ليس غريبا هذا العام على دورة المهرجان الرابعة عشرة أن تم عرض 4 أفلام وثائقية دنماركية موجهة للأطفال وعن الأطفال ضمن برنامج الاحتفال بالسينما الدنماركية، فمن الواضح أن ثمة توجه عام خلال عملية انتقاء الأفلام من ناحية ومن خلال ما أنتجته السينما التسجيلية العالمية بالتركيز على عنصر مهم من عناصر المجتمع الإنسانى وهو الأطفال.
إن الطفولة عادة ما تعنى المستقبل والغد والقادم، وهذا معناه أن السينما التسجيلية إما أنها تستشعر الخطر المحدق بالأجيال الجديدة أو أن صناع الأفلام التسجيلية اعتبروا أن أجواء الجحيم التى يعيشها الأطفال فى أماكن كثيرة من العالم بسبب الحروب والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية تعنى أن هناك أزمة روحية وفكرية تواجه البشرية فى مرحلة من المفترض أنها تمثل حالة انتقالية لصعود دول وعوالم جديدة وانهيار كيانات وأفكار سيطرت لعقود على الإنسان منذ ما قبل الألفية الجديدة.
على اختلاف برامج المهرجان وأفلامه الرسمية التى تصل إلى185فيلما نستطيع أن نرصد بسهولة عشرات التجارب التى تتخذ من الأطفال إما محورا للطرح الفكرى أو معادلاً سينمائياً أو درامياً لجزء من هذا الطرح، ففى الفيلم المصرى- الدنماركى- الوحيد المعروض ضمن برامج المهرجان «نصف ثورة» من إخراج»كريم الحكيم» و«عمر الشرقاوى» نجد ذلك الحضور الآسر للطفل الصغير ابن كريم كمعادل رمزى لحالة فقدان الإدراك لطبيعة ما يحدث فى البلد أثناء ثورة يناير.
وبالمثل نجد الحالة قريبة جدا من الفيلم الفلسطينى المهم «خمس كاميرات مكسورة» من إخراج «عماد برنات» و«جاى ديفيد» حيث يصنع المصور عماد برنات من سنوات عمر ابنه «جبريل» معادلا دراميا وفكريا للكاميرات الخمس التى تتكسر واحدة تلو الأخرى أثناء تصوير المواجهات مع القوات الإسرائيلية نتيجة احتجاج أهالى قرية «عماد»على بناء الجدار العازل، حيث يقوم «عماد» بتصوير ابنه كل عام بكاميرا جديدة، وعندما يكبر يبدأ فى اصطحابه إلى المواجهات، كى يتربى على المقاومة.
أما فى الفيلم الكندى «سائقو الصحراء» للمخرجة «فيك سارين» فثمة ذلك الشعور بالخطر المحدق على مستقبل الطفولة، من خلال فيلم يتخذ شكل التحقيق المصور عن الأطفال الذى يتم استقدامهم من باكستان وبنجلاديش ودول شبه القارة الهندية فى أعمار الخمس والسبع سنوات من أجل العمل فى مهنة ركوب الجمال أثناء مسابقات الهجن الشهيرة التى تنتشر فى دول الخليج العربى، وتعرضوا لشتى أنواع الأذى النفسى والبدنى بسبب منعهم من تناول الطعام، كى تظل أجسامهم خفيفة فوق الجمال بالإضافة إلى تعرضهم للاغتصاب الجنسى من قبل أصحاب المزارع ومدربى الهجن.
ومن أهم الأفلام التى تعرضت لواقع الأطفال المزرى فى العالم «فى أحضان أمى» وهو إنتاج إنجليزى هولندى حاصل على منحة سند من مهرجان أبوظبى ومن إخراج «محمد وعطية الدراجى» حول مجموعة من أيتام الحرب الذين فقدوا آباءهم فى الانفجارات الإرهابية من الاحتلال الأمريكى للعراق ويعيشون فى دار خاصة للأيتام ليكونوا مواطنين صالحين، بدلا من أن تتلقفهم التنظيمات الإرهابية أو الانحرافات السلوكية ويصنع الفيلم معادلا فكريا مهماً يتمثل فى طرح فكرة الدولة- الأم.
وعبر برنامج تكريم المخرج الإسرائيلى «آيال سيفان» الذى يعتبر أحد مناهضى سياسية إسرائيل تجاه العالم والملقب بصانع المتاعب عرض فيلم «عبيد الذاكرة» الذى صوره المخرج عام 1990 وقدم من خلاله تشريحا مهماً لكيفية زراعة مبادئ الكراهية والتعصب الصهيونى العنصرى فى نفوس الأجيال الجديدة من الأطفال والشباب الإسرائيليين، عبر مناهج التعليم وتوجهات الدولة وتسميم عقول الأجيال الجديدة بزرع كراهية العالم فى نفوسهم.
وفى فيلم «فجر يوم جديد» من جنوب أفريقيا للمخرجة الشابة رالى جرانينولد نتعرف على رحلة طبيب جراحات تجميلية شهير يقرر ترك المستشفى الذى يعمل به ليتجه إلى بنين فى شرق أفريقيا، كى يقوم بإجراء جراحات تجميلية قليلة التكلفة للأطفال الذين فقدوا أعضاءهم أو تشوهوا فى الحروب الأهلية.