«صدمة وحزن وحسرة شديدة انتابتنى حين رأيت رجلاً عجوزاً واهن الجسد يجلس تحت أحد الكبارى يتضور جوعاً، ولا يجد أمامه ما يأكله سوى فضلاته الشخصية خشية الموت»، هكذا يروى ناريان كريشنان، أحد كبار الطهاة فى الفنادق الأوروبية سابقا، مشهدا غيَّر حياته للأبد.
يقول كريشنان: «كانت صدمتى عارمة فى هذه اللحظة عندما كنت فى زيارة سريعة للهند، عام 2002، لكننى سرعان ما استجمعت قواى وأحضرت الطعام لهذا الرجل الذى ظلت صورته لا تفارق خيالى وتسيطر على تفكيرى وكانت كفيلة بأن تغير مسار حياتى.. لأننى رأيت صورة مغايرة تماماً للذين أطهو لهم فى الفنادق الخمس نجوم.. والفقراء والعجزة الضعفاء الذين لا يجدون أى طعام أو يعانون من مشاكل عقلية دون أن يجدوا رعاية أو مأوى».
ويضيف كريشنان: «قررت ترك وظيفتى والعودة للهند بشكل نهائى، وخدمة الآخرين، قانعاً بقدرى الجديد الذى اخترته بسبب هذا الرجل العجوز الذى كان بمثابة الشرارة التى دفعتنى بقوة ولاتزال تدفعنى لخدمة كل محتاج وكل من يفتقر إلى المال وكل من لا يتمكن من الاعتناء بنفسه».
وإيماناً منه بأن خدمة الإنسان الضعيف واجبة، وأن الفقر فى الهند هو الذى تسبب فى إصابة الكثيرين بالأمراض والتخلف، قرر كريشنان تأسيس مشروع «آكاشايا تراست» الخيرى عام 2003. ويفسر كريشنان اختياره لاسم مشروعه قائلاً: «اخترت كلمة (آكاشايا) لأنها تعنى (الخلود)، للتأكيد على أن عاطفة الحب الإنسانية يجب ألا تزول، وأن روح الخير ومساعدة الآخرين يجب أن تسود العالم للأبد».
ويقول كريشنان، الذى واجه أسرته، وهى من الطبقة العليا، وأقنعهم بأن ما يقوم به عمل إنسانى: «يدفع المتبرعون 75% من التكاليف وأتكفل أنا بالباقى من إيجار منزل تركه لى جدى». وتمكن كريشنان من تقديم وجبات «الإفطار والغداء والعشاء» عام 2010 لـ 1.2 مليون شخص، ليس لديه مأوى ولا مال، ولكبار السن الذين تخلت عنهم عائلاتهم.
والمثير للدهشة أن كريشنان يضحى بحياة الرفاهية، ويفضل النوم فى مطبخ «آكاشيا» المتواضع مع زملائه فى العمل، منذ أن استثمر كل مدخراته فى مشروعه. ويقول كريشنان: «نتيجة لظروف عملى أتمتع بقليل من الراحة وتكون لدى بعض الاحتياجات لكن بشكل عام أستمتع بحياتى.. وأشعر بارتياح وسعادة».
ويوم عمل كريشنان يبدأ الساعة 4 فجراً، ثم يقطع هو وفريق عمله ما يقرب من 124 ميلاً يومياً داخل عربة كبيرة محملة بالأطعمة بحثاً عن المشردين فى الطرقات وتحت الكبارى. ويقوم كريشنان بنفسه بإعداد وتغليف الوجبات الساخنة التى يوزعها وغالبا ما يقوم أيضاً بإطعام المحتاجين بيديه كل يوم.
وبنبرة متأثرة تمتزج بمشاعر الحب والحزن، يقول كريشنان إن «العديد من المشردين لا يعرفون حتى أسمائهم أو المناطق التى ينتمون إليها، ولا يملك بعضهم القدرة على التسول أو طلب المساعدة أو حتى تقديم الشكر». ويوضح: «أنا ببساطة أريد إنقاذ وطنى وأبنائه.. وهؤلاء البشر قوة دافعة تمنحنى أنا وفريق عملى الطاقة والقدرة على استكمال طريقنا فى خدمة الآخرين».