بعد ساعات من إعلان متمردى «الطوارق» منطقة «أزواد» شمالى مالى «دولة مستقلة»، فى خطوة أثارت موجة من الرفض الدولى، تعهدت المجموعة العسكرية الانقلابية فى «مالى» بإعادة السلطة إلى المدنيين، فى إطار اتفاق مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» التى هددت باستخدام القوة «لحماية وحدة وسلامة» أراضى البلاد.
قال وزير خارجية بوركينا فاسو، جبريل باسولى، باسم المجموعة، الجمعه: «توصلنا إلى اتفاق سيسمح خلال الساعات والأيام المقبلة بعودة المؤسسات الدستورية». وينص الاتفاق، الذى وقع عليه قائد المجموعة العسكرية أمادو سانوجو فى باماكو، على تولى رئيس الجمعية الوطنية «البرلمان» ديونكوندا تراورى الرئاسة لمرحلة انتقالية، مع رئيس للوزراء وحكومة انتقاليين، على أن تكون مهمة الرئيس الانتقالى هى «تنظيم اقتراع رئاسى خلال المهلة الدستورية المحددة بـ40 يوماً».
وينص الاتفاق على إصدار عفو عن الانقلابيين، كما طلبت «إيكواس» أيضاً حماية الرئيس المخلوع أمادو تومانى تورى، الذى أطاح به الانقلابيون فى 22 مارس. وأعلن «باسولى» أن الرئيس الحالى للمجموعة، رئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، رفع العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التى فرضتها المنظمة على مالى «فوراً» بعد توقيع هذا الاتفاق.
ويأتى الاتفاق بعد ساعات من إعلان المتمردين الطوارق «استقلال أزواد» شمال مالى، فى خطوة عززت الالتباس فى منطقة شاسعة تشمل 3 مناطق إدارية هى كيدال وتمبكتو وجاو، وتهيمن عليها مجموعات إسلامية مسلحة وهى على شفا «كارثة إنسانية» بأكثر من 210 آلاف لاجئ ونازح منذ بدء تمرد «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» منتصف يناير.
وظل «البدو» يحلمون بإقامة وطن صحراوى منذ استقلال مالى عام 1960، لكن جيران مالى يخشون من احتمال أن يشجع إنشاء دولة جديدة الانفصاليين فى مناطق أخرى، كما أن وجود إسلاميين لهم صلة بـ«القاعدة» داخل هذا التمرد يثير مخاوف أوسع من ظهور دولة جديدة تهدد الأمن العالمى.
وقد ساعد الانقلاب بشكل واضح فى انهيار معنويات الجيش المالى أمام المتمردين الطوارق، وهو انهيار بدأ تدريجياً قبل الانقلاب، وتفاقم بعده بشكل أكبر، وقد ساعد على ذلك التفوق الذى أظهره المتمردون الطوارق أنهم أكثر تسليحاً وتكتيكاً من القوات المالية ما مكنهم من السيطرة على إقليم أزواد، الذى يشكل أكثر من نصف مساحة مالى. لكن طوارق «أزواد» مازالوا يجابهون العديد من التحديات، ومن بينها الرفض الدولى والإقليمى.
وفى الوقت الذى يشهد فيه شمال مالى انتشار مجموعات مسلحة، بينها «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» (طوارقية انفصالية)، و«جماعة أنصار الدين» (طوارقية متشددة)، إضافة إلى مسلحين تابعين لـ«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، لا تستبعد مصادر أمنية إقليمية نشوب صراعات بين هذه الجماعات نظراً لاختلاف أجنداتها. فحركات الطوارق الانفصالية تريد الاستقلال، فى حين تطمح الحركات المتشددة إلى «إقامة الشريعة» وتوسيع نفوذها. وقد بدأت نذر الصراع تظهر على السطح، ففى حين أكد القائد العسكرى لـ«أنصار الدين» أنه يخوض حرباً «ضد الاستقلال» و«من أجل الإسلام»، أكدت «الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، أنها مستعدة لمقاتلة تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى فى إطار «شراكة دولية».
وتواجه المنطقة أيضاً وضعاً إنسانياً متدهوراً، حيث حذرت منظمة العفو الدولية من أن المنطقة على «شفا كارثة إنسانية كبرى».
ويشكك محللون بقدرة السلطات الحالية فى مالى على إعادة السيطرة على الأوضاع والحفاظ على وحدة البلاد فى المستقبل القريب لعدة أسباب، من بينها انعدام السلطة المركزية فى البلاد، وضعف جيش مالى، والذى أصبح واضحاً خلال المواجهات التى جرت مع قوات الطوارق.