x

ذكري جاهين الـ26.. رسم مدينة من الإبداع دون سور لكنه خلد فيه

السبت 21-04-2012 11:53 | كتب: إسلام عبد الوهاب |
تصوير : other

«خرج ابن آدم من العدم، قلت: ياااه، رجع ابن آدم للعدم، قلت: ياااه، تراب بيحيا، وحي بيصير تراب، والأصل هو الموت ولا الحياه؟، وعجبي».

عبارات مقتضبة من فن الرباعيات العجيب للشاعر صلاح جاهين، لكن الأعجب هي مدينة هذا الفنان المليئة بالأغاني، والرسم الكاريكاتوري، والمسرح، وكتابات الطفولة، والفلسفة، والشعر بل وحتى التمثيل، مدينة جديدة للإبداع دون أسوار، لأن «جاهين» يكره الأسوار حتى لو كانت في الجنة.

محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي، الشهير بـ«صلاح جاهين»، لم يصرخ في البداية عند ولادته، وتعثرت أمه في ولادته، وظن الأطباء أنه ولد ميتا، لكنه صرخ لينبأ عن مولد طفل لا يولد كل يوم.

شهد حي شبرا في الخامس وعشرين من ديسمبر عام 1930 ميلاد الطفل، وهنأ الأهالي والده المستشار بهجت حلمي على ميلاد ابنه الأول، وعلي سلامة زوجته أمينة حسن، التي لم تتعثر بعد ذلك في ولادة ثلاث بنات هم بهيجة، وجدان، وسامية. 

طفل هادئ، هكذا عاش طوال حياته، علمته أمه القراءة والكتابة وهو في عمر الثلاث سنوات، لجأ إلى مكتبة جده «أحمد حلمي»، والذي سمى الشارع الشهير في شبرا باسمه.

«ابن بلد مصفى، لم يفسده التعليم أو التثقيف، بل زاده رقة على رقة، حتى جسمه -كما قلت مرة- يشبه بشدق نافخ مزمار بلدي».. هكذا راءه يحيى حقي.

بدأ الرسم في سن الرابعة عشر، حيث كان مدرس الرسم الأستاذ «أرناؤوطى» منح الطلبة حرية الرسم والتعبير، لم يضع لهم قوالب للرسم بل تركهم يخطون بخطوط ويمدحهم، وكان يقرأ عليهم «الكوميديا الإلهية» ويطلب منهم رسوما متخيلة مما قرأ.

التحق بكلية الحقوق ورسب فيها ثلاث سنوات في السنة الأولى، والسبب أن والده أجبره علي الالتحاق بها، لكنه لم يستطع أن يكمل فيها، لم يخلق للقانون، ولا لحفظه، ترك الجامعة وعلى إثرها ترك البيت وسافر إلي غزة، لكنه عاد حين أرسلت إليه والدته تطلب منه ذلك، والتحق بكلية الفنون الجميلة، لكنه لم يكمل دراسته فيها أيضا.

«كلمة سلام».. هذا هو اسم أول ديوان نشره «جاهين» في عام 1955، فيما جاء ديوانه الثاني «موال عشان القنال» عام 1957 وفي نفس العام كتب «الليلة البيرة».

المبدع لا يتقيد بلون واحد في الإبداع، لذا ذاع صيته وقتها كرسام كاريكاتير في مجلة «روز اليوسف»، ثم في مجلة «صباح الخير» التي شارك في تأسيسها عام 1957.

تسببت رسوماته أكثر من مرة في أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتور عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه، وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة «الأهرام».

وأجرى معه المدعي العام الاشتراكي تحقيقا بسبب كاريكاتير انتقد فيه تقريراً حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة، ووُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة، لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.

«كان هرما من الفن، وذلك لأن صلاح جاهين شخصية لا يمكن أن تتكرر فى الشعر، أو الرسم، أو الأغنية».. هكذا رآه سيد مكاوي.

مثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 مرحلة النضج الشعري عند «جاهين»، والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه «الرباعيات» عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه «قصاقيص ورق».

وخلال تلك الفترة كتب «جاهين» أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين، على رأسهم «عبد الحليم حافظ»، مثل «صورة»، و«بالأحضان»، و«والله زمان يا سلاحي»، الذى اتُخذ النشيد الوطني المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

كوّن جماعة «محبى ضوء القمر» عام 1961، كما قدم العديد من المسرحيات مثل «القاهرة في ألف عام»، وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات.

قام بالترجمة والإعداد مسرحيا لبعض المسرحيات الأجنبية، مثل «الإنسان الطيب» و«دائرة الطباشير القوقازية» للأديب الألماني «بريخت».

قدم أعمال متميزة للأطفال، مثل مسرحيات «الفيل النونو الغلباوي»، و«الشاطر حسن»، و«صحصح لما ينجح»، و«حمار شهاب الدين»، والعديد من الأغاني والصور الغنائية للأطفال.

قال عنه الفنان «سعد أردش» كان صلاح جاهين متعدد المواهب، لديه إحساس رائع بالموسيقى، استطاع تبسيط تجارب المسرح العالمي لتلائم جماهيره المصرية.

انضم صلاح جاهين في مارس 1964 لأسرة جريدة «الأهرام» ليكمل مسيرته فيها، ونال وسام الفنون في عيد العلم عام 1965، غير أن النكسة أصابت «جاهين» بالاكتئاب، ولازمه حتى وفاته.

وخلال هذه الفترة، توقف عن كتابة الأغاني الوطنية، حيث اعتبر نفسه مشاركا في الهزيمة بأغانيه وأشعاره شديدة التفاؤل والحماس للثورة ولزعيمها جمال عبد الناصر.

كتب من وحي حرب الاستنزاف «الدرس انتهى» بعد الهجوم الإسرائيلي على مدرسة «بحر البقر»، و«عناوين جرانين المستقبل» إثر الهجوم الإسرائيلي على مصنع «أبو زعبل» ثم توقف عن الكتابة فترة طويلة كتب بعدها «المصريين أهمه» وكانت آخر أعماله الوطنية.

«من باب الفضول» كما يقول «جاهين» نفسه في إحدى الحوارات التلفزيونية له، طرق باب السينما والتلفزيون، فقدم للسينما سيناريوهات أفلام «خلى بالك من زوزو»، و«أميرة حبى أنا»، و«عودة الابن الضال»، و«شفيقة ومتولى».

 وكان أبرز ما قدم للتلفزيون سيناريو وحوار مسلسل «هو وهى»، وفوازير «الخاطبة» و«عروستى»، واستعراض «الأسانسير»، و«هاشم وروحية».

قام أيضا بالتمثيل في بعض الأفلام، مثل «جميلة بو حريد»، و«اللص والكلاب»، و«شهيدة العشق الإلهي»، و«لا وقت للحب»، وآخرها «المماليك».

وتزوج «جاهين» مرتين، باحثا عن الاستقرار والحب، فتزوج للمرة الأولى من «سوسن محمد زكى»، الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها «بهاء» و«أمينة» جاهين، ثم تزوج من الفنانة القبطية «منى جان قطان» عام 1967 وأنجب منها أصغر أبناءه «سامية».

يقول عنه ابنه «بهاء» الذي يشبهه، إن والده «كان معجون بطين البشرية، كان شديد الحب لكل من حوله، سريع التأثر، حينما يعشق .. يعشق حتى النخاع، وحينما يكره لا يمكن أن يعود لسابق عهده».

رحل «جاهين» عام 1986م في صمت، وترك أسئلة كثيرة حول رحيله وحول حياته، وترك إبداعه في مدينته المتكاملة، والتي مررنا فيها من خارجها فقط، والدخول فيها يصعب حصره.

وقال عنه لويس عوض: «إن صلاح جاهين كان ضميراً عظيماً غير قابل للانقسام».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية