يضم المتحف المصري بعضًا من آثار العالم الثمينة، من بينها القناع الذهبي للملك توت الذي يجذب ملايين السياح كل عام. لكن به أيضًا نظام مراقبة فيديو باليا لا يعمل على مدار الساعة وحراس يقيًّلون ويقرأون القرآن أو يبدون شديدي الملل للدرجة التي لا ينتبهون عندها لشيء.
ويخضع تأمين كنوز مصر للتدقيق بعد أن كشفت سرقة لوحة لفان جوخ في 21 أغسطس الجاري من متحف آخر في القاهرة عن بعض الثغرات المريعة، وصرح وزير الثقافة لصحيفة بأنه لا ينام الليل، خشية على سلامة آثار البلاد.
ومباشرة بعد سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» لفان جوخ عام 1887 من متحف محمود خليل، اكتشف المسؤولون أن أجهزة الإنذار متوقفة، وأن سبعًا فقط من ثلاث وأربعين كاميرا مراقبة هي التي كانت تعمل.
وجعل ذلك من السهل على أي شخص سرقة اللوحة، بحسب تون كريميرز، مدير شبكة تأمين المتاحف التي تتخذ من هولندا مقرا لها، والتي ترصد حماية الأعمال الفنية في أنحاء العالم.
وقال كريميرز للأسوشيتدبرس: "قيمة لوحة فان جوخ أربعون مليون دولار إلى خمسين مليون دولار.. وتصل تكلفة نظام تأمين كامل لذلك المتحف إلى خمسين ألف دولار، وتشغيله يكلف ثلاثة آلاف دولار سنويا.. ويكفي قول ذلك".
وفي ظل تعطل أجهزة الإنذار وعمل بضع كاميرات، يستفيد اللصوص من فترة الظهيرة عندما ينشغل حراس الأمن بالصلاة خلال شهر رمضان المعظم، وقد استخدم اللصوص قاطعا حادا لقص اللوحة الزيتية الاثنتي عشرة بوصة في اثنتي عشرة بوصة (الثلاثين سنتيمترا في ثلاثين سنتيمترا) من إطارها وغادروا المتحف بدون أن يكتشفوا.
والآن، يواجه المسؤولون في وزارة الثقافة عاصفة من الانتقادات، ويوم الإثنين، ألقي القبض على رئيس قطاع الفنون التشكيلية في الوزارة محسن شعلان بسبب الإهمال، وطلب شعلان، الذي كان مسؤولا عن متحف محمود خليل، وعدد من مديري المتاحف الأخرى من وزير الثقافة فاروق حسني حوالي سبعة ملايين دولار لتحديث أنظمة التأمين، لكن تمت الموافقة فقط على ثمانية وثمانين ألف دولار.
وبعد يومين، أمر حسني بإغلاق ثلاثة متاحف لأن كاميرات الأمن فيها معطلة، ومع ذلك، في ظهر يوم الثلاثاء شديد الحر في ذورة الموسم السياحي، كان من السهل رصد الأهمال الأمني في المتحف المصري، فاتكأ ضابط في شرطة السياحة يحرس المدخل بظهره على كرسيه لقراءة القرآن، وحاول مرؤوسوه التعامل مع مئات السياح الوافدين.
وفي الداخل، تحدث حارس في هاتفه المحمول بينما كان متكأ أمام تمثال من الحجر المصري القديم. وتجاهل زوجين روسيين يتحسسان المنحوتات فوق تابوت أسود ضخم في منتصف الغرفة، وغفا حارس آخر بينما كان جالسًا على حافة درابزين مرخيا رأسه على الجانب، وقد انتبه فقط عندما سأله سائح عن الاتجاهات.
وفي مكان آخر في المبنى الرطب، أسرع مدير أمن المتحف عبد الرؤوف عدلي بخطواته أمام التوابيت الجرانيتية واللوحات الأثرية والمئات من السائحين، معطيا الأوامر عبر جهازه اللاسلكي ومسلما بالأيدي على موظفيه.
وقال عدلي: "فحصت جميع كاميراتي ومعداتي فور سماعي عن السرقة في محمود خليل". وأضاف أن متحفه به أجهزة استشعار تعمل بالليزر وما لا يقل عن 200 كاميرا، معظمها غير مرئي.
وفي غرفة المراقبة المكيفة الهواء، راقب ثلاثة رجال أمام لوحات مفاتيح أجهزة الكمبيوتر حوالي خمس عشرة شاشة تعرض مشاهد الممرات. وكانت الأجهزة عتيقة وكانت الشاشات من طرازات مختلفة. وتحت الطاولة، أزيل الغطاء عن جهاز كمبيوتر لحفظه من ارتفاع الحرارة. وكانت لوحات المفاتيح مهترئة نتيجة سنوات من الاستخدام.
وقال العاملون في غرفة المراقبة إنه إذا "شعر" حارس أمن بأن حادثا سيقع، فيقوم بالضغط على زر تسجيل في جهاز فيديو.
وقال حارس أمن في متحف مصري، رفض نشر اسمه لخشيته على وظيفته، إن الكثير من إجراءات الأمن تعتمد ليس على أجهزة الكمبيوتر وإنما على العنصر البشري، الذي يجب أن يكون منتبها باستمرار، وأضاف: "المراقب ربما يكون منتبها لساعتين أو لثلاث ساعات في نوبة العمل، لكن بعدها سينام".
وبسؤاله عما يحدث إذا أخطأ عامل شيئًا أو اعتقد أن غرفة لا تستحق المراقبة، هز الحارس كتفه وقال "لا يسجل ذلك"، وقال أيضا إن المعدات غير قادرة على العمل لأربع وعشرين ساعة يوميا.
"وفي مصر، نقول: كله تمام وربنا يستر، ثم لا نفعل شيئا"، هكذا قال حارس الأمن.
ومنذ سرقة لوحة فان جوخ، أعلنت وزارة الثقافة عن تشكيل غرفة مراقبة مركزية في القاهرة لجمع المعلومات من جميع غرف أمن المتاحف، وسعى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري زاهي حواس إلى تهدئة المخاوف من حدوث سرقات أخرى في مواقع تحت سيطرته، قائلا للأسوشيتد برس: "أطمئن الجميع بأن متاحفي الثلاثة والعشرين محمية جيدا وبها أنظمة تأمين جيدة".