فى أحدث حلقات الصراع العرقى والقبلى فى ليبيا ما بعد الثورة، يبقى التوتر هو سيد الموقف فى الغرب الليبى بين سكان مدينة «زوارة» ذوى الأصول الأمازيجية، وسكان مدينتى «الجميل» و«ريقدالين» المتهمين بأنهم بقوا على ولائهم للعقيد معمر القذافى حتى سقوط نظامه، حيث استؤنفت المعارك التى أودت بحياة نحو 20شخصاً فضلاً عن عشرات الجرحى، لليوم الخامس على التوالى، ما دفع السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ فى المدن الثلاث، واعتبارها «مناطق عسكرية مغلقة»، لكن الحكومة الليبية التى أكدت أنها ستتدخل لوقف القتال، تبدو ضعيفة أمام خليط معقد من المجتمعات المنقسمة والصراعات القديمة والكثير من السلاح الذى يذكى الصراع، بعد أن شهدت مؤخراً اشتباكات قبلية عنيفة أيضا جنوب ليبيا.
وتواصل القتال، الخميس، دون مؤشر على قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، كما يسعى «المجلس الوطنى الانتقالى»، وقال شهود إنهم سمعوا أصوات صواريخ «جراد» الروسية إلى جانب أصوات نيران البنادق. كما استخدمت أسلحة أكبر، من بينها المدافع المضادة للدبابات والمضادة للطائرات التى عدلها المقاتلون لضرب أهداف على الأرض. وفى مستشفى «زوارة» قالت ممرضة إن شخصين من البلدة قتلوا فى الاشتباكات الأربعاء .
من ناحيتها، قالت مسؤولة بوزارة الداخلية الليبية إن الوزارة أرسلت قوة أمنية من 500 عنصر إلى المنطقة الغربية للسيطرة على الوضع الأمنى، موضحة أن ذلك تم بالتنسيق مع رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، فيما قال رئيس أركان القوات المسلحة الليبية، يوسف المنقوش، إن قوات التدخل الحكومية وصلت إلى «زوارة»، وإنها مستعدة لإعادة الاستقرار للمنطقة، موضحاً أن الحكومة فوضت قائد الجيش بـ«استخدام القوة إذا لزم الأمر لإقرار الأمن». لكن العلامات الوحيدة الظاهرة على الوجود الأمنى الحكومى، كانت طائرة تابعة لسلاح الجو الليبى تحلق فوق البلدة وعدداً قليلاً من القوات الحكومية التى تمركزت بعيداً جداً عن خط المواجهة، وهو ما أقر به «المنقوش» قائلاً: «إن القوات الحكومية تراجعت قليلاً بسبب القتال، فيما اعتبر مراقبون أن قدرة المجلس الانتقالى على التدخل محدودة لأن الميليشيات تتفوق عسكرياً على قواته، بينما تدين هذه الميليشيات بالولاء لقادتها فقط.
ويغلب على سكان «زوارة» الأمازيج الذين عارضوا حكم القذافى خلال الثورة، أما جيرانهم فى الجنوب فأغلبهم من العرب الذين كانوا موالين له. وأدى ذلك إلى غياب الثقة ومشاعر الغضب التى اشتعلت الأحد الماضى عندما قتلت مجموعة من رجال «زوارة» يقومون بالصيد على سبيل الخطأ شخصا من «الجميل»، وجرى احتجاز هؤلاء الرجال لفترة وجيزة، ثم أطلق سراحهم بعد تدخل المجلس الانتقالى، لكنهم قالوا إنهم تعرضوا لسوء المعاملة وانتهاك الكرامة، مما أثار غضب سكان «زوارة»، الذين عاد البعض منهم وأشعلوا الوضع من جديد، حسب بيان لـ«الانتقالى».
ويؤكد وسام الكيلانى، وهو واحد من مقاتلى «زوارة»، أنه سيواصل القتال، قائلاً: «لا نريد عقد سلام معهم، هذه أرضنا وسندافع عنها»، بينما وصف المتحدث باسم المجلس المحلى لزوارة أيوب سفيان لـشبكة «سى. إن. إن» الأمريكية المعارك بأنها «الأسوأ» التى تشهدها المنطقة منذ سقوط «القذافى»، واصفا الأوضاع بـ«الحرب الحقيقية»، وسط مخاوف من امتداد المعارك إلى عدد من المدن المجاورة.
وبعدما تم تهميش سكان «زوارة» فى ظل النظام السابق، يؤكد سكانها الآن «تصميمهم» على القتال إلى أن يسلم خصومهم السلاح. ويقول سليمان الحوش: «الحكومة تعرض علينا حلولاً سطحية. لا تملك الشجاعة لمعالجة جذور أعمال العنف»، فيما يقول فتحى بن خليفة، رئيس المؤتمر العالمى للأمازيج: «بالنسبة لـ(زوارة)، فالمعارك من أجل كرامتنا فى المقاوم الأول، لكن أيضا دفاعا عن دولتنا».
وبينما قال المتحدث باسم الحكومة الليبية، ناصر المناع، الأربعاء، إن عدم الاستقرار قد يؤدى الى تأجيل انتخابات المجلس التأسيسى المقررة فى يونيو، أكد رئيس المجلس الانتقالى الليبى مصطفى عبدالجليل لقناة «العربية» أن الانتخابات ستجرى فى موعدها، متعهداً بالاستقالة حال عدم إجرائها. وأعلن أنه «صدرت الأوامر بإطلاق النار على أى عناصر تخرق الأمن فى المناطق الليبية التى شهدت اضطرابات»، واعتبر أن الاشتباكات بين القبائل من «إرث القذافى الذى زرع الفرقة بين القبائل»، موضحاً أن التخلص من هذا الإرث سيكون صعباً للغاية وسيستغرق أكثر من 5 سنوات.
من جهته، اتهم رئيس الحكومة الليبية، عبدالرحيم الكيب، أعوان النظام الليبى السابق بالوقوف وراء إثارة الاضطرابات فى مختلف أنحاء ليبيا، وقال إن حكومته بصدد توجيه رسائل جديدة إلى الدول التى تأوى هؤلاء لتسليمهم إلى السلطات الليبية لمحاكمتهم ووقف نشاطاتهم المعادية للثورة. وتأتى هذه المواجهات بعد التوصل إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع فى «سبها»، جنوبى ليبيا، التى شهدت هى الأخرى مواجهات دامية الأسبوع الماضى، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى.
من ناحية أخرى، رفضت «المحكمة الجنائية الدولية» الخميس طلب ليبيا تأجيل تسليم سيف الإسلام القذافى، نجل العقيد الراحل، للمثول أمام المحكمة فى اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وطالبت المحكمة طرابلس بـ«الوفاء بالتزاماتها بتنفيذ مذكرة الاعتقال» بحق «سيف الإسلام» دون تأجيل، وذلك فى الوقت الذى ترفض فيه السلطات الليبية تسليمه، وتقول إنه سيُحاكم فى طرابلس.