذًا ومعمولاً به حتى الآن.

      وقد ابتلى الله عبده  محمد حسني مبارك ( المتهم) فجعله فجأة ـ إثر اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 81 ـ رئيسًا لمصر، واستطاع الرجل أن يجلس على عرشها ـ كما أراد ثلاثين سنة كاملة، وخلال هذه المدة، بان جليًا للمصريين أن هذا الرجل لم يشغله شيء آخر من شئون البلاد قدر انشغاله باستمرار بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، ولما بدأ يشيخ راح يفكر في نقل السلطة لابنه من بعده، ولعلمه من تاريخه وتجربته أن الشعب المصري لن يرضى بما ابتغاه، فقد ناصب الشعب العداء، واختار عدوه الصهيوني بديلاً عنه باعتباره الممر الوحيد لعقل أمريكا أعظم قوة في العالم، وقد حمت مستبدين كثراً في العالم قبله، فراح يرضي إسرائيل وأمريكا بكل الطرق الممكنة - ولو على حساب الشعب المصري وكرامته ومقدراته، مضيعًا أبسط معاني الاستقلال والسيادة الوطنية، ولم يعد مهمًا لديه أن تبقى سيادة للوطن، بل المهم أن تبقى السيادة للرئيس، ولم يعد مهمًا لديه الوفاء بما التزم به في دستور البلاد وأقسم اليمين  على أدائه، فهمَّه  الأساس حياة الملوك والسلاطين وأبهة الحكم، وهو ما دعاه بعد أن وضع مقدرات مصر تحت رحمة أمريكا والكيان الصهيوني، إلى أن يعتمد في الداخل على جنود من الفاسدين والمفسدين اختارهم بعناية ضمنت  أن يكونوا رهن مشيئته طالما تحقق لهم ما طمعوا فيه من متاع الدنيا الذي يملكه، فأغدق عليهم من ذهب المعز وولاهم الوزارات، وعينهم على رئاسة أجهزة الدولة ومؤسساتها، ليديروها وفق هواه -  لاوفق الدستور والقانون ـ وظل ملوحًا بسيف المعز واستعداده لاستخدامه إذا ما عادوا لرشدهم، ونتيجة لذلك تمكن من الامساك بكل السلطات التي لم تعد مستقلة وفق الدستور، ولم يعد ثمة مجال لأن يرعى الحدود بينها، إذ باتت كلها في يده بعد أن صار تزوير الانتخابات العامة كلها معتمدًا ورؤساء الهيئات القضائية يختارون بتقارير جهازه الأمني وكذلك النائب العام، والأجهزة الرقابية كانت تابعة له، والجامعات فقدت استقلالها وأضحى قادتها معينون بذات التقارير الأمنية التي تضمن ولاءهم، وكذلك الإعلام والصحافة. ولم يفُت الرئيس وقد بات مسكونًا بعقدة أمنه وأمن عائلته أن يحيط بيت العائلة بسياج أمني ضخم ومروع بناه وزراء داخليته وأجهزتهم الأمنية، فتم عزله عن الشعب، ولم يعد يسمع نصح المخلصين من أبنائه، ولا صيحات المقهورين والمظلومين والمستضعفين، ولا حتى دعاوي الإصلاح التي تبناها علماء ومفكرو ومجاهدو هذه الأمة، واستخدمت القوة المفرطة من اعتقال وسجن وتعذيب في قمع المعارضين والخصوم السياسيين، والذين حرموا من ممارسة حقهم في التعبير وتكوين الأحزاب وإنشاء الصحف.

وانتهى الأمر بما هو متوقع بانتشار الفساد الاداري والمالي في كل أجهزة الدولة، وعمت الرشوة والمحسوبية ربوع البلاد، وزاد الفقر إلى حد سكن المقابر والعشش، وتفشي الخوف والجهل والمرض، وتم تجريف الطبقة المتوسطة، فيما مُكِّنت عائلة الرئيس وحواريوه وجنوده من نهب ثروات مصر، ولمّا اطمأنوا، وظن أهل بيت الرئاسة أنهم - بذلك - أصبحوا قادرين عليها، أتاهم أمر الله يوم 25 يناير 2011، وجاء طوفان الشعب المصري في ثورة عارمة أغرقت البيت وأهله، فأسقط حكمه وأزاحه عن السلطة، ولم يفلح معه - حينئذ - تهديد رب البيت للشعب، "إما أنا أو الفوضى" أو قتله لألف وإصابة الآلاف من الثوار، وانتهى الأمر به أن وصل ممددا على سرير طبي دخل به إلى زنزانة حديدية مع ولديه ونفر من أعوانه حكمه إلى قاعة المحكمة في تهم قتل والشروع في قتل الثوار، والتربح والاضرار بالمال العام، ولم تكن هذه التهم فقط هي التي ثار الشعب من أجلها ونادى بمحاكمته عنها. بل لعلها كانت الأخيرة، فيما كان يتعين أن يوجه إلى رئيس دولة ثار شعبه عليه وهو ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى وعدم الولاء للنظام الجمهوري المعاقب عليهما في المادة السادسة من القانون 247 لسنة 56 المشار اليه وقانون العقوبات. وهما موضوع هذا البلاغ على التفصيل الآتي:

أولاً: جريمة الخيانة العظمى:

لم يشأ المشرع حصر جريمة الخيانة العظمى في أفعال معينة، وإنما ترك تحديد هذه الأفعال لتشمل كل الجرائم الواردة في قانون العقوبات أيا كان موضعها فيه، إذا ارتكبها رئيس الجمهورية، فضلا عن مسئوليته عن الأفعال التي أخل فيها بإلتزامه الوطني والسياسي والأخلاقي وأساء بها إلى شعبه، وذلك بالنظر إلى السلطات الواسعة التي يملكها والتي قد يستخدمها في تسخير إمكانات الدولة الهائلة فيما يحقق مصالحه الخاصة ويتعارض مع الصالح العام من ناحية، وجسامة الأضرار التي تصيب – ولاشك – كل المقومات السياسية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع المصري من ناحية أخرى.

          وقد أتى الرئيس المخلوع افعالا يصعب حصرها تندرج في وصف الخيانة العظمى وذلك في غضون فترة حكمه التي امتدت من أكتوبر 81 وحتى فبراير سنة 2011 من هذه الأفعال:

أ-  موالاة المتهم الأول للكيان الصهيوني على نحو يمس باستقلال الوطن وأمنه القومي وسلامة أراضيه:

    لقد بات جليًا للعامة والخاصة أن المتهم الأول منذ أن جلس على عرش مصر 1981 لم تكن له رؤية محددة لما يجب أن تكون عليه سياسة مصر الداخلية والخارجية كما لم يشغله شيء آخر قدر انشغاله باستمرار بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، فقدَّر أن أمريكا وإسرائيل هما الأكثر ضمانًا لتحقيق هذا الهدف وليس الشعب المصري الذي أقسم على رعاية مصالحه، فواصل وضع مقدرات مصر تحت رحمته بغير إبطاء ولا تحسُّب، وظل كذلك حتى بدأ يشيخ، فراح يفكر في نقل السلطة لابنه من بعده، وللمرة الثانية لم يجد وسيلة تضمن تمرير مشروعه لتوريث السلطة ـ رغم معارضة الشعب المصري الواضحة له - سوى واشنطن، وأدرك بحكم تاريخه وتجربته أن الطريق إلى عقل واشنطن يمر دومًا بقلب إسرائيل، فراح يرضي إسرائيل بكل الطرق الممكنة ـ ولو على حساب الشعب المصري  وكرامته ومقدراته، فأفرج عن جاسوسها (عزام عزام)، ورحب بالشراكة التجارية معها في إطار اتفاقية الكويز وباع الغاز الطبيعي بثمن بخس في صفقة العار التي طالب القضاء الاداري بتعديلها، ولم يكن غريبًا في سياق كهذا أن وافقت مصر الرسمية على حرب اسرائيل على لبنان أملاً في تصفية "حزب الله"، وحربها على قطاع غزة أملاً في تصفية "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى، وأن تشترك معها في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكانت قد شاركت في حرب الكويت ضد العراق تحت القيادة الأمريكية، وشاركت بدعم المجهود الحربي الأمريكي لغزو العراق عام 2003، وطوال مدة حكمه لم يجرؤ على طلب إعادة النظر في الشروط المجحفة لمصر بمعاهدة السلام، ربما باستثناء متواضع جرى مؤخرا في اتفاق على وضع 750 جندي حرس حدود عند محور صلاح الدين، وبهدف كان لصالح إسرائيل نفسها وهو مكافحة تهريب السلاح للفلسطينيين عبر أنفاق الحدود، ورفضت إسرائيل زيادة العدد إلى 3500 جندي، فبقيت سيناء الحبيبة مرهونة لاسرائيل تحت يد المصريين وبات فندق طابا – وهو معظم مساحة طابا – تحت إدارة مصرية إسرائيلية، والعلم المصرى يرفوف على الفندق إعلاناً للسيادة، والشراكة الإسرائيلية فى داخلها ضماناً للأمن المنفصل عن السيادة، دون أن يشعر أى من السياسيين والدبلوماسيين – الذين حملوا على صدق قرار التحكيم لصالح مصر – بما وقع من ترتيبات على الأرض، لأن المسألة انتقلت من وزارة الخارجية كقضية، إلى وزارة السياحة كشركة وفندق وشاطئ، وظل التزام مصر بمعاهدة " الدفاع العربي المشترك" موقوفًا نتيجة المادة السادسة في الوثيقة الرئيسية، كذلك فإن الرئيس المخلوع لم يستطع طلب تعويض عن دفن أسرانا أحياء في الصحراء باعتراف قادة الكيان الغاصب، بينما أسرع بدفع التعويضات التي طلبتها إسرائيل لذوي مجموعة الصهاينة الذين دنسوا أرض مصر في استفزاز للجندي المصري البطل سليمان خاطر  ولم يستجيبوا لتحذيراته وإذا هو يطلق النار يقتل واحداً ويصيب ستة منهم وقد حوكم عسكريًا في مصر ثم وجد مقتولاً داخل زنزانته ولم يجر تحقيق موضوعي لاستجلاء ظروف مقتله (استشهاده) والكل يعرف أيضًا بالعلم العام أن إسرائيل قتلت مواطنين مصريين حتى بعد معاهدة السلام دون أن يطالبها أحد في مصر بتعويضات.

كذلك فقد أورد الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحدث كتبه " مبارك وزمانه " عن مسألة أشرف مروان أمارات ودلائل قوية موثقة تشير إلى أن أشرف مروان كان جاسوسًا مصريًا لصالح إسرائيل وقد أخطر الموساد الاسرائيلي بتوقيت نشوب الحرب في أكتوبر 73 ومن بين المعلومات أن الهجوم سوف يكون على الجبهتين المصرية والسورية، وقد رفض الرئيس المخلوع إجراء أي تحقيق في هذا الخصوص، وسارع بإعلانه قرار براءة أشرف مروان من هذه التهمة. هكذا وبدون تحقيق رسمي، وهو لا يملك هذا الحق، وهكذا استحق الرئيس المخلوع بحق أن يصفه قادة الكيان الصهيوني بأنه الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، لاسيما انه كان قد ترك لهم الساحة الإفريقية خالية وجمّد علاقات مصر التاريخية مع دول أفريقيا ـ بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا، وتمكنت بذلك إسرائيل من التأثير على دول حوض النيل ودفعتها إلى تخفيض حصة مصر من مياه النيل، ومنذ أربع سنوات وحتى الآن فإن مصر تسحب من بحيرة ناصر بعض مخزونها لتعويض النقص في المياه، وعلى من يريد الدليل أن يقيس منسوب المياه الحالي في خزان السد في بحيرة ناصر، كما تحقق هدفها في انفصال جنوب السودان عن شماله، وبات لها الجنوب خالصًا باعتراف سلفاكير نفسه الذي زار إسرائيل بعد الانفصال وشكرها منبهًا أنه لولا مساعدتها لما تم هذا الانفصال، ويعلم الله مدى تأثر الأمن القومي المصري بما وقع في السودان.

          وقد أورد الأستاذ هيكل فى كتابه سالف الذكر أدلة كافية ضد المتهم الأول على اشتراكه بصفته فى عملية لغزو إيران بتمويل سعودى مع جماعات معارضة إيرانية لاجئة فى باريس، وبالفعل تم وضع خطة الغزو، وشاركت فيها أجهزة عربية، وكان للسياسة المصرية دور نشيط فى هذه العملية، وكان التمويل جاهزاً وكذلك الأسلحة وكلف اللواء عبد السلام المحجوب بمسئولية معينة ضمن هذه السياسة، فقام بدراسة الخطة واستطلع مواقعها.. ثم التقى فى واشنطن بخبراء وكالة المخابرات المركزية بغرض التنسيق وتذليل العقبات، وحضر اجتماعات فى مقرها رؤسها مدير الوكالة نفسه، وقد أبدى المحجوب فيها شكوكه فى إمكانية نجاح العملية بعدما بان له من استكشافه العملى أن قبائل اليختيار الذين يفترض أن يقودوا الغزو ضد نظام الثورة الإيرانية ليست لديهم نية المشاركة فيما يجرى تدبيره، ولا شك أن مثل هذا العمل من شأنه لو تم اكتشافه، - ولابد أن يكون قد اكتشف أمره – أن يوقع بعداوة بين حكومتى البلدين بما يخشى معه رد فعل يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد وسلامة أراضيها – وهو ما يوفر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 77 من قانون العقوبات.

ويبدو أن المتهم كان قد عرف الخيانة ومارسها مبكرا، فمنذ كان قائدًا لسلاح الطيران عام 1970 شارك في اغتيال زعيم المهدية السوداني الهادي المهدي لصالح الرئيس جعفر نميري  ووجدت ضده أمارات ودلائل قوية موثقة أشار إليها الأستاذ هيكل في كتابه مبارك وزمانه، كما تقاضى عمولات في صفقات سلاح عام 71 من شركة داسوالفرنسية المنتجة للطائرة المقاتلة  (ميراج) ثم وبعد توليه منصب رئيس الجمهورية، قام بتأسيس شركة في عام 78 مع كل من صديقه حسين سالم، وصهره منير ثابت (مسئول مكتب المشتريات العسكرية في واشنطن في ذلك الوقت واللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة وكان ملحقًا عسكريًا في واشنطن، فضلاً، نيودورجرينبرج المسئول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وتوم كلاينير الأمريكي الجنسية وآخرين، سميت الشركة المصرية الأمريكية للخدمات والنقل وكانت غطاء لأنشطة غير مشروعة دوليًا لصالح الاستخبارات الأمريكية والسعودية هدفها نقل الأسلحة إلى متمردي الكونترا في نيكاراجوا ونقل وبيع أسلحة كانت مقررة طبقًا لبرنامج المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، إلى متمردي أفغانستان بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والسعودية والباكستانية، وتحصل على عمولات نظير أدائه لهذا الدور لصالح أجهزة الاستخبارات الأجنبية المشار إليها، وهو ما جعله عبدًا لهذه الأجهزة بعد سيطرتها عليه ولما نشرت هذه التفاصيل في الصحف الأمريكية بعد توليه رئاسة الجمهورية حرصت الإدارة- الأمريكية إثر اجتماع بالبيت الأبيض ضمَّ عددا من قيادات وكالة  الاستخبارات المركزية ومن وزارة الدفاع وهيئة مستشاري الأمن القومي ووزارة الخارجية ـ على تصنيف هذه القضية باعتبارها من قضايا الأمن القومي الأمريكي بما جعلها خارج تداول وسائل الإعلام والصحافة الأمريكية. وتبين من واقع التحقيقات التي أجرتها بعض الأجهزة الأمريكية ووزارة العدل أن هذه الشركة التي يديرها :حسين سالم" في الظاهر، هي غطاء لأنشطة استخبارية أمريكية وسعودية، وهو ما وضع الرجل فيما بعد طوع هذه الأجهزة الاستخباراتية، ولعل ذلك يضيف تفسيرًا آخر لتبعية قراره وإدارته للإدارة الأمريكية (يراجع كتاب - احداهم مؤرخي وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية والمعنون:

بما يوفر قبله جريمة المساس باستقلال البلاد وسلامة أراضيها المعاقب عليها بالمادة 77 من قانون العقوبات فضلا عن جناية التربح المعاقب عليها بالمادة 115 عقوبات.

وكان آخر مشهد ظهر فيه حسين سالم على الساحة المصرية، هو ركوبه لطائرته الخاصة عن مطار شرم الشيخ بعد أيام من قيام ثورة 25 يناير، ومع مجموعة صناديق تحتوى على أربعمائة وخمسين مليون يورو نقداً وجديدة، ولا تزال بنفس التغليف الذى صرفت به من البنك المركزى الأوروبى، وحطت طائرة سالم فى مطار أبو ظبى، ولما أدرك مأمور المطار أن هذه الصناديق تحوى أوراق نقد وأخطر سلطات مسئولة فى أبو ظبى أصدرت قراراً بالاتصال بالقاهرة لسؤالها فى الموضوع، وكان مبارك شبه معتزل فى شرم الشيخ لكنه لم يكن قد تخلى عن السلطة بعد – وجرى اتصال بنائبه الجرير عمر سليمان فأشار بالإفراج عن الرجل وعدم إثارة ضجة فى الوقت الحاضر. ولازال الغموض إلى الآن يكتنف مصير هذه الصنادق ومحتواها ومن هو صاحبها الحقيقى؟!! وماذا جرى لها ؟ وأسئلة أخرى بغير نهاية (الأستاذ هيكل فى كتابه "مبارك وزمانه").

ب - الإضار العمدى بأموال ومصالح الدولة ومعاقب عليه بالمادة 116 مقرر من قانون العقوبات:

1- لقد اهتم الرئيس المخلوع بأمنه وحده وأمن عائلته فيما ضحى بأمن شعبه وكرس كل أجهزة الدولة الأمنية تقريبًا لحمايته، فيبدو أنه بات مسكونًا بعقدة الأمن، بعد أن شهد أحداث 18، 19 يناير عام 77 وكان نائبًا للرئيس، ثم حادث اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر عام 81 وكان جالسًا بجواره، ثم تمرد الأمن المركزي في عهده من  فبراير عام 86، وهو يريد أن يبقى في الحكم مدى حياته، فكان أول اجتماع حضره بعد اعتلائه عرش مصر مع مسئولي أمنه وتأمينه، وفي اجتماعات توالت، تولى بنفسه وبتجربته الخاصة إضافة إجراءات أوسع وأبعد على الخطة التي وضعها كسينجر (وزير خارجية أمريكا)!! لتأمين الرئيس السادات وفحواها أن يكون البلد كله تحت مظلة منظومة الدفاع الاقليمي الذي تشرف عليه القيادة  المركزية الأمريكية المكلفة بمنطقة الشرق الأوسط، وأن تتواكب مع هذه المظلة  الأمريكية مظلة أمنية هي شبكة المخابرات الكبرى في المنطقة التي تتلاقى في إطارها جهود الوكالتين الرئيسيتين وهما وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية العاملة مع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ثم وكالة الأمن الوطنى العاملة في إطاره وزارة الدفاع الأمريكية.

ولم يقتنع المتهم الأول بهذه الخطة الهائلة وإنما أضاف إليها ضرورة إغلاق المجال الجوي وقت تحليق طائرته وعلى طول الطريق، وإغلاق الشوارع من الجانبين أثناء مرور أي موكب رئاسي، وأن تكون شرم الشيخ مقر إقامته الأساس للمزايا الأمنية التي توفرها وغير ذلك من إجراءات رآها ضرورية،وقد صَّرح ذات يوم بعفوية معبرًا عن فهمه لوظيفة الدولة حين ثار على مدير مرور القاهرة وقائد قوات الاصطفاف عندما فتح الجانب الآخر من الطريق بناء على طلب مُلح من مسئولي مطار القاهرة عندما سمع عبارة "تأمين وصول سياح إلى المطار" ورد غاضبًا "ليس هناك هدف للدولة المصرية أكثر أهمية من تأمين الرئيس " وقد بلغ حجم تكاليف وجوده في شرم الشيخ ما مقداره مليون جنيه بالزيادة يوميًا عن المصروفات العادية للرئاسة، كما أن تكاليف كل يوم سفر له خارج البلاد كانت تزيد أحيانًا عن مليون دولار يوميًا، وحين كان الرئيس المخلوع يسافر إلى شرم الشيخ أو غيرها من القاهرة فإن عشر جهات على الأقل كانت تخطر بمسئولياتها في حماية سفره، وفيها الحرس الجمهوري بالطبع والأمن الخاص والدفاع الجوي ووزارة الداخلية ووزارة الطيران المدني والمخابرات العامة وغيرها، وكانت كل جهة من هذه الجهات تتخذ ما ترى من إجراءات التأمين المباشرة والخاصة بها ثم لا يعرف أحد في النهاية أي طريق سوف يتخذه إلا فبل أن يخرج من بيته فعلاً، وكثيرا ما حدث اصطفاف كثيف على طرق ممتدة باعتبار أن مبارك سوف يسافر بالسيارة، ثم تظهر الهيلوكوبتر فجأة تنقله من داخل بيته إلى المطار وتنتهي  مهمة طوابير الاصطفاف بعد أن تكون قد  انتظرته على الطرق عشر ساعات وأحيانًا أكثر. كل هذا وغالب الشعب المصري  لا يجد عيشًا آمنًا أو مسكناً يأويه، وجرائم القتل والاغتصاب والسطو المسلح والسرقة بالإكراه، والدولة كلها منشغلة بأمن الرئيس!!!!!!!!!!!!!

(راجع كتاب بوب وورودد ........... وفيه وقائع مفزعة عن أمن الرئيس وتكاليفه، وكتاب مبارك وزمانه للأستاذ محمد حسنين هيكل) وهو مايوفر قبلة جريمة الإضرار العمدي بأموال ومصالح الدولة الاجتماعية والإقتصادية المعهود بها إليه والمعاقب عليها بالمادة 116 مكرر من قانون العقوبات.

2-     نتيجة لتعيين المنحرفين وغير الصالحين من أهل الثقة فى مراكز القيادة بكل أجهزة الحكومة والمحليات، انتشر الفساد الإداري المعطل لمصالح الشعب في كل هذه الأجهزة:

 مما جعل كثيرا من الناس يعانون حيث لا تنقضي مصالحهم ولا يتم معاملتهم إلا إذا حفيت أقدامهم أو أتوا بوساطة أو توصية من شخصية يعمل حسابها أو دفعوا رشوة إلى القائمين بالعمل مما أدى إلى الإضرار بالمواطنين والإفتئات على حقوقهم.

وقد أدى انتشار المحسوبيات والوساطات والجري وراء المصالح الشخصية ومراعاة الشللية إلى وصول المنحرفين وغير الصالحين إلى العديد من مراكز القيادة الأمر الذي أصاب النفوس بروح الضجر والإحباط والجري وراء المنافع الذاتية، وجعل هذه القيادات عاجزة عن تحقيق الإدارة الصالحة، ونذكر مثالا هو تعيين الدكتور يحيى حسن محافظًا للمنوفية بعد اتهامه بالتلاعب في أموال الهيئة العامة للثروة السمكية، وحبس على ذمة القضية، وقدم للمحاكمة ثم صدر الحكم فيها بالبراءة بناء على الشهادة التي أدلى بها يوسف والي وزير الزراعة لصالحه، ولم يلبث أن اتهم مرة أخرى في منصبه الجديد بالتلاعب في حصة الردة المخصصة لمحافظته وحبس احتياطيًا وقدم للمحاكمة مع مستشاره الفني، وحكم بتبرئته بعد أن مثل صديقه يوسف والي مرة أخرى أمام المحكمة وشهد بما ينفي التهمة عنه بينما حكم بالإدانة على مستشاره.

ولم تتم مساءلة جادة لكبار المنحرفين الذين نهبوا الملايين وأفلتوا بما استولوا عليه وهربوا خارج البلاد ليستمتعوا بما اقتنصوه من مال الشعب دون أن يمنعهم أحد من الهرب أو يتعقبهم حيث يكونون، بل كثير ما وجدوا من يسر لهم سبل الإفلات من بعض أصحاب السلطة والأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة للجميع، ولم يكشف عن مصير التحقيقات التي جرت في بعض القضايا وأشارت أصابع الاتهام فيها إلى بعض الكبار من ذوي الحيثية، كتحقيقات قطاع البترول في عهد الوزير عبد الهادي قنديل، وتحقيقات فضيحة التعاقد الذي تم بين جامعة القاهرة واتحاد بعض المقاولين الفرنسيين حول مشروع بناء مستشفى القصر العيني منذ عام 83 وتولي د.رفعت المحجوب ـ عندما كان مستشاراً للجامعة ـ المشاركة في مرحلة البت في قبول عطائه بالمخالفة لكراسة الشروط ومواد التعاقد، وتولت نيابة الأموال العامة التحقيق فيه، وتعطل سيره أثناء توليه رئاسة مجلس الشعب لتمتعه بالحصانة البرلمانية، ولا زالت القضية حبيسة أدراج النيابة العامة رغم وفاة المحجوب وانقضاء الدعوى بالنسبة له. وكذلك فقد أغلقت التحقيقات التي لم تكد تبدأ فيما تبادله وزيرا الداخلية السابقان زكي بدر وعبد الحليم موسى، من تهم استغلال النفوذ وغيرها مما يمس النزاهة والحرص على المصلحة العامة للشعب.

3- وتفاقم ظاهرة الفساد لم يواجه بتشريعات تسد المنافذ الميسرة للانحراف والفساد، بل إن مجلس الشعب ـ نفسه ضم بين صفوفه من اتُهم بالإتجار في المخدرات والنصب، ومن تهرب من أداء الخدمة العسكرية، وحرص المجلس على عدم رفع الحصانة عن المشكوك في تصرفاتهم رغم عدم ثبوت الكيدية من جانب السلطة العامة وهي الحكمة التي استوجبت فرض هذه الحصانة ولم تصدر القوانين التي تحظر قبول الهدايا التي تزيد عن حد معين وتوجب تسليمها للدولة. بل عمل الدكتور رفعت المحجوب عندما كان رئيسًا لمجلس الشعب على عدم موافقة لجنة الاقتراحات على اقتراح بقانون في شأنها، وعدم التعامل مع الشركات المصرية والأجنبية التي تقدم العمولات والسمسرات للمسئولين، ولم تستجب السلطة التشريعية للأخذ بما أوصت به الأحكام القضائية من تعديل بعض القوانين التي يتسلل منها الفساد، وخاصة قوانين تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي والتهرب الضريبي وقانون العيب وتمكين النيابة العامة من إقامة الدعوى الجنائية على المتهمين دون توقف ذلك على موافقة وزير الاقتصاد أو المالية كما تقضي بذلك القوانين القائمة. ولم تتم الاستجابة لتوصيات الهيئات القضائية بطلب تعديل قانون السلطة القضائية بحيث يكون اختيار النائب العام من اختصاص مجلس القضاء الأعلى، لأن تعيينه في الوضع الحالي يتم بقرار من رئيس الجمهورية دون عرض على المجلس القضاء بالرغم من سلطته الخطيرة في الجمع بين سلطتي التحقيق والاتهام وإن جميع أعضاء النيابة العامة على اختلاف مستوياتهم يعتبرون وكلاء عنه في التصرف في التحقيقات وما يتخذ بشأنها من إجراءات وقرارات، وذلك ضمانًا للحياد التام وعدم التدخل من أيه جهة وحتى يصبح جميع المواطنين سواء أمام القانون.

4- أما عن الدور الرقابي لمجلس الشعب على الحكومة والأجهزة التنفيذية حفاظًا على الأموال العامة وحماية لحقوق الشعب، فإنه تعدي التقصير إلى حد التستر، ولنتذكر في هذا شأن ما حدث في الاستجواب المقدم من النائب جلال غريب إلى وزير الثقافة فاروق حسني حول أسلوب أدائه في وزارته حيث أقر بعرض لوحاته الفنية في معارض وزارته وطرحها للبيع دون أن يسائله مجلس الشعب عن مخالفته للمادة 158 من الدستور التي تحظر على الوزير أثناء تولي منصبه أن يزاول مهنة حرة أو يمارس عملا تجاريًا كما نذكر ما حدث في الاستجواب الذي اتهم فيه النائب الوزراء أصحاب الفيلات المقامة على لسان الوزراء بالبحيرة المرة في محافظة الاسماعيلية بأن شركات المقاولات التابعة للقطاع العام قامت بتشييدها لهم مقابل مبلغ رمزي وهو الأمر الذي ساهم في زيادة خسائرها.

5- ومن دواعي الأسى أن السلطتين التنفيذية والتشريعية في عهد المخلوع لم  تستجيبا إلى مطالب الإصلاح للإدارة الحكومية، ولم تكن هذه المطالب لتتم في ظل وجود رؤساء ووزراء يعطون المثل السيء لمرؤوسيهم في الجري وراء تحقيق المنافع الشخصية من مراكزهم والتعالي على الناس ورغبة في الاستمتاع بالمظاهر الكاذبة، ومن الصور التي سادت ذلك العهد والتي تدل على الفساد والانتفاع من وراء المنصب واستغلال النفوذ، صور التربح من وراء الاستحواذ على الشقق والشاليهات المملوكة للحكومة والهيئات العامة والقطاع العام. من ذلك القصور المنشأة فيما يسمى ب " لسان الوزراء" الممتد على البحيرات المرة بناحية أبو سلطان بمحافظة الإسماعلية المملوكة لعدد من الوزراء وكبار المسئولين الذين حصلوا على الأرض فيه بطريق التخصيص بأبخس الأسعار وبالتقسيط المريح، ومن هؤلاء ولدا الرئيس المخلوع جمال وعلاء اللذين اشتريا مساحة 40238 متراً مربعاً بثمن بخس قروش معدودة بلغت خمسة وسبعين قرشاً فقط للمتر فيما كان البائع وهو رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق (لواء فى ذلك الوقت) عام 1993 وكانت جمعية الضباط الطيارين التى يمثلها الأخير فى العقد قد اشترت ذلك الأرض ضمن مساحة أكبر بسعر ثمانية جنيهات للمتر!!!! وتتكرر نفس أسماء الوزراء والأكابر في كل قرية ومنتجع سياحي، ويتكرر الأمر بتخصيص الصفوف الأولى من الشاليهات والفيلات المواجهة للبحر مباشرة على طول شواطئ الساحل الشمالي لعدد من الوزراء والأكابروعتاولة القطاع العام، فهم يحصلون على هذه المواقع المتميزة بأقل الأسعار، بينما بيعت الصفوف التالية الخلفية والشقق المرتفعة بأسعار مضاعفة للناس العاديين وذلك تعويضا عن السعر البخس الذي بيعت به أفضل الوحدات، وهو ما يدل على أن عدد من المصريين ذوي النفوذ قد استولوا لأنفسهم على اعظم ما يملك شعب مصر بسعر مدعم من خزانة الشعب وأمواله التي يحصل عليها بشق الأنفس، بينما ألغى الدعم المادي عن كافة السلع الضرورية حتى الفول والطعمية مما يعتبر غذاء عامة الشعب وضرورياته، على أن الأمر لم يقتصر على هذه الفيلات الفاخرة ذات المواقع المتميزة لأشخاصهم فحسب بل أمتد الأمر إلى حصولهم على عقود ملكية لهذه الأماكن لأبنائهم وأحفادهم، وهي وإن كانت في ظاهر الأمر للتصييف إلا أن الحقيقة الصارخة تقول إنها للاستثمار لأن ما يدفع لهذه الوحدات  بالسعر المدعم بنفوذهم سوف تباع بأسعار مضاعفة في الوقت المناسب كما أن الأمر لم يقتصر على قصور لسان الوزراء بالإسماعيلية وشاليهات الساحل الشمالي الممتد من الإسكندرية إلى السلوم، بل تضمن أيضا ما حدث من تملك الشقق في العمارات التي تنشئها المحافظات والهيئات المختلفة والمجتمعات المدنية، ليس بقصد السكن ولكن بقصد التأجير من الباطن والبيع مستقبلا بأثمان مرتفعة. هذا مع العلم بعدم قانونية جميع عقود البيع الصادرة للوزراء إذا لا يجوز للوزراء أثناء تولي مناصبهم أن يشتروا أو ستأجروا شيئا من أموال الدولة (م 158 من الدستور) وجاء نص مماثل في المادة 95 بالنسبة لأعضاء مجلس الشعب والشورى. ومما لا شك فيه أن الحكومة والرئيس المخلوع الذين أقسموا على احترام الدستور والقانون والحفاظ على أموال الشعب ومصالحه أدركوا هذه المخالفة الصارخة للدستور ولكنهم اطمأنوا إلى عدم مساءلتهم عن أية تجاوزات من جانب من يملكون المساءلة القانونية ولا شك أيضا أن أحدا من أعضاء مجلس الشعب المعارضين المستأنسين أو المستقلين لم يتقدم بطلب تصويب هذه الأوضاع المعوجة، لأن  الحرص على تلبية طلبات الناخبين اقتضى السكوت على الفساد والتربح ومخالفة الدستور.

6- ولا شك لدى الجميع بأن تخلف الإدارة في عهد المخلوع هو أساس الروتين والبطء والخلل الموجود في الجهاز الحكومي، وهو السبب الرئيسي لفشل القطاع العام وهو ما جعل القطاع الخاص عاجزا عن منافسة مثيله الأجنبي، وقد بلغ الفساد قمته في أكاديمية القادة الإداريين التي أنشئت بقصد الارتقاء بمستوى الإدارة وتدريب القادة الإداريين.

فقد أنشئت أكاديمية العلوم الإدارية التي أطلق عليها اسم السادات من قبيل النفاق للحاكم عام79 ولتحل محل المعهد القومي للإدارة العليا لكي تقوم بثلاثة أنشطة رئيسية تستهدف الارتفاع بمستوى الإدارة في كافة القطاعات: التدريب والاستشارات و البحوث.. ولكن بدلا من توجيه اهتمامها إلى النهوض بمستوى الإدارة في القطاع الحكومي والقطاع العام والمشترك والخاص اهتمت بالناحية التعليمية التي كان ينبغي أن تترك للجامعات، فأنشأت كلية العلوم الإدارية بشارع رمسيس، وانصرفت عن مقرها المنشأ لها بالمعادي، وانشغل أساتذتها بالتدريس الذي يحصلون مقابله على مكافآت إضافية، ولم يعهد بالقبول لهذه الكلية إلى مكتب التنسيق لكفالة تكافؤ الفرص .. وإمعانا في الانصراف عن مهمة الأكاديمية الأساسية، قرر رئيس الأكاديمية ولا ندري بأمر من ؟ - تأجير الفندق المقام بالمعادي كملحق لمبنى الأكاديمية ليقيم فيه أعضاء الدورات التدريبية المقيمة بدلا من استخدام الفنادق السياحية، وتم هذا التأجير لشركة فندقية قطاع خاص لمدة 25 سنة، واستلمت المبنى قبل موافقة مجلس الدولة على عقد الإيجار، وقد رفض مجلس الدولة بعد ذلك الموافقة على تأجير هذا الفندق نظرا لأنه أقيم بأموال عامة وتخصص لغرض معين وهو البرامج المقيمة، كما تضمن عقد الإيجار ما يعطي المستأجر الحق في إجراء تعديلات في المبنى الذي استغله المستأجر في إقامة 12 محلا تجاريا في واجهة الفندق، وهدم حوائط داخلية لإنشاء قاعات واسعة، وأقام على جزء من حديقة مبنى الأكاديمية شاليهات لحمام السباحة‼ولم تستجب أي جهة إلى طلب المخلصين للتحقيق لمعرفة من وراء هذه التصرفات التي أثارت الشائعات بين أساتذة الأكاديمية أنفسهم. ومن الغريب أن هذه الأكاديمية التي تهدف إلى النهوض بالإدارة في شتى القطاعات، اعتبرت مثالا في الفوضى فهي تتبع رئيس مجلس الوزراء مباشرة بالرغم من وجود وزير دولة مختص بالتنمية الإدارية، وكان رئيسها في ذلك الوقت ( الدكتور عمرو غنايم)، انتهت مدته وانقضى ما يقرب من سنة دون أي تجديد أو تعيين من يحل محله، وكان الأمر يحتاج إلى لجنة من كبار علماء الإدارة العامة وذوي الخبرة الإدارية لإعادة النظر في تنظيمها، وتحديد اختصاصاتها وبعث الروح فيها، ووضع الروابط التي تربطها بمختلف القطاعات والمؤسسات التي تحتاج لخدماتها، ولكن الحكومة لم تفعل‼كان في وسعها - لو أرادت - عن طريق هذه الأكاديمية أن تصلح من أوضاع وحدات القطاع العام لكي ترتفع بمستوى ما يبقى منها، وتعالج حالة ما يتم بيعه منها حتى لا تصاب بالخسائر الفادحة نتيجة بيعها قبل إصلاح أحوالها… كمان كان يمكن أن يقوم خبراء هذه الأكاديمية بتقييم الشركات التي يتقرر بيعها بدلا من المكاتب الاستشارية الأجنبية التي صرح وزير الصناعة وقتها بأنها بخست قيمة المنشآت التي قامت بتقييميها حتى يتمكن أصحاب رءوس الأموال الأجانب من تمليكها بأقل الأسعار. وللأسف الشديد فإن وزير التنمية الإدارية في ذلك الوقت الدكتور عاطف عبيد (المحكوم عليه حاليا في قضايا الفساد) وقد قبل أن يتولى مسئولية القيام بثلاث مهام جسام وهي: " التنمية الإدارية" للجهاز الحكومي، وهي المهمة التي عجزت ثورة يوليو والحكومات التي توالت على الحكم بعد قيامها عن تحقيقها و " حماية البيئة من التلوث" بكافة صوره المتعددة الأنواع والمنتشرة في كل مكان، ورغم ضآلة الميزانية المخصصة لهذه الحماية" والإشراف على قطاع الأعمال العام" الذي حل محل شركات القطاع العام – الذي كان يتولى أمرها تسع وزراء كل في مجال تخصص وزارته.. فهذا الشخص لم يكن يفعل شيئا طوال شغله هذه المناصب للنهوض بأوضاع الإدارة الحكومية في مصر، ولم يكن في استطاعته والحال كذلك أن يحقق نجاحا في أي منها، ولم يكن من حسن الإدارة أن تسند هذه الأعباء الجسيمة إلى مسئول واحد – مهما قلت قدراته وهذا ما يؤكد استشراء الفساد الإداري في جهاز الحكومة وعدم بذل أي جهد من رئيس الجمهورية أو الحكومة للتصدي له ومواجهته للنهوض بها والارتفاع بمستوى أدائها، سوى أنهما اتجها إلى إرهاب الصحافة التي استطاعت أن توسع من رقعة ما تنشره عن بعض وقائع الفساد المثيرة بعد انتشار ظاهرته وتسلله إلى مجالات ما كان يتصور أن يتمكن من الوصول إليها، وامتداد أخباره إلى خارج البلاد بحيث أصبح يسيئ إلى سمعتها، ويؤثر بالسلب على الاستثمار  فيها، سواء بهروب الأموال الوطنية من الاستثمار في الداخل، أو بالعجز عن اجتذاب رءوس الأموال الأجنبية من الخارج دون أن يحرك الرئيس وحكومته ساكنا بغرض التغطية عليه، حتى فاحت رائحته الكريهة وأصبحت تزكم أنوف الأجانب في الخارج ويعيرون به المصريين لديهم. وتشجع الناس على الإسراف في الداخل وتعود المواطنون عليه في شتى المجلات حتى أشدها بعدا عن تصور تطرق الفساد إليها باعتباره أسلوب التعامل الذي لا اعتراض عليه، أو الذي لاتتحرك الدولة لمحاربته والتصدي له. وهو ما حدا بأجهزة الدولة الرقابية وبناء على توجيهات الجهات الرسمية الأعلى التي تتبعها أن تضبط عددا من قضايا الفساد زرا للرماد في العيون وتعطي الفرصة للرئيس المخلوع كي ينفي تفشي الفساد بالصورة الخطيرة المتداولة عنه وتخفيها ويتخذ من الأعداد المحدودة من قضايا الفساد المضبوطة مقياسا للقول بقلة حالاته، سيما وقد أظهرت أحكام القضاء التي صدرت بالبراءة في قضايا الفساد التي قدمتها أجهزته الرقابية ضعف كفاءة هذه الأجهزة في جمع الأدلة وعدم إلمامها بالإجراءات التي نص عليها الدستور والقانون أو عدم احترامها فضلا عن التشكك في نزاهة وحياد القائمين بالضبط وحقيقة الدوافع التي أدت إلى تحرك هذه الأجهزة، وان كان ما نشرته الصحف من قضايا الفساد والانحراف يعد بلاغا مقدما إلى النيابة العامة للتحقيق لتبين وجه الحقيقة، بحيث يعاقب المفسدون جزاء وفاقا على ما جنت أيديهم، ويساءل من أدانوا أحدا عن وقائع كاذبة مع سوء القصد عن هذا النشر الكاذب، فإن الرئيس المخلوع راح يهدد الصحافة والصحفيين ويصدر حكمه على ما نشر ابتداء باعتباره " من دعاوي التشهير التي يروجها هؤلاء تحت مظلة حرية الرأي والصحافة، ويتوعدهم بمطالبة النائب العام لتحقيق هذه الدعاوي حتى لا تبقى شبهات الكذب سيفا مسلطا على رءوس الأبرياء، وحتى لا تهتز صورة مصر الكنانة في نظر أبنائها، في العالمين " وهذا نص قوله في عيد العمال سنة 1992. وهو ما يفيد أن البلاغ الحكومي للنيابة بقصد، المطالبة بإدانة الصحفي أو الكاتب‼والفرق واضح بين اعتبار الصحفي أو الكاتب مبلغا أو متهما ‼وهذا التصرف من جانب الرئيس المخلوع ومن حكوماته وقد تكرر عدة مرات يعتبر إرهابا موجها للصحافة بقصد الامتناع عن نشر ما يعتبر فسادا خشية الوقوع تحت طائلة العقاب، ولا يمكن اعتباره بحال أسلوبا لمواجهة الفساد والتصدي له والقضاء عليه, وواضح أن هذا الهدف لم يكن هو المقصود لدى المخلوع إذ ورد في خطابه " أن الهدف من ذلك (إبلاغ النيابة ضد الصحفيين) " هو حماية من " يتهمون بالفساد كذبا" و " عدم اهتزاز صورة مصر في نظر الناس" في حين أن الهدف الأكبر والأول يجب أن يكون محاربة الفساد وتطهير جهاز الدولة من الانحراف وتعقب المتلاعبين بالمال العام إضرارا بمصالح الشعب، وثبت أخيرا أن المخلوع ذاته وأفراد عائلته وحاشيته وأعوان حكمه هم رءوس الفساد الذين نهبوا ثروات البلاد كما سلف البيان ولذلك أمسك الرئيس المخلوع وحكوماته عن مراجعة أوضاع الأجهزة الرقابية ومنحها استقلالها وسلطتها في محاربة الفساد، فظل الجهاز المركزي للمحاسبات سيما بعد أن تبعه مباشرة لا يستطيع أن يسائل موظفا عن أي انحراف يكتشفه، بل عليه أن يقوم بتبليغ الوزير المختص للتصرف، وهو غالبا ما يوقع عليه جزاءا رمزيا متعاطفا معه أو حماية له من صدوعه لأمر أصدره إليه، فلا يستطيع أحد أن يدلنا على واقعة واحدة كشفها الجهاز وأحيلت إلى محكمة الجنايات‼وقد كان هذا الجهاز ولا يزال معدوم الأثر في ممارسة صلاحياته، هذا فضلا عن عدم إتاحة الفرصة للصحافة والأحزاب السياسية للحصول على تقاريره حتى يمكن المطالبة بإصلاح أوجه الخلل التي قد يكشف عنها، بل إن مجلس الشعب نفسه الذي كان هذا الجهاز يتبعه لا ينافش تقاريره أو يصدر توصيات في شأن ملاحظاته. كما أن هيئة الرقابة الإدارية أيضا كان يتوقف على توجيه من سلطات الدولة وتعلق التحريات التي تتوصل إليها للنيابة العامة على موافقة رئيس الوزراء بالنسبة لكبار ومتوسطي الحال من العاملين في الدولة ( المادة 8 من قانون إعادة تنظيم الرقابة الإدارية رقم 154 سنة64). وكم تردد على لسان المخلوع وهو رأس الفساد وعلى لسان مرؤوسيه أن الفساد موجود في كل دول العالم وأنه سيبقى في كل زمان ومكان ونسوا أن العبرة هي بحجم هذا الفساد ومدى انتشاره منسوبا إلى حجم النشاط الاقتصادي في البلاد وضخامة الأعمال التي تسلل إليها، ودرجة حساسية وخطورة الأجهزة والقطاعات التي جرى اقتحامها حتى أصبح هذا الفساد ظاهرة عامة سيطرت على المجتمع وطابعا يتسم به أسلوب الحياة " وإن الله لا يحب المفسدين" " وانظروا كيف كانت عاقبة المفسدين" صدق الله العظيم. سيما وان هناك من قال إن من كشف عنهم وتم ضبطهم وتقديمهم للمحاكمة إنما يرجع لأسباب وخلافات بينهم  وبين ذوي النفوذ من شركائهم، أو كنوع من التأديب لهم والزجر لغيرهم ممن يخرجون على التعليمات والأوامر… وإلا فهل يتصور مثلا أن رئيس مجلس إدارة شركة الإسمنت الذي اتهم بحصوله على سبعين مليونا من الجنيهات – وقتها – على مدى عشر سنوات وقدم للمحاكمة، كان يمكن الحصول عليها دون علم رئاساته وأن أمـره انكشف فجأة للأجهزة الرقابية؟ أو أن وزيرا سابقا للقوى العاملة ظل في الحكم عدة سنوات ولما غضب عليه وخرج من الوزارة، أعلن عن اتهامه في أمور لم تكن خافية، ثم انتهى الأمر بالحفظ!!؟

7- لقد ضحى النظام بأمن الوطن من أجل أمنه، واكتفى بالتركيز على حراسة أوحماية كبار المسئولين والمواكب الرسمية وحراسة الأبنية الحكومية دون وجود حراسة أوحماية أمنية قائمة للمواطنين سوى عساكر مرور، فامتلأت الصحف بنشر أخبار عن حوادث اقتحام المساكن وقتل كبار السن وسرقة أموالهم بالإكراه، وسطو مسلح على البنوك ومحلات الجواهرجية وسرقة المجوهرات تحت التهديد بالمطاوي، وكسر زجاج السيارات  والاستيلاء على ما فيها جهارا نهارا، وخطف السلاسل والعقود من أعناق السيدات بل خطفهن أنفسهن واغتصابهن بالإكراه والسرقات تحت تهديد السلاح الأبيض في الشوارع والميادين، بل وسيارات الاتوبيس بالإضافة إلى تجارة المخدرات وقطع الطرق والقيام بعمليات التهريب وتنظيم شبكات الدعارة التي امتد نشاطها خارج الحدود. فالانهيار الأمني في عهد المخلوع امتد إلى كافة المجالات بحيث أصبح المواطن المصري فاقد الطمأنينة والأمان وطالب البعض في بريد الصحف بالترخيص لهم بحمل السلاح ليحموا أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وتصور بعض وزراء الداخلية في ذلك العهد أنهم بانتهاكهم لحقوق الإنسان وحريات المواطنين واستخدامهم أساليب التعذيب وتسترهم على التصفيات الجسدية لخصوم النظام الحاكم ما كان لهم بغير تلك الأساليب أن يبقوا في مناصبهم بالرغم من إساءتهم بهذه التصرفات إلى النظام نفسه حيث اتهمتهم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان ووزارة الخارجية الأمريكية في تقاريرها الرسمية بانتهاك حقوق الانسان في مصر، وبالرغم من ذلك فقد ظل وزراء الداخلية الذي مارسوا هذه الانتهاكات مثل زكي بدر وعبد الحليم موسى وحبيب العادلي على رأس وزارة الداخلية مددا طويلة مع عجزهم عن أداء رسالتهم الأمنية على وجهها الصحيح وفهمهم الخاطئ لطبيعة منصبهم ومقتضياته، وماهو نسب إليهم من تصريحات معينة تحرض رجال الشرطة على إزهاق أرواح المواطنين، ومن تسترهم على الجرائم الانتخابية إنما يرجع إلى أحجام المخلوع عن استخدام صلاحياته الدستورية لإعفائهم وأمثالهم من مناصبهم بمجرد وقوع هذه التصرفات،وإلى عدم قيام الأغلبية الموجودة من حزب الحكومة داخل مجلس الشعب بسحب الثقة منهم حتى يضطروا إلى تقديم استقالاتهم وذلك كله رغم ضخامة حجم قوات الأمن عُدة وعددا. على أن الانهيار الأمني في مصر في ذلك العهد ليس مسئولية وزارة الداخلية وحدها ولكنها مسئولية الحكومة بأكملها ومسئولية النظام الحاكم بأسره بأسلوبه في الكبت والردع التي تفقد المواطن شعوره بالكرامة والشجاعة والانتماء والقدرة على التصدي للمصاعب والمفاسد التي عمت البلاد، وسياساته وتوجهاته العاجزة عن حل ما يرزح تحته الشعب من مشاكل وأزمات. فانتشار جرائم السطو والسرقات وقطع الطرق إنما ترجع إلى أزمة البطالة المتفشية في البلاد والتي يعاني منها الملايين من الخريجين من حملة الشهادات ومن العمـال، وهي الأزمة التي زادها نظام الحكم بمظاهر الأبهة والأنفاق الاستفزازي على المهرجانات والاستعراضات والقصور والاستراحات والمواكب والاستضافات والحفلات. وزيادة الجرائم الجنسية بما يصاحبها من عنف وإكراه أنما ترجع بصفة أساسية إلى عجز الشباب عن الحصول على مسكن ودخل يمكنهم من الزواج وتكوين أسرة، ولو حرصت الدولة – بدلا من استخدام مواد البناء واعتمادات البناء والتشييد في اقامة الشاليهات والقرى السياحية بمعرفتها لكي تستخدم فيها المدخرات بقضاء شهرين خلال العطلة الصيفية، وتشييد مدنا جديدة لا نجد سكانا، وتأخذ بنظم لاتناسب ظروفنا، فالمساكن غير المستكملة، التي لا يقبل عليها أحد، وتسمح بإقامة آلاف الوحدات السكنية المغلقة، وتيسر إقامة القصور الفاخرة لكبار المسئولين على أراضي الدولة الممنوحة لهم بأسعار زهيدة – لو حرصت الدولة – بدلا من ذلك – على إقامة المساكن الشعبية المحدودة التكاليف ووزعتها توزيعا عادلا على مستحقيها، بدلا من التوزيعات القائمة على المحسوبيات والتربح من وراء المال العام، لاستطعنا أن نقضي على سبب مهم من أسباب الإنحراف والأجرام الذي نفزع منه.     

8- إن الإصلاح الاقتصادي الذي تفاخر النظام بنجاحه طوال عهد المخلوع واعتبره مقدما على الإصلاح السياسي، لم يكن إصلاحا حقيقيا، إذا تم معالجة عجز ميزانية الدولة على حساب محدودي الدخل بدلا من ضغط المصروفات الحكومية وانتهاج سياسة للتقشف بحيث تمسك الحكومة يدها عن الانفاق الترفي ومظاهر ابهة الحكم وإقامة المهرجانات الراقصة والدعوات  الرياضية الباهظة التكاليف والصرف على قصور الرئاسة والضيافة ببذخ وإسراف وسفريات إلى الخارج والاستقبالات والاستضافات للوفود والشخصيات الأجنبية بناءاعلى دعوتنا لهم من كافة أنحاء المعمورة، وتجديد أفواج سيارات الحكام والوزراء بأحدث الموديلات – إلى غير ذلك من المشروعات المظهرية وإعلانات النفاق المحجوج وتجميل المباني الحكومية، ولكن الحكومات المتعاقبة امتنعت عن ضغط هذه المصروفات ولم تجد سبيلا لخفض العجز بالميزانية إلا بزيادة الضرائب على المواطنين فكانت الضريبة على المبيعات وزيادة الرسوم الجمركية أدى إلى ارتفاع الأسعار على الطبقات الشعبية محدودة الدخل والفقيرة، وبذلك تحملت هذه الفئة المطحونة عبء الإصلاح المالي في ميزانية الدولة دون أن تشارك فيه الحكومة أو تعطي الأجهزة الحاكمة القدوة والمثل في تحمل المعاناة الناجمة عنه. بل لم تلجأ الحكومة إلى فرض الضرائب على الطبقات الغنية القادرة التي تعمل على التهرب من المشاركة في الأعباء الضريبية للدولة نتيجة تضخم " قطاع الاقتصاد الخفي" الذي لا تستطيع الإدارة الضريبية الوصول إليه لعدم وجود مظاهر خارجية تدل عليه، بل مكاسبه خفية مستترة نتيجة الوساطة والسمسرة والرشوة وأعمال التهريب، وتجارة المخدرات والسلاح والمحرمات والممنوعات والبلطجة.. وكان يستلزم الأمر أن تفرض الضرائب على المظاهر الخارجية التي تنم عن الثراء الذي لا يعرف مصدره حتى لا ينعم الكثيرون بسكني القصور، واقتناء قوافل السيارات، وينفقون ببذخ وإسراف بطريقة استفزازية منكرة دون أن يشاركوا في الأعباء المالية التى تنفقها الدولة على من يعيشون في كنفها.

9- كذلك فإن سندات الخزانة والودائع المصرفية المرتفعة الفائدة عطلت الاستثمار، فبدلا من أن يلجأ النظام السابق وحكوماته إلى البحث عن مصادر لزيادة المنتجات من زراعية وحيوانية وصناعية، وتشجيع الصادرات واجتذاب رءوس الأموال الهاربة ورؤوس الأموال العربية اللاحقة خلف الاستثمار في الدول العربية رغم إساءة معاملتها وإلحاق الأضرار بها، نجدها قد تعمد لتحقيق المطلوب من صندوق النقد الدولي بطريقة ملتوية فأصدرت الحكومة سندات على الخزانة العامة بفائدة مرتفعة تكاد تصل إلى 2%  لاستخدام حصيلة بيعها في تغطية النفقات الحكومية بدلا من طبع الأوراق النقدية (البنكنوت) وهو ما أدى إلى امتصاص المدخرات الموجودة في السوق وحجبها عن الاستثمار المنفتح، مقابل فائدة مرتفعة يتم الحصول عليها. بدون بذل جهد أو تعرض لمخاطرة، الأمر الذي قلل من خلق فرص العمل والإنتاج، وبالتالي حال دون تخفيف أزمة البطالة.

10- وكما طالب صندوق النقد الدولي بإلغاء القيود المفروضة على النقد الأجنبي حتى يتم التعامل في العملات الأجنبية على أساس سعرها الحقيقي المرتفع بالنسبة للعملة المصرية الهابطة القيمة، وهو ما يعود بالنفع على الدول صاحبة العملة القوية.. وخوفا من أن يؤدي ذلك إلى الهبوط الذريع في قيمة عملتنا، لجأت الحكومة إلى رفع سعر الفائدة على الودائع المصرفية بالجنيه المصري، في الوقت الذي قلت فيه الفوائد على الودائع الدولارية، الأمر الذي أدى بالمصريين أصحاب الودائع الأخيرة إلى التصرف فيها بالبيع واستبدلوا بها ودائع بالجنيه المصري للاستفادة من فروق الفائدة، وقام البنك المركزي المصري بشراء هذه الدولارات بحيث أصبح لديه أكثر من 17  مليار دولار أمريكي لاستخدامها في التأثير على أسواق النقد بحيث تعرض فيها للبيع الكميات اللازمة إذا ما ارتفع سعر الدولار بالنسبة للجنيه المصري، توصلا إلى تثبيت مظهري لسعر التبادل بين العملتين. غير أن هذه العملية بهذا الحجم حرمت الاقتصاد الوطني من هذا المبلغ الضخم من الدولارات التي كان يمكن استخدمها في الانتاج والاستثمار من ناحية – كما أدت إلى كون أصحاب الودائع بالجنيه إلى الفائدة المرتفعة التي تدفع عليها، فامتنعوا عن استخدمها في عمليات إنتاجية، مما أصاب السوق بالانكماش وحال دون إيجاد فرص جديدة للعمل. وبذلك أضافوا سدا جديدا في طريق معالجة مشكلة البطالةّّ وعندما تنبهوا إلى ذلك بعد حين بدأ البنك المركزي في تخفيض سعر الفائدة على الودائع بالجنيه، الأمر الذي يهز الثقة في المعاملات الحكومية من ناحية، كما يمكن أن يؤدي إلى الاتجاه نحو العودة إلى اقتناء الودائع الدولارية مرة ثانية من ناحية أخرى.

11- ولا فضل لسياسة الإصلاح الاقتصادي المزعومة في تخفيض أعباء الديون الخارجية التي تضخمت تضخما كبيرا في العهد السابق بما لا يتناسب مع حجم ما تم من مشروعات البنية الأساسية في حينها نتيجة الفساد وسوء الإدارة فإن ما تم بشأنها كان نتيجة مساندة المخلوع لموقف أمريكا والدول الغربية في حرب الخليج، هذا الموقف الذي مكنهم من إنزال قواتهم المسلحة في المنطقة والسيطرة على الموارد البترولية الموجودة فيها، وهو ما أعلن عنه صراحة في حينه، وإن كان هذه التخفيض قد تم بطريقة مجزأة تحت إشراف صندوق النقد الدولي لاستخدامه في الضغط لتحقيق مطالبه وفي مقدمتها ما سمي وقتها بتحرير مشروعات القطاع العام أي " الخصخصة" أي تحويل القطاع العام إلى قطاع خاص، فقد تم خصم خمسين في المائة من قيمة هذه الديون وبقينا مدينين بخمسين في المائة الباقية محملة بالفوائد السنوية مضافا إليها القروض المستجدة والتي مازلنا نمد أيدينا للحصول عليها دون أن نعتبر أو نتعظ.

12- أما عن الخصخصة فقد تمت بطريقة خفية دون قواعد " تشريعية" معلنة لضمان حسن التصرف في شأنها وعدم الانحراف بها تحقيقا للمصالح الخاصة .. حتى نعرف ماذا نبيع؟ ولماذا نبيع ما قررنا بيعه دون غيره؟ ومتى نبيعه حتى لا يتم ذلك في أوقات متقاربة، فلا تتوافر السيولة النقدية في الداخل فيتم التصرف ببيعه بثمن بخس للأجانب؟ … ولمن نبيعه حتى لا نسلم المنشآت والمصانع التي أقمناها إلى الأجانب دون تمييز، ودون أن تكون هناك أولوية للمصريين وبصفة خاصة للعاملين في المشروعات المعروضة للبيع ثم للعرب ثم للأجانب في حدود معينة، وبمواصفات خاصة، وكيف يتم البيع حتى نحقق تكافؤ الفرص، وتحول دون فتح الباب للمساومات والمجاملات بل التلاعب في ترسية العطاءات ولكن للأسف لم يتم شيء من ذلك وكانت الخصخصة السداح المداح اكتفاء بكتيب صادر من المكتب الفني لوزير قطاع الأعمال بقواعد بيع ما يملكه القطاع العام ناسين أن ما ورد بهذا الكتيب غير ملزم وليست له أي قيمة تشريعية، فلم يكن من اللازم بيع فنادقنا العملاقة مثل شيراتون وشيبرد وأوربروى خاصة وأنها كانت تدرعائدا كبيرا لا يقل عن خمسين مليون جنيه سنويا، علما بأن العقارات يرتفع سعرها بصورة مستمرة مع مضي الوقت بالرغم من أنها كانت تدار بواسطة شركات إدارة فندقية أجنبية، ولم يوضع من الشروط ما يكفل عدم انتقال ملكية اقتصادنا السياحي إلى غير المواطنين كما فعلته دول كثيرة ومنها بريطانيا حتى لا يكون للأجانب سيطرة على مقررات هذه المشروعات، كذلك لم يتم تحديد أوجه صرف حصيلة بيع هذه الوحدات من القطاع العام ولم توضع خطة لاستثمارها في تنمية اقتصادنا حتى لاتبدد حصيلة الخصخصة عبثاً، ونبقى على حالنا دولا فقيرة متخلفة تمد يدها دوما لطلب المعونات والمساعدات من الخارج.

13- ومما يتصل بعدم مصداقية نظام المخلوع أن مجلس الصندوق الاجتماعي الذي خصص له البنك الدولي ملايين الدولارات وتبرعت له دول عربية وغير عربية بالأموال بقصد توجيهها في إنشاء مشروعات " إنتاجية" صغيرة لتشغيل الشبان العاطلين من الخريجين والحرفيين، قرر في أول اجتماع له توجيه عشرة ملايين من رصيده لإصلاح المدارس وملايين أخرى لوزارة الشئون الاجتماعية لتوزيعها على جمعيات الخدمات بدلا من تدبير المبالغ اللازمة لذلك من الميزانية  العامة للدولة بضغط الإنفاق الحكومي الترفى؟، وهكذا كانت أولى القرارات لأول اجتماع مجلس إدارة الصندوق تحالف الغرص الذي تبرعت له هذه الدول مما يعتبر نكوصا عما التزمت به حكومة مصر، وخروجا على الهدف الذي تغياه المتبرعون مما يبطل عقد الهبة ويؤدي إلى فقدان الثقة في التعاون معنا، بل إن هذا القرار للصندوق الاجتماعى يدل على عدم إدارة القائمين عليه وفي مقدمتهم رئيس الحكومة خطورة أزمة البطالة التي طحنت الشباب طحنا وتدفع بهم إلى العنف والتطرف.

وإذ كان الصندوق الاجتماعى مخصصاً لمعالجة أزمة البطالة وترفع بهم إلى العنف والتطرف فأن العلاج الشامل لأزمة بلادنا الاقتصادية يتمثل في زيادة الإنتاج، وكان ينبغي أن يكون في مجال الزراعة بصفة أساسية باعتبارنا دولة زراعية منذ فجر التاريخ وتعتمد الصناعة لدينا على منتجاته، ويوفر لنا الغذاء الذي أصبحنا نستورده من الخارج مما أدى بنا إلى فقدان حريتنا في اتخاذ قرارنا ومع ذلك بقى يوسف والي وزير الزراعة في منصبه منذ تولي المخلوع الرئاسة في 81 ولمدة زادت عن خمسة عشر عاما. رغم ما انتهى إليه جهده الموزع بين الأمانة العامة لحزب النظام المنحل وبين التنمية الزراعية إلى خراب مصر الزراعي، فقد نزل القطن المصري من فوق عرشه وتدهور إنتاجه كماً ونوعاً حتى أن إسرائيل حلت مكاننا في إنتاجه، وانخفض محصولنا منه إلى ما يقارب النصف، وأصبحنا نستورد الغزل الأمريكي بديلا عن الغزل المصري المفتقد مما أثقل كاهلنا بثمنه حتى لاتتوقف مصانعنا الكبيرى للنسيج، بعد أن القطن هو محصولنا الرئيسي وكانت تتفاخر الدول الأجنبية بأن ما تقدمه من منسوجات مصنوع من القطن المصري. كما توقفت مصر عن التوسع في زراعة القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي أخذا بما نادي به يوسف والي بناء على نصيحة البنك الدولي من زراعة المحاصيل غير التقليدية، كالفراولة والكانتلوب حتى نصدرها إلى الخارج ونشتري بجزء من ثمنها ما نحتاجه من القمح، ففشلنا في تصدير الفراولة وأصبحت أرخص من الخيار، وأخذنا نسعى للحصول على ما نحتاجه من القمح وهو غذاؤنا الرئيسي من الدول الأجنبية بالدين الذى هو همّ بالليل وذل بالنهار! كما عجزنا عن الحفاظ على ثروتنا السمكية وتنميتها، وبتنا نستورد البذور المتلفه للأرض الزراعية، وأفتقدنا لخطة للتوسع الزراعي تتناسب والزيادة السكانية، اكتفاءً بتوزيع الأراضي البور على غير المؤهلين زراعيا من الشباب الذين يعوزهم المال أوللموعودين من الأهل والمحاسيب في الوقت الذي تدهور فيه مشروع الصالحية وأصبح مشروعا خاسرا عُرض للبيع.

          14- لقد تضخمت في عهد مبارك ديون مصر الخارجية تضخما مروعا بحيث تجاوزت خمسين مليار دولار وقد تسلل جانب كبير من هذه الديون إلى مكاتب الخبرة ودراسات الجدوى ومكافآت خبراء ومشروعات مظهرية غير منتجة مما أشارت إليه تقارير الكثير من المنظمات والبنوك الأجنبية، وإلى الآن لانعرف مقدار ما تكلفته مشاركة قواتنا المصرية في حرب الخليج بل ما تضمنه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وما فرضته شروط تخفيض قروض الدول الغربية على دفعات من قيود ضاغطة علينا لتحقيق إرادتها لعدة سنوات، سيما وأن صندوق النقد قد أنشأ مكتبا في القاهرة لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة المصرية معه بما يذكرنا بصندوق الدين العام الذي أقامته الدول الأوروبية الدائنة في عهد الخديوي إسماعيل. علما بأن كل ذلك يعتبر انتقاصا من سيادة مصر الاقتصادية.

15- أما الجامعات فقد عانت في عهد مبارك من عدة أزمات: أزمة قبول الطلاب بها. وأزمة في توفير الإمكانيات اللازمة لهل، وأزمة في توفير المناخ الملائم للاحتفاظ بأساتذتها، وأزمة في الحفاظ على استقلالها وحرية البحث العلمي فيها، وأزمة في غياب الديمقراطية والروح الجماعية داخل المجتمع الجامعي وأزمة في أسلوب التدريس الجامعي، وأزمة في مستوى البحث العلمي ؟ مما جعلها في خطر محدق بها.

-        فالجامعات تعاني من كثرة الأعداد التي تقبل دون مراعاة توافر الإمكانيات التي تتناسب مع هذه الأعداد بقصد امتصاص أكبر عدد من الحاصلين على الثانوية العامة مما أدى إلى تزايد الطلاب في الكليات النظرية أكثر من احتياجات البلاد، وقد أدى هذا التكدس إلى انخفاض المستوى التعليمي في كافة الكليات والسبب ضخامة أعداد الطلاب بالنسبة لعدد أعضاء هيئة التدريس والإمكانيات العلمية المتاحة، حتى كادت الدراسة العملية في بعض الكليات تتحول إلى دراسة نظرية‼وتعاني الجامعات نقصا خطيرا في الاعتمادات المالية اللازمة للحصول على الأجهزة العلمية والآلات المستحدثة وتجديد الورش واستيراد بعض الكيماويات والكتب والمراجع لمكتباتها، واشتراكات المجلات والدوريات العلمية. كما تعاني الجامعات من فقدان الأساتذة رغم صعوبة تكوينهم وما ينفق في سبيل إعدادهم نتيجة إغراء الأساتذة لتولي المناصب اللامعة خارج الجامعة وعدم تناسب مرتباتهم. والتهاون في إعداد الصفوف المتتالية منهم حتى يمكن تعويض ما يحدث فيهم من نقص.

-        على أن أهم ما يحمل الأساتذة على ترك الجامعة هو عدم توفر المناخ الملائم سواء من حيث إمكانيات للبحث أو الاستقرار في العمل أو حرية التفكير أو الشعور بالديمقراطية والروح الجامعية، فهم لا يشعرون بأنهم أصحاب الحق في اختيار من يتولى قيادة شئونهم وهو ما يعد من أهم العوامل المثبطة للروح الجامعية وفي ذلك هدم للديمقراطية في أكثر المجتمعات فهما لها فضلا عن أن عدم انتخاب رئيس الجامعة بمعرفة الأساتذة في الوقت الذي كان يتم تعيينه وفق اعتبارات حزبية أو سياسية مما أدى إلى مساوئ كثيرة وأضرار  فادحة تحققت بالجامعة وزعزع استقلالها إذ كانت تلتزم في قراراتها بما يصدره لها الحزب الحاكم من توجيهات. وقد تحول أسلوب التدريس في الجامعات إلى أسلوب التلقين مع الاقتصار على مؤلفات الأساتذة بحيث أصبح طالب الجامعة مجرد جهاز استقبال، يحاول أن يلقى ويحفظ ما يبقى عليه دون أن يتدرب على ارتياد المكتبات أو يتمرس على استخدام البحث العلمي أو يشارك في الحوار والمناقشة مما يساعد على تكوين العقلية العلمية المفكرة، أو يقوم بإجراء التجارب العملية والأبحاث الميدانية التي تكسبه الخبرة التطبيقية.

لقد حرَّم المسئولون عن الجامعات اشتغال أساتذتها بالأمور السياسية داخل نواديهم ومن باب أولى داخل الحرم الجامعي أو في لقاءاتهم مع تلاميذهم داخل إطار أنشطة اتحاداتهم الطلابية، اكتفاء بحقهم في الانضمام إلى الأحزاب السياسية دون ان يفرقوا بين العمل الحزبي والعمل السياسي بالرغم من أن السياسة أصبحت علما يدرس فى الجامعات، فضلا عن أن السياسة أصبحت تتناول بمعناها الواسع كافة أوجه النشاط والحياة في المجتمع، ومن ثم انتهى الأمر إلى تحويل نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات إلى مقاهي لاحتساء المشروبات والترويح عن النفس، أما مجالس إدارات بعض الجامعات فقد انشغلت بإصدار قرارات والإعلانات التي نشرت باسم رؤسائها على صفحات كاملة بالصحف اليومية بمبايعة رئيس الحزب الوطني عند تجديد ترشيح أو تأييد بعض قراراته وسياساته باسم عمداء الكليات والعاملين فيها واتحادات طلابها. وذلك عمل يتجاوز العمل السياسي إلى العمل الحزبي بتأييد مرشح حزب معين على خلاف رأي أحزاب أخرى فكيف يتم التغاضي عن هذه المبايعات الحزبية بينما تحرم دراسة مشاكل البلاد وتقديم الحلول لها دون التقيد ببرنامج حزب معين، فيعتبر ذلك عملا سياسيا محرما.

وقد تحول الحرس الجامعي وأضحى ذراعا لجهاز الأمن داخل الجامعات مما تسبب في إشاعة السخط والتذمر لذى الطلاب نتيجة الأخذ بمحازيره وتقاريره، وأفسد العلاقة بين القيادات الجامعية وشبابها نتيجة تبعيته لوزارة الداخلية وما تفرع عن ذلك من تدخل جهاز مباحث أمن الدولة في مراقبة الطلاب وإفساد العلاقات الإنسانية بينهم والعمل على استخدام بعضهم للإيقاع بزملائهم والتجسس عليهم والافتراء عند اللزوم. بل الوصول إلى حد كتابة التقارير عن أساتذتهم، الأمر الذي حمل الأساتذة على الابتعاد عن النشاط الطلابي أو القيام بواجبهم نحو حل مشاكل أبنائهم وتوجيههم في شئون حياتهم مما قضى على الروح الجامعية. وكذلك الحال بالنسبة للحرس البرلماني الذي مارس الرقابة على أعضاء البرلمان وتنصت على أحاديثهم ومداولاتهم على مناوراتهم البرلمانية وخطط المعارضة وتحالفاتها، فأفسد الحياه البرلمانية وجعل السلطة التشريعية في يد السلطة التنفيذية.

16- ووفقا للبيانات والإحصاءات الرسمية المنشورة فقد أسفرت سياسات الرجل عن تحيز واضح وسافر لصالح فئة واحدة من الشعب ، وهى فئة رجال المال والأعمال المرتبط معظمهم بالتجارة والاستيراد والتصدير ، وعلى حساب بقية فئات وطبقات الشعب التى تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب والمجتمع المصرى ، مما ترتب عليه النتائج التالية :

أولا : الإضرار الفادح بمصالح الفقراء ومحدودي الدخل والطبقات الوسطى

ويتمثل ذلك في النتائج التالية :

1-         بلغ عدد المصريين المصابون بفيروس (C) النشط حوالى 9 مليون مواطن عام 2008 وفقا لنتائج المسح الصحى الذى أعلنه وزير الصحة الذى عينه حسنى مبارك ، وهؤلاء يكاد يعادلون حوالى 11% من السكان ( منهم 9.6% فى الريف مقابل 5.5% فى الحضر) (تصريحات الوزير منشورة بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 23/4/2009).

2-        وفى الوقت الذى بلغ فيه عدد المترددين من المرضى على المستشفيات الحكومية عام 2006 حوالى 49.6 مليون مريض ، مقابل 6.5 مليون مريض على المستشفيات الخاصة ، فأن الرعاية الصحية والتجهيزات الطبية بالمستشفيات الحكومية ازدادت سوء يوما بعد يوم ، وعاما بعد أخر ، حتى صعب على المرضى الفقراء إيجاد سرير لعلاجهم ، ومعاملة أدمية للرفق بهم ، ومخصصات مالية مناسبة لشفائهم ، لقد بلغ المتوسط العام لنصيب المريض المتردد على المستشفيات الحكومية سنويا أقل من 6 جنيهات سنويا . ( أنظر الحافظة رقم 1).

3-        تبين أن المعهد القومى للأورام وحده يستقبل سنويا أكثر من 200 ألف حالة من مرضى السرطان ، منهم 34 ألف طفل و68 ألف مريض للعلاج الباطنى ، و17 ألف مريض لعمليات جراحية ، 25 ألف مريض يعالجون بالأشعة التشخيصية ، و24 ألف يعالجون من آلام المرض. (أسامة داوود نقلا عن تقرير صادر عن معهد الأورام بالقاهرة ، ومنشور بجريدة العربى بتاريخ 14/6/2009)، هذا وإذا أضفنا الحالات التى تدخل وتعالج بأقسام الأورام بكافة مستشفيات مصر فأن الرقم يتجاوز 3.0 مليون مريض أورام سنويا، بما يكشف عن كارثة صحية تعيشها مصر في عهد هذا الرئيس الذى يعالج بمستشفيات الخارج هو وزوجته وكافة أفراد أسرته وزرائه بما يكشف عن استخفاف بحياة المرضى المصريين خاصة الفقراء منهم. (حافظة رقم 2)

4-         أدت سياسات الرجل إلى انخفاض حصة كاسبي الأجور والمرتبات فى مصر ( وعددهم يزيد على 30 مليون مواطن هم حجم القوى العاملة ) من 27% من الدخل القومى بنهاية عهد الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1981 إلى أقل من 23% من الدخل القومى فى عام 2009 /2010 . مقابل زيادة حصة عوائد اصحاب الملكية من القطاعين العام والخاص إلى 77% . ( أنظر الحافظة رقم 3).

5-        وزاد الأمر خطورة أن هذه النسبة المتواضعة لعوائد أصحاب الأجور والمرتبات قد صاحبها خللا جوهريا تمثل فى توزيع غير عادل ومتعارض مع نص المادة (40) من الدستور المصري ، بحيث حصل بعض القيادات وأتباع النظام والحزب الوطنى الحاكم فى الأجهزة والمصالح الحكومية والبنوك الحكومية – وغير الحكومية الذين يتم تعيينهم أيضا بمعرفة الحزب الحاكم ولجنة سياساته – بحيث بدا أن هناك سياسات مفروضة هدفها دفع الموظفون دفعا إلى تعاطى الرشوة والإكراميات فى عملية إفساد ممنهجه ومنظمه للمجتمع وقواه البشرية ( أنظر الحافظة رقم 4).

6-         كما أدت سياسات الرجل وتحيزاته الاجتماعية لطبقة رجال المال والأعمال ليس فقط إلى تعاظم أرباحهم ومكاسبهم وإعفاءهم من الضرائب والجمارك وسن القوانين والتشريعات لصالحهم – وهو ما سنعود إليه تفصيلا بعد قليل – وإنما في تفشى حالات البطالة بين الشباب والفتيات المتعلمين ، وقد حاول عبر موظفيه وأجهزته التنفيذية والإحصائية تضليل الشعب عن حقيقة حجم المتعطلون في مصر فذكروا أنهم لا يزيدون على 2.3 مليون شاب وفتاة ، بينما الحقيقة أنهم قد تجاوزوا بحلول عام 2010 حوالى 9.0 مليون عاطل غالبيتهم العظمى من المتعلمين ومن أبناء الفئات والطبقات الفقيرة ، حيث جرى تعيين أبناء السادة الأغنياء وأبناء المسئولين كمستشارين في الأجهزة الحكومية والمصرفية بمبالغ خيالية بعيدا عن قوانين العمل السارية وبنظام التعاقد . (أنظر حافظة المستندات رقم 5).

7-        وقد أدت سياسات السوق وآليات العرض والطلب ، التى تحولت إلى وسيلة لتحقيق مكاسب هائلة لكبار التجار والمستوردين والمحتكرين من كافة الخدمات والصناعات - والذين تبين صلاتهم الوثيقة بكبار رجال الحكم والإدارة ومعاوني الرئيس وأنجاله  كما سوف نعرض تفصيلا بعد قليل – إلى زيادة معدلات الفقر والفقراء الذين لم تتحمل دخولهم المحدودة الارتفاعات المستمرة في أسعار أهم الاحتياجات المعيشية من طعام وشراب ومسكن – ناهيك عن تكاليف التعليم والعلاج الصحى – فزاد من هم تحت خط الفقر POVERITY LINE  إلى حوالى 43% من إجمال السكان فى البلاد ، على الرغم من أن كثير من الأسر المصرية لديهم عائل أو معاون يعمل فى أحد  الدول الخليجية

أو مهاجر إلى أحدى الدول الأجنبية يقوم بأرسال بعض المساعدات المالية لأقربائه . (أنظر الحافظة رقم 6).

8-         ووفقا للإحصائيات الرسمية الصادرة عن نتائج التعداد العام للسكان والمنشآت للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2006 ، ولم تتغير الأوضاع منذ ذلك حتى خلع الرئيس السابق في فبراير من عام 2011 ، فقد تبين الآتي :  

-       أن هناك حوالى 17 مليون مواطن ( 22% من إجمالي سكان البلاد ) ما زالوا يعانون من غياب مصدر للكهرباء .

-       وأن لدينا حوالى 18 مليون مواطن في المدن والريف ( أى حوالى 24% من السكان) ليس لديهم مصدر للمياه النقية .بينما لا تنقطع المياه أبدا عن سكان المنتجعات السكنية للسادة الجدد ( راجع ما أطلقت عليه الصحافة المصرية في صيف عام 2007 ثورة العطش في عدة محافظات مصرية ) 

-       ما زال لدينا 32 مليون مواطن ( 45% من السكان ) ليس لديهم شبكات أدمية حديثة للصرف الصحى وبعضهم يقضى حاجاته في الخلاء .

-       ما زال لدينا 500 ألف مواطن يقيمون إقامة سكنية دائمة في القبور . ( أنظر الحافظة رقم 7) .

9-         وفى مجال التعليم أدت سياسات هذا الرئيس إلى تدمير التعليم عموما في مصر والتعليم الحكومي الذى يمس أبناء الفقراء ومتوسطي الدخول من ناحية أخرى ، ووفقا للدراسات المتاحة فقد تبين ، أن 59% من طلاب المدارس  الحكومية يحصلون على دروس خصوصية في عام 2008 ، وأن 63% من الأسر المصرية التي لديها أبناء في مراحل التعليم قبل الجامعي يحصل أبنائهم على الدروس الخصوصية . ( نقلا عن استطلاعين للرأي قام بهما مركز معلومات مجلس الوزراء ودعم اتخاذ القرار في نوفمبر عام 2008 والمنشور في جريدة المصري اليوم بتاريخ 1/3/2009 و 16/3/2009) . وقد كان ذلك بسبب تواضع مخصصات التعليم المرصودة في الموازنة العامة مقابل الإهدار المالي والإنفاق السفيه على أنشطة ومجالات غير تنموية ، مثلما هو الحال في نفقات الاعتماد الإجمالي ، ونفقات الدعاية والإعلان والاستقبال .( أنظر الحافظة رقم 8 ) .

 

ثانيا : نهب المال العام والمساعدة على تركز الثروات والدخول

ويتمثل ذلك في أتباع السياسات التالية  التى أخلت  بالسلم الأهلى وعرضت البلاد لاضطرابات اجتماعية وسياسية عاصفة على عشرين عاما الأخيرة :

1-   وفقا لتقرير " ثروات العالم لعام 2011 " الذى ينشره معهد البحوث التابع لبنك كريدي سويس السويسرى ، فقد بلغت قيمة ثروات الأفراد في مصر حتى ذلك العام حوالى 500 مليار دولار أمريكي ( أى حوالى 2.8 تريليون جنيه مصري بأسعار صرف هذا العام ). ( جريدة الأهرام بتاريخ 21/10/2011) . فمن هم هؤلاء الأثرياء ؟ وكيف تكونت ثرواتهم ؟ وما علاقتهم برجال حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك وأبنائه وأسرته وحاشيته ؟

2-   لقد ترتب على سياسات الرجل أن تمكن عدة عشرات من الأشخاص المحيطين به من تحقيق أرباح هائلة بعضها مشروع ومعظمها غير مشروع ، وهنا نستطيع أن نشير إلى مائتى شخصية مصرية حققت الجزء الأكبر من هذه الثروات (أنظر الحافظة رقم 9). 

3-   ومن أبرز الوسائل والأساليب التى تحققت من خلالها هذه الثروات عمليات تخصيص الأراضي والمضاربة على أسعارها ، والعقارات التى كان وزير الأسكان الأسبق (محمد إبراهيم سليمان أداته الرئيسية خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 2005) ، ونشير هنا إلى الوقائع التالية على سبيل المثال وليس الحصر :

-        ما جرى من تواطؤ مكشوف من جانب الرئيس ووزرائه ، خاصة وزيرى الزراعة الأسبقين  يوسف والى و" أمين أباظة "  والأجهزة المعاونة لهما (مثل هيئة التعمير والتنمية الزراعية) في تخصيص الأراضي على طول طريق مصر – الإسكندرية الزراعى ، للاستثمار الزراعى واستصلاح الأراضي ، وبسعر للفدان (4410 متر مربع) لا يتجاوز على أعلى تقدير مائتى جنيها ، ويقدر مساحة هذه الأراضي بحوالى 20 ألف فدان ، (أى ما يعادل (مائة مليون متر مربع)، فتحولت بتواطؤ مكشوف من الرئيس ومعاونيه وزرائه من أراضى زراعية كان من الممكن أن توفر لنا مواد زراعية وغذائية تتراوح بين 500 مليون جنيه إلى 750 مليون جنيه سنويا ، إلى منتجعات سكنية ، لكبار الأثرياء ، وتكسب من ورائها عدة عشرات من الأشخاص أرباحا تقدر بحوالى 20 إلى 30 مليار جنيه ، بينما لم تحصل الدولة وخزينتها سوى على أقل من 20 مليون جنيه، بل أنها تحملت فوق هذا نفقات توصيل المرافق (المياه والكهرباء وغيرهما)، فضاعت على الدولة فرص الاقتراب من هدف الأكتفاء الذاتى من أهم المحاصيل الزراعية ، وضاع فوقها مليارات الجنيهات ، ذهبت إلى حفنة من الأفراد ذوى الصلات والعلاقات بالرئيس وأبنائه وأصهاره والمتنفذين من حوله. (أنظر الحافظة رقم 10).

-        وتكرر نفس الأمر على طريق الإسماعيلية – القاهرة الصحراوي ، حيث قامت عدد من الشركات وأصحابها بالحصول على الأراضى بنظام التخصيص يزعم استصلاحها ، ثم قامت بتحويلها إلى منتجعات سكنية ، فأضاعت على الدولة فرص الاكتفاء الغذائي الذاتى ، وهو هدف استراتيجي للدولة والمجتمع المصرى، وأضاعت كذلك ما يقارب 15 مليار جنيه مصرى ، ذهبت إلى جيوب عدة عشرات من الأشخاص منهم أعضاء في الحزب الوطنى الحاكم ولجنة سياساته، وكذلك أعضاء في مجلس شعب النظام البائد. (أنظر الحافظة رقم 11).

-        وفى سيناء وتحت التأثير المباشر والنفوذ الشخصي للرئيس المخلوع قامت الهيئة العامة للتنمية السياحية ، بتوقيع عقد مع شركة " تاور برستيج للفنادق "التى يمتلكها السيد " جمال عمر " الصديق الشخصي للرئيس المخلوع حسنى مبارك، وبمقتضاها حصل على مساحة 670 ألف و456 متر ، بمركز " نبق " السياحى بخليج العقبة بجنوب سيناء ، داخل المحمية الطبيعية ، التى لا يجوز البناء فيها.

-        ما جرى من جريمة كبرى فيما نسميه "عقد العار الوطنى" والمتمثل في توقيع عقد استزراع مائة ألف فدان مع الشيخ "الوليد بن طلال" السعودى ، والذى تضمن 45 التزاما مجحفا على الحكومة المصرية، مقابل التزام واحد غير واضح على الوليد بن طلال ، وبمقتضاه أشترى الرجل 100 ألف فدان في منطقة توشكى مقابل 5 مليون دولار فقط لا غير ، وبالمقابل تقوم الحكومة المصرية بتوصيل المياه والمرافق بما كلف الخزانة العامة المصرية ما يزيد على 12 مليار جنيه في غضون خمس سنوات ، ولم يقم الوليد على مدى عشر سنوات (1999 -2010) سوى بزراعة ألفى فدان فقط لا غير ، ولم يكن ذلك يتم لولا موافقة ودعم الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، مما أضر ضررا بالغا بالخزانة المصرية من ناحية وبسمعة البلاد من ناحية أخرى . ( أنظر الحافظة رقم 12).

-        وعقد عار آخر عن صفقة فساد بمقتضاه باع رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق بصفته رئيسياً للجمعية التعاونية لبناء المساكن للضباط الطيارين فى ظروف غامضه إلى الأخوين جمال وعلاء مبارك ولدى الرئيس المخلوع أربعين ألف ومائتين وثمانية وثلاثين متراً مربعاً تقع فى أحسن بقعة فى مصر تطل على البحيرات الحرة فى الاسماعيلية بسعر المتر خمسة وسبعين قرشاً فقط فى عام 1993، ومن العجب أن الجمعية البائعة ذاتها كانت قد أشترت هذه المساحة ضمن مساحة أكبر من إدارة أملاك الدولة بسعر المتر ثمانية جنيهات مع ملاحظة أن هذا البيع كان أول قرار يصدره أحمد شفيق عند توليه رئاسة مجلس إدارة الجمعية البائعة، وأن المشترين ولدى الرئيس المخلوع ليسا من الضباط الطيارين!!!! وقد كانت هذه الصفقة من الفساد، محل بيان عاجل قدمه النائب المحترم عصام سلطان إلى مجلس الشعب يوم 13/5/2012 مؤيداً بالعقد المسجل الخاص بها.

-        ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل لقد سمحت سياسات الرئيس المخلوع ومن خلال شعار مغلوط " تشجيع الاستثمار والمستثمرين " بجعل مصر نهبا لمجموعات من السماسرة العرب فرأينا ما جرى من تعاقد وزارة الزراعة مع المستثمر الإمارات " خليل الدرعى " بمنحه 100 ألف فدان بسعر الفدان 50.0 جنيها فقط لا غير في منطقة توشكى ( إى بإجمالى 5.0 مليون جنيه) .

-        وكذلك منح رجل الأعمال السعودى "عبد اللاه الكخكى " وأخرين معه حوالى 40 ألف فدان ملحقة بواحدة من أهم شركات القطاع العام وهى شركة " النوبارية لإنتاج البذور " ( نوباسيد) ، وجرى تدمير منظم لواحدة من أهم الشركات الزراعية المصرية المسئولة عن إمداد المزارعين المصريين بالبذور الملائمة للتربة المصرية ، فأنفتح السوق بعدها على بذور هجينة لها من الأخطار والأضرار على التربة المصرية الكثير . ( أنظر بلاغ الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية ضد وزير الزراعة الأسبق أحمد الليثى ، والمنشور نصه في جريدة الشروق بتاريخ 18/3/2011 ) .

-        ما جرى في موضوع مشروع خليج السويس ، وشرق تفريعة بورسعيد ، حيث خصصت مساحات شاسعة لبعض كبار رجال المال والأعمال ذوى الصلات الوثيقة بالبيت الرئاسى ، حيث منح السيد " نجيب سويرس " وشركته ( شركة السويس للتنمية الصناعية ) مساحة 21.9 مليون متر مربع في خليج السويس بموجب عقد تخصيص بتاريخ 24/5/1998 ، والتى قام بعدها ببيع جزء منها إلى مستثمرين صينيين وأجانب وحقق من ورائها أكثر من 700 مليون جنيه. وكذلك منح السيد "محمد فريد خميس" وشركته (النساجون الشرقيون) خيث حصل على 20.0 مليون متر ، وقام أيضا بالتصرف في جزءا كبيرا منها إلى أخرين وحقق من وراء ذلك أرباحا خيالية ، وكذلك حصل السيد "محمد أبو العينين" عضو مجلس الشعب وعضو لجنة سياسات الحزب الحاكم وقتئذ على 20.0 مليون متر.

-        وكذلك ما فعل " زكريا عزمى " رئيس ديوان الرئيس المخلوع من تأسيسه لشركه بأسم أبن شقيقته ( حسام الدين عوض ) أطلق عليها أسم " أجرى فست الزراعية "

Agree vest agriculture ومن خلال مزايدات وهمية حصل على أراضى للأستزراع، وكذلك فعل السيد أحمد المغربى وزير الأسكان الأسبق وأقربائه بتأسيس شركة " المغربى الزراعية " وشركة " الفتح للتنمية الزراعية ، المملوكة لرجل الأعمال " رشاد عثمان " وشركة الدقهلية المملوكة للسيد "محمود عنانى" عضو مجلس الشعب الأسبق . وكذلك شركة "دلتكس الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال " سعد النجار " صهر السيد " محمود العنانى " وغيرها كثير. ( أنظر الحافظة رقم 13)

-        وكذلك ما جرى من السيد الوزير " أحمد المغربى " وشركته " بالم هيلز " التى يشارك فيها نجل الرئيس المخلوع  " علاء مبارك " حيث خصص لشركته 48 مليون متر من أراضى الدولة بسعر المتر 250 جنيها ،  عام 2004 ، وعام 2006 فى مدينة 6 أكتوبر ،  فى حين أن سعرها السوقى يتراوح بين 650 جنيها و700 جنيها ، أى أن الخزانة العامة للدولة قد خسرت حوالى 12.0 مليار جنيه  فى صفقة واحدة . ( أنظر الحافظة رقم 14 ) .

-        وكذلك ما قام به السيد أحمد المغربى،  وشركته "بالم هيلز"، المشارك بها علاء مبارك ، بالتواطؤ مع مدير أمن محافظة مرسى مطروح بتسهيل الاستيلاء على مساحة 1660 فدانا بقرية سيدى عبد الرحمن مركز العلمين بالأمر المباشر وبسعر 43 جنيها للمتر دفع منها 15% كمقدم والباقى على أقساط ، بينما يقدر السعر الحقيقى لهذه الأرض بأكثر من أربعة أضعاف ما بيعت به ( أنظر الحافظة رقم 15).

-        كما قام شقيق الوزير " أحمد المغربى " المدعو " شريف المغربى " بشراء شركة  النيل للتنمية الزراعية ، ومنها 5000 آلاف فدان   بمحافظة البحيرة ، ثم قام بوضع اليد على 4200 فدان أخرى ، وجرى طرد العمال تحت حماية مباحث أمن الدولة .

-        أما " زهير جرانه " وزير السياحة الأسبق وأبن خالة وزير الأسكان الأسبق " أحمد المغربى " فقد قام بجرائم متعددة فى مجال تخصيص الأراضى ومنح التراخيص السياحية ، بالمخالفة للقوانين التى هى بدورها متساهلة وبها من الثغرات ما يسمح بتوفير مظلة لمعظم تصرفات المنحرفين وناهبى المال العام، وهو ما أدانته محكمة جنايات القاهرة  برئاسة المستشار (صبرى حامد) بتاريخ 18/9/2011، فى بعض الجرائم التى قدم بها إلى المحكمة المذكورة ، وقضت بسجنه ثلاثة سنوات بتهم التربح واستغلال النفوذ .

-        كما حكمت عليه محكمة أخرى بالسجن خمسة سنوات فى قضية شاركه فيها رجل الأعمال الإماراتى " حسين السجوانى "صاحب شركة " داماك " ورجل الأعمال المصرى " هشام الحاذق " ، وشركته (النعيم)،  حيث منح الأول 300 مليون متر مربع من الأراضى فى منطقة الغردقة وجمصة ، ومنح الثانى خمسة ملايين متر فى منطقة العين السخنة، كل هذا بسعر المتر دولار واحد .

-        وقد قدرت ثروة الوزير "أحمد المغربى" قبل توليه الوزارة عام 2004 بحوالى 100 مليون جنيه مصرى ، قفزت خلال ستة سنوات من توليه الوزارة إلى حوالى 10.0 مليارات جنيه ، ومنها شركة " بالم هيلز " التى زاد رأسمالها من 800 مليون جنيه قبل توليه منصب الوزير إلى 50.0 مليار جنيه فى عام 2011.

-        كما قام السيد المغربى بالتصرف المغبن للحق فى أرض شركة " إيجوث " المملوكة لوزارته الكائنة فى منطقة التحرير إلى شركة فرنسية كان شريكا لها فيما مضى هى شركة " أكور سوسيتيه جنرال " بأقل من قيمتها كثيرا .

-        وكذلك أستولى على 5.0 مليون متر مربع من أراضي منطقة " جمشة " الكائنة فى منطقة الغردقة .

-        كما كشفت التحقيقات الأخيرة بعد ثورة 25 يناير المجيدة ، قيام السيد المغربى بتشكيل عصابي لنهب الأراضي وبمعاونة أخرين ، حيث قام بالتوقيع على عقد بيع قطعة أرض مساحتها 113 فدانا لشركة " أخبار اليوم " للاستثمار ، بسعر للمتر 275 جنيها ، وقد قامت الأخيرة بإعادة بيعها إلى شركة وهمية يملكها أحد السماسرة الإماراتيين وهى شركة ( ركين إيجيبت للاستثمار العقارى " ، التى قامت بدورها إلى إعادة بيعها إلى شركة " بالم هيلز " المملوكة للوزير عبر عملية استحواذ ، مما أضر بالخزينة العامة للدولة بحوالى 273 مليون جنيه .

-        كما قام هذا الوزير بإعادة تشكيل مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لسلطته فضم إلى المجلس الجديد بعض أصحابه والمتساهلين مع نشاطاته فى إطار عمليات تبادل منافع ضارة بالمصلحة العامة ومن هؤلاء وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى ، ووزير الصناعة والتجارة الأسبق والمحكوم عليه بالسجن غيابيا رشيد محمد رشيد ، ووزير الاستثمار المشمول بالتهم الخاصة بصفقة عمر أفندى محمود محيى الدين ، ووزير التخطيط الأسبق عثمان محمد عثمان ، وأبن خالته ووزير النقل الأسبق محمد لطفى منصور ، هذا بالإضافة إلى السيد حازم حسن صاحب شركة المحاسبة الشهيرة (حازم حسن وشركاه) والسيد عبد السلام الأنور رئيس مجلس إدارة بنك HSBCوالأثنان الأخيران أعضاء أيضا فى مجلس إدارة البنك المركزى .

-        أما أبن خالته الوزير زهير جرانه فقد قام بدوره بانتهاكات فاضحة للقانون ، وعند سؤاله فى التحقيقات المتعلقة بقضية منح صديقه " هشام الحاذق " صاحب شركة " النعيم " خمسة ملايين متر مربع فى منطقة  العين السخنة على البحر الأحمر بسعر دولار واحد للمتر ، ذكر الوزير أن هذه كانت بتعليمات من الرئيس المخلوع " حسنى مبارك "

-        وطالما أن رئيس الجمهورية السابق " حسنى مبارك " قد سمح لنفسه وأنجاله وزوجته وكل وزرائه بمخالفة القوانين – ناهيك عن تفصيل قوانين لخدمة مصالح ضيقة – فقد نتج عن ذلك أن قام كل وزير أو مسئول يستطيع أن تصل أيديه إلى مغانم من أموال الدولة والمجتمع ، بصرف النظر عن مدى قانونيته بالتجرؤ على المال العام والأستيلاء عليه عملا بالمثل الشعبى القائل " إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص "

-        وفى عام 2008 قام السيد زهير جرانة وزير السياحة بتخصيص قطعة أرض فى شرم الشيخ تبلغ مساحتها 6.5 مليون متر مربع لكل من " محمود الجمال صهر الرئيس المخلوع وأخيه منصور الجمال ، بسعر دولار واحد للمتر يتم سدادها بنسبة 10% والباقى على أقساط ولم تسدد حتى يومنا هذا . والوقائع والجرائم فى هذا كثير سوف نعرضه فى بيان مستقل مرفق بهذا البلاغ .

-        ونفس الأمر ينطبق على ما جرى من إستيلاء أربعة شركات مملوكة لأفراد على صلة وثيقة بعائلة الرئيس المخلوع " حسنى مبارك " ، حيث تبين أستيلاء شركة الدكتورة " هدى زرقانة " الصديقة الشخصية لحرم الرئيس المخلوع " سوزان مبارك " على 557 فدانا فى شمال طريق (القاهرة – الواحات البحرية) منذ عام 2009 ، ومثلها الدكتور توفيق عكاشة " جمعية الإعلاميين " بحوالى 3950 فدانا، وشركة الوادى الأخضر (2675 فدانا) وشركة 6 أكتوبر الزراعية (991 فدانا)، وبعدها تقدموا بطلب تقنين أوضاعهم القانونية ..!!

-        أما وزير الزراعة " أمين أباظة " خريج قسم  العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، والذى تقتصر صلته بالزراعة على حلج الأقطان والتجارة فى الأسمدة والبذور ، فقد أعتبر أن ثروات مصر من الأراضى نهيبه يغترف منها من يستطيع ، فقد قام بسحب 6465 فدانا مخصصة لمشروع مبارك لشباب الخريجيين ، وأعاد تخصصيها لصالح 160 شخصا من كبار المسئولين وأعضاء مجلسى الشعب والشورى ، ومنهم فتحر سرور وأولاده وأحفاده ، وزكريا عزمى ، وعلى مصيلحى ، وعاطف أباظة أبن عم الوزير أمين أباظة وحسين وجيه أباظة أحد أقربائه وغيرهم.

-        كما قام الوزير أمين أباظة ببيع قطعة أرض مساحتها 260 فدانا بطريق (القاهرة – الإسماعيلية الصحراوى) المملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الأسكان، لرجل الأعمال وعضو مجلس الشعب "محمد أبو العينين" الذى كان يضع يديه على هذه الأرض منذ عدة سنوات فى محاولة لتوفير مظله قانونية لتصرفه ، وسعرت الأرض بحوالى 5.5 مليون جنيه ، بينما يقدر سعرها بأكثر من عشرين ضعفا لهذا المبلغ . وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا مؤخرا حكما ببطلان العقدين اللذين تملك بهما محمد أبو العينين هذه الأراضى .

-        كما قام ببيع 11556 فدانا فى سيناء إلى صديقه رجل الأعمال الهارب " عمرو منسى " بالمخالفة للقانون ودون أن يسدد الأخير ثمنها أو حتى جزء من ثمنها .ثم قام الأخير بإعادة بيع ثمانية آلاف فدان  إلى مجموعات من الأجانب – ومنهم يهود حاملى جنسيات مزدوجة -  مقابل 350 مليون جنيه . والوقائع فى هذا كثير ومنها ما يتعلق ببيع شركة المحالج الزراعية للوزير وظابن عمه فى صفقة مريبة سوف نعرض لها بعد قليل .

-        أما أبن خالة الوزير الأخر المهندس محمد منصور ، الذى عين وزيرا للنقل فى حكومة أحمد نظيف الثانية ، فقد أرتكب بدوره عدة جرائم ومخالفات نذكر منها أسقاط مديونية شركة الحديد والصلب بحوالى 160 مليون جنيه ، ولا نعرف ما المقابل الذى حصل عليه مقابل هذا الأسقاط ، وكذلك توقيع عقد تطوير معهد وردان للسكك الحديدية بمبلغ مبالغ فيه ( 168 مليون جنيه ) مع شركة وادى النيل التابعة لجهاز المخابرات العامة فى عمليات مشكوك فيها ورط فيها الجهاز الأمنى لصالح التغطية على عمليات فساد واسعة النطاق يقوم بها عدد من الوزراء خاصة التشكيل العصابى الذى كونه " آل المغربى " .

-        ثم قام بعد تطوير المعهد بنقل تبعيته جبرا إلى الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا .

-        أما فساد الوزير محمد إبراهيم سليمان وزير الأسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة (1994- 2005) فهى أكبر من أن تحصر ويكفى أن نرفق الحافظة رقم 17 الخاصة بالثروات التى أمكن حصرها فقط لهذا الرجل وأسرته ، بخلاف تلك التى لم تصل إليها الأجهزة الرقابية التى توطأ بعض أفرادها معه ( أنظر الحافظة رقم 18 الخاصة بفساد ضباط الرقابة الإدارية على يد هذا الوزير) . ولم يكن هذا الوزير القيام بكل ما قام به لولا التأييد المباشر من جانب الرئيس المخلوع ، وهو ما عبر عنه بمنحه نوط الواجب من الدرجة الثانية عام 2006 بعد خروجه من المنصب الوزارى وفى مواجهة مع 47 عضوا من أعضاء مجلس الشعب الذين تقدموا ببلاغ ضده إلى النائب العام للتحقيق معه فى كل جرائم الفساد المنسوبه إليه وإلى أفراد أسرته والبحث فى مصادر ثرواته الضخمة .

-        أما مجدى راسخ ، فيكفى أن نشير أنه قد أستخرج 35 مستخرجا لسجل تجارى لشركات يملكها من الباطن أو يديرها من الباطن عبر أشقائه وأبناء أشقائه وكريمته زوجة علاء مبارك " هايدى راسخ " خلال الشهرين الأخيرين فقط بعد الثورة للتهرب من التحفظ . ( أنظر الحافظة رقم 18 ) .

-        أما بقية وزرائه وأبنائهم مثل السيد صفوت الشريف ، ورئيس مجلس الشعب فتحر سرور ، وزير الإعلام الأسبق " أنس الفقى " فنضمن قائمة بممتلكاتهم الحرام التى حققوها من وراء تربحهم من الوظيفة العامة واستغلال النفوذ ( أنظر الحافظة رقم 19 والحافظة رقم 20 والحافظة رقم 21 ) .

-        أما السيد حسين سالم فهو حكاية تستدعى التوقف عندها على أكثر من صعيد ، فهذا الرجل علاوة عن كونه نقطة التقاء لثلاثة عوالم سرية هى عالم الاستخبارات والتجسس وعالم تجارة السلاح وغاباته والواسعة ، ثم عالم المال والأعمال المرتبط بدوائر أتخاذ القرارات ورسم السياسات فى أكثر من عاصمة فى المنطقة ( مصر – إسرائيل – السعودية – الإمارات وغيرها ) ، فهو النافذة الخلفية للرئيس المخلوع لكل هذه العوالم الخفية فى حياة هذا الرجل . وسوف نفرد له مكانا مستقلا فى جريمة التآمر مع أطراف خارجية للإضرار بمصالح مصر الاقتصادية ومكانتها السياسية .

 

ثالثا : جرائم أبناء الرئيس المخلوع من التربح واستغلال النفوذ

تمثل حكاية علاء وجمال مبارك أحد أساطير نهب شعب ، واحتقار قوانين دولة ، والاستهتار بكل القيم والمعاني التى قامت على أساسها الدول المحترمة ، ويكفى هنا أن نشير إلى الحافظة رقم (22) التى تتضمن الثروات الضخمة المعروفة فقط لدى جهاز الكسب غير المشروع ، أما تلك التى تتوطن فى الدول الأجنبية ومناطق الملاذات الآمنة ضريبيا ويزيد عددها على 50 موطنا لمثل هذا التهرب الضريبى، فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتحرى.

رابعاً: إن السياسات الاقتصادية التى أتبعها الرئيس المخلوع طوال ثلاثين عاما من حكمه، قد عرضت  قطاعات الاقتصاد السلعي في مصر ومنها الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة والتشييد إلى تغيرات ضارة بحيث جعلت الدولة المصرية ككل تحت ضغوط القوى الخارجية وامتداداتها  المحلية من طبقة رجال المال والأعمال خاصة فئة المستوردين والوكلاء المحليين ( الكمبرادور)بحيث تعاظمت مصالحهم وتأثيرهم على عملية صناعة القرارات الاقتصادية والسياسية  والتشريعية ، وزادت  من قدرتهم على توجيه السياسة الخارجية لمصر بما يواءم مكاسبهم المالية بصرف النظر عن الأضرار المترتبة على هذه السياسة في الأجلين القصير والطويل.

1- ففي مجال الزراعة :

          تعرض القطاع الزراعي طوال هذه الفترة لضربات قاصمة لم تتمثل فقط في الإهمال المتعمد لتطوير هذا القطاع سواء من حيث توفير الائتمان المصرفي اللازم لتطوير أدوات الإنتاج أو في توفير الرعاية الإرشادية الضرورية في نمط التركيب المحصولي التنموي أوفي توفير الأسمدة والمبيدات المناسبة أو في توفير شبكة توزيع للحاصلات الزراعية تؤدى إلى تعزيز فاعليته وتدفع الفلاح دفعاً إلى العمل والإنتاج.بل تمثلت في انتهاج مجموعة من الإجراءات السلبية التي أدت في النهاية إلى انخفاض متوسط اكتفاءنا الذاتي من جميع السلع الغذائية الحيوية لأقل من 45٪ .

          فكما تقول بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة و الاحصاء , فقد إنخفض نصيب الفرد من المساحة المنزرعة من 0,53 فدان فى بداية القرن العشرين لتصبح 0,12 فدان فى نهاية نفس القرن , و تكاد بيانات نفس الجهاز تفسر الفجوة الغذائية التى يعانى منها الوطن و تتسبب فى الكثير من الازمات عندما يوضح أن نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم قد إنخفضت من 88% فى 2001 لتصبح 74% فى 2006 ليزيد الاعتماد على الإستيراد بمعرفة شركات بعينها، ويزيد الطين بلة أن تنخفض فى نفس الوقت نسبة الإكتفاء الذاتى من الفول من حوالى 65 % فى 2001 لتصبح 43% فى 2006 !!

ومن قبيل هذه الإجراءات الضارة ، التآمر على تآكل المساحة الزراعية عبر منح الاراضى القابلة للاستصلاح إلى رجال مال وأعمال حولوها إلى منتجعات سياحية وشخصية ورفع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وإعمال آليات السوق الاحتكارية من جانب كبار التجار والمسئولين فى الحكم. وعدم توفير مستلزمات الري وإمدادات المياه ، فانتشرت الزراعات المروية بالمجارى ومياه الصرف الصحي (التي قدرت بأكثر من 500 ألف فدان ) وجرى التآمر المباشر والمكشوف على محصول مصر الاستراتيجي (القطن والقمح ) لصالح استبداله بالاقماح المستوردة والأقطان قصيرة التيلة المستوردة من الولايات المتحدة والهند.

         وبيعت محالج القطن لكبار رجال المال والأعمال ؛ كما جرى منح الاراضى في المشروعات الزراعية الجديدة ( توشكي ـ العوينات ـ واحة باريس ، الصالحية ـ ترعة السلام فى سيناء) لمستثمرين عرب ومصريين ، أضروا بالمستقبل الزراعى لمصر وجعلوها عرضة لمخاطر متعددة .

وبرغم ما أنفق من مليارات الجنيهات فى إقامة البنية الأساسية لبعض هذه المشروعات الزراعية، فإن عوائدها لم تتحقق بسبب إرتباطات المصالح الخاصة بين آل مبارك والطبقة الفاسدة المحيطة به من رجال المال والأعمال والمسئولين من جهة والمستثمرين العرب والأجانب من جهة أخرى فى سبيل التآمر المكشوف على مشروعات بحثية زراعية قدمت نتائج باهرة فى أستزراع القمح فى بيئة جافة أو شبه جافة ( مشروع الدكتورة زينب الديب ) وجرى مطاردة الباحثة والتشهير بها من أجل ضمان إستمرار أوضاع الإستيراد وتدمير قدرتنا على الأكتفاء الغذائى الذاتى .

لقد أدى كل ذلك فى المحصلة النهائية إلى نتائج خطيرة ليس أقلها تعرضنا إلى أزمات فى صناعة الخبز – وهو الغذاء الرئيسى للمصريين الفقراء – وإنما تحولنا إلى رهينة فى أيدى جماعات محدودة العدد من المستوردين الذين لم يتورعوا عن إستيراد أسوأ أنواع الأقماح من أجل تعظيم مكاسبهم وأرباحهم (التى قدرت سنويا بأكثر من 500 مليون جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها).

كما أنعكس ذلك سلبيا على زيادة العجز فى الميزان التجارى وتعاظم فاتورة واردتنا من المواد الغذائية لتتجاوز 25 مليار دولار فى العام الأخير (2010 ). ومن أخرى أدى إلى إضاعة فرصة تاريخية نادرة لخلق مجتمعات عمرانية / زراعية جديدة عبر إمتصاص مئات الالاف من الشباب وأسرهم حول هذه المشروعات الواعدة (توشكى وحدها يمكن أن تجذب 5 مليون نسمة)، فتخفف من غلواء البطالة وتفتح أفق الأكتفاء الذاتى من بعض أهم محاصيلنا الاستراتيجية.


2- فى مجال الصناعة :

كما تعرضت الزراعة لضربات مقصودة وإهمال متعمد ، كانت الصناعة الوطنية المصرية من أولى القطاعات التى أستهدفتها السياسة الجديدة لجماعات المافيا المصرية ، التى قادها بصورة مباشرة الرئيس المخلوع ( حسنى مبارك ) وأسرته والطبقة المحيطة به .

ولم يكن برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة الذى بدأ عام 1992 سوى التتويج المبكر لإتجاهات عدائية نمت وترعرعت منذ بداية إنتهاج الدولة فى عهد الرئيس الأسبق ( أنور السادات ) لسياسة الإنفتاح الاقتصادى .

لقد جرت العملية وفقا لدينامية محددة وأنتقلت من مرحلة إلى أخرى :

-        ففى المرحلة الأولى: تركزت الدعوة الرسمية حول ضرورة منح القطاع الخاص فرصة الوجود والمشاركة على قدم وساق فى خطط التنمية مع القطاع العام ، وهكذا زاد نصيب القطاع الخاص فى الانتاج الصناعى من 25% عام 1979 إلى ما يقارب 70% فى عام 2009/2010 ، وبصرف النظر عن مضمون هذه الصناعة وفاعليتها فى بناء اقتصاد حديث ، فقد جرى فتح خزائن البنوك والجهاز المصرفى الحكومى وغير الحكومى لنفخ الروح فى هذا القطاع الخاص فزادت القروض الممنوحة له من 32 مليون جنيه عام 1970 ( بما لم يكن يزيد على 3.7% من إجمالى التسهيلات الأئتمانية الممنوحة من البنوك كافة ) إلى 798 مليون جنيه عام 1979 ( بما أصبح يمثل 15.0% من إجمالى التسهيلات الائتمانية الممنوحة) وبحلول عام 2010 كان القطاع الخاص أو ما يسمى قطاع العمال الخاص يستحوذ على ما يزيد على 350 مليار جنيه ( بما يشكل أكثر من 60% من التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك كافة) وإذا أضفنا إليها ما يحصل عليه القطاع العائلى فأن الرقم يتجاوز 470 مليار جنيه بما يشكل حوالى 75% من إجمالى الإئتمان الممنوح من البنوك فى مصر . وبرغم أن القطاع الصناعى الخاص لم يحصل سوى على أقل من 20% من هذا الأئتمان حيث ذهبت النسبة الأكبر لتمويل قطاعات السياحة والتجارة والمال والخدمات ، فان النمط الغالب على الاسثمار الخاص ظل بعيدا فى الواقع عن الصناعة ، فظلت البنية الاقتصادية المصرية هشه وعرضة للتقلبات والهتزازات كلما هبت رياح عاتية عالميا أو أقليميا أو حتى محليا .

-        وفى المرحلة الثانية: جرى خنق مصرفى متعمد لشركات القطاع العام وما يسمى قطاع الأعمال العام الصناعى منها وغير الصناعى تحت زعم ضعف هياكلها التمويلية وتحقيقها لبعض الخسائر ، وبرغم زيف هذه الدعاوى وعد قدرتها على الصمود أما الكتابات الاقتصادية الرصينة والجادة (2) فأن هذه السياسة كانت منهجا وتمهيدا من أجل تمرير هذه ( الكذبة ) على الرأى العام تمهيدا لبيع هذه الشركات وتحقيق عمولات وماكسب شخصية لكبار رجال الحكم والإدارة كما ذكرنا وقتئذ وكشفت صحته التحقيقات الجارية حاليا .

-        وفى المرحلة الثالثة: مرحلة البيع والخصخصة ، والتى شملت كل مقدرات الدولة والمجتمع المصرى من شركات صناعية وغير صناعية ، ومن البنوك إلى شركات التأمين ، إلى شركات التجارة ومنافذ التوزيع فى إطار أكبر عملية تفكيك لقدرات الدولة المصرية ، بما يجعلها ضعيفة إزاء أية تحديات إقليمية تنشأ أو تهديدات إسرائيلية أو أمريكية لمصر ومصالحها .

والمثير للسخرية أن القطاع الصناعى ( الانفتاحى ) الذى نشأ منذ عام 1974 لم يكن فى معظمه سوى صناعات قائمة على التجميع، مما ترتب عليه أن اصبحت 45% إلى 60% من أحتياجات قطاع الصناعة خصوصا وأحتياجاتنا عموما تستورد من الخارج ، يحتكر إستيرادها حفنة محدودة العدد من الأفراد والشركات لا تتجاوز مئات قليلة، يشاركهم فى الكثير من الحيان بعض المسئولين والوزراء وأفراد آل مبارك كما تكشفها التحقيقات الجارية حاليا.  وزاد الميل الاحتكاري داخل هذا القطاع و إجنهدت الحكومة ومن معها من رجال الاعمال على رفع الأسعار و فرض الضرائب على المواطن العادى، وكانت نسبة النمو الاقتصادى المزعومة مثلها مثل الكثير من البيانات الحكومية لا تعكس واقع حياة ملايين الفلاحين الذين وجدوا أنفسهم يشترون الاسمدة والبذور والمبيدات بما سمى حينئذ بالاسعار العالمية، بينما هم لا يستطيعون ييع محصولهم إلا بأبخس الاثمان، وكانت تفرض عليهم أسعار إذعان، جعلت الكثير منهم يفضل حرث محصلوهم فى الارض ببساطة لأن أسعار بيعه لن تغطى تكلفة حصاده، و يوضح الجدول التالى نسبة هامش الربح  الذى كانت تتقاضاه بعض الشركات الكبرى و التى تعمل فى مختلف المجالات:

 


 

نسبة العائد على المبيعات فى بعض الشركات

الشــركة

2005

2006

2007

2008

2009

1

العز لصناعة حديد التسليح

11.1%

13.5%

15.9%

12.3%

2.2%

2

سيدى كرير للبتروكيماويات

46.7%

52.0%

56.0%

47.3%

45.1%

3

العز الدخيلة

30.1%

24.8%

26.0%

26.6%

 

4

مصر بنى سويف للأسمنت

32.7%

40.8%

32.8%

 

 

5

مصر للأسمنت قنا

29.8%

45.0%

47.1%

 

 

6

أوراسكوم للإنشاء و الصناعة

19.0%

26.8%

11.8%

17.4%

11.8%

7

سيناء للأسمنت

42.9%

53.1%

52.3%

45.5%

44.5%

8

الدولية للصناعات الدوائية ( إيبيكو )

25.5%

27.1%

27.9%

 

 

9

إسكندرية للزيوت المعدنية

18.9%

19.7%

20.6%

 

 

10

الشرقية للدخان

13.5%

13.9%

18.5%

 

 

11

النساجون الشرقيون

15.6%

12.0%

12.2%

 

 

12

مصر الجديدة للإسكان و التعمير

58.6%

48.6%

39.2%

48.0%

69.8%

13

السادس من أكتوبر للإستثمار و التنمية

(سوديك)

26.9%

61.9%

68.0%

 

 

14

المصرية لخدمات التليفون المحمول

(موبينيل)

26.6%

24.1%

22.3%

20.4%

18.6%

15

المصرية للإتصالات

17.5%

26.9%

26.4%

27.5%

30.9%

16

المصرية للمنتجعات السياحية

 

73.0%

83.8%

74.7%

 

17

رمكو لإنشاء القرى السياحية

 

48.0%

54.4%

24.5%

 

18

غبور

 

 

9.4%

8.4%

4.4%

19

الدلتا للسكر

 

31.9%

29.4%

26.4%

 

20

أبو قير للأسمدة و الصناعات الكيماوية

 

34.9%

41.0%

43.9%

 

 

المصدر : كتاب الافصاح الصادر عن البورصة المصرية ( إصدار 2008 و 2009 و 2010 )


يتم إحتساب نسبة العائد على المبيعات هى النسبة المئوية لصافى أرباح الشركة مقسومة على قيمة مبيعاتها، وذلك بعد تغطية كل المصروفات و التكاليف و الاعباء و الرسوم والضرائب وغيره، و سنلاحظ أن شركات الاسمدة كانت تتسابق فى رفع هوامش أرباحها كل سنة، و كلنا نذكر كيف كان الفلاحون يصارعون للحصول على (شكارة ) اسمدة حتى بعد أن تضاعف سعرها مرات عديدة، والغريب أن الشركات المملوكة للمال العام لم تتوانى عن الدخول فى السباق المخزى لنهب المواطنين، حتى أن هامش ربح الاسمدة تساوى أو كاد مع هامش ربح الاسمنت و الشاليهات السياحية و تجاوز هامش ربح شركات الاتصالات و السجاير.

 و كلنا نعلم كم عانى صغار منتجى الالبان فى صراعهم مع شركات صناعة الالبان للوصول إلى سعر يبع عادل للبن الخام، و إستغرق الصراع سنوات طويلة و لم يعترف النظام الإقتصادى بوجود ممارسة إحتكارية ضد منتجى الألبان إلا بعد ثورة 25 يناير، كذلك نعلم الصراع بين مزراعى البنجر و شركات صناعة السكر، فبرغم زيادة هامش ربح شركات سكر البنجر وزيادة سعر البيع للمستهلك بشكل مستمر، إلا أنها تفرض أسعار إذعان على المزارعين بل وتخفض أسعار شراء البنجر سنة بعد أخرى.

3- فى مجال الكهرباء والطاقة:

          يمثل قطاع الكهرباء والطاقة عصب الاقتصاد الحديث، فهو أساس النمو والتطور، وهو شريان الحياة لقطاعات الانتاج، ولذا تحرص الدول كافة على ضمان قوته والتحكم فى مصادر تدفقه وأستمراره.

وقد تفتق ذهن جماعات المافيا التى حكمت البلاد منذ عام 1991 على إبتكار أساليب جديدة غير مسبوقة لدولة نامية تواجه تحديات كبرى مثل بلادنا مثل:

-        الأسلوب الأول: ما جرى من إعتماد نظام ما يسمى B.O.O.Tأى البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة، فأمتد هذا النظام المحاط بالكثير من التساؤلات والشبهات (3) الذى صاغه عقل غربى أستعمارى مبدعا لأطر وصيغ قانونية جديدة لعلاقات قديمة (الأمتيازات) وأمتدت الصيغة لتشمل الطرق ومحطات المياة والصرف الصحى ، إلى المطارات والموانىء وصولا إلى محطات الكهرباء (سيدى كرير والكريمات)، وخطط لإنشاء خمسة عشرة محكة لتوليد الكهرباء حتى عام 2017 بنظام ال B.O.O.T  وصيغت العقود بحيث تمثل إهدارا لموارد مالية حكومية وعبء على المستهلكين فى قطاع الكهرباء من مواطنيين أو مشروعات صناعية (4) .

-        الأسلوب الثانى : ما جرى من إدخال وسيط وسمسار بين هيئة البترول الحكومية المصرية والمستوردين للنفط والغاز الطبيعى ، كما حدث فى شركة ( شرق المتوسط للغاز) التى تملكها ظاهريا المدعو ( حسين سالم ) الشريك المباشر للرئيس المخلوع (حسنى مبارك) وأهدر على الدولة المصرية حوالى 5 إلى 8 مليار دولار سنويا منذ عام 2001 حتى يومنا هذا . أى ما يعادل 45 مليار إلى 70 مليار دولار ، كانت كافية لتحقيق نقلة نوعية فى الحياة المصرية . وما جرى قبلها فى مشروع (ميدور) الذى تسبب فى خسارة للبنك الأهلى المصرى وهيئة البترول تزيد على مليار جنيه لصالح ( حسين سالم ومن ورائه ولشركة ميرهاف الإسرائيلية).

4- فى قطاع التشييد والبناء : 

لعل هذا القطاع من أكثر القطاعات التى أستفادت من حقبة الانفتاح الاقتصادى منذ عام 1974 وحتى يومنا هذا .

وبرغم حيوية هذا القطاع وحجم الاستثمارات الحكومية والخاصة الضخمة الموظفة فيه ، فأن ما جرى من فساد وإفساد داخله وحوله وتحميله بنسبب عمولات ورشى هائلة قد أدت لإهدار موارد ضخمة على المجتمع المصرى كان من الممكن توظيفها فى مجالات تنموية أخرى . ومن ثم فأن عودة هذا القطاع إلى مساره التنموى الحقيقى خدمة لخطط وأهداف التنمية المستقبلية تصبح ضرورة حيوية .

وإذا كان حكومات الرئيس المخلوع ( حسنى مبارك ) قد أنفقت فى إقامة البنية التحتية للمجتمع منذ عام 1982 حتى تاريخ خلعه ما يربو قليلا على 400 مليار جنيه فى صورة ( طرق – كبارى – محطات مياة – محطات صرف صحى – محطات كهرباء – مادرس – مستشفيات .. الخ ) هذا بخلاف ما أنفقه القطاع الخاص والاستثمارى فى مجال التشييد والبناء والمقدر بحوالى 100 مليار جنيه أخرى .

فإن حجم العملات والرشى التى إهدرت والتسرب الذى حدث يقارب 40 مليار جنيه (حوالى 10% من حجم الأعمال ) ذهبت طوال هذه الفترة الكئيبة من تاريخ مصر إلى جيوب وحسابات عدد محدود من كبار المقاولين ورجال الحكم والإدارة والمكاتب الاستشارية القريبين من الحكم والإدارة قد لا يتجاوز عددهم عدة مئات قليلة .

أما السياسات المالية والنقدية وأسواق المال

فقد ترتب على السياسات المالية والنقدية وشكل إدارة أسواق المال والبورصة طوال الثلاثين عاما الماضية أضرار كبيرة كان من الممكن تجنبها لولا أن بعضها كان مقصودا لذاته من أجل تلبية مصالح دائرة ضيقة من رجال المال والعمال ورجال الحكم والإدارة مثل التلاعب فى أسعار الصرف ، ونظم الاقتراض المصرفى ، وتغيرات سعر الفائدة ، ونظم الاستيراد والتمويل عبر ما يسمى " كمبيالات التحصيل ، وطريقة الإقراض بالنقد الأجنبى ، وحسابات المراسلين بالبنوك ، والإقراض بدون ضمانات كافية .. الخ .

1-وبالنسبة للخدمات المالية غير المصرفية

فقد تم توحيد الجهات الرقابية لهذا القطاع فى جهة واحد على غرار النموذج البريطانى (FSA) مع اختلافات فى التطبيق بحيث لا تشتمل هيئة الرقابة الموحّدة على الخدمات المصرفية. وقد تم إنشاء هذه الهيئة بموجب القانون رقم 10 لسنة 2009 وتختص بالرقابة والإشراف على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية بما فى ذلك أسواق رأس المال وبورصات العقود الآجلة وانشطة التأمين والتمويل العقارى والتأجير التمويلى والتخصيم والتوريق.

وبرغم تخلّى الدولة الأكثر محافظة فى العالم (وهى بريطانيا) عن نموذج الهيئة الموّحدة الذى تحظى فى تطبيقه بالريادة، وذلك فى أعقاب أزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة وتداعياتها على اقتصادات مختلف الدول. وتجرى بريطانيا الآن إصلاحات هيكلية لتفكيك هيئتها الموحّدة للعودة إلى نموذج الهيئات المستقلة الذى كانت تتبعه مصر من قبل، مع إعطاء دور هام لإدارة المخاطر فى المنظومة الجديدة.

وقد بلغ عدد الشركات المقيدة بالبورصة المصرية 215 شركة بقيمة إسمية قدرها 134.7 مليار جم وقيمة سوقية تبلغ نحو 410 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2010، علماً بان الشركات المتداولة فعلياً لا تزيد عن المائة شركة المكوّنة لمؤشر أسعارها الأكثر شمولاً EGX100، بينما بلغ عدد الشركات التى تم تأسيسها خلال الفترة من 2004 إلى يوليو 2009 حيث أكثر من  30 ألف شركة جديدة[1].

وفيما يتعلّق بالسوق الأولية (سوق الإصدار) فقد بلغت قيمتها الإجمالية 154.3 مليار جنيه خلال العام 2009/2010. اما الإصدارات الخاصة بزيادة رؤوس الأموال فقد بلغت قيمتها الإجمالية فى نفس العام المالى نحو 141.7 مليار جنيه.

وبالنسبة لقطاع التأمين فقد بلغ عدد الشركات العاملة بسوق التأمين 29 شركة وتمت الموافقة على الترخيص لعدد 12 شركة بمزاولة مهنة الوساطة التأمينية. ارتفعت القيمة الإجمالية لأصول شركات التأمين (متضمنة الاستثمارات) لتصل إلى نحو 44.9 مليار جم فى نهاية يونيو 2010 بمعدل نمو قدره 36.1% خلال العام المالى 2009/2010. وبلغ إجمالى الأقساط المباشرة نحو 8.7 مليار جم بينما بلغ حجم التعويضات المسددة عن العمليات المباشرة نحو 5.2 مليار جم خلال ذات العام.

وفيما يتعلق بنشاط التمويل العقارى فقد زاد عدد الشركات العاملة فى المجال خلال العام 2009/2010 بمقدار 4 شركات ليصل إلى 13 شركة فقط بالإضافة إلى الشركة المصرية لإعادة التمويل العقارى. فضلاً عن 19 مصرفاً يعملون فى هذا النشاط. وقد ارتفعت قيمة القروض الممنوحة من البنوك وشركات التمويل العقارى بمقدار 1.1 مليار جم بنسبة 36.5% خلال العام المشار إليه لتصل إلى 4 مليار جم فى نهاية يونيو 2010.  ووفقا للبيانات الرسمية المشكوك فى مدى دقتها فقد بلغ عدد الوحدات التى تم دعمها من قبل صندوق ضمان ودعم نشاط التمويل العقارى 5200 وحدة سكنية بإجمالى دعم قدره 51.7 مليون جم كذلك تم توفير مبلغ 1650 مليون جم لدعم 65000 وحدة سكنية لمحدودى الدخل خلال الأعوام الثلاثة القادمة.

ومن أبرز الملاحظات على مؤشرات الاستثمار والنشاط المالى غير المصرفى:

1-   أن معدلات النمو التى يحققها الاقتصاد المصرى ما زالت متواضعة للغاية إذا ما قورنت بمعدلات النمو فى الاقتصادات الناشئة.

2-   كان التركيز على رفع معدلات النمو فى معزل عن سياسات ناجعة لتوزيع الدخل وعائدات النمو بين الوحدات الاقتصادية المختلفة، وفى معزل عن سد منابع الفساد المالى والإدارى وما يتسرّب عنها من عائدات النمو، لا ينتج إلا مزيداً من البطالة والتضخّم وفجوات الدخول وما يصاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية، بينما فشل أثر التساقط فى تحقيق أى تحسّن ملحوظ على الأحوال الاقتصادية لغالبية المواطنين.

3-   حجم الإصدارات الجديدة وزيادات رؤوس الأموال لا تعبّر عن دور السوق الثانوى (البورصة) فى إنشاء وتوسّعات الشركات لأن غالبية تلك الإصدارات تمت على شركات غير مقيّدة بالبورصة.

4-   جانب كبير من استثمارات شركات التأمين تحقق بسبب صفقة مشكوك فى نزاهتها تمت ببيع الشركة القابضة للتامين لإجمالى الأسهم التى كانت تملكها فى سهم شركة طلعت مصطفى أثناء فترة حظر البيع المفروضة وفقاً لنشرة الاكتتاب على قدامى المساهمين (لأنهم اشتروا أسهم الشركة الأصلية –الاسكندرية للاستثمار العقارى- تاريخياً بسعر منخفض جداً)[2].

كما أن طريقة وضع أولويات للإنفاق بالموازنة العامة وتحميل المواطنين بعبء الضرائب المتزايدة  كل ذلك قد أربك الوضع الاقتصادى والمالى للبلاد .

2- التلاعب بالموازنة العامة ونمط الأولويات :

          لعل من أسوأ ما مارسه الرئيس السابق وجماعة رجال المال والعمال والمسئولين المحيطين به هو التلاعب فى الموازنة العامة للدولة وفى هذا المجال نشير إلى الحقائق التالية:

1-   ما جرى من إستخدام ضار وخطير لنص المادة (20) من قانون الموازنة العامة للدولة رقم (53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقوانيين رقم 11 لسنة 1979 ورقم 87 لسنة 2005 ) التى تخول رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون بإنشاء حسابات خاصة وصناديق خارج الموازنة العامة للدولة ، والتى أتسعت شيئا فشىء ، ونزلت إلى درجة سلطات المحافظين ( وفقا لقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 ) وقانون الجامعات ( رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته ) بإنشاء هذه الحسابات والصناديق ، وفرض رسوم على خدماتها المقدمة للمواطنيين ، حتى بلغ حجم حساباتها المجمعة فى عام 2008/2009 وفقا لتقرر الجهاز المركزى للمحاسبات لما أمكن حصره منها فقط حوالى 1.2 تريليون جنيه مصرى ، أى ما يقارب الناتج المحلى الإجمالى لذلك العام .

          والأخطر فى هذا أن رئيس الجمهورية المخلوع قد سمح لنفسه بالخروج على الدستور والقانون عبر إنشاء صناديق خاصة ملحقة بديوان عام رئاسة الجمهورية من خلف ظهر المجالس الرقابية والتشريعية ، ومولها من خلال أساليب أقرب إلى الأحتيال بتوجيه تعليمات إلى بعض روؤساء الهيئات الاقتصادية الكبرى ( قناة السويس وهيئة البترول ) بالتلاعب فى الإيرادات المسجلة لهاتين الهيئتين من أجل تحويل جزء من هذه الإيرادات لتمويل هذه الحسابات السرية الخاصة فى رئاسة الجمهورية ومن خلف ظهر جميع الأجهزة فى مصر وهو ما يستدعى تشكيل لجان تحقيق على أعلى مستوى للتعرف على حجم هذه الأموال ومجالات صرفها.

2-   ما جرى من تلاعب مالى فيما سمى "بند الاعتماد الإجمالى" أو ما بات يسمى بعد تعديلات قانون الموازنة العام ( قانون رقم 87 لسنة 2005) بالأحتياطيات العامة  ، وذلك بوضع مبالغ مالية وصلت فى بعض السنوات إلى 16 مليار جنيه لمواجهة الظروف الطارئة (كالزلازل والكوارث .. الخ) فإذا به يستخدم خارج هذه الظروف ومن خلف ظهر الأجهزة الرقابية (مجلس شعب – جهاز محاسبات .. الخ)  لا يعرف مصيرها حتى أعضاء مجلس الشعب فى غير أغراضها لتعزيز مكافأت بعض كبار القادة فى جهازى الشرطة والقوات المسلحة .

3-    ما درج على تضمينه قانون الموازنة العامة للدولة مما يسمى " التأشيرات العامة " المصاحبة لقانون الموازنة العامة ، حيث تنص فى موادها ما يسلب المجلس التشريعى سلطته المسبقة واللاحقة على مكونات الموازنة العامة وأتجاهات الإنفاق فيها (5) وهو ما أدى لإهدار جزء كبير من موارد الموازنة كان من الممكن توجيهها لصالح تطوير قطاعى التعليم والصحة .

3- الدين العام المحلى

تسلم الرئيس المخلوع حسنى مبارك شئون الدولة فى أكتوبر عام 1981 وقد بلغ الدين المحلى الإجمالى حوالى 14.5  مليار جنيه ( بمعدل خدمة حوالى 1569 مليون جنيه ) فإذا به فى نهاية حكمه يتجاوز الدين المحلى الإجمالى 888 مليار جنيه ( ومعدل خدمته تزيد على 76 مليار جنيه ) هذا بخلاف الدين الخارجى الذى زاد من 25 مليار دولار عام 1981 إلى 50 مليار دولار عام 1991 ( بخلاف الديون العسكرية للولايات المتحدة وقدرها 7.5 مليار دولار ) وحتى بعد تخفيض الديون الخارجية المصرية بمقدار النصف كثمن سياسى مقابل تورط النظام المصرى فى حرب تدمير وحصار العراق ، عاد الدين الخارجى ليرتفع فى نهاية عهده مرة أخرى ليتجاوز حاليا حوالى 33 مليار دولار بخلاف تلك الديون على بعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول والتى تزيد بدورها على 3 مليار دولار أخرى . وكل هذا الدين الخارجى أصبح يبتلع حوالى 35 مليار جنيه مصرى سنويا فى صورة خدمة لهذا الدين ( أى حوالى 6 مليار دولار سنويا ) .

4- التلاعب فى سعر الصرف لمصالح فئات معينة

من أسوأ الملفات التى أدارها نظام المافيات السابق ، وتكشف بحد ذاتها عن العبث بالمصلحة الوطنية العليا من أجل مصالح فئوية ضيقة ما جرى فى عام 2002 من تعويم مؤقت للجنية المصرى ، وترتب عليها أن قفز سعر التبادل بين الجنيه المصرى والدولار الأمريكى من 341 قرش للدولار إلى 630 قرشا للدولار ، مما حقق مكاسب كبيرة لعدد من رجال المال والأعمال وثيقى الصلة بدوائر أتخاذ القرارات وبنجل رئيس الجمهورية السابق ، وبالمقابل أنعكس الوضع سلبيا على فاتورة أستهلاك المواطنيين ومحدودى الدخل بسبب زيادة أسعار الواردات فى السوق المحلية  وأرتفاع معدل التضخم .

5- التدخل فى سياسات الأقراض المصرفى

وقد ترتب على التدخل المباشر من جانب نجلى الرئيس السابق وبعض المسئولين التنفيذيين فى الحكم ضياع مبالغ قدرت بحوالى 40 مليار جنيه من أرصدة الأقراض لدى البنوك العاملة فى مصر وغالبيتها من البنوك المملوكة للدولة وذلك فيما سمى – تخفيفا – أزمة المتعثرون فى نهاية عام 2000 وبداية عام 2001 ، وبالتالى زيادة مخصص القروض الرديئة من 8.1% عام 1997 فى المحفظة المالية للنوك إلى 12.0% عام 2002 ، وبالتالى الدفع إلى فكرة بيع بعض البنوك الحكومية .

وقد أدت هذه السياسة إلى زيادة حجم الأموال المهربة من مصر إلى خارجها فبلغت خلال الفترة من 91/1992 إلى 2000/2001 فى بند واحد فقط هو بند " السهو والخطأ " فى ميزان المدفوعات المصرى حوالى 7202.5 مليون دولار ، أى بمعدل متوسط  سنوى  720 مليون دولار ، زاد فيما بعد ذلك إلى معدل سنوى 3.5 مليار دولار خلال الفترة اللاحقة (2002 – 2011 ) .

وهكذا فأن بند السهو والخطأ وحده قد أظهر تهريب أموال مقدر بحوالى 42.7 مليار دولار منذ عام 91/1992 حتى مارس عام 2011 ، فما بالنا بعناصر التهريب المالى الأخرى ، وأهمها بندى صافى حسابات المراسلين وكمبيالات التحصيل فى عمليات الإستيراد . لقد بلغ صافى حسابات المراسلين (الفارق بين حسابات المراسلين فى الداخل المصرى وحسابات المراسلين فى الخارج ) فى يونية عام 1993 حوالى 32 مليار جنيه مصرى (ما يعادل 10 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة وقتئذ ) وفى يونية عام 2010 بلغ صافى هذا الحساب حوالى 65 مليار جنيه .

6- إهدار موارد النفط والغاز

لعل من أخطر جرائم هذا النظام ما كشفته عقوده وتعاملاته فى مجال تصدير النفط والغاز سواء إلى إسرائيل أو غيرها من البلدان ، ، لقد كشف هذا الملف بوضوح مقدار العبث بمقدرات مصر وشعبها لصالح الرئيس المخلوع نفسه وبعض المحيطين به وبأسرته ، ووفقا لأكثر التقديرات تحفظا فأن ما ضاع على مصر وشعبها من جراء سياسته يتجاوز منذ عام 2000 حوالى 5 إلى 8 مليار دولار سنويا ذهبت إلى جيوب عدد محدود جدا من الأفراد على رأسهم مباشرة الرئيس المخلوع  .

7- بيع الشركات والممتلكات العامة ( الخصخصة )

لقد ترتب على أتباع منهج " بيع الأصول والممتلكات العامة " منذ عام 1992 عدة نتائج ضارة فهى من ناحية أدت إلى تآكل القدرات الإنتاجية للدولة المصرية من حيث تحول الكثير من هذه الشركات إلى مجرد أراضى يجرى المضاربة على أسعارها وعششت غربان الخراب على آلاتها ومعداتها (قها  - المراجل البخارية ـ عمر أفندي ـ الكتان .. الخ ) مما أضعف المناعة الصناعية والإنتاجية للمجتمع والدولة.

ومن ناحية أخرى فقد أدى التقييم البخس ـ بدوافع الفساد ـ إلى إهدار ما يربو على 150 مليار جنيه مثلت فارق القيمة بين حصيلة بيع نصف شركات القطاع العام (194 شركة) حتى يونية عام 2006 ومقداره 50 مليار جنيه وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وبين القيمة الأولية لأصول شركات القطاع العام فى مطلع عقد التسعينات والمقدرة بما يتراوح بين 300 إلى 500 مليار جنيه ذهب هذا الفارق إلى جيوب جماعات المافيا التى أدارت هذا الملف من المسئولين وشركائهم من المشترين لهذه الشركات.

ومن ناحية ثالثة لقد أدت سياسات الخصخصة هذه إلى إهدار إضافي تمثل فى التضحية بكوادر فنية وعمالية تحولت إلى رصيد إضافى للبطالة فى المجتمع.

ومن هنا فإن وقف هذه السياسة المشبوهة هى أولى خطوات والإصلاح وإعادة بناء قدراتنا الإنتاجية فى المستقبل.

8- البطالة:

لقد نتج عن هذه السياسات التى أنتهجها الرئيس المخلوع وجماعات رجال المال والأعمال طوال الربع قرن الماضى أن تزايد أعداد العاطلين عن العمل عموما والشباب وخريجى النظام التعليمى خصوصا بحيث تجاوز هذا العادد وفقا لبعض التقديرات من الباحثين الثقاة حوالى 9 مليون عاطل يشكلون حوالى 22% من حجم القوى العاملة فى البلاد وذلك فى عام 2010.

هذه هى القنبلة الموقوتة التى تركها النظام السابق وسياساته الضارة فى مجال التشغيل والتوظف. معظمهم تقريباً من الشباب والفتيات المتعلمين فى كافة الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية المتوسطة.هذه الطاقة البشرية العظمى تحولت إلى عبء على  طموحهم ورغباتهم فى الحياة.

وهكذا لم يكن غريباً أن نشاهد قوافل الموت تذهب بمئات من هؤلاء طوال السنوات العشر الأخيرة فى رحلات الهروب شبه الجماعية عبر البحر المتوسط بحثاً عن ملاذ آمن من وطن طارد لأبنائه ومانع لطموحاتهم ورغباتهم فى الحياة الكريمة.

هذا العار القومى ينبغى أن يتوقف فوراً عبر إتباع سياسات جديدة فى التشغيل والتوظيف، ومن خلال سياسات اقتصادية ترد الاعتبار لقيم الإنتاج الوطنى ودعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ، مثلها تماماً مثل دخول الدولة مرة أخرى إلى مشروعات الإنتاج لخلق فرص عمل جديدة وتأهيل المشروعات القائمة التى  تعرضت للتخريب والإهمال خلال فترة الخصخصة.

بيد أن مجالات الفساد التى انغمس فيها – بصورة شبة دائمة – كبار رجالات الدولة وأبنائهم –  قد اتسع نطاقها ليشمل:

1-          قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية.

2-          عمولات التسلح ووسائل نقلها .

3-          قطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة.

4-          خصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.

5-          البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال الى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية.

6-          شركات توظيف الأموال وما جرى فيها.

7-          تجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية.

8-          تجارة العملات الأجنبية والمضاربة على سعر صرف الجنية المصري .

9-          تجارة الدعارة وشبكات البغاء ذات الصلة أحيانا بكبار رجال الدولة وأجهزتها .

10-  نظم الاستيراد وأذون الاستيراد وبرامج الاستيراد السلعي .

11-  طرق توزيع مشروعات المعونة الأمريكية .

12- الصحافة ومؤسساتها وإفساد الصحفيين عبر وسائل شتى والإعفاء غير القانوني للمؤسسات الصحفية ( القومية ) من أداء الضرائب العامة وتسهيل سبل الارتزاق السري وغير القانوني لبعض الصحفيين.

13- ما يسمى "علاوة الولاء" التى تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن.

14- إفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت على جريمة الدروس الخصوصية بل وخلق الظروف الملائمة لتفشيها.

15- الإبقاء على فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية .

16- البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.

هذه هى عينة من بعض القطاعات التى أفسدتها السياسات العامة، وسوف نتعرض إليها تفصيلا بعد قليل.

أما مجالات الفساد لدى صغار المواطنين ومحدودي الدخل فقد أصبحت تشكل تيارا عريضا من الممارسات وجزءا أساسيا مما يسمى " الاقتصاد الخفى "hidden economy  أودخول الظل shadow income  أو الاقتصاد الموازى ، بحيث باتت تشمل الأنشطة التالية:

1-      العمل على إبقاء النظام التعليمي الحكومى غير فعال لصالح نظام تعليمي غير رسمى أوالسوق التعليمية السوداء black educational market  ، سواء فى صورة الدروس الخصوصية أو انتشار المدارس الخاصة والاستثمارية والأجنبية وأخيرا ما يسمى " مدارس التميز " ، ولقد بلغ حجم الأموال المنفقة على الدروس الخصوصية وحدها – وفقا لتقرير مجلس الشورى المصرى عام 1994 – وحده حوالي 10 مليارات جنية تحملتها الأسر المصرية الفقيرة (11) وقد بلغت عام (2004) حوالى 18 مليار جنية خاصة بعد تقسيم مرحلة الثانوية العامة إلى سنتين دراسيتين بدلا من عام دراسي واحد (12).

2-      عدم فاعلية نظام الأمن الرسمي لصالح نمو وتفشى نظام الأمن غير الرسمي أو"مواز"، حيث لاتحرر أقسام الشرطة محاضر للمواطنين إلا بالوساطة، ولا تجرى عمليات التحرى لكشف السرقات وضبط المتهمين إلا من خلال المحسوبية والرشاوى والإكراميات، كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من الجميع وداخل كل إدارات ومديريات الأمن.

3-      يقاس نفس الأمر فى دوائر التقاضي والقضاء، حيث تمثل "الإكراميات" أو الرشاوى الوسيلة الأساسية لتحريك إعلانات القضايا بالمحاكم (قلم المحضرين) وغيرها من تسلسل أعمال التقاضي ووسط أكثر من ثلاثة ملايين قضية يجرى النظر فيها سنويا أمام المحاكم المختلفة.

4-      وفى المستشفيات العامة والحكومية والتي يتردد عليها حوالي 47 مليون مريض – وفقا لتقرير وزارة الصحة عام 2006 – فان تقديم الخدمة لهؤلاء لا تتم إلا من خلال الإكراميات والوساطة، وبحسب الحالة الصحية وخطورة المرض  (13) .

5-      موظفي الخدمات الحكومية الأخرى، خاصة المصالح الجمركية والضرائبية والخدمات الجماهيرية الأخرى، حيث تقدم الإدارات الحكومية حوالي 627 خدمة متنوعة للجمهور، فان تعاطى بعضهم "للإكرامية" أو العمولات ، خاصة فى المحليات – إجراءات منح تراخيص البناء أو رخص النشاط أو تعلية الأدوار فى المساكن .. الخ – كلها تتم بسبب تدنى الأجور والمرتبات لهؤلاء الموظفين، مما أدى الى تركيز "جبري للخطيئة" وإجبار عشرات الآلاف منهم إلى قبول الرشوة والإكراميات، حماية لأبنائهم وأسرهم من العوز والجوع.

وإذا كان أحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم – زكريا عزمي – وعضو مجلس الشعب قد أعترف علنا وداخل جلسة مصورة لمجلس الشعب بأن الفساد " للركب " فى المحليات ، فان الحقيقة هى أن الفساد قد وصل الى العنق ، وليس فقط فى المحليات بل فى مصر كلها بسبب سياسات هذا النظام ، الذي ترك نظم الأجور والمرتبات بهذا المستوى اللا إنساني وكأنه يرغب فى إفساد غالبية أبناء الشعب حتى لايتحدث أحد منهم عن فساد الحكام ورجال المال والأعمال.

ثانياً – جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى:

لقد حصر القانون 247 سنة 56 جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى فى مقلين:

1-   العمل على تغيير النظام الجمهورى إلى نظام ملكى.

2-   وقف دستور الدولة كله أو بعضه أو تعديل أحكامه دون اتباع القواعد والإجراءات التى قررها الدستور وقد ارتكب الرئيس المخلوع جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى بفعليها علاى النحو الآتى:

1-  العمل على تغيير النظام الجمهورى:

لقد بات معلوماً فى داخل مصر وخارجها، أن المتهم عمل كعادته – على تحويل النظام الجمهورى الذى أقسم على احترامه، إلى نظام ملكى فى الواقع، ويحمل الاسم الجمهورى فى الشكل. إذ رغب فى توريث ابنه الأصغر جمال الحكم، وقد كان ذلك مشروعه الذى عمل بجدية لتحقيقه بمساعدة من القريبين منه، فرسمت الخطط ووضعت السيناريوهات انتظاراً إلى مناسبة مواتية أو تبدو مواتية، ثم يطرح المشروع نفسه، وكان من بنود الخطة أن يماطل الأب – فى الظاهر – ويرواغ، ولا يعلنها (نعم) صريحة لتوريث الحكم، أو (لا) قاطعة. وإن كان قد أبدى من الإشارات ما يفيد نعم أحياناً، فقد صرح بلا فى أحيان أخرى. ولكن الخطة كانت مرئية بجلاء لا لبس فيه، إذ تحول الإنكار إلى إفصاح تدريجى، بعد أن لجأ البيت الرئاسى فى مصر إلى نشر نوع من الشك السياسى، بأن أجاب جمال مبارك فى ختام المؤتمر الأخير للحزب الحاكم رداً على من سأله عن التوريث وقال "لا أريد الدخول فى قضايا فرعية، وأضاف "الإطار الدستورى واضح" فبدت النغمة مختلفة عن رده على ذات السؤال قبل شهور فى برنامج خاص للتليفزيون الحكومى إذ قال "ليس عندى رغبة فى الترشيح للرئاسة" تماماً كما فعل الأب الذى أنكر بطريقة شبه قطعية فى يناير سنة 2004 وقال "لاتوريث فى نظامنا الجمهورى" وفى يناير سنة 2005 تخفف الأب قليلاً من عبء الإنكار وقال فى حديث لقناة العربية واصفاً دور ابنه السياسى على طريقة "ابنى بيساعدنى" ثم فى اجتماع مغلق للهيئة البرلمانية لحزبه بدا مبارك الأب أقرب إلى الإفصاح إذ نقل عنه قوله "إذا كان الشعب عايز جمال يجيبه" ولم يكن الشعب حاضرا – بالطبع – فى عملية تسريب جمال مبارك من البيت للسياسة، بينما كان إنكار الأب قاطعاً فى أواسط التسعينات لعمل أبنائه بالسياسة، إذ صرح للصحفى مكرم محمد أحمد "أنه لاينوى أبداً إقحام ولديه فى السياسة وهما مشغولان بالبيزنس، وأضاف أن ابنه جمال يشترى ديون مصر لصالح البنك الذى يعمل مديراً لفرعه فى لندن (بنك أوف أمريكا) وضرب مثلاً بشراء جمال لدين صينى على مصر. ولم ينتبه الأب – بدرجة ذكائه المعروفة - لاعترافه الخطير باستغلال ابنه التجارى لسلطة الرئاسة، فالديون – فى العادة – تشترى بنصف القيمة أو أقل، ويكسب البنك الوسيط نصف قيمة الدين، وإذا كان الأمر متعلقاً بدين دولة، فلابد للدولة بمسئوليتها أن تتورط فى تسهيل عملية الشراء، وهذا ماجرى ببداهة الأمور، المهم أن ذات الطريقة فى الاستيلاء على الديون جرى إتباعها فيما بعد فى عملية الاستيلاء على الرئاسة، وبالدستور الذى بات دستور العائلة، وبالحزب الوطنى الذى هو خربها بالذات. ففى سنة 1994 أعيد جمال مبارك من لندن، وكانت ثروته الشخصية قد بدأت فى التضخم، وأنشأ شركة "ميدانفستمنت" المسجلة فى لندن برأسمال مائة مليون دولار، وتوسعت امبراطوريته المالية فيما بعد، وبلغت ثروته يحسب تقديرات "بيزنس ويك" إلى سبعمائة وخمسين مليون دولار، ثم أدخل فى مجالس إدارات بنوك كالبنك العربي الأمريكى والبنك العربى الإفريقى، ثم كانت القفزه الأهم بدخوله فى عضوية مجلس إدارة شركة هيرمس للاستثمار المباشر"، وفى طريقه للصعود الصاروخى فى دنيا البيزنس، بدأت رحلة التسلل إلى الرئاسة، ومن القمة رأسا، فقد عينه مبارك الأب سنة 1997 عضواً فى المجلس الرئاسى المصرى الأمريكى، ثم أصبح متحدث رسمياً باسم المجلس الذى أنشأه مبارك، وفى سنة 1998 جرى تطوير خطة الاقتحام السياسى وأنشأ جمال مبارك "جمعية جيل المستقبل" كانت الفكرة وقتها أن "ينشئ حزب المستقبل" وأن يدخل فى مباراة سياسية مع الحزب الوطنى الذى يترأسه والده، ثم يفرح الأب بفوز حزب الابن، لكن هذه الطريقة فى التوريث بدت صادمة لجنرالات الأب، ولم تصادف هوى لدى سيدة القصر "سوزان ثابت" الراعية لمستقبل الابن المعجزة، واستقر الاختيار على الطريق المباشر، وهكذا أضيف جمال مبارك إلى عضوية الحزب الوطنى ومن أعلى السلم سنة 2000، وجرى التوصل إلى تكتيك لجنة السياسات كإطار بديل لقيادة دولاب الحكومة، وظهر جمال مبارك كأمين للجنة السياسات فى مؤتمر الحزب الوطنى سنة 2002، وألصق باسم الحزب الوطنى شعار "فكر جديد" وبدت العبارة الموحية كأنها كلمة السر وشفرة صعود جمال مبارك، ورغم أن مبارك الابن بلا صفة تشريعية ولا تنفيذية، فقد بدأ من وقتها فى قيادة اجتماعات تضم رئيس الوزراء نفسه، وبدأت كراماته تظهر، فقد كان وراء تعويم الجنيه أى خفض قيمته إلى النصف فى يناير سنة 2003، ثم كان قرار تشكيل حكومة نظيف فى يوليو سنة 2004 بضغط مباشر منه، وسيطر رجاله – فى لجنة السياسات – على المجموعة الاقتصادية، ولفتت ديناميكية مبارك الابن نظر الرعاة فى واشنطن، وجرى ترتيب زيارات لجمال مبارك إلى واشنطن، وتحولت المناقشات من الاقتصاد إلى السياسة، وانتقلت من العلن إلى السرية، الزيارة السرية الأولى كشف عنها "بوب ود وارد" فى كتابه "خطة الحرب" وقد جرت قبل أسابيع من بدء حرب غزو العراق فى أواخر مارس سنة 2003، فقد ذهب جمال مبارك مبعوثاً شخصياً عن والده للقاء الرئيس بوش ونائبه ديك تشينى، ونقل الابن – بحسب بوب – رسالة من والده تقترح استضافة صدام حسين وعائلته فى لجوء سياسى للقاهرة، ولم توافق الإدارة الأمريكية وقتها، لكنها عادت لاستدعاء جمال مبارك فى زيارة سرية أخطر جرت فى 11، 12 مايو سنة 2006 وجرى النقاش عن الداخل المصرى بالذات، والتقى مبارك الابن ببوش وتشينى وأجرى مناقشات مفصلة أكثر مع كوندليزا رايس وزيرة الخارجية، واستيفين هادلى مستشار الأمن القومى، وبدت هذه الزيارة كأنها مرتبة بقصد الحصول على "ضوء أخضر" وإقناع واشنطن بأن استنساخ نظام مبارك – فى صورة رئاسة الابن هو الخيار الأفضل لصالحها، وبدا أن واشنطن قد اقنتعت حتى إشعار آخر، فالبديل لتوريث جمال مبارك هو حكم الجيش أو الإخوان المسلمون.

وأكثر من ذلك فقد تمكن مبارك الأب من تفريغ محيط النخبة فى مصر، فلم تعد تتسع لغيره، أو لمن يشاء ويختار، إذا جاءت ضرورات للاختيار حتى بالنسبة لمنصب نائب الرئيس، ولم يكن مبارك مستعداً لقبول رجل يجلس خلفه أو يجلس بجانبه فى انتظار موعد التغيير أو مفاجأة المقادير، ولعله بذلك، كان يؤبد لحكمه إلى أخر نبض يخفق، ونفس يتردد على حد ما قال، ثم أدخل جمال مبارك إلى النخبة الحاكمة بالنفوذ المباشر للأب. وهو ما اعترف به الإبن بصراحة، إذ قال فى لقاء بالتليفزيون الحكومى – أنه لم يكن بوسعه الصعود بالمباشر لمناصب حزبية لو لم يكن ابناً للرئيس، وهو ما يعنى – بالطبيعة – أن قوة الدفع بغير رعاية الأب ليست واردة، بينما الأب الثمانينى يبدو فى احتياج حقيقى لن يرعاه، وقواعده الاجتماعية تتآكل باطراد، ونسب الإقبال على التصويت فى انتخاباته واستفتاءاته تكاد تلامس خط الصفر، وبدت استفتاءات الصفر ظاهرة بالذات فى تعديلات الدستور التى جرت بمقاس عائلى ولمصلحة مبارك الأب والابن معا، فقد جرى تعديل المادة 76 من الدستور باستفتاء 25 مايو سنة 2005 وجرى تعديل 33 مادة معها باستفتاء 26 مارس سنة 2007 ونسب الإقبال بالتصويت على الاستفتاء لم تتجاوز 3 أو 4٪ فى أقصى تقرير – طبقاً لتقارير نادى القضاة – بما معناه أنها تعديلات تفتقر إلى أى تعاطف شعبى ذى مغزى، وربما لوضوح القصد العائلى فيها، فهى تحصر إمكانية الترشح الجدى للرئاسة فى الأب أو الابن، ولا تتيح الحق نفسه لأحد من خارج أحزاب الرخصة الرسمية، والمعروف أن غالب الحيوية السياسية للمصريين ظلت خارج الأحزاب المسموح بها بما فيها الحزب الوطنى، وكان القضاء المصرى قد لعب دوراً في دعم الحريات النسبية – وجاءت التعديلات إياها لتوجه ضربة مزدوجة للسياسة الحية ولدور القضاء معاً، فقد وضعت شروطاً مانعة لترشيح أى شخص من خارج الأحزاب الرسمية ومن جماعة الإخوان المحظورة بالذات، فهى تضع شرطاً لترشيح المستقلين يبدو أصعب فى ضمان توفيره من لبن العصفور، تشترط توقيع 250 عضواً برلمانياً لصحة الترشح (65 عضواً من مجلس الشعب، 45 عضواً من مجلس الشورى، 140 عضواً من مجالس المحليات موزعون على عشر محافظات، وقد كان ممكناً لمرشح إخوانى أو يدعمه الإخوان – أن يستحصل على النصاب المطلوب من مجلس الشعب فقط، فلدى الإخوان 88 نائباً نتيجة الإشراف القضائى الذى تكفل بردع التزوير جزئياً فى انتخابات سنة 2005، فجاءت تعديلات 26 مارس سنة 2007 لتقطع الطريق على فرص اكتمال هذا النصاب للإخوان أو لغيرهم، إذ جرى إحلال الإشراف العملى على الانتخابات لضباط الشرطة محل إشراف القضاة، وتحولت الانتخابات إلا تعيينات وأعلن فوز الحزب الحاكم بكافة مقاعد مجلس الشورى فى انتخابات جرت فى ابريل سنة 2007، وهكذا جرى قطع الطريق على أى منافس جدى لمبارك الأب أو الإبن فى انتخابات الرئاسة، وجرى إكمال غلق الدائرة فى مؤتمر الحزب الوطنى الأخير، إذ لم يكن ترشيح جمال مبارك للرئاسة وارداً بصفة رسمية قبل المؤتمر، فهو لم يكن عضواً بالمكتب السياسى، وكان المكتب السياسى بمثابة الهيئة العليا التى تشترط تعديلات الدستور عضوية المرشح فيها، وكأن أن جرى – فى المؤتمر – إلغاء المكتب السياسى وضمه إلى الأمانة العامة فى تشكيل أطلق عليه اسم "الهيئة العليا" ودخل جمال مبارك بصفته أميناً عاماً مساعداً إلى عضوية الهيئة العليا، فزالت آخر عقبة شكلية قد تعترض طريق ترشيحه للرئاسة فى أى وقت، ثم كان أن جرى الإيماء بتعجيل وارد فى الوقت الموعود، وتقرر أن يجرى الترشح للرئاسة فى مؤتمر استثنائى يستدعى بقرار من مبارك الأب الذى هو رئيس الحزب فى الوقت نفسه، والمعنى واضح هو أن منصب الرئاسة – فى الحال والاستقبال – قد حجز رسمياً لمبارك الأب أو الأبن، وكانت العلاقة بين المصالح والقرار السياسى قد بلغت أوج قوتها، وتحتاج إلى تحصينها بوليد التوريث، ولذلك لم يكن غريباً أن تجئ انتخابات آخر مجلس شعب وقع انتخابه قبل ثورة 25 يناير سنة 2011، وفيه عدد غير مسبوق من رجال الأعمال، لا تكفى لطمأنهم وعود وعهود، ولا سلطة تطوع من أجلهم القانون، لكنهم يريدون أن يكتبوا النصوص الان وفى مستقبل. وتزايد دور جماعة المصالح – وهى تلتصق بالسلطة – بتشكيل البعثات والوفود المتحركة بنشاط على الطريق إلى واشنطن تبذل أقصى الجهود فى أروقة الكونجرس أو دور الصحف بظن التأثير على مراكز القرار الأمريكى وإقناعه بأن النظام القائم على السلطة فى مصر، لابد من مساندته على الأمد الطويل، ومساندته فى المستقبل كما فى الحاضر، لأنه ضرورة أمريكية قبل أن يكون ضرورة مصرية، باعتبار أن الحاضر يحكمه الأب، والمستقبل يحتاج إلى الأبن.

2-  وقف دستور الدولة وتعديل أحكامه دون أتباع القواعد والإجراءات التى قررها الدستور:

    لقد اتبع المتهم وأعوانه طوال فترة حكمه أسلوب الافساد والغواية لتفريق الجماعات، وضمان تجميع السلطة الفعلية في يده، حين أصر على ضمان انفراده بالقرار رغم المظهر التعددي الذي يتخذه، وساعده على ذلك أعوانه من ترزية القوانين في المجلس التشريعي ووزراؤه وقادة القطاعات الادارية والاقتصادية المختارون من أجهزته الأمنية، فجعل سلطات الدولة لا تحمل من الاستقلال سوى اسمه، أما المحتوى والمضمون  فهو له من الناحية الفعلية ومن أمثلة ذلك:

          أولاً: أنه عمد إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، فالأحزاب القائمة علنا صار بعضها موقوفًا أو مجمدًا رسميًا، وبعضها أضحى لافتة على مفر دون فاعلية، وبعضها ألحق بالدولة، وبعضها ضُيق عليه الخناق، وحُرم من الوجود الشرعي كل ماجدّ على المجتمع  من حركات حزبية يتوقع لها وجود فعلي وجاد. وبات النظام هو نظام الجزب الواحد من الناحية الفعلية.

ثانياً: والمجلس النيابي الموجود على مدى أكثر من ثلاثين سنة، كان يتشكل دائمًا من حزب الحكومة بأغلبية لا تقل عن تسعين بالمائة إلا مرة واحدة قلَّت إلى 78%، وقد صُنع في انتخاباته كل أنواع التزوير بدءًا من تزوير كشوف الناخبين مرورًا ببطاقات التصويت وانتهاءً بنتيجة الفرز مما صار مجالاً لطعون انتخابية جاوزت المئات في كل مرة، ولم يطبق من أحكام القضاء وقراراته بشأنها إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله، فدومًا كانت السلطة التنفيذية تخوض بحزبها الانتخابات التي تشرف هي عليها، وتُسيرها بأدواتها الأمنية والاقتصادية والاعلامية بما يضمن سيطرتها على البرلمان، وقضت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت في المدة من 84 حتى عام 2000(ستة عشرة سنة كاملة) ولم تطق الحكومة في أي منها معارضة لا تزيد في أحسن الأحوال على عشرين على بضعة عشر أوبضعة وعشرين عضوًا لايقابل مما يجاوز أربعمائة هم أعضاء المجلس، ولما جرت انتخابات عام 2005 بعد أن صُححته الإجراءات نفاذاً لحكم للمحكمة الدستورية العليا، وصار الإشراف القضائي كاملاً بضغط من الشعب المصري وقضائه، وتسلل إلى المجلس التشريعي مائة واثنا عشر عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين و قوى المعارضة الأخرى، الذين ترشحوا كمستقلين. في المرحلة الأولى، استخدمت السلطة التنفيذية أدواتها الأمنية في منع دخول الناخبين من الإخوان المسلمين والمعارضين لجان الاقتراع، وتحقق بذلك للحزب الحاكم الأغلبية في البرلمان، ثم سرعان ما انقلب الرئيس المخلوع على الدستور وأجرى تعديلاً للمادة 88 أعاد به الإشراف الصوري المنقوص للقضاة على عملية الانتخابات إذ تم الاكتفاءبإشراف قاضٍ لكل لجنة عامة، ولم يعد هناك قاضٍ للإشراف على صناديق الاقتراع في اللجان الفرعية بالمخالفة لأحكام الدستور وحكم المحكمة الدستورية، حتى إذا ما جرت انتخابات 2010 بلغ فيها التزويرأقصى مداه فاقتصرت عضوية البرلمان على أعضاء الحزب الحاكم وحده، ورغم ما صاحب ذلك من غضب شعبي واضح دفع القوى السياسية المعارضة إلى تشكيل برلمان موازٍ، فقد التقت الرئيس المخلوع عن ذلك وواصل تهنئة نوابه في خطابه لدى بدء الدورة البرلمانية على فوزهم الكاسح واصفًا الانتخابات التي أتت بهم كعادة في كل مرة بأنها نزيهة ولم يسبق لها مثيل في نزاهتها وسخر من غضب الشعب المصري وبرلمانه الموازي قائلاً (خليهم يتسلوا) مما كان سببًا مباشرًا لحظيًا لثورة 25 يناير 2011.

ولقد استطاعت السلطة التنفيذية برئاسة المتهم: بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع أن تصدر عددًا من التشريعات سميت شعبيًا بالتشريعات سيئة السمعة منعت التقاضي في المجالات التي رأت لنفسها فيها صالحًا سياسيًا مثل مسائل الجيش وقمع المتظاهرين وتقييد حرية الصحافة والحريات العامة وغيرها فضلا عن تشريعات اقتصادية تركت ثغرات تسلل منها الفساد المحمى من الدولة سيما في مجال الضرائب والجمارك وغيرها.

ثالثاً: وحتى السلطة القضائية المستقلة بنص الدستور لم تسلم من هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيسها ووزراء العدل وفي ظل أحكام قانون السلطة القضائية المعمول بها الآن، فقد سلكت وزارة العدل في العقود الثلاثة الأخيرة في إدارة القضاء المصري مسالك فعلية تعتمد على الاختيارات الشخصية، وعلى تأليف قلوب من يجدي معهم هذا الصنيع، وبالوسائل المؤثرة ذات الفاعلية بالنسبة لمن يكون مهيأ لذلك، ومن المداخل ذات الأثر بالنسبة لكل صاحب مدخل، وكان هذا يراعى في كل من يشغل المواقع الوظيفية القضائية ذات الأهمية الخاصة بحكم ما يكون منوطًا به من صلاحيات تجعل لموقعه أهمية خاصة في نظر قضايا معينة أو استخدام سلطات ولائية ذات اعتبار مؤثر في أنشطة نقابية أو انتخابية

أو أمنية أوجنائية أو غير ذلك.

 وقد ساعدت أحكام قانون السلطة القضائية الحالي وزارة العدل على مسلكها، فهذا القانون يجيز لوزير العدل التدخل في شئون العدالة من نواح  كثيرة أهمها ندب رؤساء المحاكم الابتدائية وإنهاء ندبهم بإرادته بما يتيح له الهيمنة على المحاكم الابتدائية كلها، والندب يكون لمدة سنة قابلة للتجديد برغبة الوزير مما يشكل ضغطًا مستمرا على شاغل الوظيفة، ورئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس محكمة النقض، وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس الحكمة وهم مئات، وإدارة التفتيش القضائي تتبع وزير العدل، وقد بلغ مكر وزير سابق للعدل أن سن سنة سيئة وهى ندب من يتوقع ـ بحسب عمره ـ أن يكون على رأس مجلس القضاء أو عضوًا فيه ـ ليكون مساعدًا له لفترة طويلة، يحصل فيها على امتيازات مادية ومعنوية  يصعب معها أن يرفض طلبا له، ويندر معها أن يكون مطالبًا قويًا باستقلال القضاء، إن لم يكن من والموالين للسلطة التنفيذية ورئيسها مثلما كان عليه حال رئيس مجلس القضاء السابق وآخرين سبقوه. وقد أمر المتهم الأول برفع سن تقاعد القضاة  ليستمر هؤلاء  في مواقعهم طالما أظهروا ولاءهم، وذلك ما دفع القضاة دومًا وطوال حكم المتهمالأول إلى إعلان مطلبهم في جمعيات  محاكمهم  ونواديهم العمومية في أن يخلى بين السلطة التنفيذية وبين شئون القضاء وأعدوا مشروعات قوانين لتعديل قانون السلطة القضائية، ولكن ذلك كله قوبل بالتسويف والمماطلة حينًا وبالرفض أحيانًا من قبل المتهم الأول ووزراء العدل وهو ما ألحق الضرر بالعدالة.

رابعاً:لقد استغل المتهم سيطرته على المجلس التشريعي ـ حسبما سلف ـ وسخَّره في الإبقاء على حالة الطوارئ معلنة في البلاد منذ تولية الحكم في أكتوبر عام 81 ولثلاثة عقود هي فترة حكمه، وبالرغم مما وعد به رئيس مجلس الوزراء عام 81 عند طلبه الموافقة على إعلانها لمدة سنة من مجلس الشعب من أنها لن تستمر أكثر من بضعة أشهر حتى تتبين أبعاد حادث /اغتيال الرئيس السادات، فقد استمر سريانها سنة بعد أخرى، بل لقد مده في عام 93 لثلاث سنوات دفعة واحدة بالرغم من تبين أبعاد الحاث الذي وقع وكان سببًا في إعلانها قبل أن تنتهي السنة الأولى لوقوعه، وهكذا أصبحت حالة الطوارئ المعلنة ليست حالة طارئة كما ينطق بذلك اسمها بل حالة مستديمة. وذلك بالمخالفة لأحكام القانون 162 لسنة 58 الذي أحالت إليه المادة 148 من الدستور، إذ حدد هذا القانون الظروف التي تجيز إعلان حالة الطوارئ واستمرارها بأن يكون الأمن أو النظام العام في البلاد معرضًا للخطر بسبب من الأسباب المحددة على سبيل الحصر وهي وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث  اضطراب في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء. وما قيل عند كل لحالة الطوارئ من أن المقصود من استمرارها هو مواجهة الإرهاب المسلح وتجارة المخدرات مع وعد بعدم تجاوز سلطة الطوارئ إلى غير ذلك من الأفعال، فإنه لا يعتبر مبررا بقبولا لاستمرار الطوارئ أكثر من ثلاثين سنة، فهذه  الأحداث والانحرافات موجودة في الكثير من دول العالم ومع ذلك لم تلجأ هذه الدول إلى فرض حالة الطوارئ لمواجهتها، نظرًا لأن إعلان حالة الطوارئ يعطي لجهاز الأمن من الصلاحيات الاستثنائية ما يمكن أن يهدد حريات المواطنين في الاجتماع والانتقال والاقامة والمرور والقبض على المشتبه فيهم واعتقالهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن ومراقبة الخطابات والمراسلات أيا كان نوعها والصحف والمطبوعات  وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طبعها، وتحديدًا عبر فتح المحال العامة وقفلها، وإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها، وتكليف أشخاص بتأدية أي عمل من الأعمال، والاستيلاء على أي عقار أو منقول، وسحب تراخيص الأسلحة ......إلخ ويعاقب كل من يخالف الأوامر العسكرية المذكورة من الحاكم العسكري بعقوبات تصل إلى السجن المشدد، من محاكم أمن الدولة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لما تقضي به هذه الأوامر، ولا يجوز الطعن في أحكام هذه المحاكم. وبذلك جمع رئيس الدولة (المتهم) أيضًا بصفته الحاكم العسكري هذه المرة بين يديه سلطات الدولة الثلاث. وقد استخدم قانون حالة الطوارئ في اعتقال الآلاف من الخصوم السياسيين سيما جماعات التيار الاسلامي والإخوان المسلمين، وأصحاب الرأي بغير جريره، وهو ما هدد المواطن المصري في حريته وحياته وعمله، وعرَّض مستقبله ومستقبل أسرته للخطر، ولم يستجب المتهم ولو لمرة واحدة لطلبات إنهاء هذه الحالة حتى بعد إصدار قانون جديد للمخدرات وقانون آخر لمواجهة الإرهاب وتضمينها كل الوسائل والأساليب التي يتوجب الاكتفاء بها والاستغناء عن استمرار حالة الطوارئ المعلنة بقصد التصدي لها وفقًا لما كانت معلنة الحكومة عند كل تجديد لاستمرارها؛ بما مفاده أن إعلان حالة الطوارئ كان مقصودًا لذاته إمعانًا في إهدار حريات المصريين والتعدي على حرماتهم المصونة بحكم الدستور، وهو ما يعد إخلالا جسيمًا بالتزاماته ولاينال من ذلك الشكل الذي روعى في مدها طوال هذه المدة إذ كان وليد تحايل على أحكام الدستور للتحلل من قيد المدة المنصوص عليها في المادة 148 ومواد الباب الثالث من الدستور وهو ما يعد وفقاً وتعطيلاً لأحكام الدستور المؤثم بالمادة 6 رقم 2 من القانون رقم 247 لسنة 56.

خامساً:وزيادة في قهر المصريين حتى يضمن خلوده في الحكم فقد أهدر حقوقهم الإنسانية وحقوقهم العامة المكفولة في الدستور الذي أقسم على احترام أحكامه حسبما يلي: بالمخالفة لأحكام الباب الثالث من الدستور.

ـ بالنسبة لحقوق الانسان في مصر:

1-    لم يمارس المواطن حقه في إدارة شئون بلده، إذ كانت السلطة التنفيذية تتدخل بالضغط والترهيب في الانتخابات العامة، ويتم التلاعب في بطاقات التصويت، وطرد واعتقال مندوبي المرشحين من غير الموالين للنظام الحاكم، والتزوير في كشوف حضور الناخبين ومحاضر فرز الأصوات متسترة بإشراف صوري للقضاء تمثل في رئاسة اللجان العامة فقط، والتي يتم التصويت عليها بعيدًا عنها في اللجان الفرعية المنتشرة في أنحاء الدائرة الانتخابية، وقد تعمد النظام عدم الأخذ بالضمانات التي نادت بها كل القوى السياسية المعارضة ورجال القضاء في نواديهم وجمعياتهم العمومية ومؤتمر العدالة الأول والأخير.

2-    أهدر حق المواطن في التعبير عن رأيه والحصول على المعلومات، فقد جعل قانون الأحزاب المفصل لصالح النظام الحاكم قيام الأحزاب رهنًا بموافقة لجنة إدارية غالبيتها من الحزب الحاكم الذي أضحى خصمًا وحكمًا، وهو ما أدى إلى منع قيام أحزاب تمثل قوى وطنية لها وزنها في الساحة المصرية مثل الأحزاب ذات المرجعية الدينية بينما قامت أحزاب لا تزال تسعى لتكوين قاعدة لها.

3-    وفقد بعض المواطنين وسيلة التعبير عن رأيهم خاصة إذا ما أضيف إلى ما تقدم القيود المفروضة على الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام .فالصحافة المسماة بالقومية هي في حقيقتها حكومية خاضعة لسلطانالسلطة الحاكمة من حيث تعيين رؤساء مجالس إدارات مؤسساتها ومجالس تحرير صحفها، ومن حيث الإشراف على شئونها. أما الصحافة الحزبية فهي معبرة عن آراء الأحزاب التي تنطق بلسانها.

وبالتالي لم يجد صاحب الرأي الذي لا ترضى عنه السلطة الحاكمة والأحزاب القائمة مجالاً للتعبير عن رأيه عن طريق الصحف الموجودة، وقد سُلب حق المواطن في إصدار صحيفة يعبر من خلالها عما يحيش في صدره ولتكون نافذة غير حكومية أو حزبية للتعبير عن مختلف الآراء والأفكار. أما الاذاعة والتلفاز فكانا دومًا حكرًا على النظام الحاكم .

4-    ولا أهمية عند النظام لحق المواطن في المعرفة واستقاء الأنباء والأفكار. فكم من قرارات صدرت وأخرى ألغيت، وكم من وزير عُين وأعفى غيره وكم من تعديل في وزرات أو تشكيل بديل لها دون أن يدري المواطن شيئًا عن الدوافع والاسباب، وتنطلق الشائعات حول اتهامات خطيرة وتضبط جرائم وتقع حوادث وتثار قضايا سياسية كبيرة دون أن يصدر عنها في الوقت المناسب بيان من الحكومة.

5-    وعن حق المواطن في عدم المساس بكرامته أو تعذيبه، فقد سجلت أحكام القضاء وتحقيقات النيابة بعض ما وقع من أعمال تعذيب بشعة للمتهمين والمقبوض عليهم داخل السجون حتى وصل الأمر إلى اعتراف بعض المتهمين على أنفسهم ـ خلافًا للحقيقة ـ بأنهم ارتكبوا جنايات قتل وشروع في قتل، منهم الثلاثة الذين اعترفوا بشروعهم في قتل اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق، للتخلص من آلام التعذيب القاسية، ومن حسن الحظ أو سوئه أن يتم بعد ذلك ضبط الفاعلين الحقيقيين في هذه الجريمة، وكان قد سبق تكرار نفس الشيء في حادث اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق، وغير هؤلاء كثر لم يعلن عنهم لكون المجني عليهم من الناس العاديين، وهو أمر يدل على الاستهانة بكيان المواطن وكرامته.

6-    كما أهدر حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، إذ ضمت محكمة الأحزاب السياسية التي تنظر الطعون في رفض تأسيس الأحزاب، وطلب حلها ووقف نشاطها عددًا من الشخصيات العامة مساوياً لعدد القضاه، وأحيل متهمون مدنيون إلى القضاء العسكري بما يضمه من نيابة عسكرية ومحاكم عسكرية تتبع وزير الدفاع وهو ما يفقد هذه المحاكم الحيدة ومن شأن ذلك حرمان المدنيين من بعض الضمانات.

7-    وأهدر حق المواطن في الحد الأدنى من الحياة الكريمة ومستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته مع ارتفاع جنوني في مستوى الأسعار بما لا يتناسب مع مستوى الأجور والدخول وهو ما اضطر الآلاف للسكن في المقابر والخيام والعشش الصفيح، فضلاً عن تدهور الخدمات الطبية وارتفاع نفقات العلاج والتعليم والتقاضي وبالجملة تردى حالة الخدمات في المرافق العامة جميعها.

ويبين من كل ما تقدم أن الرئيس المخلوع عمد إلى وقف أو تعطيل أحكام الأبواب الأربعة الأولى فى دستور البلاد والتى تؤكد السيادة للشعب باعتباره مصدر السلطات، وحماية ممارسته لهذه السيادة، وقيام الاقتصاد على العدالة الاجتماعية، والحفاظ على حقوق العمال، وقيام النظام السياسى على تعدد الأحزاب وحق المواطنين فى تكوين الأحزاب السياسية، وكفالة الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، ورعاية النشء والشباب وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم، والخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتوفيرها بوجه خاص للقرية فى يسر وانتظام، وخدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً، واستغلال الجامعات ومراكز البحث العلمى، ومجانية التعليم فى مراحله المختلفة، ومحو الأمية، ووضع خطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة وزيادة فرص العمل وربط الأجر بالإنتاج، وضمان حد أدنى وحد أعلى للأجور يكفل تقريب الفروق بين الدخول، وحماية الملكية العامة والتعاونية، والعدالة الاجتماعية للنظام الضريبى، فضلاً حماية الحريات الشخصية والعامة وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، والبحث العلمى والإبداع الفنى والأدبى والثقافى وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك وسيادة القانون واستقلال القضاء، وحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى...الخ. كما قام الرئيس المخلوع بتعديل لمواد الدستور يضمن انفراده بالحكم حيثما شاء بل وتوريث السلطة لابنه وقتما شاء كما سلف البيان، وهو فى ما تقدم لم يلتزم الإجراءات القانونية التى عناها المشرع الدستورى فى المادة 189 والتى تضمن مطابقة هذا التعديل لإرادة الشعب فى استفتاء حر ونزيه وشفاف بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية، وهو ما لم يتحقق، لاستخدام أساليب الغش والخداع والزيف والتزوير السالف إيرادها، فكانت نتيجة الاستفتاء غير معبرة تعبيراً حقيقياً وأميناً عن إرادة الشعب فيتخلف بذلك الشرط اللازم للتعديل الدستورى الذى أراده المشرع

ولا يغنى عن ذلك استفتاء شكلى لا يظهر الإرادة الحقيقية للشعب بدلالة مقاطعة الشعب لهذا الاستفتاء حتى أن نسبة المشاركين فيه لم تتجاوز 4٪ فى أحسن الأحول رغم ما شاب إجراءاته من تزييف.

ولا شك أن الرئيس المخلوع لم يكن فى مقدوره وحده أن يرتكب كل هذه الجرائم وغيرها مما عجزنا عن حصره، بل ساهم معه فى ارتكابها – بطبيعة الحال - أعوان حكمه،  نائبه ووزراء حكوماته المتعاقبة منذ عام 81 وحتى خلعه فى 11 فبراير سنة 2011، إذ أبى كل هؤلاء أن يلتزموا بواجبهم الدستورى باعتبارهم شركاء فاعلين معه فى وضع السياسة العامة للدولة وفى تنفيذها، وارتضوا أن يكونوا مجرد سكرتارية له يؤمرون فيطيعون، وفى القليل يظهرون موافقتهم على سياساته الحكيمة دائماً باعتباره الحكيم والعبقرى والملهم، وتوجيهاته دائماً كانت أوامر حسبما بان فى الإعلام من تصريحاتهم ومواقفهم فى مواضع عدة، ولم نر أى منهم يعترض يوماً على إتيانه الأفعال والسياسات التى أدت إلى خراب مصر السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وتقزيم دورها العالمى والاقليمى، وارتهان قرارها لدى أمريكا والغرب، بما أهدر أمنها القومى فى الداخل والخارج وعرّض استقلالها وسيادتها واقتصادها للخطر حينا، بل والضرر المحقق أحياناً، وهم فى القليل سكتوا على هذه السياسات، وأذل حرصُهم على مقاعدهم، والامتيازات التى يحصلون عليها بغير وجه حق أعناقهم فلم يجرؤ أحدهم على إعلان استقالته، رغم كل هذه الملمات والنوازل التى حاقت بالوطن من جراء هذه السياسات، وكان يتعين عليهم احتراماً للشعب وإرضاء للضمير – إن كان - أن يفعلوا ذلك اقتداء بوزراء أجلاء سبقوهم أدوا واجبهم بشرف وأمانة، وسجل لهم التاريخ موقفهم حين آثروا الاستقالة على الاشتراك فى مسرحية الحكم الهزلية التى أضرت بالعباد والبلاد على النحو آنف البيان مثل الأستاذ الدكتور محمد حلمى مراد وزير التعليم الأسبق فى وزارة الرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله، ووزيرا الخارجية المحترمان إسماعيل فهمى ومحمد إبراهيم كامل فى عهد الرئيس السادات.

ولا شك أيضاً أن جرائم الرئيس المخلوع لم تكن لتتم لولا مساهمة رئيس مجلسي الشعب والشورى "الدكتور فتحي سرور وصفوت الشريف" ودروهما الكبير المعروف فى خدمة النظام السابق وسياساته من مواقعهما الرسمية فضلاً عن قيادات الحزب الحاكم من الصف الأول على الأقل وهم أمين عام الحزب وأعضاء الأمانة العامة وأمناء المحافظات، ولجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، ثم رئيس الديوان زكريا عزمى وسكرتيرى الرئيس  للمعلومات الدكتور أسامة الباز والدكتور مصطى الفقى بالإضافة  إلى رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف المسماة بالقومية الذين روجوا لجرائم الرئيس المخلوع وساعدوه فى إتمامها باقلامهم ودعاياتهم حسبما يظهره أرشيف صحفهم المملوكة للشعب. ومن هؤلاء نذكر الصحفيين إبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، وسمير رجب، وأسامة سرايا، وإبراهيم سعده، وصلاح منتصر ومجدى الدقاق وممتاز القط، ومحمد على إبراهيم ومن أعضاء السلطة التنفيذية نذكر:

أولاً:  اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، وكانا من أعمدة النظام وأقرب رجال مبارك إلى قلبه، فقد اختار أولهما لقيادة جهاز المخابرات العسكرية لعدة سنوات ثم لقيادة جهاز المخابرات العامة لما يقرب من عشرين عاماً، أما الثاني فهو رفيق السلاح وقد ولاه وزارة الطيران المدني، وكلاهما اللذان وقع عليهما الاختيار لمحالة إنقاذ نظامه من ثورة عارمة انفجرت فى وجهه حين عين الأول نائباً له وعين الثاني رئيساً للوزراء وذلك قبل أيام من خلعهم جميعاً. وأخيراً كشف النائب المحترم "عصام سلطان" عن فساد الثاني حين باع أكثر من أربعين ألف متر مربع من أراضي الدولة فى أجمل بقعة على البحيرات المره بقروش معدودة لكل من جمال وعلاء مبارك ولدى الرئيس المخلوع.

ثانياً:الدكتور كمال الجنزوري والدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف وكانوا رؤساء حكومات سابقين.

ثالثاً:الوزراء حبيب العدلي وعمرو موسى وأحمد أبو الغيط ويوسف بطرس غالى، ويوسف والى وأمين أباظة وأحمد المغربي وزهير جرانة، وممدوح مرعى، وعلى الدين هلال، وأنس الفقى، ومفيد شهاب وفايزة أبو النجا.

ولما كانت قواعد الاشتراك المنصوص عليها فى قانون العقوبات تسرى أيضاً - بناء على المادة الثامنة من القانون – على الجرائم التى تقع بالمخالفة لنصوص القوانين الجنائية الخاصة، ولما كان القانون 247 سنة 56 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية لا تمنع نصوصه من معاقبة الشريك فى الجرائم الواردة فيه، وكان الشركاء المذكورون قد اشتركوا فى الجرائم المنسوبة للمتهم محمد حسنى مبارك بكل صور الاشتراك الواردة فى المادة 40 من قانون العقوبات وهى الاتفاق والتحريض والمساعدة فى الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكابها، وإذ كانت المادة 41 من قانون العقوبات قد نصت على أن من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها، وقد وقعت هذه الجرائم بناء على تحقق صور الاشتراك المشار إليها والمنسوبة للمتهمين الشركاء سالفى الذكر وهو ما يستوجب - وحال ثبوت صحة الاتهام ونسبته إليهم - معاقبتهم بمقتضى هذه المواد فضلاً عن مواد التأثيم.

ولا يفوتنا فى النهاية أن نبين أن الطريق الخاص فى تحريك الدعوى الجنائية ضد رئيس الجمهورية والوزراء لا يحول دون اتباع الطريق العادى فى الجرائم التى تقع منهم لأن القانون الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية رقم 247 لسنة 56 والقانون الخاص بمحاكمة الوزراء رقم 79 لسنة 58  أو أى قانون آخر قد جاءوا خلواً من أى نص بإفراد المحكمة الخاصة المبينة فى القانونين الأولين دون غيرها بالأختصاص ولائياً بنظر الجرائم التى يرتكبونها أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، ومن ثم فإن محاكمة هؤلاء عما يقع منهم من جرائم سواء تلك التى يجرمها القانون العام أو تلك المنصوص عليها فى هذين القانونين، تختص بها أصلاً المحاكم العادية بحسبانها صاحبة الولاية العامة، أما المحكمة الخاصة التى نص عليها فيهما، فإنها تشاركها اختصاصها دون أن تسلبها إياه "نقض

21 يونيه 79 مجموعة أحكام النقض س 30 ص 722 رقم 153، ومن ناحية أخرى، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق الخاص يقتصر على حالة شغل رئيس الجمهورية

أو الوزير منصبه وقت تحريك الدعوى ضده إذ العبرة بتوليه المنصب وقت تحريك الدعوى الجنائية. لما كان ذلك وكانت المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء هى محكمة استثنائية من حيث الإجراءات والمحاكمة، فإن هذا الاستثناء – حده – أن يكون رئيس الجمهورية شاغلاً لمنصبه وكذلك الوزير أما إذا ترك منصبه سقط هذا الاستثناء وبات الأصل العام هو السارى على إجراءات التحقيق والمحاكمة على سند من التاصيل السابق بسطه لمحكمة النقض. بما مفاده أنه فى كل الأحوال فإن النيابة العامة

أو قاضى التحقيق والمحاكم العادية يختصون بإجراء التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية ومحاكمة المتهمين فى هذا البلاغ سواء من ترك منهم منصبه أو مازال يشغل هذا المنصب طالما لم يتم تحريك الدعوى الجنائية قَبَلَه من قبل.

ولا شك أن محاكمة المتهمين أمام المحاكم العادية يضمن لهم محاكمة عادلة ومنصفة لأنها تتشكل بكاملها من قضاه مهنيين تتوافر فيهم ضمانات الكفاية والتخصص فى العمل القضائى والتفرغ له والانقطاع لفرائضه ومحصنين بعدم القابلية للعزل، ويتحقق لهم مقتضيات الحيدة والاستقلال – خلافاً لتشكيل المحكمة الخاصة الذى يضم سياسيين قد يكونوا حزبيين تترك انتماءاتهم الحزبية بصمات واضحة على عقائدهم وأفكارهم السياسية، فتتأثر أحكامهم بالنزاعات السياسية والصراعات الحزبية، والقضاء صرح أساسه الحيدة والتجرد والموضوعية.

بنـاء عليــه

          لما كانت النيابة العامة باعتبارها الأمين على الدعوى الجنائية تحقيقاً واتهاماً، فإن المبلغين يرفعون إليها هذا البلاغ لاتخاذ ما أوجبه القانون بشأن الجرائم محل البلاغ، آملين تأكيد ثقة الشعب من جديد فى منصب النائب العام الحامى للشرعية المتمثلة فى مبدأ المساواة، فجميع الناس أمام القانون والقضاء سواء، فلا فاضل ولا مفضول، لا فرق بين قوى وضعيف وغنى وفقير وشريف ومشروف وحاكم ومحكوم، وقد أعلن رسولنا الأمين هذه الحقيقة صلوات الله وسلامه عليه منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، حين تدخل أشراف قريش ليمنعوا حدا عن شريفة سرقت قائلاً: "إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

          وفى مرضه الأخير قال صلوات الله وسلامه عليه من على المنبر "أيها الناس، من كنت قد جلدت له ظهرا، فهذا ظهرى فاليستقد منه، ومن كنت قد شتمت له عرضا، فهذا عرضى فاليستقد منه، ومن أخذت له مالا فهذا مالى فاليأخذ منه، ولا يخشى الشحناء من قَبَلِى فإنها ليست من شأنى، إلا أن أحبكم إلى من أخذ منى حقا إن كان له أو حللنى، فلقيت ربى وأنا طيب النفس".



[1] بوابة الاستثمار، الموقع الرسمى،

http://www.investment.gov.eg/ar/EconomicIndicators/Pages/invind.aspx

[2] علماً بأن حظر البيع كان مفروضاً على شركات التأمين بينما لم يكن مفروضاً على الشركة القابضة فقامت الشركات بالبيع قبل الطرح بيوم واحد للشركة القابضة التى تمكّنت بشكل يبدو قانونياً من اختراق حظر البيع وحققت مكاسب طائلة بينما تضرر لهذا المستثمرون الجدد.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية