x

«ميعاري»: انتصار أكتوبر ساهم في نجاح الإضراب.. وإسرائيل رفضت تعويضنا لأننا «أعداء»

الخميس 29-03-2012 22:25 | كتب: أحمد بلال |
تصوير : other

 

في مساء 29 مارس 1976، عشية يوم الأرض، استدعت قوات الأمن الإسرائيلية، من كان وقتها عضوًا في لجنة الدفاع عن الأراضي، التي دعت للإضراب العام، والذي يمثل اليوم أحد أهم القيادات الفلسطينية في مناطق 48، محمد ميعاري، لتهديده من القيام بأي نشاط يوم الإضراب، وهو التهديد الذي لم يلق بالًا عند ميعاري، الذي استمر في عمله مع رفاقه في اللجنة حتى نجح اليوم، الذي تحول إلى محطة تاريخية في تاريخ النضال الفلسطيني.

في حواره عبر الهاتف من حيفا مع «المصري اليوم»، قال ميعاري إن الاحتفال بيوم الأرض يجب أن يخرج عن حيز التقليد السنوي، إلى إقامة فعاليات على الأرض. وأضاف ميعاري أن فلسطينيي 48 يتأثرون بالأوضاع في الوطن العربي بشكل عام ومصر بشكل خاص، مؤكدًا أن الأوضاع في مصر تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وانتصار أكتوبر، ساهمت في زيادة الوعي القومي لدى فلسطينيي 48، وفي إصرارهم على القيام بالإضراب العام ضد السياسات الإسرائيلية في مصادرة أراضيهم.

**  كيف اتخذ فلسطينيو 48 الذين عانوا ويلات الحكم العسكري الإسرائيلي قرارًا بالوقوف أمام السلطة الإسرائيلية بشكل مباشر وإعلان الإضراب العام؟

- الصراع على الأرض، هو جوهر الصراع بين الحركة الصهيونية من جهة، والشعب الفلسطيني والأمة العربية من جهة أخرى. فإسرائيل لم تكتف بالاستيلاء على الأراضي الحكومية العامة في فلسطين، ولم تكتف أيضًا بالاستيلاء على أراضي من تسميهم «الغائبين»، وهم الذين طردوا وغادروا البلاد بسبب الحرب أو خطة الترانسفير المعدة سلفًا من قبل الحركة الصهيونية, فمازال يوجد داخل إسرائيل اليوم حوالي 350 ألف فلسطيني مهجرين من قرى تم هدمها والاستيلاء عليها في حرب 48، وهؤلاء يتم اعتبارهم غائبين لمقتضيات مصادرة أراضيهم، رغم أنهم يعيشون في قرى بجانب قراهم المهدومة وأراضيهم المصادرة.

كما فرضت إسرائيل عدة قوانين استولت بموجبها على مساحات واسعة بادعاءات مختلفة، وفي عام 1975 صادرت الحكومة الإسرائيلية 1200 فدان، بعد مصادرات عديدة, تمت دون خوض معارك وصراع وتصد لها، لأن الأوضاع لم تكن مواتية، فعدد الفلسطينيين الذين ظلوا في الداخل في قراهم المعزولة كانوا حوالي 55 ألف فلسطيني، كانت أوضاعهم سيئة، ولكن بعد حرب السويس وحرب أكتوبر، والعبور، ارتفعت المعنويات عند الفلسطينيين في الداخل، لأن وضعنا ومشاعرنا تكون مرتبطة بالعالم العربي وخاصة بمصر.

ازدياد عدد السكان والمثقفين، بالإضافة إلى المعنويات التي ارتفاعت، كانت سببًا في اتخاذ القرار بالتصدي للمصادرة، واتخذت كل الإجراءات، وتأسست لجنة الدفاع عن الأراضي، التي أعلنت يوم 30 مارس إضرابًا شاملًا ومظاهرت في كل مكان، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها نضال جماهيري لفلسطينيي 48، وليس على قضية عينية قضية الأرض تحولت لقضية وطنية وقومية تخص جميع السكان والعرب في مناطق 48.

**  هل أثر يوم الأرض في العلاقة بين فلسطينيي 48 والسلطة الإسرائيلية؟

- قرار النزول للشارع والتصدي لقوات الجيش والشرطة وحرس الحدود التي اجتاحت القرى العربية من أجل كسر شوكة العناد، والتصدي للسياسات الإسرائيلية في قضية مصادرة الأراضي، وسقوط 6 شهداء في المثلث وكفر كنا ومناطق مختلفة، كل هذا جعل العلاقة بين المواطنين العرب والسلطة الإسرائيلية تأخذ منحى جديدًا. العلاقات بين العرب والسلطة قبل اليوم تختلف كليًا بعده.

وتحول يوم الأرض إلى رمز وطني وشعبي شمل ليس فلسطينيي 48 فقط وإنما امتد تأثيره إلى المناطق المحتلة والمخيمات بالخارج وأينما وجد فلسطيني على مستوى العالم ككل.

 تحول إلى يوم مشهود في مسيرة النضال الفلسطيني للمحافظة على الأرض وللمحافظة على الكرامة والهوية والانتماء، لأننا في مناطق الـ48 حافظنا في هذا الحدث على الانتماء القومي، والأرض لم تعد قيمة اقتصادية فقط وإنما تحولت الى قضية وطنية.

 ** كيف بدأت المواجهات في هذا اليوم؟

- دعنا نقول في البداية إن محصلة اليوم كانت 6 شهداء من مناطق مختلفة من مناطق الـ48، وحوالي 300 جريح، وأكثر من 1000 معتقل، هذا إلى جانب التكسير والاعتداء على مئات المنازل.

أيضًا ملاحظة أخرى أن من تصدى للإضراب كان «رفائيل إيتان»، القائد العسكري الإسرائيلي سيء الصيت والمشهور بعنصريته.

كان يومًا مشهودًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبدأت الأحداث في عرابة عشية يوم الأرض. دخل بعض الجنود قرية عرابة، تعطلت مركبتهم، فتم أخذهم كأسرى من قبل الأهالي، وعندما هدد رفائيل إيتان بضرب القرية بالمدافع إذا لم يتم تحرير الجنود، أصر الأهالي على إخراجه جنوده من القرية أولًا، ورضخ القائد الإسرائيلي لذلك بالفعل، أي أنه كانت هناك مفاوضات، وعندما أطلق الأهالي سراح الجنود الأسرى، عاد القائد الإسرائيلي واجتاح القرية ليسقط أول شهيد في قرية عرابة، وعندما انتقل الخبر هبت الجماهير العربية هبة رجل واحد، للدفاع عن الأرض.

**كانت هناك مفاوضات.. الأمر إذن لم يعد علاقة بين دولة ومواطنيها بحسب القانون؟

- في هذا الوقت كنت أيضًا محاميًا لأسر الشهداء والجرحى، وحصلت على وثيقة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، رفضت فيها دفع أي تعويضات لسببين، الأول إن ما حدث كان «أعمال شغب وعنف تعاملت معها الشرطة بالطريقة الملائمة»، بحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية التي أضافت في رفضها إن ما حدث كان «عملية حربية قام بها الجيش»، وفي العمليات الحربية لا يوجد تعويضات، أي أن إسرائيل أعلنت الحرب، على من يعتبروا شكليًا، على الأقل، مواطنيها، في عمل ديمقراطي قاموا به.

في هذه العملية يعتبرون هؤلاء المواطنين أصحاب الأرض أعداء، استخدموا ضدهم الرصاص الحي، وفي أكتوبر 2000 عندما قامت الانتفاضة الثانية وشارك فلسطينيو 48، اعتبروهم أعداء أيضًا، واستخدموا السلاح وقتلوا 13 ضحية.

 ** كيف أثر يوم الأرض على معنويات فلسطينيي 48 الذين عانوا من الحكم العسكري الإسرائيلي سنوات طويلة؟

- في النكبة، تم تهجير كل الشعب الفلسطيني، من تبقوا كانوا حوالي 55 ألفًا، في القرى البعيدة النائية، ومعظمهم كانوا أميين، لا يقرأون ولا يكتبون، كانت النكبة بالنسبة لهم صدمة كبيرة، وأخذ الإحساس بالصدمة فترة حتى زال، وأصبح هناك تغير كمي ونوعي لدى هذه الجماهير. زاد عددهم ووصل إلى حوالي 200 ألف، وأصبح منهم الطلاب الجامعيين والعمال المهرة، فتغيرت طبيعة المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عدة عوامل أخرى، من بينها مذبحة كفر قاسم عشية العدوان الثلاثي على مصر، وهي المذبحة التي قُتل فيها 49 مواطنًا، وكان الغرض منها تهجير سكان القرية إلى الأردن، وبالإضافة إلى هذه المذبحة التي أثرت كثيرًا على الفلسطينيين، كان هناك أيضًا انتصار مصر والرئيس عبد الناصر في حرب 56 ثم قيام الوحدة مع سوريا في 58، الأجواء النفسية تغيرت نحو ما هو أفضل، خاصة مع حرب أكتوبر ثم طرح القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، كل هذا أدى إلى تعزيز الروح القومية لدى العرب في الداخل، لذا ما أعلنته إسرائيل في عام 1975 من أنها ستصادر المزيد مما تبقى من أراضي الفلسطينيين، كانت ردة الفعل المتمثلة في يوم الأرض، الذي خلق واقعًا جديدًا للعلاقة بين السلطة الإسرائيلية والجماهير العربية في الداخل.

**وماذا عن وضع العرب اليوم في إسرائيل.. هل تعتقد أن ما حدث في يوم الأرض مازال له تأثيره حتى الآن؟

- من الواضح تمامًا أن العرب اليوم في إسرائيل لم يعودوا لقمة سائغة في السياسات الإسرائيلية، أي شيء يريدون فعله الآن، لابد وأن يأخذوا ردات الفعل العربية التي قد تنتج عنه.

منذ يوم الأرض وحتى الآن لم يصادروا أي مساحة واسعة، ما يحدث الآن تكون مصادرة لإقامة مدرسة أو مقبرة أو غيرها، يوم الأرض استطاع أن يحافظ على الأراضي الفلسطينية، الآلاف من العائلات الفلسطينية الآن لا تقبل التعويض عن أراضيها التي استولت عليها إسرائيل، ومازالت مصرة على أنها المالك الشرعي للأرض، وتؤمن بأن أرضها ستعود لها عندما تعود فلسطين للفلسطينيين.

**  هل ترى في الاحتفال بيوم الأرض هذا العام ما يميزه عما سبقه؟

- نحن هنا بوصلة لما يجري في الوطن العربي، ما يجري اليوم في الخليج وكل مكان لا يسر أحدًا ولا يخلق أملًا. الشيء الجيد الوحيد وجود مسيرة شعبية في يوم الأرض على حدود إسرائيل من أكثر من جهة ومظاهرات داخل إسرائيل والضفة لإحياء ذكرى اليوم، بكل ما يرمز لحقوق وكرامة وطنية. ولكن يجب أن يأخذ الشعب العربي خطوات عملية على أرض الواقع بدلًا من أن يمجد يوم الأرض ويحتفل به كتقليد، ولعل هذه المسيرة تكون البداية وتكون تحولًا جديدًا للتلاحم بين العمل الشعبي على مستوى العمل العربي والمحلي الفلسطيني.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية