كانت إسرائيل أولى دول الشرق الأوسط وسابع دولة فى العالم تعترف بالصين الشعبية، فى وقت لم تعترف فيه الدول العربية بالدولة الشيوعية، ومع ذلك شهدت مسيرة العلاقات بين البلدين موجات من الصعود والهبوط، حيث تباينت رؤية الدولتين ومواقفهما من عملية إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، وخاصة فى ظل تأييد الصين الطرف العربى فى الصراع مع إسرائيل. وحديثاً، بدأت كل من تل أبيب وبكين توليان أهمية كبيرة لتطوير علاقاتهما لتحقيق عدة أهداف، ما دفعهما إلى تعزيز التعاون العسكرى والاقتصادى وتبادل عدد من الزيارات لشخصيات رفيعة المستوى، أحدثها زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان للصين التى، اختتمها الجمعه ، وذلك بمناسبة الذكرى الـ20 لإقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين.
ومنذ إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الدولتين فى يناير1992- فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام- تم توقيع اتفاقيات تعاون عديدة بين الجانبين فى المجالين الاقتصادى والأمنى. ويبلغ حجم التجارة الثنائية حالياًَ نحو 10مليارات دولار، وتعد الصين ثالث أكبر سوق لصادرات إسرائيل، حيث إنها تشترى منها كل شىء، من الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى الأجهزة الزراعية والمواد الطبية.
وفى المقابل، فضلت الحكومة الإسرائيلية فى سبتمبر الماضى شركات صينية لإنجاز مشروع سكة حديد تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، لتوفر بذلك بديلاً عن قناة السويس للتجارة بين أوروبا وآسيا.
وتسعى كلتا الدولتين لتحقيق عدة أهداف من وراء تطوير علاقتها بالأخرى. فمن جانبها، تظل الصين حريصة على الاستفادة من التقنيات العسكرية الإسرائيلية ذات الأصول الأوروبية والأمريكية، وذلك بعدما فرضت الدول الغربية حظراً على تصدير الأسلحة إلى الصين خشية استخدامها فى تطوير قدراتها العسكرية والتحول إلى عامل تهديد فى منطقة جنوب شرق آسيا، ومن ثم رأت الصين فى إسرائيل المنفذ الوحيد للحصول على التقنية الغربية. وتحرك الصين فى تعزيز علاقتها مع إسرائيل رغبتها فى استثمار اللوبى اليهودى فى الكونجرس الأمريكى بشكل خاص، والنفوذ اليهودى بشكل عام، لتحقيق مصالحها، فضلاً عن رغبتها فى الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية فى مجالات الاتصالات والزراعة ونظم الرى الحديثة، إلى جانب سعيها إلى لعب دور أكبر فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة فيما يخص عملية السلام.
وفى المقابل، تنتهج إسرائيل دائماً سياسة الاحتماء فى الدول الكبرى التى تتمتع بالنفوذ، فتغير تحالفاتها لترتبط بـ«حصان أسود جديد» للدفع بمصالحها إلى الأمام، ومع تراجع سطوة العملاق الأمريكى - الحليف التاريخى لإسرائيل - وانشغاله بمشاكله الداخلية وانهياره الاقتصادى، بدأت تل أبيب تدرك أن الصين أصبحت قوة عالمية صاعدة، ويرى المخططون الإسرائيليون ضرورة تعميق العلاقات مع الصين، فى كل المجالات. وتأمل إسرائيل تحقيق مصالح استراتيجية من وراء تلك العلاقة، مثل كبح التعاون العسكرى الصينى - العربى، وإقناع الصين بوقف إمداد إيران بتقنيات لإنتاج الصواريخ، إلى جانب محاولة إقناعها بتزويد الحكومة الإسرائيلية بمعلومات استخباراتية عن منظومات الصواريخ فى إيران، بسبب العلاقة القوية التى تربط الصين بإيران.
لكن إسرائيل تواجه خيارات صعبة فيما يتعلق بتطوير علاقاتها مع الصين، حيث إنها لديها مخاوف متزايدة من ردود الفعل المعارضة بقوة لهذه العلاقات من جانب الولايات المتحدة وبخاصة المجال العسكرى لما تراه واشنطن فى ذلك «تقديراً» لمصالحها فى آسيا.
وبذلك تبقى العلاقات الصينية - الإسرائيلية - التى تتجه حالياً للنمو- معرضة للتراجع والانتكاس بسبب تشابكها مع العلاقات الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب. فإذا كانت إسرائيل تحتاج إلى الصين، فإنها أكثر احتياجاً إلى الولايات المتحدة التى تبقى الداعم الأول والأكبر لها.