الخطوة التى اتخذتها واشنطن بتحريك سفينتين حربيتين تجاه السواحل الليبية - لإعطاء إدارة الرئيس باراك أوباما المرونة لأى عمل فى المستقبل ضد أهداف فى ليبيا - تكشف مفارقة تاريخية، حيث كانت طرابلس، بالإضافة للجزائر محور أول حرب تخوضها أمريكا فى تاريخها، ويظهر ذلك جليا فى أن النشيد الوطنى للمارينز يخلد حرب طرابلس التى فتحت عيون أمريكا للسيطرة على البحر المتوسط.
ومما يزيد المفارقة دهشة أن طرابلس «التى أصبحت عقدة لواشنطن» هى التى بادرت بإعلان الحرب على أمريكا فى مايو 1801، بعد أن رفضت السفن الأمريكية دفع الرسوم التى كان يفرضها عبدالحكيم عامر الطويل القرمانلى من عائلة حكمت ليبيا شبه ذاتياً عن السلطنة العثمانية من 1711 إلى 1835 فى ذلك الوقت على السفن التى تمر بساحل العاصمة الليبية.
كان وليام إيتون، رجل الاستخبارات، وأول قنصل لأمريكا فى تونس، شعر بالخزى من أن «الثروة التى جمعها الشعب الأمريكى بشرف ونزاهة» تذهب إلى «طغاة أفريقيا». وعندما تكرر فشل أمريكا شن هجوم على طرابلس ولكن وزير الخارجية جيمس ماديسون رفض وأمر بصرف 20 ألف دولار لاسترضاء حاكمها.
وبمرور الوقت قرر الرئيس توماس جيفرسون عدم دفع الرسوم وحاصرت قواته ليبيا، ولكن البحرية الليبية نجحت فى 31 أكتوبر 1803 فى أسر أكبر قِطَع أسطول «فيلادلفيا»، فيما اعتبره الأمريكيون أضخم كارثة فى تاريخ البحرية الأمريكية قبل كارثة بير هاربور فى الحرب العالمية الثانية.
قررت أمريكا غزو ليبيا لاستبدال حاكمها بآخر موال لها هو أحمد، شقيق حاكم طرابلس، الذى هرب إلى مصر بعد صراع على السلطة.
ونجح جيش شكله أحمد وإيتون فى احتلال درنة قرب طرابلس، هنا تقدم الملازم أوبانون وأنزل من على قصر حاكمها علم طرابلس ليرفع بدلاً عنه العلم الأمريكى! ليصير أول من يرفع العلم الأمريكى على أرض غير أمريكية.
وعرض حاكم طرابلس على الأمريكيين تخفيض قيمة فدية أسراهم فى طرابلس ورسوم المرور أمام شواطئها مقابل إيقاف عمليتهم البرية وفتح صفحة جديدة ما بين البلدين.
وعادت العلاقات وسحبت أمريكا القوة العسكرية وهرب أحمد مرة أخرى إلى مصر، ولكن بقى التخليد لهذه الحرب، حيث تم إطلاق اسم درنة وطرابلس على مدن وشوارع أمريكية، وجاء التخليد الأبرز فى النشيد الوطنى للمارينز الذى يقول نصه فى فقرته الأولى: من هضاب مونتيزوما.. إلى شواطئ طرابلس.. خضنا معارك الوطن.. فى البر..فى البحر.. فى الجو..».
وعادت الحروب بين ليبيا وأمريكا فى 1981، عندما أعلنت ليبيا سيطرتها الكاملة على خليج سيرت ورفضت أمريكا، وظلت المناوشات العسكرية ممتدة حتى شنت أمريكا غارة على مقر معمر القذافى الحاكم عام 1986.