يستعد الباحث السياسي الأمريكي آرون ميللر، لإصدار كتاب بعنوان «هل يمكن أن تشهد أمريكا رئيسا آخر عظيما»، يضع فيه خلاصة دراسته عن المعايير والمواصفات التي تشكل «الرئيس العظيم». ومن هنا جاءت فكرة إجراء حوار مع الباحث الذي عمل مستشارًا لـ6 وزارء خارجية أمريكيين. ورغم أنه لا يمكن بالطبع مقارنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتلك المصرية، لكن يمكن الوقوف على المعايير العامة والنظرة التحليلية، من منظور أكاديمي للواقع الانتخابي المصري لاختيار الرئيس القادم لمصر.
ما هي معايير اختيار «رئيس عظيم»؟ هل يمكن أن تشهد مصر قائدا عظيما؟ هل يمكن دائما تطبيق المعايير العالمية في أي دولة.. هذه بعض أسئلة طرحتها «المصري اليوم» خلال حوارها مع الباحث في «معهد وودرو ولسون» في واشنطن.
ما معايير عظمة الرئيس أو القائد، وكيف نطبقها في مصر؟
هذا أمر معقد، والتعريف البسيط للعظمة هو القدرة على إنجاز شيء حقيقي كبير. أما في السياسة، هناك 3 معايير يمكن تطبيقها لتعريف الرئيس العظيم، الأول: أن يتحمل المسؤولية ويكون قادرا على معرفة المشاكل وقادرا على حلها. الثاني: أن يقوم بتغيير اتجاه الدولة إلى مسار يحقق لها كفاءه الأداء. والثالث: أن يجعل من بلده مكانا أفضل. والعظمة في السياسة هي قيادة الدولة على أساس احترام الدستور والمباديء الديمقراطية، ويضاف لتلك المعايير في نظامنا الأمريكي، معيار الفوز بفترة ولاية ثانية، فالرئيس لفترة ولاية واحدة لا يعد رئيسا عظيما.
وإذا تحدثنا عن المعايير في الشرق الأوسط؟
من ناحية المبدأ، العظمة تتطلب الشرعية في السلطة، وتقدير واحترام الشعب لإمكانات الرئاسة، وأرى أن إقليم الشرق الأوسط يمر بفترة تكوين جديدة للقيادات بعد رحيل كل القادة العظماء مثل الرئيس الراحل أنور السادات والملك حسين، عاهل الأردن. بمعايير الشرق الأوسط، كان هؤلاء الرجال من القادة العظماء، فالسادات غير مسار التاريخ المصري، وأحرز تقدما في الاقتصاد وأعاد احترام الذات لمصر في أكتوبر 1973 بعد 3 هزائم مخزية أمام إسرائيل، أما جمال عبد الناصر فكان رئيسا فاشلا وفشل في استعادة الأرض المصرية وفشل في برنامجه الاقتصادي والاجتماعي.
تستعد مصر لانتخابات رئاسية يخوضها عدد كبير من المرشحين، أكاديميا، كيف يضع الناخب المصري معايير اختيار مرشحه؟
المشكلة أنه لا رئيس سيتم انتخابه في مصر ستكون له السلطة أو الشرعية، فالدستور المصري الجديد لن يسمح بظهور رجل يتقلد سلطات واسعة. وبالطبع لن يسمح لامرأة لأن مستقبل المرأة بعد الربيع العربي يسير للأسوأ. المشكلة أنه لا توجد مؤسسات تقود المجتمع والقوى السياسية تتنافس مع بعضها ولا أحد سيسمح بظهور فرد له سلطة فردية أو قائد يفعل ما يريد، أو بمعنى آخر لا أحد يريد ديكتاتورا جديدا. والمنافسة ستكون شديدة بين المرشحين، لكن أي مرشح سيكون محصورا بين المجلس العسكري من ناحية والإسلاميين من ناحية أخرى.
ما يحتاجه القائد هو الشرعية، وفي تقييمي أن هناك 3 طرق للحصول على الشرعية، الأول من التاريخ، فالملك حسين وياسر عرفات وجمال عبد الناصر استمدوا شرعيتهم من التاريخ والمشاركة في أحداث مهمة. الثاني من العملية الانتخابية، أي من خلال عملية دستورية تتوافر فيها شروط الحرية والنزاهة والشفافية. والطريق الثالث هو شرعية النتيجة أي الاستيلاء على السلطة وتحقيق النجاح. والطريق الوحيد أمام اكتساب الشرعية في مصر هو الثاني، أي من خلال عملية انتخابية، والمشكلة في الكم الكبير من المرشحين.
وماذا عن المهارات الشخصية؟
المهارات القيادية لها مواصفات عالمية تصلح في أي دولة مثل القدرة على إلهام الجماهير، والقدرة على اكتساب ثقتهم، والقدرة على استشراف المستقبل في لحظة يصعب على الآخرين رؤيته، والقدرة على مواجهة المشاكل وحلها، والنظر إلى الأفق وإدراك التغييرات الواجب القيام بها، ودفع النظام إلى تحقيقها. أما في مصر، سيكون من بين المواصفات المطلوبة أيضا للرئيس أن يكون شخصا متدينا.
هل ترى أن مصر تواجه أزمة تحديد هوية؟
السؤال هو هل يستطيع أي مرشح أو أي فرد امتلاك السلطة في وجه ما يريده الإخوان والسلفيون والمجلس العسكري والرأي العام وشباب الثورة، اللذين على استعداد للنزول مجددا إلى الشارع. المجتمع المصري تخلص من سلطة ديكتاتور، وسيكون لديه خوف من ظهور ديكتاتور آخر. وعلى أي مرشح أن يكتسب ثقة الناس وأن يلتزم بالدستور. لكن كيف يفعل ذلك في وقت لم يتطور فيه النظام وينضح بشكل كامل بعد الثورة. كان لدينا في القرن الـ 18 عندما تخلصت الولايات المتحدة من الاحتلال البريطاني شكوك في أن يتحول أول رئيس (جورج واشنطن) إلى ملك، لكن عدم وجود أبناء له طمأن المحيطين به بأنه لن يكون له وريث.
ما تحتاج إليه مصر هو إيجاد مسار للديمقراطية، وأن يملك الرئيس الشرعية حتى يستطيع القيادة، دون أن يصبح رهينة في قبضة أحد. والسؤال هو ما هي السلطات التي يملكها الرئيس الجديد في مصر، فالدستور المصري لم يتم وضعه بعد، ولم يتم تحديد سلطات هذا الرئيس. سؤال آخر ، كيف ستكون شكل العلاقة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة والرئيس الجديد، فأنا لست متاكدا من عودة العسكر إلى ثكناتهم وتسليم السلطة إلا إذا أخذوا ضمانات باستمرار احتفاظهم بمزاياهم.