«أمنيتى المستحيلة أن أمنح فرصة جديدة للعيش.. أن أولد من جديد.. لكن فى ظروف مغايرة.. أجىء مزوداً بتلك المعارف التى اكتسبتها من وجودى الأول الموشك على النفاد.. أولد وأنا أعلم أن تلك النار تلسع.. وهذا الماء يغرق فيه من لا يتقن العوم.. وتلك النظرة تعنى الود.. وتلك التحذير.. وتلك تنبئ عن ضغينة.. كم من أوقات أنفقتها لأدرك البديهيات.. ومازلت أتهجى بعض مفردات الأبجدية».. تلك كانت فلسفته التى كتبها وطبقها فى الأدب وفى الحياة.. ولايزال ينتظر.
جمال الغيطانى.. لا يحتاج منا أن نسرد تاريخه أو أن نعرّف به، لكننا نحن الذين نحتاج إلى رؤيته وعقله النافذ كواحد من أهم مثقفى وكتاب مصر، خاصة بعد تغير الحال، وما عشناه ومازلنا فيه من اضطراب وقلاقل فى أعقاب ثورة يناير وما يتبعها من تحولات حاسمة، وشهدت البلاد بعدها تغيرات هى الأكثر تأثيراً فى تاريخ الأمة، وما تبعها من تحولات حاسمة مست كل أطياف المجتمع وكل مؤسساته السيادية وأصبح الجميع من أحزاب وقوى سياسية وثورية يتصارع من أجل اقتسام الفوضى، ومن هنا جاء الحوار مع الروائى الكبير الذى كان من طليعة المدافعين عن قضايا التنوير والتعددية الفكرية.
■ هل أنت راض عن أداء الدكتور محمد مرسى منذ تقلده منصب رئيس الجمهورية؟
- بالطبع لا، حتى هذه اللحظة الوضع ليس مخيباً للآمال فقط، وإنما هناك بوادر سلبية ومخيفة تهدد المستقبل، ومن المفترض أننا الآن فى وضع جديد، والشعب خرج من الثورة ولديه تطلعات كبيرة فى التحسن، أهم شىء كان يجب أن نشعر به هو الأداء الرئاسى الذى لم يتغير عن شكله القديم، ولاحظت أن الجلسة التى كان يجلسها «مبارك» مع ضيوفه هى ذاتها التى يجلسها «مرسى» مع ضيوفه. للأسف الوضع القديم مازال مستمراً وقوياً بل أسوأ منه، وإلى الآن لم يشعر المواطن بأى تغيير فى أى شىء: الوضع الاقتصادى سيئ جداً، الإخوان لم يستطيعوا حتى الآن أن يلبوا احتياجات المواطن الأساسية، وهناك أزمات فى البنزين والسولار، وسيأتى اليوم الذى سيختفى فيه رغيف الخبز ويحدث ما كنا نتخوف منه أيام مبارك «ثورة الجياع»، ومشروع الإخوان المزعوم «النهضة» لم يحدث منه شىء واضح.تصريحات خيرت الشاطر عن المشروع غير واضحة ومن مؤتمر الدوحة أريد أن أوجه سؤالاً للجماعة: ما هو مشروع النهضة؟.. وما هو برنامجهم الاقتصادى؟.. ما مشروعاتهم لتحقيق العدالة الاجتماعية؟.. هل الاكتفاء بدفع الزكاة؟.. أو نزول المحافظ لابس جلابية خليجية عشان يفتش على الرعية ويقول لهم لقد ابتليتم بى وكأنما هو أبوالحجاج الثقفى؟، ليست هناك أمور واضحة فى أى مجال، والمجال الوحيد الذى اتضح الموقف منه هو العداء للثقافة والحريات، وصحيح أن الشعب اختار الإخوان، لكن المدة الماضية كشفت عن أنه ليست لديهم الكوادر الكافية لإدراة الدولة، ويساعدهم الآن «المتأخونون» وهم أخطر من الإخوان، لأن المتأخون منافق، فنجد أناساً أطلقوا اللحى وارتدوا الجلباب وتغير سلوكهم، وهناك المتعاطفون معهم، كنت أنتظر أن تأتى حكومة فيها كفاءات حقيقية بغض النظر عن انتماءاتهم وبرئيس صريح «مش إخوانى متنكر»، ومن يتصور أن «مرسى» أنفصل عن الجماعة، أو الحزب يبقى «ساذج ومبيفهمش»، هو بديل لرجل الإخوان الأول والأقوى خيرت الشاطر، وحتى هذه اللحظة هو قناع لشخصيات أخرى، ولا أشعر أنه رئيس لكل المصريين، كما أنى أشعر أن هناك أكثر من مركز للرئاسة، وهناك تصريحات تصدر من رؤوس إخوانية يجب ألا تخرج إلا من الرئيس ذاته، كالشاطر والبلتاجى والعريان والبرنس، «أنا عاوز أعرف كام واحد بيرأسنا؟»، كما أنهم لا يتركون «مرسى» يعمل ويشوشون عليه، كنت أتمنى أن يكون هناك إعلان واضح وعلنى لخطوات الرئيس، فيما يتعلق بشكل الحكم، وكتبت أكثر من مرة وطالبته بإرساء قواعد لمن يتولون الوظائف العليا فى الدولة وهذا المسؤول يكشف عن قيمة راتبه عند بداية عمله وبعد أن يتركه ويعلن أيضاً «هو معاه كام»، وبالتالى تتم محاسبته بشكل حقيقى، فخيرت الشاطر مثلاً من أخطر الشخصيات الموجودة فى الدولة وأحد الذين يديرون الأمور من خلف الستار من أين أتت ثروته؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حكم الإخوان أدى إلى ظهور طبقة من رجال الأعمال لا نعرف كيف تكونت ثرواتهم مثل حسن مالك، يبدو الأمر كما لو أنه تم استبدال «كتالوج» رجال مبارك بكتالوج آخر لرجال مرسى.
■ كيف ترى رحلات مرسى لـ«إيران والصين والسعودية» وغيرها؟
- رحلات الرئيس للخارج، كانت كثيرة، ومبالغاً فيها، ولو أحصينا عدد الأيام التى قضاها فى القاهرة منذ توليه الحكم سنجدها قليلة جداً، وعدد المرافقين فى سفرياته أكثر من الذين كانوا يسافرون مع مبارك، ففى إحدى رحلات «مرسى» الأخيرة سافر معه 150 مرافقاً! وأنا كمواطن من حقى أن أعرف تكاليف هذه الرحلات، والعائد الاقتصادى والسياسى منها، وإذا تحدثنا عن رحلة إيران. فقد كانت مهمة وضرورية جدا، لكنى كنت أتمنى ألا يقع الرئيس فيما وقع فيه، لم يكن من اللياقة أن يبدأ بخطبه دينية محرجة للضيف والمضيف، ولم يكن من الكياسة أن يذكر الخلفاء الراشدين فى بلد يعلم أنه شيعى، وأستطيع أن أقول إن الشرق الأوسط سيتغير إذا حدث تحالف بين ثلاث دول «مصر وإيران والسعودية»، خاصة أن الكيانات الكبيرة فى المنطقة مهددة مثل سوريا، التى أوشكت على السقوط، وإذا سقطت سينعكس ذلك على الدول المحيطة، زيارة الصين لم يكن فيها جديد، وما تم الاتفاق عليه كان يمكن للملحق التجارى بالسفارة المصرية أن يقوم به، أما بالنسبة للسعودية فلا أتصور أنها ستدعم الإخوان، خاصة أن لديها تحفظات كثيرة عليهم، هم يدعمون السلفيين، وأخشى أن زيارة «مرسى» للسعودية ستجعل البعض يعتقد أن هناك تبعية من القيادات المصرية لها، وهذا كان موجوداً أيام مبارك.
■ كيف ترى أحداث رفح وهل كان هناك مخطط لضرب المؤسسة العسكرية خاصة بعد تصريحات رئيس المخابرات المصرية بعلمه قبل حدوثها ومطالبة إسرائيل رعاياها بالرحيل عن سيناء لتشككها فى حدوث هجمة إرهابية؟
- الجيش المصرى الآن هو الخاسر الأكبر بعد الثورة، رغم الدور الذى قام به، وحالة الالتحام التى حدثت بينه وبين الشعب فى الأيام الأولى للثورة، فالظروف وضعته فى مهمة ليست من مهامه، والمجلس العسكرى أساء التصرف، ولا أعرف ما الذى حدث لأن أسرار المرحلة لم تتكشف بعد، وهناك العديد من التساؤلات: هل كان هناك اتفاق بين العسكرى والإخوان؟ وهل كان هناك خطة من أمريكا لمساندة أنظمة فى المنطقة ذات خلفية إسلامية مثل تونس وليبيا، بهدف خلق تكتل سنى فى مواجهة إيران، وهل كان هناك خطة لتقسيم المنطقة على أساس طائفى لإيجاد صراعات فيما بعد كـ«سايكس بيكو»، ويمكن أن يكون لأجل خلق دول ذات حكم دينى لتكون مبرراً ليهودية إسرائيل، المقرر أن تتم خلال السنوات القادمة، أنا خائف على الجيش المصرى، وانهيار أى دولة يأتى بانهيار جيشها، مثلما حدث مع الجيش العراقى، والآن الجيشان السورى والمصرى هما آخر قوة عسكرية موجودة عربياً، والخطأ الذى وقع فيه المجلس العسكرى هو عدم إقرار الدستور أولا، العقل يقول أن نبنى النظام السياسى أولاً ومن ثم نضع الخطة التى سنسير عليها، لأنه بمثابة العقد بين السلطة والشعب، والقادة العسكريون لم يفهموا طبيعة الثورة، ولم يتحالفوا مع القوى التى قامت بالثورة، بل وقع صدام بينهم، كما أن الثوار لم يكونوا يعلمون تاريخ وطبيعة الجيش المصرى، وكنت حزينا عندما كنت أسمع هتاف «يسقط حكم العسكر»، وكان من العيب أن نهتف ضدهم، وهذه كانت الخطوة الأولى لضرب العلاقة بينهما، ورغم الأخطاء التى حدثت فأنا ضد الهجوم على الجيش أو إهانته، وهذا الهجوم حقق شيئاً لم تستطع حتى إسرائيل أن تفعله، وهو وضع الجيش كقوة معادية للشعب، المجلس العسكرى لم يع خطورة أن يتعامل الجيش ويتصدى للمظاهرات، كمشهد سحل فتاة التحرير، والذى أصبح «بوستر» عالمياً يساء من خلاله للجيش، علينا أن نعترف أن الجيش تحمل المسؤولية كاملة فى ظل الغياب التام للشرطة، والخطأ الأكبر كان فى الدفع ببعض النخب العسكرية للشارع.
وبالنسبة لأحداث رفح، فهى غامضة وعليها علامات استفهام كثيرة، وأخشى أنها كانت السبب المباشر الذى أطاح بالمشير طنطاوى والفريق سامى عنان، والقيادات الأمنية المصرية لديها القدرة على معرفة من وراء الحادث، فإلى الآن لم نر صورة لجثة واحدة من المعتدين، كما أن الوضع على الحدود غامض جداً، وأنا متأكد أن حماس لها دور فيه.
■ خلفيتك كمراسل عسكرى جعلت لديك انتماء للجيش كما أنك تربيت على مبادئ الثورة والمشروع الناصرى الذى كان يكره الإخوان فهل سلم الجيش البلد للجماعة فى صفقة كما يقول البعض؟
- طنطاوى قام بتسليم مصر للإخوان، وهل كان ذلك صفقة أم لا فهذا عليه تساؤلات، والتاريخ سيحاسبه ورفاقه حسابا عسيراً، أنا حذر جدا فى الحديث عنه لأنى أحفظ له قامته التاريخية والعسكرية، والدور الذى قام به فى أكتوبر 1973، وهذا الموضوع لابد أن يتم التحقيق فيه وتديره أطراف محايدة، لأن هذا الكلام تردد بقوة ومن حق الناس أن تعرف ما الذى حدث، وهذه التساؤلات تطعن فى شرعية الرئيس الحالى، ومازلت أعتقد أن هناك قوة أكبر أجبرت «العسكرى» على تسليم البلد لـ«الجماعة»، وأحدثت ضغوطاً على كلا الطرفين، ولست أنسى يوم إعلان نتيجة الانتخابات، وكان فى ميدان التحرير اعتصام إخوانى رهيب، وأعلنوا فوز مرسى وإن البلد هتولع لو شفيق هو اللى فاز وهذا فى حد ذاته تزوير.
■ لو عقدنا مقارنة بين قيادة ثورة يوليو وقيادة ثورة يناير.. كيف ترى الأمر؟
- ثورة يناير لم يكن لها قيادة، القيادة فى «يوليو» كانت مكونة من 13 ضابطاً لهم خلفية سياسية ووطنية، استطاعوا أن يتعاملوا مع كل القوى السياسية المختلفة، وكانوا يمثلون كل المصريين، وكان فيهم شخصية قوية قادتهم هو «عبدالناصر»، لكن «يناير» كنت فى حاجة لقيادة مثل الدكتور محمد البرادعى، كما أن هذه الثورة جلبت لنا أسوأ ما فيها وأدت إلى تنامى شديد للتيارات الإسلامية، وهناك فصائل فى هذه التيارات تعتبر الجنود والضباط فى الجيش كفاراً، كما أن هناك ميليشيات عسكرية موجودة ينظر لها على أنها ستكون بديلاً عن الجيش فى المستقبل، ولأول مرة منذ قراءتى للتاريخ المصرى أشعر بقلق شديد وخطر حقيقى، فوصول الإخوان للحكم هو كـ«الغزو الأجنبى»، وأصبحت مصر بسببهم تخوض حرباً ضد مصر، وأتعجب من الذين يقولون عنهم إنهم قوى ثورية وإننا انتخبنا «مرسى» لأنه ثورى، هذا بالطبع مستحيل، الثورة لم تقم ليحكمنا الإخوان، فهم ليسوا فصيلاً سياسياً يأتى ثم سيرحل، هم جماعة منظمة لديها مشروع متكامل لتغيير هوية الدولة المصرية، وهم مستعجلون جداً لتنفيذه، وكل مواقفهم تؤكد ذلك، وإذا أرادوا إثبات حسن نواياهم عليهم ألا يقتربوا من مبادئ الدولة المصرية التى تكمن قوتها فى تعددها وتنوعها من مسلمين ومسيحيين.
■ هل لديك تخوف من أن الإخوان بعدما تسلموا الحكم لن يتركوه؟
- لا، سيرحل الإخوان، وسيسجل التاريخ رحيلهم، فمثلما جلبهم المصريون لسدة الحكم سيجبرونهم على الرحيل، لكنى أرجو لحين حدوث ذلك أن مصر «متدمرش»، رغم كل ما يحدث الآن أنا «مبسوط» لأنهم وصلوا للحكم، حتى لا يقولوا فيما بعد إنهم لم يأخذوا فرصتهم وإنهم جماعة «محظورة» كما كان يطلق عليهم، أتمنى أن تتجاوز مصر الحكم الإخوانى بأقل الخسائر.
■ كيف ترى العلاقة بين مصر وحماس بعد أحداث رفح؟
- أنا أسف لما سأقوله، حماس علاقتها بمصر مريبة وغريبة، وتثير مئات الأسئلة، بل تشكل خطراً شديداً عليها، مثلا اشتراك حماس فى الهجوم الذى تعرض له 90 مركز شرطة وسجن منهم فى سجن وادى النطرون الذى سجن فيه مرسى نفسه بعد أحداث الثورة، وهناك دلائل قوية على ذلك، وهناك أسئلة تدور فى الأفق أهمها: «هل دبرت حماس حادث رفح لتسهيل مهمة الإخوان فى عزل المجلس العسكرى؟»، تجاهل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة كارثة، وعلى وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى، أن يجيب عنها، وجهاز المخابرات الذى كان مسؤولاً عنه، يجب أن يصارحنا، سيناء الآن فى خطر، وأخشى أن تكون أول جزء ينتزع من مصر، والخطورة فى المستقبل التى يجب أن ننتبه لها أن هناك مشروعاً إسرائيلياً بتهجير 1.5 مليون من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء والعريش، ووجود الإخوان فى السلطة سيجعلهم يقبلون هذا الوضع من باب الإخوة والإسلام، وسيكون تمهيداً لفصل سيناء عن مصر، وبالتالى «إسرائيل تنبسط وتستريح»، نحن ضد أن يترك الفلسطينيون أرضهم، خاصة أن فلسطين لها مكانة خاصة فى قلوب المصريين، وجيلنا تربى عليها والحروب التى خضناها جوهرها كانت لأجلها، وحماس هى التى أضرت بالقضية الفلسطينية، لأنها حولتها من قضية وطنية على أرض وحدود إلى قضية دينية، فحماس والإخوان لا يؤمنون بفكرة الوطن، مثلما قال المرشد ذات مرة «طظ فى مصر»، الوطن عندهم ليس معترفاً به، والبديل عنه هو «الأمة حيث يوجد الإسلام»، وعلينا ألا ننسى أن حماس هى الفرع والإخوان هم الأصل.
■ بين الشعب والشرطة «تار قديم» بفعل الممارسات القمعية والتعذيب من قبل الأمن.. فهل يغفر الناس هذه الأخطاء؟!
- نعم ترسخ لدى الناس صورة مؤلمة ودموية، عن الشرطة طوال السنوات الماضية، لكنهم بعدما شاهدوا حالة الانفلات الأمنى، تأكدت حاجتهم الحقيقية للشرطة، ونجد أن أهم مطالبهم الآن هو عودة الأمن إلى الشارع بكل طاقته، وأدرك أن «الشرطة مش بتقتل بس لكنها كمان بتحمى»، وعلى الشرطة أن تقوم بدورها كما يجب ويشعر بها الناس.
■ كيف تقيم أداء الجمعية التأسيسية للدستور الآن؟
- الدستور الذى سيخرج من «التأسيسية» مزور وباطل، لأنه لم يشارك فيه كل فئات الشعب، ولابد من إلغاء الجمعية وإذا تم حلها فهذا معناه أن الدولة المصرية بدأت تدافع عن نفسها، وسيبدأ المصريون يتحركون لصد «الغزو الإخوانى»، وهذا «الحل» سيحمينا من خطر الدستور الذى سيكرس للمرجعية الدينية، على الدستور القادم أن يؤسس للدولة الحديثة، التى لن تبنى نفسها إلا بإلغاء المادة الثانية التى كانت موجودة بشكلها فى دستور 71، ولم يكونوا راضين عنها، وأضافوا إليها الأزهر كمرجعية، وعلى الدستور الجديد أن يركز على المواطنة، وعدم إقصاء المفكرين والكتاب والمثقفين.
■ اختارتك وزارة الثقافة ضمن وفد المثقفين الذين تم اختيارهم لمقابلة الرئيس محمد مرسى ولكنك رفضت اللقاء.. لماذا؟
- قبل اللقاء بأيام تم إقصائى من المجلس الأعلى للصحافة، وقبلها استبعدت من الجمعية التأسيسية للدستور، بعد دا كله أروح أعمل إيه؟، هذا العداء بسبب آرائى المخالفة للقائمين على الوضع الآن، وأنا لا أستطيع تغيير معتقداتى ولن أخفى خلافى معهم.
■ وإذا كنت وافقت على الحضور.. فى أى الموضوعات كنت ستتحدث مع الرئيس؟
- كنت سأطالب بإلغاء الجمعية التأسيسية، وعدم الاستمرار فى «أخونة» مفاصل الدولة والاستيلاء عليها، أيضاً كنت سأتحدث عن الخطر الذى يهدد الثقافة، وهناك مفارقة غريبة وقعت يوم اللقاء، ففى الوقت الذى يجلس فيه الرئيس مع المثقفين، كانت شرطة المرافق تهدم أكشاك الكتب بشارع النبى دانيال بالإسكندرية، وهذا يفسر أن الرئيس لا تعنيه الثقافة أبداً، وهو الرئيس الوحيد الذى لم يذكر الثقافة فى خطبه، وحتى الخطاب الذى ذكرها فيه، كان مدفوعاً إلى ذلك بعد نصيحة بعض المقربين الأذكياء منه.
■ ما رأيك فى التغييرات الصحفية الأخيرة؟
- للأسف الإخوان أحيوا قيمة فى المجتمع هى أسوء ما يمكن أن تكون، وهى تقديم الموالاة على الكفاءة، وظهر واضحاً فى التغييرات الصحفية الأخيرة، التى قام بها الدكتور أحمد فهمى، صهر الرئيس، وهو غير أهل لها، ففى أول اجتماع للمجلس الأعلى للصحافة جلست أتأمله وأتأمل الحاضرين: «مكرم محمد أحمد، السيد يس، ضياء رشوان، أسامة الغزالى حرب، فريدة النقاش، صلاح عيسى، صلاح منتصر، وسلامة أحمد سلامة»، وشخص مجهول مسؤول عن لجنة الثقافة والإعلام هو فتحى شهاب، ومع احترامى للدكتور فهمى، الذى يمكن أن يكون أستاذاً بارعاً فى الصيدلة، لكن ما علاقته بالصحافة، وأنا فى أول اجتماع لنا به سألته «أنت بأى صفة بترأسنا؟، فرد قائلاً «بالقانون»، فقلت له «الثورة قامت عشان نغير القانون ده»، ما نحن فيه آل إلينا من العهد السابق، ومعروف أن مجلس الشورى هو «تأليفة» حدثت فى عهد السادات لإيجاد شكل تبعية الصحف القومية للمجلس، وما كنت أنتظره أن يتم تغيير شكل تبعية المؤسسات القومية، ويتم اختيار قادتها بالانتخاب، ويعاد تمليكها للعاملين. فيها، هناك إصرار غريب على تأصيل الأسلوب القديم نفسه، وما يحدث هو إقصاء للكفاءات مثلما أستبعد السيد يس من «الأعلى للصحافة»، ويوسف القعيد وحافظ أبوسعدة من مجلس حقوق الإنسان، ليأتى بدلاً منهما أحد قيادات الإخوان ولديه فيلم على الإنترنت بيعذب فيه شخص!. وما حدث فى الصحافة هو نموذج لما سيحدث فى المواقع الأخرى.
■ هل ترى أن الكاتب والمبدع يصل بعد سنوات من الخبرة والممارسة إلى حالة من النضج الفكرى تجعله يميل للتصوف والزهد وربما الانفصال عن الواقع والقضايا المعاصرة؟.
- كل ما كتبته عن الواقع، ومنغمس بشدة فيه، ومن أول عمل لى «أوراق شاب عاش ألف عام»، ففيه خطا الواقع والخيال متوازيان، ومن طفولتى وأنا أطرح أسئلة الوجود الكبرى، ولدى هموم خاصة بالزمن والمصير، وظل موجودا باستمرار، ونماه بداخلى نشأتى التى كانت فى مكان مثقل بالأحداث، وفى الوقت نفسه كنت مهموماً بالعدالة الاجتماعية، وهذا الذى دفعنى إلى انتقاد الاشتراكية فى سن مبكرة، ودخلت المعتقل وعمرى 19 عاماً، ومع تقدمى فى العمر، لا أنكر أننى أميل إلى الغوص داخل الذات أكثر، والتمركز عليها يكون آخر وسيلة لحماية الإنسان لنفسه، وفى السنوات الأخيرة نتيجة تعرضى لظروف خاصة وعامة وطبيعتى الشخصية حدث لى انغماس أكثر فى الذات، وأردت أن أعيد بناء الحياة من خلال الذاكرة، وأعى أكثر معنى قصرها وسرعة فنائها، ومن هنا جاءت «دفاتر التدوين»، التى صدر منها 7 دفاتر والثامن قيد الطبع، وكنت قبل الثورة قررت الانغلاق على ذاتى للتفرغ للكتابة، خاصة أننى لست من الكتاب الذين يبحثون عن موضوع، وبعدما جاءت الثورة تبدل كل شىء، رغم أننى مهدت لها فى أعمالى «الزينى بركات» و«حكايات المؤسسة» وغيرهما.
■ كيف تقرأ اللحظة السياسية الراهنة من خلال عمل روائى»؟.
- سأحتاج إلى وقت طويل، والقراءة المجسدة للواقع تحتاج إلى وقت أطول من التأمل والتمعن فى مجريات الأحداث لتنقل بصدق.
■ ما موقفك من الرواية الحديثة أو ما يسميه الجيل الحالى بـ«النوفلة»؟.
- منذ 17 عاماً كانت مهمتى الأولى اكتشاف الأجيال الجديدة من الكتاب، من خلال جريدة «أخبار الأدب»، وتقديمها للقراء، وعبر هذه التجربة الطويلة لا يوجد هناك اسم بارز الآن فى الحركة الأدبية إلا خرج من «أخبار الأدب»، وبالتالى فأنا دوماً منحاز للإنتاج الجديد، وأتوقع حدوث ثورة فى الكتابة بقوة ثورة 25 يناير نفسها.
■ عاصرت 3 عصور ثقافية «عبدالناصر والسادات ومبارك».. كيف تصف كل مرحلة فى جملة واحدة؟.
- فى عهد «عبدالناصر» لم يكن هناك ديمقراطية سياسية، لكن حدثت نهضة ثقافية جبارة، أما «السادات» فعهده كان بداية «نكبة» الثقافة. وأخيراً «مبارك» المثقفون فى عهده هم الذين فرضوا الثقافة رغم أننا عشنا 30 سنة فى الفساد، لكن ظهرت كتابات مهمة جداً.
■ هل تنوى استكمال البرنامج الذى كنت تقدمه على شاشة «دريم»؟.
- نعم، سيتم عرضه فى ديسمبر المقبل، وسنزور أماكن جديدة منها «قلاوون» وما تبقى من منطقة «الجمالية» و«خان الخليلى».