x

كتاب يرى أن نهاية الصحف الفرنسية المطبوعة «مسألة وقت»

الأربعاء 07-03-2012 17:03 | كتب: أيمن عبد الهادي |
تصوير : other

هل يمكن أن تبحث يوماً ما عن جريدتك المفضلة ولا تجدها؟ نعم هذا أصبح محتملاً جداً، كما يعلن الصحفى الفرنسى برنار «بوليه» فى كتابه الذى حمل عنوان «نهاية الصحف ومستقبل الإعلام». بوليه، الذى يعد من أهم المراقبين فى مجال الإعلام، اعتبر نفسه أكثر صراحة من الكل لأنه لم يدفن رأسه كالنعامة وأشار صراحة إلى أنه حان وقت الذعر لأن الصحيفة كما عهدناها أصبحت إلى زوال. يقول «بوليه» إن الفرق فى التعامل مع مسألة «نهاية الصحف» والتساؤلات حول بقاء الصحافة الإخبارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين دولة مثل فرنسا، أن المعنيين بالأمر فى الأولى يحاولون جعل القضية محلاً لنقاش عام ساخن، أما فى الثانية فالجميع يتكلم عن محاولات للإصلاح و«لم تناقش حتى اللحظة فرضية إمكانية اختفاء جوهر الصحف الورقية والمنعطف الذى تمر به عملية إنتاج الإعلام». ويظل الأمر المؤكد أن «مسألة اختفاء الصحافة الإخبارية المكتوبة والمطبوعة ورقياً صار بمثابة نقاش محظور فى فرنسا». ويرى المؤلف أن فى هذا السلوك نوعاً من المكابرة أو الهروب من معالجة قضية أساسية تمثل «طقساً اجتماعياً وتقليداً عتيقاً فى صلب الحضارة الراهنة».

الصحافة بالفعل فى أزمة والجميع يدرك ذلك. وقد نبه، كما يشير بوليه، رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزى إلى أهمية هذا الأمر، مما جعله يطلق «الهيئة العامة للصحافة المكتوبة» فى خريف 2008، إلا أنها لم تقم بأكثر من تعديل فى عملية التنظيم ويمثل أهم ما صدر عنها فى الفقرة التالية: «سنعمل على تحسين عملية التوزيع وتخفيض تكاليف الطباعة وإعادة رسملة مؤسسات الصحافة وتطوير مواقع الإنترنت وإعادة تنظيم المساعدات»، كل ذلك لأجل أن يقبل القراء الفرنسيون من جديد على شراء صحفهم، خاصة أن رئيسهم «يؤمن بمستقبل الصحافة».

ثمة نبرة ساخرة تهيمن على أسلوب برنار بوليه فى كتابه الذى صدرت ترجمته العربية حديثاً: «لا ينبغى القول إن الإعلام مهدد بالموت، لأن رئيس الجمهورية لا يعتقد أنه سيأتى اليوم الذى لن يكون هناك أحد مستعداً للدفع من أجل التحليل والاستقصاء». ولا ينبغى التأكيد أن العديد من كبريات الصحف قد تختفى قريباً، لأن الاتحاد العالمى للصحف يؤكد لنا أن الصحيفة هى مؤسسة إعلامية فى قمة النمو». يسخر لأنه يؤمن أن نهاية الصحف وشيكة و«أنها مسألة وقت» وثمة أدلة كثيرة: ينقل الكتاب تصريحاً لإيريك فوتورينو مدير صحيفة «لوموند»: «النموذج الاقتصادى الذى بنى عليه مجدنا منذ عقود عدة يتآكل أمام أعيننا. وهذه الحالة المثبتة تنطبق بحق على الأغلبية الساحقة من الصحف اليومية، فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال فى أوروبا». وما يلى يؤكد كلام «فوتورينو»: «فى 2001 بلغت الإيرادات الإعلانية لصحيفة «لوموند» مستوى قياسياً برقم 100 مليون يورو» أما اليوم فلا تتجاوز بالكاد 50 مليون يورو. ويذكر أن عائدات «لوموند» من الإعلانات بلغت بعد الحرب العالمية الثانية 40%، وفى السبعينيات 60% أما اليوم فانخفضت إلى ما يقرب من 20%. وهذا هو الحال مع أهم وأعرق صحيفة فرنسية على الإطلاق، والحال أكثر سوءا بالنسبة لبقية الصحف.

لا داعى إذن من المكابرة وادعاء أن ثمة «استثناء فرنسياً» فيما يتعلق بصحفها، لأن التمسك بهذه الفكرة يصيب بالعمى عن رؤية الواقع كما هو بالفعل. ويدلل برنار بوليه: انخفاض فى مستوى توزيع الصحف غير المجانية «3.8 مليون صحيفة يومية كانت تباع كل يوم فى 1974، و1.9 مليون فى 2007»، انهيار أرقام الإعلانات بالنسبة للصحافة اليومية الوطنية فقد انخفض إلى ما دون مستواه فى 1990، وانخفض عدد الصفحات الإعلانية فى الصحف اليومية بمعدل 32.5 % فى أقل من عشر سنوات، وانهيار سوق الإعلانات المبوبة ومنافسة الصحف المجانية التى ارتفعت إيرادات الإعلانات فيها بمعدل 30% منذ 2002، وأصبحت صحيفة «فان مينوت» الصحيفة اليومية الوطنية الأولى فى 2007 بعدد 2.617.000 من القراء، ارتفاع تكاليف الصناعة وسعر الورق والمواد الأولية ومصاريف التوزيع والعدد الضعيف لنقاط البيع «29.000 فى فرنسا مقابل 105.000 فى ألمانيا»، وعدم الاهتمام المتزايد من قبل القراء الشباب على قراءة ما هو مطبوع: 59% من الفرنسيين ممن عمرهم أكثر من خمس عشرة سنة كانوا يقرأون صحيفة يومية عام 1967 فى حين لم تعد نسبتهم فى 2005 سوى 34%، وحوالى 43% من قراء الصحف اليومية الوطنية أعمارهم أكثر من خمسين سنة.

هكذا يتوصل مؤلف الكتاب إلى الخلاصة: النموذج الاقتصادى لمعظم الصحف مهشم، وحتى علم البيئة ذاته أتى ليدق مسماراً فى التابوت، فصناعة تدوير الأشجار والشاحنات أيضاً أصبح ينظر إليهما باعتبارهما مضرين بالبيئة. كأن الكل تحالف ضد الصحيفة الورقية خصوصاً زلزال الإنترنت واستخداماته الخبرية الذى هز عرشها المهزوز أصلاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية