بنبرة قوية وهادئة، وقدرة على التحوّل من شخصية رجل الدولة ذي الهيبة إلى صورة المواطن البسيط القريب من رجل الشارع، استطاع عمرو موسى أن يحتل مكانه في صدارة مرشحي الرئاسة في أعقاب الثورة، التي أطاحت بالنظام الذي خدم في ظله.
يشارك هذا السياسي المخضرم، ذو الأعوام الستة والسبعين، في سباق يسعى من خلاله لتجديد صورته والترويج لاسمه كأحد مُساندي الثورة، ولكن لم يتبيّن حتى الآن ما إذا كان سينجح في إقناع الناس بمنهجه «الإصلاحي» قبل أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في مايو المقبل لاختيار رئيسهم الجديد.
البداية: مسيرة سياسية ودبلوماسية
بدأ موسى مسيرته المهنية في وزارة الخارجية عام 1958، وارتقى المناصب بشكل سريع، كما مثّل مصر في عدة دول قبل أن يصبح مندوبًا دائمًا لمصر في الأمم المتحدة عام1990.
عُيّن وزيرًا للخارجية المصرية في 1991، واحتفظ بالمنصب لعشر سنوات تنامت فيها شعبيته بشكل هائل، وأسهم خطابُه المعادي لإسرائيل ومعارضته العلنية لتوسّعها النووي في تزايد تلك الشعبية بصورة جزئية، كما اشتهر موسى بنجاحه في تنمية العلاقات المصرية الأوروبية.
في 2001 تولّى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ليشغل المنصب لعشر سنوات أخرى. ويؤمن كثيرون أن الرئيس السابق، حسني مبارك، رتَّب لإبعاد «موسى» عن السياسات الداخلية «خوفًا من شعبيته المتزايدة».
وعلى مدار السنوات اللاحقة، تمكن «موسى» من الاحتفاظ بالقبول لدى العامة دون استثارة مبارك، وكانت برقية سرية بتاريخ 2006نشرها موقع «ويكيليكس» قد أشارت إلى أن «موسى» خليفة محتمل للرئيس السابق، بالإضافة إلى جمال مبارك ورئيس المخابرات السابق، عمر سليمان، بل إنها وصفت «موسى» بـ«الحصان الأسود» بين هؤلاء المرشحين.
وفي جامعة الدول العربية، اكتسب «موسى» معظم شعبيته من خطابات استهلاكية بعيدة عن تطبيق السياسات العملية، وكانت معارضته المعلنة لإسرائيل -وهي وسيلة سهلة لكسب الرأي العام- مثالا على ذلك النوع من الخطابات، بل إن خطابه الحماسي دفع المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم لمدحه بأغنية قالت كلماتها «بحبّ عمرو موسى.. وبَكرَه إسرائيل».
وكانت صحيفة «اليوم السابع» اليومية المستقلة قد نشرت خطابًا أرسله «موسى» في 1993أثناء عمله وزيرًا للخارجية، عبّر فيه عن موافقته على تصدير الغاز إلى إسرائيل، إلا أن موسى، في أعقاب ثورة يناير، انضم إلى صفوف المعترضين على تصدير الغاز، واصفًا الصفقة بـ«الشراكة الاقتصادية الخاسرة».
واعترف «موسى» بإرساله الخطاب المنشور، إلا أنه أوضح أنه أبدى تأييده لتصدير الغاز لإسرائيل «حتى يتسنَّى تصديره للفلسطينيين».
وإبَّان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 2009، أدلى «موسى» بأحد أبرز خطاباته أثناء مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس»، وأدان فيه العدوان الإسرائيلي والحصار المفروض على القطاع منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية، «حماس»، بالانتخابات التشريعية في 2006.
وقال «موسى» إنه «رغم عدم تأييده لمقاومة فلسطينية مُسلّحة، فإن تلك المقاومة لها ما يبررها في ظل الاحتلال والحصار».
وأنهى «موسى» ذلك الخطاب بقوله إن «العرب، على أعلى المستويات الرسمية، مستعدون للاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، واعتبارها فردًا من عائلة الشرق الأوسط»، وكان ذلك التصريح بعد يوم واحد من وصْفه العدوان على غزة بـ«المجزرة».
التكيُّف مع الثورة
تعامل «موسى» مع الإطاحة بنظام مبارك بالمرونة نفسها، التي أفادته طوال مسيرته المهنية، فمنذ انطلاق حملته الانتخابية في مارس، عمل على فصْل نفسه عن نظام مبارك والترويج لنفسه كأحد منبوذيه ومُقاوميه، وكلما سُئِل عن علاقته بمبارك أشار إلى الخلافات التي أدَّت للصدام بينهما.
كان «موسى» قد وصف، في لقاء تليفزيوني أوائل 2011، السنوات العشر، التي خدم فيها كوزير للخارجية تحت حكم مبارك، بأنها «الأصعب في حياته»، إلا أن ما قاله عن مبارك قبل اندلاع الثورة كان مختلفا تمامًا، فقد ذكر في حوار عام ٢٠١٠مع قناة «دريم» أن علاقة العمل التي تربطه بمبارك تتسم بـ«الإيجابية». بل إنه أبدى استعداده للتصويت لمبارك إذا ترشح لولاية سادسة بصرف النظر عمَّن سينافسه.
ويمكن رصد بداية انتقال «موسى» التدريجي، والمحسوب من موقف المُوالي للنظام إلى المؤيد للثورة، مع فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، من تونس في يناير 2011بعد ثورة شعبية ضد حكمه، حيث ألقى «موسى» خطابًا في القمة الاقتصادية العربية الثانية، التي عُقدت بمدينة شرم الشيخ، إذ أخذ يشير إلى ذاك الخطاب في كل ظهور إعلامي له لاحقًا كدليل على مساندته المبكرة للثورة.
ورغم خلوّ ذلك الخطاب من أيّ نقد لنظام مبارك، تحدَّث «موسى» عن تنامي مشاعر الغضب لدى الشعوب العربية وحاجتهم الماسَّة للإصلاح الاقتصادي لتحسين مستويات معيشتهم. وفي نهاية الخطاب، شكر «موسى» مبارك وحكومته لجهودهم المبذولة في تنظيم المؤتمر.
ومع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، نصَّب «موسى» نفسه ضمن لجنة الحكماء، التي تولت الوساطة بين الثوار والنظام، والتي لم تُحرز سوى القليل من النجاح. وضمنت اللجنة لموسى موقفًا وسطيًّا لا يستدعي تأييد أي طرف قبل وضوح الرؤية.
كان قد أكد في لقاء تليفزيوني سابق أنه «انضم للثوار في ميدان التحرير وقت الهجوم الذي شنه بلطجية النظام السابق في 2فبراير، والذي اشتهر باسم «موقعة الجمل»، إلا أن قناة «روسيا اليوم» كانت قد نقلت عن مكتب «موسى» حينها أنه «توجه للميدان لتهدئة الثوار»، فيما وصف «موسى» «موقعة الجمل» بـ«القشة الأخيرة»، التي جعلته يُدرك «كذب وخداع النظام الحاكم وضرورة رحيله».
ولكن اللقاءات التي أجراها «موسى» حتى السابع من فبراير 2011أظهرت، بالرغم من ذلك، موافقة «موسى» على بقاء الرئيس المخلوع حتى نهاية ولايته في سبتمبر من العام نفسه، وهي الفكرة التي عارضها الثوار بقوة، ثم تراجع «موسى» بعد ذلك عن دعمه لذلك السيناريو، فظهر على قناة «العربية» الإخبارية في اليوم التالي لتنحي مبارك، ليصف الحدث بـ«الفرصة العظيمة» للشعب المصري.
مواقف متقلّبة أثناء الفترة الانتقالية
ومثلما امتنع «موسى» عن انتقاد نظام مبارك أثناء وجوده في السلطة، فقد اتبع النهج الحصيف نفسه مع المجلس العسكري وحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، المسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان.
كان «موسى» جزءًا من ذلك النظام الذي صنَّف جماعة الإخوان بأنها «منظمة محظورة»، فتمسّك في بادئ الأمر بنظرته السلبية للجماعة حتى احتلت 43في المائة من مقاعد البرلمان.
ففي حوار مع مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية في يونيو 2011، طالب «موسى» بإجراء انتخابات الرئاسة قبل البرلمانية، وحذر من أن عدم تنفيذ ذلك سيمكن «الإخوان» من السيطرة على البرلمان، ما «سيؤدي للفوضى»، ولكنه عاد في أعقاب الانتخابات البرلمانية ليصف «الإخوان» بأنها «فصيل وطني»، وعبّر عن استعداده للتعاون معها، وهو ما فسره البعض بأنه محاولة من «موسى» لكسب تأييد الجماعة.
كما بدّل «موسى» من نظرته للنظام السياسي الأمثل لحكم مصر بما يتناسب مع اختيار «الإخوان»، فبعد مناداته بتطبيق نظام حكم رئاسي، أخذ يروِّج للنظام المختلَط، (الرئاسي- البرلماني)، الذي نادت به الجماعة.
وفي أعقاب الصدامات المختلفة بين المتظاهرين وقوات الأمن على مدار عام 2011، والتي خلفت أكثر من مائة ضحية، كان «موسى» يكتفي بالمطالبة بالتحقيق في كل واقعة لتحديد المسؤول عنها، دون أن يتعرَّض بالنقد للمجلس العسكري الحاكم الذي يتحمَّل المسؤولية السياسية عن تلك الأحداث.
كما يعتمد «موسى» رؤية المجلس العسكري، والتي تصنّف المتظاهرين الذين يتعرّضون لهجمات القوات العسكرية، كـ«متمردين» يجب وقفهم، لا كثوار.
استهداف عامة الشعب
ولم يتخلَّ «موسى» عن طموحاته السياسية حتى في أوقات الأزمات، ففي أعقاب الخطاب الذي ألقاه مبارك في الثاني من فبراير عام 2001، والذي أكد فيه أنه لم يكن ينتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة، أعلن «موسى» لقناة «العربية» عزمه خوض المنافسة على المنصب.
ومنذ أعلن «موسى» نيته الترشح رسميًّا في مارس 2011، لم يتوقف عن القيام بزيارات للقرى والمحافظات المصرية للتواصل مع العَوَام، الذين يمثلون كتلة تصويتية هامة، ولكنه لم يسْعَ لاستمالة القوى الثورية، التي تعارض ترشحه باعتباره امتدادًا لنظام مبارك.وتعرّضت العديد من المؤتمرات الانتخابية لموسى لهجوم من قبل من يعتبرونه أحد فلول النظام السابق، وهي الانتقادات التي تمكّن هو بفضل دبلوماسيته ومرونته من امتصاصها.
ويتجنب «موسى» في مؤتمراته ولقاءاته مع وسائل الإعلام الدخول في الخطابات العاطفية التي تمجّد الثوار مثلما يفعل غيره من المرشحين، مُركزًا، بدلا من ذلك، على قضايا مثل تقليص معدلات الفقر، وتطوير التعليم، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ورغم أنه لم يُعطِ تفاصيل عن كيفية تحقيقه لتلك الأهداف، فإن مجرد إظهاره العناية بهموم المواطن العادي أكسبه تقديرًا لدى الكثير من المصريين.
أما فيما يتصل بالمواطنين ميسوري الحال، فقد سوَّق «موسى» لنفسه بينهم كخَيَار عَلماني متاح في مواجهة موجة الأسلمة المتصاعدة، وذلك دون أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع القوى الإسلامية.
ويرى مؤيدو «موسى» أن خبرته الواسعة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي تفوق غيره من المنافسين، بما يجعله، في نظرهم، الوحيد القادر على إدارة البلاد في تلك المرحلة الفارقة.
كما يفصل مؤيدوه بينه وبين النظام السابق، واصفين إيَّاه بأنه كان أحد الإصلاحيين داخل هذا النظام.
ويحظى «موسى»، بشكل عام، بصورة رجل الدولة القوي الذي تمكن من البقاء بعد سقوط نظام مبارك الفاسد، ولكن ارتباط اسمه بذلك النظام البائد يُفسد عليه تاريخه، أما مواقفه الغامضة -وهي نتاج لمسيرته الدبلوماسية الطويلة- فقد جنَّبته معارك الاستقطاب الدائرة من حوله.
مترجم عن إيچبت إندبندنت
www.egyptindependent.com