6 بنات فى أسرة واحدة لم يكن هماً لعائل تلك الأسرة، الذى اصطحب اثنتين من بناته إلى الحاج محمد صاحب أقدم ورشة نجارة فى حى الشرابية، وطلب منه تعليمهما تلك الحرفة حتى تتحملا مسؤولية الأسرة بعد وفاته.
نادية وماجدة هما الابنتان اللتان دخلتا الورشة صغيرتين، وبمرور السنوات أصبحتا معلمتين فى الصنعة يشار إليهما بالبنان. عندما تدخل ورشة نادية وماجدة التى افتتحاها بمجرد أن شربتا أصول المهنة، تجد كلاً منهما منهمكة فى عملها، ماجدة (55 عاما) وقفت أمام منشار كهربائى، وأمسكت بقطعة خشب كبيرة، وحاولت قصها بعد أن رسمت بالقلم الرصاص على الجزء المراد قصه. ماجدة التى تشعر أثناء حديثك معها أنها معلمة كبيرة فى «كار النجارة» - تكرس كل وقتها فى العمل، تخرج منذ الصباح الباكر، ولا تعود إلى بيتها إلا مع حلول المساء، وبينهما يوم طويل من العمل والفصال مع الزبائن.
عمل ماجدة وشقيقتها نادية فى مهنة النجارة يرجع إلى عام 1965، عندما دفع بهما والدهما إلى سوق العمل مبكرا، وقالت ماجدة: «مع تدهور صحة والدى وقبل وفاته بعدة شهور قرر أن يعلمنى أنا وأختى حرفة النجارة خاصة أننا 6 بنات أخوات، وكان لازم حد فينا يتولى مسؤولية والدتى وأخواتى».
بين الأدوات الكهربائية الخطيرة ووسط تطاير نشارة الخشب، ظلت ماجدة صامدة فى ورشتها رغم عدم اعتراف أهالى المنطقة بها هى وأختها فى البداية، لكنهما أثبتتا للجميع أنه لا فرق بين رجل وامرأة فى أى عمل: «فى البداية كانت الناس لا تعترف بنا، ومحدش كان بيصدق إنه فى بنات ممكن تشتغل فى مهنة النجارة لإنها بالفعل مهنة خطيرة وتحتاج لمجهود كبير لا يقدر عليه سوى الرجال وكنا بنسمع تعليقات تسخر منا لكن أنا وأختى أصرينا على إننا نثبت للجميع نجاحناً.
ماجدة التى لم تتزوج حتى الآن لتتفرغ لحرفتهاللإنفاق على والدتها وأخواتها البنات قالت: «قررت أتفرغ لعملى وأتحمل مسؤولية أسرتى خاصة أن والدتنا مريضة وتحتاج لعلاج فى الشهر بـ200 جنيه». صباح كل يوم تخرج ماجدة ونادية إلى المغالق فى الشرابية وتشتريان الأخشاب المستخدمة بالكيلو مقابل جنيه ونصف الجنيه، وتصنعان منها «طبالى وأدراج»: «فيه ناس كتير أوى على قد حالها، وبتلجأ للخشب من النوع ده عشان يكون أرخص، بشيل الخشب على كتفى وأرجع على الورشة أشتغل، إذا كان هعمل دولاب ولا ترابيزة وكل فين وفين على ما نعمل غرفة كاملة، وده بسبب الحالة الاقتصادية السيئة اللى بيمر بها الناس».