فى حجرة على شكل مثلث فى شقته بالمنزل رقم 15 بشارع خاتم المرسلين بحى العمرانية، يقع مكتب المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ، هذه الحجرة التى تقع بالدور الأرضى بالمبنى رغم أن مساحتها لا تتعدى 12 متراً إلا أن كل أهل الفن يعرفونها عن ظهر قلب ويحفظون معالمها، على جدار الغرفة توجد صورة مرسومة بالزيت للمخرج الكبير أهداها له أحد أصدقائه الفنانين، وعلى الحائط المقابل توجد صورة ابنه الأوحد «محمد» وهو ممثل معروف اسمه «محمد عبدالحافظ»، كما أن هناك دولاباً يحتوى على عشرات الجوائز التى حصل عليها «عبدالحافظ» خلال مشواره الفنى الطويل، وبجوار هذه الغرفة توجد غرفة نوم واحدة يستريح فيها إذا أصابه إرهاق العمل أثناء تواجده بالمكتب، فى هذه الشقة البسيطة عاش «إسماعيل عبدالحافظ» كل حياته، فهو تزوج من السيدة «أم محمد» وهى من مدينة دسوق بكفر الشيخ، أى أنها «بلدياته»، فهو من مواليد عام 1941 بقرية «الخادمية» التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وفى هذه المحافظة الريفية تعرف على «الحاجة» كما كان يحب أن يسميها، وهى سيدة بسيطة تتحدث بلهجة ريفية مثل كل الفلاحين، عاشت معه كل حياته منذ أن انتقل للعيش بالقاهرة، حيث عمل مساعد مخرج باتحاد الإذاعة والتليفزيون، ورفض تعيينه معيداً بعد تخرجه فى كلية الآداب بجامعة عين شمس وفضل العمل الفنى.
تمسك إسماعيل عبدالحافظ بعادات وتقاليد قرية «الخادمية»، فكان «الجلباب» الفلاحى، وليس الصعيدى، هو زيه الرسمى، وروت كل أعماله حال الفلاحين والمصريين البسطاء وسجلت جزءاً كبيراً من تاريخ مصر الحديث.
بعد إنجابه أبنائه الثلاث، انتقل «عبدالحافظ» للإقامة بالعمارة رقم 18 بشارع الدكتور عبدالمجيد بدوى بالعمرانية وهى قريبة من الشقة القديمة التى حولها لمكتب.
تناول «عبدالحافظ» لقضايا الفلاحين فى بلده كفرالشيخ فى غالبية أعماله لم يكن كافياً لإثبات انتمائه إلى هذه الأرض الطيبة، فقام بإخراج مسلسل «المصراوية» الذى تدور كل أحداثه حول قرية «سيدى غازى» وهى إحدى القرى التابعة لمحافظة كفر الشيخ ومشهور عنها انتشار «الفتوات» والتفاوت الطبقى بين أبنائها، كان هذا المسلسل بمثابة «حلم» بالنسبة له، حلم كثيراً بقيام ثورة تنقذ مصر من طغيان مبارك ونظامه، ودعا إلى الثورة فى مسلسله «أكتوبر الآخر»، وعاش الحلم وهو يتحقق.
كان حلمه الأكبر أن يخرج عملاً اسمه «همس الجذور» للكاتب يسرى الجندى ليتحدث فيه بشكل بحت عن المشكلات الأساسية التى يعانى منها الفلاح المصرى البسيط، لكن القدر لم يمهله.
يقول «محمد» ابنه الذى يرافقه فى باريس لـ«المصرى اليوم»: الدولة تأخرت فى توفير الطائرة الطبية واستأجرناها على نفقتنا الخاصة وتكلفت خمسين ألف دولار، كما أن المستشفى الفرنسى حصل على أربعين ألف يورو تحت الحساب قبل دخوله المستشفى، ووجه «محمد» الشكر لوزير الثقافة محمد صابر عرب الذى كان يتابع الحالة باستمرار مع الدكتور أشرف زكى، نقيب الممثلين السابق. أوصى «إسماعيل عبدالحافظ» أبناءه بدفنه فى قريته «الخادمية» بكفر الشيخ، وقالت ابنته «صفاء» لـ«المصرى اليوم»: بابا طلب إننا ندفنه ونرجع بسرعة ونشوف شغلنا، وأوصانا أن ندعو له دائماً بالرحمة وألا ننساه بعد مماته».