x

«المصري اليوم » ترصد احتقان الشارع البورسعيدى: آثار «المجزرة» تسكن القلوب

الجمعة 16-03-2012 18:29 | كتب: ولاء نبيل |
تصوير : محمد راشد

«بوابة حديدية ضخمة مخلوعة وملقاة على الأرض.. أسفلها بقايا أحذية.. وكسر أحجار.. وزجاجات فارغة.. وبقع جافة لدماء ضحايا مجزرة بورسعيد».. هذا هو ما تبقى من مشاهد تلك المذبحة الأليمة التى مر عليها أكثر من شهر لتترك خلفها جرحاً لا يقل قسوة عن الألم المعنوى لذكراها، وهو الصورة الذهنية السيئة التى رسخها الإعلام الرياضى عن شعب بورسعيد، الذى شاء القدر أن يقع الحادث فوق أرضه ليجد نفسه بين ليلة وضحاها متهماً، يواجه أبشع الشتائم، ويشبَّه بأدنى الأوصاف، ما فرض عليه حالة من الحصار النفسى، لم يعشها الأهالى خلال مقاومتهم العدو الصهيونى.

«المصرى اليوم» حاولت الاقتراب من مواطنى بورسعيد الذين يشعرون بثقل هذا الحاجز النفسى بعد أن أصبحت المحافظة محاطة بسياج من الكراهية - على حد تعبيرهم.

بدأنا الجولة من أمام الاستاد - حيث وقعت المجزرة - الذى يشهد هدوءاً فى حالة المرور، وجدنا مكتوباً على السور عبارات غاضبة، منها «دولة بورسعيد المستقلة.. عاصمتها المصرى» يقصدون النادى المصرى، «أهلاً بك فى دولة بورسعيد»، «الشعب يريد دولة بورسعيد».

وكتب الأهالى عبارات تؤكد مدى ارتباطهم وتعلقهم بـ«المصرى» منها «لو مصر كلها احمرت بورسعيد هتفضل خضراء»، و«المصرى فوق الجميع»، و«أنا المصرى 56.. إنت مين»، وهو ما علق عليه محمد على وشهرته «ميمى الزهيرى»، لواء القوات المسلحة المتقاعد، والرئيس الأسبق للنادى المصرى، قائلاً: «محاولة التقليل أو اتهام النادى المصرى بأى تهم يعنى إهانة أهالى بورسعيد بأكملهم، والتشكيك فى انتمائهم لمصر، ليس فقط لأن النادى مرتبط باسمها، أو لأنه يحمل اللون الأخضر لعلمها القديم، ولكن لأن ظروف نشأته الجهادية، وبدافع وطنى عام 1920 عقب ثورة 19، جاءت كمحاولة من شعب بورسعيد لتأسيس ناد مصرى قوى، بين 6 أندية أجنبية قوية فى هذا الوقت، فلم يكن هناك سوى ناديى النادى الأهلى والموظفين، وكانا ضعيفين».

وقال «الزهيرى» إن النادى فريق «كابى حيفا» الإسرائيلى عرض أواخر الثمانينيات لعب مباراة ودية مع المصرى لتعميق فكرة التطبيع، وعرض مبلغاً يزيد على 300 ألف دولار، لكنه رفض العرض رغم أنه كان يعانى من أزمة مالية تصل لحد عجزه عن دفع تكلفة تأجير الفنادق، وشراء الملابس الرياضية للاعبين، وسداد الضرائب، بل كان يطلب من اللاعبين الناشئين لديه شراء أحذيتهم على نفقتهم.

واليوم يفاجأ مسؤولو ومشجعو النادى بدعوات إعلامية تقلل من شأن، ناديهم وتطالبه باللعب مع العدو الإسرائيلى، كما حدث من بعض القنوات الرياضية.

ومن الحصار النفسى الكروى إلى الإنسانى الذى يعانيه الشعب البورسعيدى منذ المجزرة، حتى وصل الأمر بهم إلى حد فقدان الشعور بالأمان فى محافظتهم، وأنهم مطاردون فى أى مكان تطؤه أقدامهم، مثلما يروى علاء الكفراوى، سائق تاكسى من بورسعيد، الذى استعاد ذكريات حادث الاعتداء عليه فى ميدان روكسى أثناء توصيله مريضة بورسعيدية لمستشفى «هليوبوليس»، حيث فوجئ بـ6 أفراد، أثناء وقوفه فى الإشارة، ينهالون على سيارته بالشوم ويحطمون المرايا والزجاج الأمامى، قبل أن ينزعوا اللوحات المعدنية المكتوب عليها «أجرة بورسعيد» ليضطر آخرون إلى طمس هوية لوحات سياراتهم تماماً، قبل خروجهم بها من المحافظة، خوفاً من تعرضهم للأذى - حسب قوله.

وقال أسامة نور، صاحب معرض تأجير سيارات: «أجبرنا العداء الذى خلقه الإعلام الرياضى ضدنا على الهروب من هويتنا، فأصبح كل من يفكر فى السفر بسيارته إلى القاهرة إما أن يغير اللوحة المعدنية تماماً، ويكتب أى نمر عليها وينسبها لمحافظة مجاورة، أو أن يقوم بلصق استيكر فوق النمر، أو أن يطليها بالبويات لتغيير الكتابة فوقها».

ولتجنب الوقوع فى أى مخالفة مرورية يحتفظ «أسامة» بلوحات السيارة الأصلية فى سيارته لإظهارها لرجال المرور فى أى لجنة، الذين وصفهم بأنهم «يتفهمون الموقف ويقدرونه».

وفضل عادل نور ترك سياراته الثلاث وتأجير أخرى من محافظة دمياط بتكلفة 500 جنيه، للذهاب بها لمطار برج العرب واستقبال ابن أخيه، وقال: «أخسر 500 جنيه أفضل من أن أخسر سيارة تتجاوز الـ50 ألف جنيه».

وفى لهجة غاضبة وقفت أميرة يحيى، موظفة، لتصيح وسط المارة: «حلفنا 100 يمين أننا بريئون من المذبحة، لكنهم تركوا المتهمين الحقيقيين وركزوا علينا، تركوا حق الشهيد وركزوا على المصرى وإهانة بورسعيد».

ووصلت إهانات الإعلام الرياضى لأهالى بورسعيد لدرجة وصفهم بالجرثومة والمجانين، والمعقدين الذين يعانون النقص، والكذابين وشعب أبولمعة، وكلها ألفاظ فجرت حالة من الاحتقان لدى الأهالى، لأنهم على عكس ما يوصفون به، كما تقول أميرة، فأغلب السكان يعيشون فى رفاهية وهدوء وراحة، ولا يعانون كباقى المحافظات من أزمات الخبز والأنابيب فمن أين ستأتى عقدة النقص..؟

ورغم رفضها مبادرة رفع العلم الإسرائيلى فى جمعة «احذرونا»، التى وصفتها بتصرف طائش من أحد الشباب، إلا أنها طالبت بمحاكمة أحد رموز الإعلام الرياضى الذى وصفته بالناضج، لكونه يحمل رسالة دكتوراه، ويعى مدلول كلامه، وقتما طالب النادى «المصرى» باللعب مع إسرائيل.

وكثرت أوجاع الأهالى إلا أن خوف الطلبة من الذهاب لكلياتهم، رغم اقتراب موعد الامتحانات، كان أكثر هموم إحدى الأمهات - التى رفضت ذكر اسمها - حيث يخشى ابنها التعرض للإهانة بالسب أو الضرب وسط زملائه فى المدرج لمجرد أنه بورسعيدى، وفضل المكوث فى المنزل ومراسلة زملائه على الإنترنت لأخذ المحاضرات.

ويستنكر أحمد الشربينى، أحد الأهالى، حالة الكراهية التى يبديها المصريون لأهالى بورسعيد، التى تجسدت فى أبشع صورها بعد أن وصلت لحد قطيعة الأرحام، فزميله المتزوج من قاهرية أصبح أهلها يرفضون زيارته لهم.

ولم يسلم كبار السن من بركان الغضب حيث ألغت دور المسنين بالمحافظة جميع الرحلات السنوية التى اعتادت تنظيمها لنزلائها فى مثل هذا التوقيت، خشية تعرضهم للأذى إذا ما علم أحد أنهم من بورسعيد.

وقالت زينب الكفراوى، عضو جمعية «نادى الوفا للمسنين»: «خايفين نخرج بالمسنين فى أى مكان، لأنهم ناس كبار جداً فى السن، ومش هيتحملوا أى صدام إذا حد عرف إنهم من بورسعيد، وعلشان كده لغينا كل الرحلات، ومنها العريش والأقصر وأسوان، اللى اعتادوا زيارتها فى هذا التوقيت، وفكرنا نخرج بيهم للمحلة أو أى مكان قريب، لكننا تراجعنا لنفس السبب».

وبالقرب من مقهى «النزهة»، أحد أشهر المقاهى التى يتردد عليها مشجعو المصرى، التى تباع من خلالها تذاكر مبارياته، علق مجموعة من الشباب عدداً من اللافتات مكتوباً عليها «إذا كان الأهلى نادى الدولة.. مرحباً بتسليم الجنسية الأهلاوية»، و«ظلمتونا.. احذرونا.. شباب جمهورية بورسعيد»، و«النادى المصرى.. خط أحمر». وعلى بعد أمتار من المقهى يقع محل هانى السيد لبيع وإصلاح الإطارات فى الحى التجارى، الذى مر من أمامه الشباب الذين يحملون العلم الإسرائيلى خلال مسيرة «احذرونا»، وقال وهو مطأطئ الرأس: «طول عمرنا بلد الكفاح.. واللى حصل ده من كتر الضغط علينا».

لحظات من الصمت سادت محله الصغير قبل أن تكسرها لهجته الحزينة وهو يصف حالة الحى التجارى منذ الأحداث قائلاً: «أنا بافتح المحل الساعة 1 و2 ظهراً من قلة الزباين، بعد ما كنت بافتح الساعة 10 صباحاً والناس بتبقى قاعدة على الأرض فى انتظارى.. ماعدش قدامنا حاجة غير متابعة قنوات التليفزيون اللى بتشتم فينا طول الليل».

وطالب «هانى» مسؤولى الإعلام الرياضى، الذين نجحوا فى تشويه صورة شعب بورسعيد، بالنزول إلى الشارع البورسعيدى لقياس حجم «وقف الحال» الذى يعانيه الأهالى، وقال: «فى إيه بعد ما وصل بينا الحال لدرجة دفعت البعض لتنظيم رحلات تضامنية مع التجار كأننا بناخد معونة».

ويؤكد محمد مختار، صاحب كشك بيع ملابس بنفس الحى، أن تشويه صورة بورسعيد دفع التجار الذين يتعامل معهم إلى رفض دخول سيارات نقل البضائع إلى الحى، وطلبوا من تجار بورسعيد تدبير وسيلة أخرى لنقل البضائع إليهم، الأمر الذى أجبره على التعاقد مع شركة شحن خاصة، لنقل البضائع بتكلفة تضاعف القيمة الحقيقية للنقل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية