أكد سامح عاشور، نقيب المحامين، رئيس المجلس الاستشارى، أن مسؤولية ما حدث فى ميدان العباسية، الأربعاء الماضى، تقع على جميع الأطراف، العسكر والإخوان والأحزاب، فالمجلس العسكرى قصر فى حماية المعتصمين، أما الباقون فقد استغلوا الأزمة للمزايدة وإشعال الفتن.
وقال «عاشور» فى حواره مع «المصرى اليوم»: إن الغرض من إثارة الأزمة إلهاء الجميع عن كتابة الدستور، حتى يتمكن الإخوان من الهيمنة على الجمعية التأسيسية، فيضعونا نصاً يقضى باستمرار البرلمان حتى نهاية مدته، حيث إن القواعد الأساسية تنص على حل البرلمان بمجرد وضع الدستور الجديد، وهو ما لا يريدونه.. وإلى نص الحوار:
■ ما تقييمك للمشهد الدامى الذى شهده ميدان العباسية، ودلالاته السياسية؟
- هذه حالة من الفوضى غير المبررة، سواء من الطرف المعتصم، أو المجلس العسكرى، إذ ليست هناك مبررات واقعية للاعتصام أمام وزارة الدفاع، كما أن صمت العسكرى حيال ما حدث غير مبرر أيضا، ونحن بلا شك ندفع فاتورة من قالوا «الانتخابات أولاً» ظنا منهم أن هذا سيقصر الفترة الانتقالية، لكن الجميع تأكد الآن بما لا يدع مجالا للشك، أن تأخر وضع الدستور تسبب فى الأحداث الدامية التى نعيشها الآن، وأطال الفترة الانتقالية، وتسبب فى خسائر ضخمة للوطن.
■ ما رأيك فى قرار مقاطعة الإخوان وبعض الأحزاب الاجتماع الذى عقده المجلس العسكرى للتوافق حول الجمعية التأسيسية للدستور؟
- هذه مزايدة سياسية، واستغلال لما يحدث من أجل أغراض انتخابية، فلا يعقل أن أحزابا لها دور فعال فى السياسة تلجأ إلى الهروب من المسؤولية، بدلاً من مقابلة المجلس العسكرى ومواجهته بأخطائه للوصول إلى حل.
■ دم من سقطوا فى أحداث العباسية فى رقبة من؟ وما رأيك فيما يشاع عن وجود أطراف خارجية تتولى قتل المعتصمين؟
- فى رقبة جميع الأطراف، المجلس العسكرى، بسوء إدارته للبلاد، وتقصيره فى التعامل مع الأزمة، والأحزاب السياسية التى زايدت على الحدث وزادته اشتعالا، أما ما قيل حول أن كتائب القسام وحماس لهم يد فيما يجرى، فهذه شماعة لا أكثر، ومثيرو الفتنة موجودون فى مصر، ولا حاجة بنا إلى استيرادهم من الخارج.
■ ما مصلحة الأحزاب فى إشعال الفتنة؟
- حزب الحرية والعدالة والإخوان يريدون إلهاءنا عن كتابة الدستور واستهلاك الوقت قدر الإمكان، فكلما قاربت المرحلة الانتقالية على الانتهاء ظهرت أزمة جديدة تعيدنا إلى نقطة الصفر، لنكتشف فى النهاية أن المرحلة الانتقالية قد انتهت ولم نشكل بعد اللجنة التأسيسية ولم نضع دستوراً للبلاد ولم نضع خطة للخروج بها من أزماتها الطاحنة، فإما السيطرة على اللجنة التأسيسية للدستور والهيمنة على وضعه، وإما الفوضى.
■ ما مصلحة الإخوان فى السيطرة على الدستور؟
- يسعون لوضع نص يجعلهم باقين فى البرلمان حتى انتهاء الدورة البرلمانية بالكامل، لأنه بمجرد وضع الدستور الجديد، فلابد من حل مجلس الشعب، وهذه هى الأسباب الخفية وراء رغبتهم فى الهيمنة على الجمعية التأسيسية.
■ ما الرأى القانونى فى ضم عدد من نواب البرلمان إلى الجمعية بصفتهم الحزبية، لا البرلمانية؟
- هذا تحايل واضح على حكم المحكمة، ويعنى أن أعيد سعد الكتاتنى إلى الجمعية لكن هذه المرة بصفته عضواً فى حزب الحرية والعدالة، ولا يوجد اجتهاد فى الحكم، فهو واضح ولا يصح للناخبين من أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين أن يختاروا من أنفسهم، لأنهم غير مفوضين طبقاً للإعلان الدستورى بأن ينتخبوا أنفسهم، لكنهم مفوضون بالانتخاب فقط، فلو انتخبوا فرداً من داخل المجلس، فمن حق أى شخص أن يقدم صفحة طعن واحدة إلى محكمة القضاء الإدارى، ويأخذ حكما لصالحه، ويتم وقف التشكيل، وخصوصاً أن القرار لم يعد قرارا سياديا، أو قرارا للبرلمان، وأعتقد أن أى عاقل لابد أن يتبع مصلحة البلد، لا مصلحته، فمصلحة الفرد أحيانا تسيطر على عقله.
■ لو انتهت الستة أشهر المحددة للجمعية، هل من حق المجلس العسكرى تشكيلها؟
- بالطبع، فهذه المأمورية محددة الزمان، وإن لم تشكل الجمعية فى الوقت المحدد، ففى يد المجلس العسكرى أن يضع إعلانا دستوريا جديدا، أو يضع دستورا بإجراءات جديدة، وفى النهاية، فإن صاحب التفويض الدستورى الذى قضى بتشكيل الجمعية هو المجلس العسكري، والمادة 60 من الإعلان الدستورى تمثل إرادته، وهى بالتأكيد مادة ناقصة ومعيبة، وتسببت فى كل هذه الإشكاليات، والأغلبية فى البرلمان تنفذ إرادة المجلس العسكرى، لكنهم يعودون للقول إنه لا تحكم للعسكر فى الدستور، ولابد للمجلس العسكرى أن يحسم الأمر، ويصدر إعلاناً دستورياً ثانياً، ويضع المعايير التى تحدد كيفية اختيار الجمعية التأسيسية لتنتهى الأزمة.
■ لماذا لا يريد المجلس العسكرى الإقدام على مثل هذه الخطوة؟
- لا أعرف، فإذا كان المجلس العسكرى يروق له ما يراه الآن، فهو قد باعنا للإخوان، وحساباته خاطئة بالقطع، وتسبب فى كارثة كبرى، وإذا كان الأمر غير ذلك، فستكون كارثة أيضاً، لأننا مقبلون على أزمة طاحنة، ويجب الوصول إلى حل سريع وحاسم عن طريق وضع إعلان دستورى جديد.
■ بعد الجدل حول اختيار أعضاء الجمعية، هل تعتقد أن الأزمة ستطول وضع الدستور أيضاً؟
- لا أعتقد، فإذا وضعت ضوابط صحيحة، بحيث لا تكون الغلبة فى التصويت على البنود لتيار معين، وتنوعت التيارات داخل الجمعية، بحيث لا يكون لأحد كتلة تمكنه من التصويت برقم (50% +1)، فلن تكون هناك مشكلة.
■ أين دور المجلس الاستشارى فى كل ما يحدث؟
- نحن أول من وضعنا معايير اختيار الجمعية التأسيسية وطالبنا المجلس العسكرى بإقرارها، وأول من رفض الجمعية بتشكيلها السابق الذى حكمت المحكمة ببطلانه.
■ ما تعليقك على الإشكالية المتعلقة بحل البرلمان، والاتهامات المتبادلة بين «الكتاتنى» و«الجنزورى» بهذا الشأن؟
- حتى الآن، لم تحدد جلسات للنظر فى حل المجلس من عدمه، وغير صحيح ما قيل عن تحديد المحكمة الدستورية يوم 6 مايو، للنظر فى القضية، وما يثير الغيظ هو أن «الجنزورى» قال إنه سيحل المجلس، فهل يملك ذلك؟ بالتأكيد لا، كذلك القول بسحب الثقة من الحكومة، رغم أن مجلس الشعب لا يملك هذا أيضا، وفى النهاية فنحن أمام حالة تحرش سياسى، المقصود بها إلهاء الناس عن القضايا الرئيسية، ولنبدأ من أصل المسألة، ونتساءل: لماذا يصر الإخوان المسلمين على إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة لكى تستمر شهرين، وربما أقل، بعد إعلان المجلس العسكرى تسليم السلطة فور فوز أحد المرشحين فى الجولة الأولى؟ وما الضرر من استمرار حكومة «الجنزورى» لمدة قصيرة، وبعدها ننتقل إلى رئاسة وحكومة جديدتين؟ هذا اختلاق للأزمات، من أجل استنفار الرأى العام، وهنا أتساءل: هل الهدف من هذا التحرش السياسى، ألا يتكلم أحد عن الجمعية التأسيسية؟ فالإخوان تحدوا الرأى العام والناس وشكلوا جمعية برئاسة «الكتاتنى»، فكيف لرئيس السلطة التشريعية أن يضع الدستور الذى ينظم علاقته بباقى السلطات؟ ثم حكمت المحكمة ببطلان التشكيل، وعندما عادوا قرروا خلق قضايا فرعية تنسينا الموضوع الأساسى، وقريب من ذلك تصريح خيرت الشاطر «لا دستور قبل الرئاسة»، إذن فهم فى الأصل اتخذوا القرار بذلك، ووجدنا المليونيات تخرج من أجل المطالبة بتسليم السلطة، رغم أن المجلس العسكرى تعهد بتسليمها، كل ذلك يحدث من أجل إلهائنا عن الدستور، بدليل أنه لم تخرج مليونية واحدة تنادى بوضع الدستور للخروج بالبلد من أزماته.
■ يقول البعض إن ما يحدث الآن بمثابة انتقام من المجلس العسكرى بعد استبعاد خيرت الشاطر من انتخابات الرئاسة؟
- المجلس العسكرى هو الذى عفا عن «الشاطر»، فلماذا فعل ذلك، أعتقد أنها مجاملة للرجل، فلماذا إذن يتصور البعض أن المجلس العسكرى أراد استبعاده، هؤلاء الناس لديهم أغلبية فى البرلمان ويريدون أن يحتفظوا بها الى آخر مدى، لكى يظلوا أصحاب السيطرة الوحيدة، لحين انتهاء انتخابات الرئاسة، ويكون الرئيس معلقاً من رأسه أمامهم، وسيقولون له وقتها «ليس هناك دستور»، وأعتقد أن الرئيس القادم سيعانى من الإخوان معاناة كبيرة.
■ ماذا لو كان الرئيس منهم؟
- وقتها سيجلس فى المنزل، وسيتولى المرشد العام إدارة البلاد، فعندما أعلن عن انتخابات مجلس الشعب تنبأت بأن هناك صراعا سيحدث بين مجلس الشعب والمجلس العسكرى بعد انتخابهم، وسيقولون له نحن أصحاب الشرعية الوحيدة، وأنت المعّين، أما الصراع القادم فسيكون مع الرئيس المنتخب الذى سيكون إما منطويا تحت لوائهم، أو ستنشب معارك بين الجانبين.
■ لننتقل إلى ملف آخر، ما آخر تطورات الوضع بالنسبة للمحامى أحمد الجيزاوى المحتجز فى السعودية؟
- فى البداية، وصول معلومات متضاربة حول الأمر، ثم صدر بيان السفير المصرى فى الرياض، وبيان الجالية المصرية هناك، وكلها أكدت أن سبب ضبطه، هو حيازته حبوبا ممنوعة، حسب ما زُعِم، لكننا لا نستطيع أن نصدق ما تقوله السلطات السعودية بشكل مطلق، أو نصدق معلومات أخرى، وقررنا كمجلس نقابة أن نوفد ٤ أعضاء للوقوف على حقيقة الأمر، ودخل هؤلاء الزملاء السعودية، وفى ذات الوقت، وكلت مكتب عزام خوج، وهو مكتب محاماة سعودى فى جدة، ليتولى الشأن القانونى فى القضية، لكى نعرف هل ارتكب جريمة أم لا، لكنه برىء حتى تثبت إدانته، وإذا ثبتت تلك الإدانة فسوف نتخذ قرارات حيال المسألة برمتها، لكنه محام مقيد فى النقابة، وتعاونا معه لأن سمعته جيدة كمحام ومهنى، وليس معروفا عنه أى سلوك مشين إطلاقاً.
■ لو وجدت أن الإجراءات سليمة، فكيف تتحقق من كون القضية ملفقة من الجانب السعودى أم لا؟
- نحن كمحامين نملك القدرة على اكتشاف تلك الألاعيب، لكن لقاء المتهم نفسه هو الذى سيرجح الأمور إما يميناً أو يساراً.
■ لو حدث وتمت محاكمته، هل يمكن تسليمه إلى مصر؟
- عندما كان لأمريكا متهمون فى قضية التمويل الأجنبى، قامت الدنيا ولم تقعد إلا عندما استردت أولادها، هذا منطق الدولة القوية، ونحن نريد لمصر أن تصبح دولة قوية، وتسترد أبناءها بهذه الطريقة، أو بنفس الحماس، لكن هذا ليس معناه، إذا ثبتت عليه الجريمة، أن نتركه، بالعكس فمن مظاهر القوة أن تحاكم الدولة المخطئ من أبنائها.
■ ما ردك على تصريحات السفير السعودى بأن لدى مصر ٧ محتجزين فى قضايا مخدرات ومع ذلك لم نتظاهر أمام السفارة المصرية بالسعودية؟
- هناك مصريون يتم الحكم عليهم فى السعودية، ولا أحد يعرف عنهم شيئاً، لأنه ليس هناك التباس.. أما حالة «الجيزاوى» فهى مختلفة، فبعد القبض عليه بأسبوع، طالعونا بأسباب غير التى تم القبض عليه بشأنها، هذا هو ما أثار الشك والريبة، فلو أن السلطات السعودية كانت أعلنت أنها ألقت القبض على شاب أثناء دخوله المملكة لأنه يحوز مخدرات، لما ثار الشعب المصرى، لكن ما حدث أنها أعلنت ذلك بعد أسبوع من الاحتجاج والاستنكار لما أثير من أسباب القبض عليه، والعقوبة المقدم بشأنها إلى التحقيق، وهى الجلد، كل هذه عناصر جعلت الناس مستفزة، وهناك مئات من المصريين فى السعودية متهمون فى جرائم عادية ولم يحزن أحد، لكن هذه المرة بدا الأمر وكأنه استهداف للمصريين، والاحتجاج ليس به انتهاك لأحد، لكن الإساءة للسعودية هى التى لا نقبلها، لأنها بلد شقيق.
■ لكن هناك علامات استفهام كثيرة حول القضية؟
- نعم، فقضية العمالة تثار كل يوم، واعتبار نظام الكفيل شكلاً من أشكال العبودية أمر مطروح للنقاش منذ فترة، وهل لاحتجاز «الجيزاوى» علاقه بمواقفه الدفاعية عن العمالة المصرية بالسعودية؟ عموماً، لا أريد الخوض فى التفاصيل الآن، لأنه لا يوجد لدى معلومات كافية وسوف نأتى بالقضية والدعوى المرفوعة من «الجيزاوى» وسنسأل الوفد المصرى المصاحب له حول الكثير من التفاصيل، لأنه لم يذهب بمفرده.
■ ما تعليقك على الجدل القانونى بشأن عودة أحمد شفيق لسباق الرئاسة؟
- إذا كانت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، رأت أن قانون «العزل السياسى» غير دستورى، فلماذا أحالته إذن للمحكمة الدستورية العليا، مادامت واثقة من عدم دستوريته، الصحيح أن تطبق اللجنة القانون حتى وإن كان خطأ، فهذا أفضل سياسياً وقانونياً، لكن موقف اللجنة غريب، والقول إنها لجنة قضائية عليا، ومن حقها أن تحيل القانون للمحكمة «فزلكة» فوق الاختصاص والإعلان الدستورى، واللجنة أثارت الريبة من غير داع، ولا هدف حقيقى.
■ كسياسى هل تعتقد أن لجنة الانتخابات الرئاسية مستقلة تماماً؟
- كانت مستقلة لحين ظهور موضوع المستشار عبدالمعز إبراهيم الذى كشف لنا أن هناك فرداً غير مستقل.
■ هل تعتقد أن الانتخابات ستكون نزيهة؟
- لا طبعاً، وتفاهم اللجنة مع المجلس العسكرى ليس فى صالح المجلس، وإن كنت أشك أن هناك تفاهماً بينهما بشأن أحمد شفيق.. فلابد من استخدام العقل والمنطق، فالرجل أصلا ليس لديه أى فرصة فى الفوز، ولا أعتقد أن هناك شخصاً يفهم فى لعبة الانتخابات يقول إن «شفيق» سيكون حتى فى مربع المنافسة، لذا فإن الحديث عن تدعيم المجلس العسكرى له كلام غير منطقى.
■ فى النهاية.. مصر إلى أين؟
- إلى فوضى أكثر، لو لم يتحمل المجلس العسكرى مسؤولياته بحسم فى هذه اللحظة، فعندما ينتاب البلاد اضطراب وحالة من عدم الفهم، فلابد أن يتدخل المجلس العسكرى لكى يحسم الأمر، لأنه رئيس الدولة، وعليه أن يقوم بدوره بإصدار إعلان دستورى جديد وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، إضافة إلى فض الاعتصامات، وهناك أساليب متعارف عليها عالمياً فى فض الاعتصام، تستخدم فيها القوة المقبولة، كما هى الحال فى الدول المتحضرة، فهناك دائماً حل ثالث بين التراخى وإطلاق النار، لأن كليهما مرفوض بشدة.