فيما يمثل تقاطعا مع المناخ الثورى الذى يخيم على مصر وإرهاصاته المبكرة جاء العرض المسرحى «المحروسة 2015» للكاتب المسرحى الراحل سعد الدين وهبة، الذى يعرض على مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية، وبين النص والعرض نقف على تداعيات الخصخصة والتطبيع على المسار السياسى والاقتصادى والزراعى، فهناك خبير زراعى إسرائيلى اسمه ليفى (سعيد عبد النعيم) يصل إلى المحروسة لينفذ برنامجه الزراعى، بالاتفاق مع الحكومة المصرية، ووفق هذا البرنامج التآمرى ينصح أهل القرية بالتوقف عن زراعة القمح والأرز، لأنها تضر بالسياسة الزراعية وتصيب الفلاحين بالأمراض كالبلهارسيا، ونصحهم بزراعة (السحلب والمغات)!
وأنه سيقدم قروضا مجزية لمن يلتزمون، ولأنه يحتاج إلى آلة دعائية تهلل له وتروج لأفكاره فكان عباس (الفنان أنسى الجندى) الذى قدم أداء احترافيا أضفى مساحات تنفس كوميدية على النص الجاد، ويمنح «ليفى» الفلاحين سلفا مغرية، ويظهر مهندس زراعى وطنى- جسده ماجد الهجرسى باقتدار فى دور قصير محورى- ويكتشف مساحات كبيرة مزروعة بالخشخاش والأفيون ويخاطب الجهات المسؤولة ويشكو للنيابة، فينتهى الأمر بإيداعه مصحة عقلية ليستمر التواطؤ الذى يمثله رئيس مجلس القرية والمأمور (الفنان أحمد خليل) وغطرسة الجهاز الأمنى القمعى وتبعيته للخبير «ليفى»، ووزيرة الثقافة «إليس» وغيرهم .
ويلعب الرمز دورا محركا فـ«رشوان» (الميت) زوج «صابحة» يبدو وكأنه رديف للزعيم عبدالناصر، وتحرص أرملته «صابحة» (الفنانة عزة السيد التى كانت نجمة العرض بحق بأدائها المميز) على مواصلة رسالته وتزور قبره لتبثه مخاوفها مما يحيط بالمحروسة وتجدد ذكراه لشباب القرية ومنهم علوان (الفنان سعيد العمروسى) الفقير الذى يقضى حياته سفرا بحثا عن رزق أفضل، فإذا به يكون ضحية (الكفيل) أو الاعتقال فى دولة شقيقة أو يرسل جثث المصريين من العراق الذين شاركوا فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويضطره ما يلاقيه من هوان إلى السفر لإسرائيل، وهناك يكتشف المخطط الإسرائيلى ضد مصر والعرب، ويعود خائبا ويزور مقبرة معلمه «رشوان» ويبكى ما حدث له ويبدى ندمه .
ويظهر الضابط الوطنى «سعيد» (الفنان محمد عزت) الذى يكشف لـ«صابحة» و«علوان» عن هويته حيث إنه سليل أسرة وطنية، وكان سعيد يقف حائلا دون اضطهاد الخبير الإسرائيلى للفلاحين، كما أبلغ عن زراعات الخشخاش والأفيون فإذا به يتعرض للتنكيل من جهات عليا، أما الشيخ «صبح» (الفنان مدحت العتال) فهو يمثل شخصية رجل الدين الذى يوظف شعار الدين لخدمة السلطة بل والخبير الإسرائيلى فى آية قرآنية «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، أما مدرس التاريخ (مصطفى سند) فإنه ينتبه لتحريف التاريخ فى المنهج التعليمى، والذى جاء فيه أن اليهود هم بناة الأهرامات، ويستنهض الضابط و«صابحة» و«علوان» أهالى القرية الذين يقفون بأجسادهم متحدين الصلف الإسرائيلى فى مشهد ثورى ساخن افتقد لأغنية تعمقه، وقد سار العرض وفق المعطيات المسرحية البريختية، حيث التقشف فى الديكور وكسر الحواجز المسرحية مع تحقق التدفق الحدثى، وخاصة بعد معالجة المخرج المتميز عبد المقصود غنيم، ومن الأدوار المميزة الأخرى عصام بدوى فى دور «مرزوق»، وعلى درويش فى دور منادى القرية، والفنان الكبير محمد رمزى فى دور الخبير الأمريكى وفؤاد أحمد فى دور «إسماعيل» وجوهرة محمد فى دور الداية وروميل صالح فى دور الفلاح إبراهيم، وبسيونى محمد فى دور الفلاح «بسيونى» وقد حظى العرض بإقبال جماهيرى كبير.