x

حسين نصار: التاريخ المصري سلسلة متصلة من الثورات ضد ظلم الحكام

الإثنين 16-04-2012 21:19 | كتب: رويترز |
تصوير : محمود خالد

 

في حين تروج مقولات عما يراه البعض استكانة من المصريين وصمتًا عن ظلم حكامهم، يثبت كاتب مصري بارز أن تاريخ مصر سلسلة ثورات تختلف دوافعها، وإن بعضها أدى إلى قيام دول مستقلة عن دولة الخلافة في العصر العباسي الذي شهد كثيرا من الثورات الحمراء بمصر.


ويقول حسين نصار في كتابه «الثورات الشعبية في مصر الإسلامية» إن كتب التاريخ العامة شوهت تاريخ مصر «كل التشويه» إذ اهتم المؤرخون بتسجيل تاريخ العراق حاضرة الخلافة والأحداث التي هزتها «هزًا عنيفًا» وتجاهلوا تاريخ مصر بدليل إهمال أخبار الدولتين الطولونية والإخشيدية.


والدولة الطولونية «768-934 ميلادية» تأسست على يد أحمد بن طولون الذي أعلن استقلال مصر عن الخلافة العباسية. وبعد سقوط الدولة الطولونية قامت الدولة الإخشيدية على يد محمد بن طغج الإخشيدي واستمرت حتى استيلاء الفاطميين المغاربة على مصر عام 969 ميلادية.


و«نصار» -الذي حقق كتبًا تراثية منها «النجوم الزاهرة في حلي حضرة القاهرة» و«ولاة مصر» و«رحلة ابن جبير»- يرى أن «قيام هاتين الدولتين ثمرة ثورات وحركات يراد بها مقاومة النفوذ العباسي» حيث كانت بعض تلك الثورات حمراء بلون الدماء وبعضها بيضاء يكتفي بمقاومة سلبية تبدأ بالامتناع عن التعاون مع الوالي وتنتهي بالمقاومة القولية ومنها الفكاهة والسخرية.


ويرى المؤلف أن المصريين أجادوا استخدام سلاح المقاومة القولية ولكن المؤرخين أهملوا تسجيل هذا الجانب الذي برع فيه المصريون.


وطرحت الهيئة العامة لقصور الثقافة وهي إحدى مؤسسات وزارة الثقافة المصرية طبعة جديدة من الكتاب تقع في 112 صفحة متوسطة القطع بعد أكثر من عام على «ثورة 25 يناير 2011» التي نجحت بعد 18 يومًا في إنهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك.


ويرى مؤرخون أن مصر «أطول مستعمرة في العالم» إذ خضعت للاحتلال البطلمي عام 332 قبل الميلاد ثم تلاه الاحتلال الروماني الذي أنهاه العرب عام 641 ميلادية وانتهت سلسلة الاحتلال بحكم أسرة محمد علي (1805 -1952) وخلالها جاء الاحتلال البريطاني الذي انتهى عام 1956 تنفيذًا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1954 ليستعيد المصريون بلادهم بعد «احتلال» متصل منذ القرن الرابع قبل الميلاد.


وعقب خلع مبارك في فبراير شباط 2011 تداول مدونون ونشطاء كلاما موروثا ومتضاربا عن مصر منه وصية الحجاج بن يوسف الثقفي لأحد الولاة «لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل... ما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل. ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه. فاتق غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم...»


وفي مقابل ذلك قال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب «إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شيء شيئًا فقال الشقاء أنا لاحق بالبادية وقالت الصحة وأنا معك. وقالت الشجاعة أنا لاحقة بالشام فقالت الفتنة وأنا معك. وقال الخصب وأنا لاحق بمصر فقال الذل وأنا معك».


أما الرحالة ابن بطوطة فوصف أحوال مصر قائلا «يستبد العسكر والشعب يئن تحت وطأة الحكم ولا يهتم الأقوياء بذلك والعجلة تدور».


ولكن «نصار» مؤلف هذا الكتاب يؤرخ لفترة تبدأ من حكم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وتنتهي بالخلافة العباسية.


فيسجل مثلا أنه في الفتنة الكبرى التي قتل فيها الخليفة عثمان كان هوى أهل البصرة في طلحة بن عبيد الله، وأهل الكوفة في الزبير بن العوام، وأهل مصر في علي بن أبي طالب... توجت جهود العلويين في مصر باستيلاء الفاطميين عليها وانتزاعها من الخلافة العباسية وإقامة خلافة شيعية بها وصلت إلى أرقى مدارج الترقي والتحضر. وكان لعلويي مصر فضل كبير في تمهيد الطريق كي يستطيع الفاطميون اقتطاف الثمرة الناضجة التي يراها تتويجًا للثورة الحمراء.


ويوضح أن العلويين المصريين الذين لقوا «فنونا من الاضطهاد» استمروا على هواهم العلوي ولم ينشقوا إلى شيعة وخوارج كما حدث في العراق.


وضمن ما يصنفه المؤلف بالثورات الحمراء يقول إن العامل الاقتصادي دعا المصريين إلى ثورات متعددة منها رفضهم أن يولى آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد واليًا اسمه حسان بن عتاهية على مصر عام 745 ميلادية بدلاً من حفص بن الوليد حيث توجهوا إلى المسجد «ودعوا إلى خلع الخليفة مروان بن محمد وحاصروا حسان في داره ثم أخرجوه من مصر... واتصلوا ببعض الثائرين في فلسطين لتوحيد كلمتهم» ورشح الخليفة واليًا آخر اسمه حنظلة بن صفوان لكنهم رفضوه «وحاربوه فهزم وحينما رأى الخليفة ذلك سكت عنهم... على مضض».


ويقول إن الثورات الاقتصادية كانت سمة في العصر العباسي «فلم يكن يمر عام أو عامين حتى تقوم ثورة» وإن مصر لم تسترح من الثورات الاقتصادية الكبرى إلا في «عهود الاستقلال» في عهد الطولونيين والإخشيديين حيث كان الجند يطلقون شرارة تلك الثورات ثم يلتحق بها الأهالي المسلمون والمسيحيون.


وتحت عنوان «الثورات القبطية» يسجل نصار أن عام 107 هجرية (725 ميلادية) شهد أولى تلك الثورات التي شارك في بعضها المسلمون بسبب زيادة الضرائب ثم توالت الثورات حتى كانت «الثورة الكبيرة» عام 216 هجرية «831 ميلادية» بمشاركة المسلمين والمسيحيين إذ «أعلنوا العصيان... وساروا لمقاتلة أميرهم» وأخرجوه من العاصمة الفسطاط واستفز ذلك الخليفة المأمون الذي جاء على رأس جيش لقتال أهل البشرود أو البشموريين في شمال مصر وهي منطقة مستنقعات لا يعرف طرقها إلا أهلها.


ويضيف أن المأمون «أراد أن يرهب المصريين ويبعد عنهم كل تفكير في ثورة فقسا أشد القسوة على الثائرين فقد حكم عليهم بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال معتبرا إياهم غنيمة حربية» وينقل المؤلف عن المؤرخ المصري ساويرس ابن المقفع قوله «ولما أن نظر المأمون كثرة القتلى أمر العسكر أن يرفع السيف. والذي بقي منهم أسره إلى مدينته بغداد من الرجال والنساء».


ويصف «نصار» تلك الأحداث بأنها «الثورة العارمة التي شملت مصر كلها» ولكن لم يتوفر لها التنظيم والدعم الذي يكفل لها النجاح

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية