أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرهما النهائى لرصد التغطية الإعلامية خلال المرحلة الانتقالية. ويأتى التقرير لإعلان نتيجة الرصد والتغطية الإعلامية على مدار سبعة أشهر، وعقب سلسلة تقارير شهرية تحتوى على دراسات مسحية لعينة، تم اختيارها من وسائل الإعلام المختلفة لرصد التناول الإعلامى لثلاثة من أهم الأطراف الفاعلة فى الشارع المصرى بعد الثورة وهى «الساحة السياسية والانتخابات، والنظام القضائى، والمجلس العسكرى».
وضمت العينة، التى تم اختيارها للرصد 5 صحف هى: «الأهرام والأخبار والمصرى اليوم والشروق والوفد»، و3 برامج تليفزيونية هى «بلدنا بالمصرى والعاشرة مساء ومباشر من مصر» و4 مواقع إلكترونية هى «اليوم السابع وبوابة الأهرام ومصراوى والبديل».
ويكشف التقرير النهائى الذى يقع فى 140 صفحة، أن الساحة الإعلامية فى مصر بها إعلاميون أحرار، وليس إعلاما حرا. فهناك أفراد يعملون فى إطار تقييدى للإعلام، يستخدم ضدهم نفس قوانين وسياسات الرئيس المخلوع فى التعامل مع المؤسسات الإعلامية.
فبينما كان الإعلاميون والصحفيون يتوقعون تغييرات جذرية فى المناخ الذى يعملون فيه إلا أن المفاجأة كانت استمرار نفس النمط القديم. وبقراءة ما حدث يتضح أن الثورة جاءت لتؤكد على ثنائية طالما حكمت الصحافة والإعلام المصرى قبل الثورة تتمثل فى أننا أمام حرية منقوصة يقود محاولة زيادة مساحتها إعلاميون وصحفيون أحرار فى مناخ وصحافة وإعلام غير حر.
واستمر طابع تعامل الإعلام مع السلطة السياسية كما كان قبل ثورة 25يناير، إلى حد بعيد. فبعد تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد حتى تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة، جاءت معالجة الإعلام المملوك للدولة، للأخبار والقضايا التى تتحدث عن المجلس متشابهة مع الطريقة التى كان يتم التعامل بها مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك. بينما اتخذت وسائل الإعلام الخاصة مواقف من السلطة الحالية مشابهة لتلك التى اتخذتها من السلطة السابقة، حيث حرصت على إثارة التساؤلات والانتقادات جنبا إلى جنب مع تأييد المواقف والقرارات التى يراها أغلب المصريين صائبة.
وكانت صحيفة الأخبار الأكثر تأييدا للمجلس العسكرى، سواء فى طريقة نقل الأخبار والحرص على فرد مساحات للأخبار والرؤى المؤيدة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو فى اختيار مقالات الرأى التى تتخذ فى معظمها موقفا مساندا وداعما للمجلس. بينما كان موقع البديل وبرنامج «بلدنا بالمصرى» الأكثر انتقادا للسلطة، ممثلة فى المجلس العسكرى.
وخلال فترة الرصد كانت التغطية تميل بالأساس للحديث عن المجلس العسكرى ككيان واحد، ويختلف الأفراد الذين يبرزون كممثلين فرديين للمجلس بين شهر وآخر فى طريقة، اعتبرها كثيرون «تبادلا للأدوار» بين أعضاء المجلس وممثليهم من «الخبراء الاستراتيجيين»، فكلما غضب الرأى العام من شخص ما اختفى ليظهر بديلا له خلال المرحلة التالية.
وأما بالنسبة لملف القضاء، فقد استمر الإعلام، خاصة المملوك للدولة، فى التعامل بحساسية كبيرة مع ملف القضاء، وكان يميل فى أغلب الأوقات لعدم عرض الآراء التى تتناول بالنقد مؤسسة القضاء، وهو ما توافق مع التوجه الرسمى للمجلس العسكرى الذى حذر مرارا وتكرارا من الحديث عن انتقاد القضاء المصرى أو المطالبة بتطهيره.
وفى ظل محاولات وضع دستور جديد للبلاد والاتجاه لتقليص الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية ومناقشة العلاقة بين السلطات كان الهدف من رصد التناول الإعلامى للسلطة القضائية فى مصر تقييم مدى فاعلية التغطية الإعلامية لملف القضاء ومرفق العدالة.
وخلال فترة الرصد التى استمرت قرابة سبعة أشهر، لم تقدم الوسائل الإعلامية الكثير من المعلومات الدقيقة حول القضايا الأكثر أهمية المتعلقة على سبيل المثال بتطهير القضاء من الفساد فى هذا القطاع المهم والمؤثر فى بناء الجمهورية الثانية ودولة العدل والقانون التى طالبت بها الثورة المصرية. واقتصرت التغطيات على مقتطفات متناثرة من تصريحات هنا وهناك دون عمل صحفى استقصائى.
وكان السائد فى كل الوسائل الإعلامية الاهتمام بفرد مساحات لتغطية القضاء وعلى وجه الخصوص قضايا الفساد المنظورة أمام المحاكم لرموز وبقايا النظام السابق. وكان النصيب الأكبر من التغطية يقدم للجمهور والقراء فى صورة أخبار وتقارير إخبارية، بينما لم يتم بوضوح فتح قضايا جدلية أو البدء فى حملات إعلامية للدفاع عن أو رفض أى من تلك القضايا الجدلية والتى يمكن وصفها بـ«الجوهرية» لاستقلال القضاء، كما هو الحال فى قضية عزل النائب العام والذى برز خلال مطالبات للمتظاهرين فى ميدان التحرير وباقى ميادين مصر، أو كما هو الحال مع المحاكمات العسكرية التى تم تقديم الآلاف من المدنيين أمامها، أغلبهم بتهم البلطجة والاعتداء على رجال الشرطة. وهو الملف الذى لم يتبناه من بين العينة سوى موقع «البديل» وبرنامج «بلدنا بالمصرى».
أما بالنسبة لرصد التغطية الإعلامية للانتخابات والساحة السياسية كمؤشر مهم على توجهات إعلام ما بعد الثورة المصرية، فقد كشفت النتائج المتتالية وملاحظات الراصدين، انعكاس الاضطراب وعدم وضوح الرؤية السياسية على الإعلام المصرى خاصة خلال الشهرين الأولين من الرصد. حيث ظل الإعلام فى مصر يعانى تخبطا شديدا، كما لم تتح له الفرصة والوقت لوضع آلية للتعامل مع المرحلة الانتقالية المضطربة التى قد تطول.
وأما بالنسبة لمرشحى الرئاسة فى الصحف، فجاء الأمين السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فى مقدمة التغطية الصحفية يليه الدكتور محمد سليم العوا ثم الدكتور محمد البرادعى وبعده الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. وفى المواقع اختلف الترتيب نسبيا حيث حظى عمرو موسى بالاهتمام فى تغطية المواقع الإخبارية محل الرصد، يليه الدكتور محمد البرادعى ثم محمد سليم العوا، وفى الترتيب الرابع من الاهتمام بالمواقع جاء عبدالمنعم أبوالفتوح ثم حمدين صباحى.
وفى البرامج الحوارية تصدر عبدالمنعم أبوالفتوح القائمة، يليه حمدين صباحى وأيمن نور ثم محمد البرادعى وخامسا جاء حازم صلاح أبوإسماعيل.
وبعد الثورة، استمر تجاهل المرأة فى الإعلام وتراوحت نسبتها فى التغطيات المختلفة بين ٣٪ و٤٪ على أفضل تقدير.