فى ظل بروز التيار الإسلامى كقوة أساسية فى دول «الربيع العربى»، يستعد إسلاميو اليمن بدورهم لوراثة حكم الرئيس السابق على عبدالله صالح، ولكن بالشراكة مع اليساريين والقوميين، حتى الزيديين الشيعة.
ويرى المحلل اليمنى فارس السقاف أن حزب «التجمع اليمنى للإصلاح» الإسلامى - الذى يعد الحزب المعارض الرئيسى - «هو المرشح الأقوى لوراثة نظام صالح»، على أن يتم ذلك فى الانتخابات التشريعية المقبلة التى ستنظم بعد سنتين بموجب اتفاق المبادرة الخليجية لانتقال السلطة. وتوقع السقاف أن يتلاشى نفوذ حزب صالح، «المؤتمر الشعبى العام»، ليزداد نفوذ «التجمع».
ويعد حزب «التجمع» كياناً متعدد الأطياف إلى حد التناقض أحياناً، فهو يجمع بين شخصيات قبلية وإسلامية معتدلة وسلفية فى آن واحد، وبين صفوفه الداعية البارز عبدالمجيد الزندانى المطلوب لدى واشنطن بتهمة دعم الإرهاب مالياً، والناشطة توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام. وقد تأسس الحزب فى أعقاب توحيد اليمن فى 1990 تحت عباءة القبيلة، خصوصاً الشيخ عبدالله الأحمر زعيم قبائل «حاشد» التاريخى، ثم ظل طوال 15عاماً على الأقل فى تحالف وثيق مع نظام صالح، قبل أن يتحول إلى عدوه اللدود ويقود سياسياً الحركة المناهضة له.
وخرج «التجمع» فى الأساس من رحم «الإخوان المسلمين» الذين بدأوا نشاطهم فى اليمن فى 1968 على يد الطلاب العائدين من مصر. وقد خاض «التجمع» إلى جانب نظام صالح الحرب ضد الانفصاليين الجنوبيين فى 1994، وظل يعزز مكاسبه فى الدولة حتى بات أتباعه يسيطرون على مراكز حساسة فى الإدارة والأجهزة العسكرية. ويمثل «التجمع» مع باقى المعارضة نصف حكومة الوفاق الوطنى الحالية فى اليمن.
وفى محاولة من الحزب لدرء المخاوف من وصول الإسلاميين للسلطة، أكد رئيس الدائرة السياسية فى «التجمع» محمد قحطان أن حزبه لا يرفع شعار «الإسلام هو الحل» كما «الإخوان» فى مصر، وليس له أجندة سياسية اسلامية لأن اليمن «بلد مسلم ومتجانس»، كما أنه ينوى الاستمرار فى التحالف مع اليساريين والقوميين. وشدد، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، على أن «الأولويات التى ينشدها اليمنيون هى أولويات عملية وليست دينية»، مشيرا بشكل خاص الى «محاربة الفقر وإرساء الاستقرار وبناء الدولة».
ويرى المراقبون أن التاريخ المشترك للحزب مع النظام هو «سلاح ذو حدين»، فالنظام سمح له من جهة بأن يكون حاضراً بقوة فى الدولة ما يسهل الوصول إلى الحكم، ولكن من جهة أخرى يترك إرثا ثقيلاً على «التجمع»، حيث سيكون عليه تخطى عدد من العقبات، منها مواجهة الاستياء من قبل الجنوبيين، إلا أن الحزب يؤكد أنه لا ينوى حكم اليمن منفرداً فى المستقبل، ويشدد على ضرورة استمرار منصة «اللقاء المشترك» لأحزاب المعارضة التى وقعت على المبادرة الخليجية كندّ لصالح، والتى تضم إلى جانب التجمع، الحزب الاشتراكى والحزب الناصرى وحزب الحق، الذى يمثل التيار الرئيسى بين الزيديين الشيعة الذين يشكلون ثلث السكان وهم غالبية فى شمال البلاد.
وإذا بات إسلاميو التجمع فى السلطة، فسيكون عليهم أيضاً أن يواجهوا التطرف وتنظيم القاعدة الذى ينتشر خصوصا فى جنوب البلاد. ويرى «قحطان» أن التطرف أمر «طارئ» على المجتمع اليمنى، معتبراً أن وجود «حكم شرعى قوى ودولة القانون ونشر لثقافة الوسيطة والاعتدال»، يشكل سداً أمام التطرف.
وفى إشارة إلى اعتزام الحزب استئناف التعاون مع الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب، قال المتحدث إن التعاون «لابد أن يستمر ولكن على أساس الشراكة وليس مبدأ المقاولة الذى اعتمده صالح، فهو كان يقول: ادفعوا لى أنفذ».
وعلى الرغم من أن سلفيى اليمن يتجنبون الخوض فى أمور السياسة عادة، لكنهم آثروا أيضاً الدخول فى خط المواجهة، حيث أعلنوا الأربعاء الماضى تشكيل أول حزب سياسى لهم تحت اسم «اتحاد الرشاد اليمنى»، وأوضحوا أن أهدافهم تتمثل فى تطبيق الشريعة الإسلامية ورفض التدخلات الخارجية، وأعلنوا نيتهم المشاركة فى الانتخابات المقبلة، داعين إلى فتح حوار مع الجماعات المسلحة فى الدولة، ومن بينهم «الحوثيون»، وهو ما رآه مراقبون أمراً غريباً على السلفيين، لتمسكهم بعقيدة متشددة تنظر للشيعة باعتبارهم زنادقة، الأمر الذى قادهم إلى خوض معارك طويلة معهم، لكن التوجه الجديد لهم قد يصب فى خانة «الطموح السياسى» الذى يجبرهم على التعامل مع جميع الأطياف وتصفية الخصومات.