وصف خبراء سياسيون استدعاء السفير السعودي من القاهرة بأنه «بالون اختبار» من النظام السعودي، لمحاولة استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين والتي شهدت توترا مكتوما منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويرى الخبراء أن توقيت هذه الخطوة التصعيدية في ظل حالة الاضطراب التي تعيشها مصر يهدف لتوصيل رسالة غضب من النظام السعودي للشعب المصري، وإعلان بانتهاء عهد «دبلوماسية مراعاة الخواطر» التي كانت متبعة بين البلدين، يذهب البعض إلى القول بأنها رسالة للتأثير على الناخب المصري مع انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية.
ويرى الدكتور معتز سلامة، رئيس وحدة دراسات الخليج العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن قرار الرياض سحب السفير السعودي من القاهرة له جانبان رئيسيان أولهما يتعلق بالداخل السعودي والثاني بالداخل المصري.
ويوضّح سلامة أنه «على صعيد الداخل السعودي فإن خروج الشارع المصري عبر محاولات اقتحام السفارة وإهانة النظام السعودي سيؤديان لخلق ردود فعل على صعيد الشارع السعودي وبالتالي تصرفت المملكة بالتصعيد، عبر سحب السفير للتقليل من الضغوط الشعبية المحتملة في السعودية ومحاولة حفظ مكانة السعودية والأسرة الحاكمة والعائلة».
وعلى صعيد الداخل المصري، لا يستبعد سلامة أن يكون قرار سحب السفير محاولة من الرياض للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر، وأوضح الخبير المتخصص في العلاقات الخليجية وجهة نظره بأن «السعودية عبر سحب السفير تريد توصيل رسالة تحذير للناخب المصري من اختيار أشخاص يكون لهم وجهة نظر مغايرة لما استقر في العلاقات المصرية السعودية، وهذه الرسالة توضح للجانب المصري مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصر جراء ذلك الاختيار».
ويحذر معتز سلامة من جانب آخر أسماه «اللعب بالنار» من قبل بعض الجماعات والقوى على الساحة السياسية، لمحاولة استغلال العلاقات السعودية المصرية لتحقيق مكاسب مرحلية مع الانطلاق الوشيك للحملة الانتخابية الرئاسية، لافتا النظر إلى وجود 2 مليون مصري يعملون في السعودية يدرون دخلا سنويا بمليارات الجنيهات.
وعن مستقبل العلاقات المصرية السعودية في ظل سحب السفير السعودي، يتوقع سلامة أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي لأن العلاقات بين البلدين استراتيجية ولن يؤثر فيها شخص أو حدث مرحلي إلا إذا كان القائمون على الأمور في مصر لا يعون هذه الحقيقية، حيث إن للسعودية استثمارات بالمليارات وآلاف المواطنين السعوديين يتواجدون بشكل شبه دائم في مصر لأغراض سياحية وتجارية واقتصادية، وبخلاف الجوانب الاقتصادية فإن العلاقات بين البلدين تتعلق بحفظ الأمن القومي لكليهما.
ويحمل رئيس وحدة دراسات الخليج، المؤسسات السياسية في مصر مسؤولية تردي العلاقات بين البلدين، لأن رعونتها في توضيح الحقائق وحماية السفارة بقوة لأنها مسألة أمن قومي أدت إلى تسييس قضية المحامي المصري أحمد الجيزاوي، وتحولها لقضية رأي عام ويبدو وكأن الشارع يريد إعلان الحرب على السعودية.
ولمحاولة حل تلك الأزمة يطالب معتز سلامة بضرورة أن تتدخل المؤسسات للتعامل مع الأزمة وليس الشارع، وأن يتم توضيح الجوانب الفنية والقانونية في قضية الجيزاوي وكل مصري معتقل في السعودية بحيث إذا كان مدانا يعاقب وإذا كان غير ذلك يتم إطلاق سراحه.
وفي هذا السياق يحذر سلامة من محاولة الإساءة للسعودية بترديد عبارات مثل أنها ترعى الفلول أو أنها تخشى الثورة المصرية، معتبرا أن ثورة 25 يناير لم تتحول حتى لنموذج يحتذى يخشى النظام السعودي من تصديره إليه، كما أن الحديث عن إعادة الكرامة للمواطن المصري في الخارج والتي أهدرها النظام السابق يجب معالجته بحكمة عبر المؤسسات الرسمية وليس بتخريب العلاقات المصرية السعودية.
وبدوره يرى سامح راشد، الخبير في الشؤون العربية، مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، أن أزمة الجيزاوي وما تبعها من سحب السفير السعودي هي بالون اختبار سعودي لـ«مصر الثورة» وكيف ستكون العلاقة بين البلدين في ظل الثورة المصرية، خاصة أن هذه العلاقة تشهد توترا مكتوما بسبب العلاقات التي كانت تربط النظام السعودي بالرئيس السابق حسني مبارك.
ويوضح أن هذا البالون يهدف لكشف توجهات تجاه العلاقات مع الرياض بجانب توجيه رسالة ضغط على النظام: الطرفين المجلس العسكري والبرلمان، باعتبارهما السلطة الحاكمة في مصر، حيث يرى راشد أن من المفهوم وفق البروتوكول الدبلوماسي أن سحب السفير يعتبر تصعيدا في التوتر بين دولتين، وبالتالي فإن دلالة هذه الخطوة تعني تعبيرا عن الغضب السعودي من بعض الإهانات التي كانت توجهها بعض القوى والشخصيات في الشارع المصري.
والرسالة الأخرى التي توجهها بسحب السفير هي أن العلاقات بين البلدين لم تعد بالدفء المعهود في عهد مبارك وأن أي تجاوز أو اساءة سيتم الرد عليه وفق القواعد السياسية والدبلوماسية المتبعة وليس وفق دبلوماسية «مراعاة الخواطر» التي كانت متبعة في عهد نظام مبارك.
من جانبه، حذر الدكتور عمر الحسن، رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، من أن تتضرر العلاقات بين القاهرة والرياض وأي خلاف عربي عربي يصب في مصلحة إسرائيل وإيران في المنطقة.
ولفت إلى التحديات الأمنية التي يواجهها الخليج من قبل طهران، وفي هذا السياق ينظر لمصر على أنها راعي الأمن في الخليج، والتوتر بين مصر والسعودية بالتأكيد سيصب في مصلحة طهران ويضر الأمن القومي العربي.
وشدد الحسن على أن مصر والسعودية كلاهما يحتاجان لبعضهما البعض لأن استقرار مصر يصب في صالح الأمن القومي العربي والخليجي، ولهذا أعلنت الرياض في بداية الثورة المصرية عن دعم الاقتصاد المصري بأكثر من 3 مليارات دولار، ولكن تدهور الأوضاع في مصر وغياب الأمن والمؤسسات وعدم استقرارها أدى لعدم وصول هذا الدعم.