تطلق الجزائر غداً الخميس نسختها من «الربيع العربى» مع فتح الأبواب لاستقبال المقترعين فى الانتخابات التشريعية بعد إصلاحات سياسية مثيرة للجدل أقرتها السلطة لتفادى انتقال حالة الانتفاضات الثورية إلى البلاد.
وطلب الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة من الناخبين تلبية نداء الاقتراع، نكاية فيما اعتبره «التربص الأجنبى»، وحتى لا تتحول الجزائر إلى «ميدان تحرير»، فى إشارة لما يراه من حالة عدم الاستقرار فى مصر والدول العربية، التى عاشت «الربيع العربى».
وحذر بوتفليقة فى كلمة بمناسبة الذكرى الـ67 لمجازر 8 مايو 1945 على يد فرنسا من الدعوات لمقاطعة الانتخابات، داعيا المواطنين للتحلى باليقظة والحرص الشديد وعدم تفويت فرصة «التغيير السلمى»، الذى سيتحقق بفضل المشاركة فى الانتخابات. وتشير تقارير إلى احتمالات كبيرة لمقاطعة الاقتراع، تصل إلى 80%، وشهدت انتخابات 2007 أكبر نسبة عزوف عن المشاركة، بلغت 64%، سببها التزوير المستمر منذ 1989. ووعد بوتفليقة فى تصريحات نقلتها صحيفة «النهار» الجزائرية بتسليم الشباب القيادة ونفى وجود أى رغبة لديه فى ولاية رابعة 2014، قائلا: «جيلى انتهى دوره فى تسيير البلاد».
وتتوجه الأنظار فى الماراثون البرلمانى إلى مشاركة الإسلاميين، الذين يأملون أن يحكموا قبضتهم على السلطة لتكتمل سيطرتهم على حكومات دول المغرب العربى بأكمله. وتشارك 7 أحزاب إسلامية فى الانتخابات، منها 3 رئيسية متحالفة فى قائمة موحدة تحت اسم «الجزائر الخضراء». وتستحوذ حركة مجتمع السلم «حمس» أحد أقطاب هذا التحالف، على 4 وزراء فى الحكومة رغم مغادرتها التحالف الرئاسى مع جبهة التحرير والتجمع الوطنى الديمقراطى فى يناير الماضى. وتوقّع أبوجرة سلطانى، رئيس الحركة التى تمثل (الإخوان المسلمون) «الفوز بالضربة القاضية»، مشيراً إلى أن المرتبة الثانية ستعود إلى حزب تقليدى، فى إشارة إلى حزب جبهة التحرير الحاكمة. وقال أبوجرة: «نحن نتجهز لتشكيل الحكومة، ونتباحث فى تفصيلها، ومع من نتحالف فى المرحلة المقبلة». وهذا الاعتقاد بالفوز ترسخ أيضا لدى بقية قوى «الجزائر الخضراء» حيث أعلن الأمين العام لحركة النهضة الجزائرية فاتح ربيعى، أحد أقطاب التكتل، أنه «بصدد بحث تشكيل الحكومة المقبلة، لأن كل المعطيات والمؤشرات على الأرض تؤكد أن التكتل سيحتل المرتبة الأولى فى حال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة».
ويبقى فوز الإسلاميين باكتساح احتمالاً بعيداً نظراً للعدد الهائل من الأحزاب المشاركة وعددها 44 حزباً، منها 21 حزباً جديدا فى الانتخابات للتنافس على 462 مقعداً، هى إجمالى مقاعد البرلمان ولكن أغلب المراقبين يتفقون على أن الاحتمال الأكثر توقعا هو تحقيق الإسلاميين الأكثرية دون الحصول على الأغلبية، فقد أظهر استطلاع نشرته صحيفة «الشروق» الجزائرية أن الأحزاب الإسلامية ستحصل على أكثر من 60% من أصوات الناخبين، فيما قد تتراجع «جبهة التحرير الوطنى»، التى تعد أكبر أحزاب البرلمان المنتهى إلى المركز الثالث.
وفيما يهدد الانشقاق «جبهة التحرير»، الحزب الواحد مع استقلال الجزائر فى 1962، الذى واصل سيطرته على جميع أجهزة الدولة حتى بعد إقرار التعددية فى 1989، وتخشى السلطة فى الجزائر من أن تكون الانتخابات العامل المحفز الذى ينقل الاضطراب الشعبى من الدول المجاورة، حيث حاولت السلطات احتواء رياح الربيع العربى بالترويج لنسختها الخاصة التى تفضل التحول المنظم على الثورة، حيث رفع التليفزيون الرسمى شعارا انتخابيا يبثه فى إعلانات متكررة يقول: «ربيعنا الجزائر». وكان إلغاء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التى حصدت فيها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» غالبية الأصوات فى التسعينيات من القرن الماضى، أدى إلى اندلاع حرب أهلية أسفرت عن سقوط نحو 200 ألف قتيل.
ومنع البرلمان الجزائرى الجبهة من العمل السياسى بعد إقراره تعديلات دستورية وسط «طلاق» للإخوان المسلمين والسلطة فى الجزائر، بعد خروجهم من تحالف الأغلبية الحاكمة بسبب ما اعتبروه التفافاً حول قوانين الإصلاح السياسى، فيما اعتبرت قيادات ليبرالية أن النظام الحاكم فى الجزائر يحاول الالتفاف على الإصلاحات والانتخابات لمواجهة المد الثورى فى الربيع العربى. ووسط هذا الجدل حذرت أصوات إعلامية وصحفية مثل أوعاد الدسوقى مما اعتبرتها «غزوة الصناديق»، فى إشارة للانتخابات الجزائرية والتصارع عليها بين الإسلاميين وجبهة التحرير، وقالت فى مقال: «بدأت غزوة الصناديق تأتى بثمارها المسمومة لوطن يحتضر تحت وطأة أحذية المتصارعين». ويعود مصطلح غزوة الصناديق للشيخ محمد حسين يعقوب عندما علق على إقرار التعديلات الدستورية المصرية فى مارس 2011.