توب قماش ومقص وماكينة خياطة.. هى أدوات بدأ بعض تجار السوق السوداء، منذ بداية انتشار فيروس كورونا، يستخدمونها لتصنيع الكمامات فى أماكن غير مرخصة، ويقدمون منتجًا غير مطابق للمواصفات الطبية، وهو ما كشفت عنه أكثر من واقعة ضبطتها أجهزة الأمن والرقابة الادارية.
ويبدأ التاجر باستئجار شقة سكنية أو محل أو غرفة أو مخزن فى منطقة نائية، بمساعدة بعض العاملين لتنفيذ جريمته؛ ثم يحضر لهم أدوات تصنيع «الكمامات المغشوشة».
يطلق التاجر على المكان «مصنع»، ويقسم العمل بين أشخاص يتولون إحضار «توب القماش»، وآخرين يتولون تقطيعه باستخدام المقص، وغيرهم يجلسون على «ماكينه الخياطة» لتنفيذ كمامة طبق الأصل، وأخيرًا من يضع لها «أستيك» فى الجانبين، وخلال ساعات قليلة يتمكنون من تصنيع آلاف الكمامات، ويتولى صاحب المصنع توزيعها فى السوق السوداء، وبيعها للمواطنين باعتبارها كمامة طبية، لوقايتهم من الإصابة بالفيروس.
عقب الانتهاء من التصنيع، يعتمد التجار على طريقتين، الأولى هى بيع الإنتاج إلى التجار ودورهم بيع الكمامات المغشوشة فى السوق، والثانية عبر استئجارهم بعض الشباب والأطفال، بأجر يومى، ونشرهم فى الشوارع وأمام محطات المترو، والأماكن المزدحمة.
وتواجه الدولة هذه العمليات، وتمكنت من ضبطت عدد كبير منهم فى الفترة الأخيرة، من خلال حملات وزارة الداخلية اليومية على المصانع غير المرخصة، المتخصصة فى تصنيع الكمامات غير مطابقة للمواصفات الطبية، كما تمكنت من ضبط مليون و100 ألف كمامة، خلال أسبوع فى 8 محافظات؛ منها الجيزة، وتمكنت أجهزة الأمن من ضبط مليون و37 ألف كمامة غير صالحة للاستخدام الطبى فى منطقتى أبوالنمرس والحوامدية، وضبط مالكى المصانع.
ففى إحدى ضواحى محافظة الجيزة، وتحديدًا منطقة الحوامدية، قام مالك مصنع بتصنيع كمامات طبية غير مطابقة للمواصفات القياسية، باستخدام خامات مجهولة المصدر وطرحها للبيع فى الأسواق بأسعار تفوق سعرها الأصلى، مدخلاً الغش على المواطنين بقصد تحقيق أرباح غير مشروعة.
وفى أبوالنمرس، خصصت مالكة مصنع بدون ترخيص ورشتها لتصنيع 50 ألف كمامة غير مطابقة للمواصفات، وطرحتها للبيع فى الأسواق بأسعار تفوق سعرها الأصلى.
وفى الإسكندرية، حول مالك مصنع ملابس فى منطقة العامرية، مصنعه إلى مكان مخصص لتصنيع الكمامات المغشوشة، مستخدماً خامات ومستلزمات إنتاج مجهولة المصدر، داخل المصنع وهو غير مستوف للاشتراطات الصحية الواجب توافرها فى أماكن تصنيع المستلزمات الطبية، وتم ضبط 6500 كمامة بحوزته.
وقال اللواء الدكتور راضى عبدالمعطى، رئيس جهاز حماية المستهلك، إن الجهاز يشن حملات يومية، بالتنسيق مع أجهزة الأمن والتفتيش الصيدلى والأجهزة المعنية، تقوم بشكل يومى بضبط ورش تصنيع الكمامات المغشوشة غير المطابقة للمواصفات الطبية، لضبط الأسواق، وحماية المواطنين من جشع تجار السوق السوداء واستغلالهم أزمة فيروس كورونا.
وأضاف «عبدالمعطى» أن الجهاز خصص غرفة عمليات لتلقى شكاوى المواطنين، الخاصة بأى ممارسات سلبية، والتعامل معها بشكل فورى، مشيرا إلى أن هناك فرق عمل فى شوارع المحافظات لضبط الأسواق، وضبط تجار السوق السوداء، الذين يصنعون كمامات غير مطابقة للمواصفات، مؤكدًا ضبط أكثر من مليون كمامة مغشوشة فى عدد كبير من المحافظات.
وقال اللواء فؤاد علام، الخبير الأمنى: «فى ظل الظرف الاستثنائى، الذى نعيشه خلال الفترة الحالية بسبب فيروس كورونا، يجب على مجلس النواب استصدار قوانين تشدد العقوبات على التجار المستغلين الأزمة التى يواجهها العالم، كما يجب أن تكون هناك إجراءات استثنائية ومحاكمات عاجلة ورادعة لهؤلاء التجار، ليكونوا عبرة لغيرهم، لتجنب تكرار هذا الفعل، لأن الغش جريمة فيما يتعلق بالوضع الصحى الذى يعيشه العالم فى الفترة الحالية».
وأوضح «علام»: يجب على النيابات والمحاكم أن تأخذ إجراءات حاسمة فيما يخص الفاسدين الذين يتاجرون فى المرض، ويعرضون الوطن للخطر، مع مساندة الإعلام لهذا التوجه، للخروج من تلك الأزمة بشكل سريع.
وقال اللواء مجدى البسيونى، الخبير الأمنى، إن ما تقوم به وزارة الداخلية فى عمليات ضبط مصنعى الكمامات المغشوشة هو جزء من دورها فى محاربة ضعاف النفوس، الذين يستغلون الكوارث والأزمات فى التربح، فى حين أن الدولة تحارب فيروسًا أرهب العالم أجمع، وعلى رأسه الدول الكبرى.
وأضاف «البسيونى» أن الدولة قدمت ما فى وسعها، لمحاصرة الفيروس، وقلصت العمالة المتوافدة على المؤسسات والشركات، من خلال الإجازات، وتقليل المصانع العاملة، وفرض حظر التجوال ليلًا، لكن هناك دور مهم للمواطن فى محاصرة الفيروس، عبر مساندته الشعبية للدولة فى مواجهة التجار الفاسدين، الذين يقومون بتصنيع الكمامات المغشوشة، والإبلاغ عن أى شخص يقوم بهذا الفعل، لأن هذا الدور يمثل مساندة للوطن.
فى سياق متصل حذر أطباء متخصصون، المواطنين من شراء «كمامات» من أماكن غير رسمية، لا يعرف مصدرها،
أو مكونات تصنيعها، لأنها غير مطابقة للمواصفات الطبية، ولا تمنع الفيروسات، لكنها فقط تكتفى بمنع الأتربة، مؤكدين أن المواطن لا يمكنه معرفة الفرق بين الأصلية من غيرها، وهذا دور أجهزة وزارة الصحة وأجهزة الدولة.
وقال الدكتور عصام عبدالحميد، القائم بأعمال نقيب الصيادلة، إن الكمامات المطابقة للمواصفات، من المفترض أن تكون مكونة من 3 طبقات حتى لا ينتقل عن طريقها الميكروب أو الفيروس، وفقًا للمواصفات الطبية المقررة لها.
وأضاف «عبدالحميد» أنه بسبب أزمة انتشار فيروس كورونا، وظهور عجز كبير فى الكمامات لدى الصيدليات، وارتفاع أسعارها، بدأت ظاهرة تصنيعها بشكل غير مطابق للمواصفات فى الظهور، ما دفع المواطنين لشراء كمامات غير مطابقة للمواصفات الطبية، لعدم معرفتهم بجهة تصنيعها، وظنهم أنهم فى مأمن من الفيروس، وهو غير صحيح.
وتابع «عبدالحميد»: المواطن لا يمكنه التفريق بين الكمامات الأصلية والمقلدة، وهذا هو دور أجهزة الرقابة، بشأن متابعة الأسواق، وأماكن بيع الكمامات خارج الصيدليات، مشيرا إلى أن سعر علبة الكمامات وصل إلى 60 جنيها وكانت تباع بـ20 جنيها، وأخرى بلغت 300 جنيه للعلبة وكانت تباع بـ60 جنيها، والنوع الأفضل بلغ 1500 جنيه.
وأوضح «عبدالحميد» أن النقابة تتولى متابعة 80 ألف صيدلية بشكل مستمر، فى ظل نقص الكمامات، ورفع الشركات الحكومية للأسعار، على الرغم من أن مكوناتها محلية، قائلًا «لما الشركات الحكومية بترفع الأسعار، التجار هاتعمل إيه فى الناس؟.. فيه صيدليات بطلت تجيب كمامات».
وحذر القائم بأعمال نقيب الصيادلة المواطنين، من شراء الكمامات من شركات غير معلومة، أو عن طريق الإنترنت، وأن يحصلوا عليها من الشركات الكبرى المصنعة، من خلال مراكز التوزيع.
وقال الدكتور إيهاب طاهر، أمين عام نقابة الأطباء، إن الكمامات المغشوشة غير مفيدة للمواطنين، ولا تمنع عنهم أضرار الإصابة بالفيروسات، مؤكدًا أنها غير مطابقة للمواصفات الطبية.
وأضاف، لـ«المصرى اليوم»، أن المواطن الذى يقوم بشراء الكمامات غير الصالحة موهوم بأنه محصن من الإصابة بالفيروسات، لذلك هى غير مفيدة لهم، مشددًا على ضرورة أن يقوموا بشراء الكمامات من أماكن رسمية سواء كانت صيدليات أو منافذ بيع القوات المسلحة والإنتاج الحربى.
وتابع أن المواطن العادى لا يستطيع التفريق ما بين الكمامة الأصلية والمغشوشة، والأصلية منها مخصص بها 3 طبقات، لمنع مرور الميكروبات والفيروسات، بينما المغشوشة لم تقس درجة كفاءتها، وتوهم المواطن أنه محصن من الإصابة ويتعامل مع الآخرين بشكل طبيعى، مما يعرضهم للعدوى، ويعتمد تجار السوق السوداء على تقطيع «توب قماش» فقط ووضع «أستك» به ومن ثم بيعها فى للمواطنين.
وقال الدكتور هانى الناظر، أستاذ الأمراض الجلدية، رئيس المركز القومى للبحوث سابقا، إن الكمامات المصنعة فى المصانع غير المرخصة، غير مطابقة للمواصفات الطبية، نظرا لتصنيعها خارج المنظومة الصحية، ودون مراقبة أو ترخيص من وزارة الصحة.
وأضاف «الناظر» أن الكمامات المغشوشة تمثل خطورة شديدة على من يرتديها، أكثر من الشخص الذى لا يرتدى كمامة، لأنه يعتقد أنه آمن لكنه فى الحقيقة عرضة للإصابة، لافتا إلى أن المواطن لا يعرف الفرق بين الكمامات المطابقة للمواصفات من غيرها، لأنه ليس دوره، بل دور الأجهزة الرقابية بوزارة الصحة وأجهزة الدولة، لذا يجب على المواطن أن يشترى المستلزمات الطبية من الأماكن الرسمية والصيدليات والشركات الكبرى.
وأشار «الناظر» إلى أن تصنيع الكمامات بطريقة غير مطابقة للمواصفات يعتبر جريمة لأن ضررها مباشر على من يستخدمها، ولأن التاجر يغش المواطن فى صحته، حيث يبيع له وهم الوقاية من الإصابة، على عكس الحقيقة.