أحياناً ما تتقاطع الحياة الواقعية مع أحداث بعض الأفلام السينمائية، غير المعتمدة على وقائع حقيقية، فتشعر كأن الفيلم الذى تشاهده يمكن أن يحدث على أرض الواقع، أوأنه يحدث بالفعل. ولعل أبرز الأفلام التى يمكنك أن تشعر بهذا وأنت تشاهدها هى الأفلام التى تبنى أحداثها الدرامية على الأحداث السياسية، ومن أشهرها فيلم«Wag the dog»، الذى أنتج عام 1997 من إخراج «بارى ليفنسون»، وبطولة «داستن هوفمان» و«روبرت دى نيرو». وتدور أحداثه حول «فبركة» حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وألبانيا فى أحد استوديوهات هوليوود، من أجل التغطية على فضيحة أخلاقية للرئيس الأمريكى ظهرت قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية بشكل ينهى آماله فى إعادة انتخابه مرة أخرى.
يجسد «دى نيرو» فى الفيلم شخصية «كونراد برين» الذى يمتلك علاقة وثيقة غير محددة بالرئيس الأمريكى وكأنه رجل المهمات الخاصة، يذهب إلى المنتج السينمائى «ستانلى موتس»، الذى يجسد «هوفمان» شخصيته، ويطلب منه أن يقوم بتصوير حرب وهمية تشغل الناخبين عن الفضيحة الأخلاقية للرئيس، من خلال اللعب على وتر الأمن والحشد الوطنى خلف القوات العسكرية للبلاد.
عند مشاهدتك باقى الفيلم يمكنك أن تستدعى من الذاكرة أحداثا واقعية مشابهة لأحداث الفيلم. وآخر تلك التشابهات هى الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التى من المرجح ألا يخرج الفائز بها عن الرئيس الحالى، نيكولا ساركوزى، ومرشح الحزب الاشتراكى، فرانسوا هولاند، حيث يستطيع المتابع أن يجد أوجه تشابه بين ما يحدث فى تلك الانتخابات وبين أحداث الفيلم، بل إن الانتخابات تبدو أكثر درامية، فقبل أن يظهر هولاند فى الصورة كان أبرز مرشحى الحزب الاشتراكى هو مدير صندوق النقد الدولى، دومينيك ستراوس كان، الذى يخرج فجأة من الصورة ومن صندوق النقد على إثر اتهامه بالتحرش بعاملة فى أحد الفنادق فى الولايات المتحدة الأمريكية. يستفيد ساركوزى الذى تربطه علاقات قوية بالولايات المتحدة منذ انتخابه فى 2007 من فضيحة منافسه، ويسقط الادعاء العام فى أمريكا التهمة عن ستراوس، لتضارب أقوال المتهمة، لكن بعد فوات الأوان. بعد خروج ستراوس من الصورة يدفع الحزب الاشتراكى بفرانسوا هولاند الذى يتقدم على ساركوزى فى استطلاعات الرأى. ويبدأ الحديث عن إمكانية سقوط ساركوزى، إلى أن تشهد مدينة تولوز حوادث متكررة لعمليات قتل تشعل العملية الأخيرة فيها، التى قتل خلالها طفلان وحاخام فى مدرسة قلق الفرنسيون، قبل أن تظهر قوات مكافحة الإرهاب فى الصورة، لتضع نهاية منفذ الحوادث، محمد مراح الفرنسى من أصل جزائرى (23 عاما)، ويظهر ساركوزى فى المدينة، مؤديا دوره فى حفظ أمن بلاده أمام الناخبين.
وقبل حوادث تولوز كان هولاند يتصدر غالبية استطلاعات الرأى، باعتباره الرئيس المقبل لفرنسا، لكن الأمور بعد «مراح» تغيرت قليلا، فقد عاد «سوبر ساركوزى»، كما يطلق عليه أحيانا، ليصبح «الرئيس الحامى»، ويتقلص الفارق بين مرشحى الرئاسة فى استطلاعات الرأى. يظل هولاند الأول بنسبة 28.5% وساركوزى الثانى بنسبة 27.5%، ويتقاسم باقى المرشحين بقية الأصوات.
لقب «سوبر ساركوزى» لم يأت من فراغ، ففى أطول حصار فى تاريخ فرنسا قام رجل فى عام 1993 باحتجاز أطفال فى إحدى رياض الأطفال بضاحية «سين نويى سور» الباريسية كرهائن ويقنع ساركوزى، الذى كان رئيسا للبلدية فى ذلك الوقت المهاجم، الذى قتل برصاص الشرطة لاحقا، بإطلاق سراح العديد من الأطفال، ولايزال بإمكانك أن ترى صور ساركوزى وهو يخرج بهم من المدرسة.